الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرحبا بحرب الأشباح

غسان نامق

2011 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية في موقعها على الإنترنت بتاريخ 24 تشرين الأول / أكتوبر 2011 مقالاً بعنوان "مرحباً بحرب الأشباح" لكاتبه "مايكل نايتس". ونقدم أدناه ترجمة للمقال.

يهدد انسحاب القوات الأمريكية من العراق بإطلاق العنان لصراع خطير وقاتل مع إيران وضمن الجيش العراقي.

أعلن الرئيس باراك أوباما في الأسبوع الماضي أن "آخر الجنود الأمريكيين سيعبرون الحدود إلى خارج العراق – رافعين رؤوسهم عالياً، وفخورين بنجاحهم، ومدركين أن الشعب الأمريكي يقف متراصاً تأييداً لقواتنا". وأضاف: "هكذا ستنتهي الجهود العسكرية الأمريكية في العراق".

غير أن الرحيل الأمريكي يعلن بدء الصراع الذي يواجه الجيش العراقي، وليس نهايته. فالجيش العراقي يبقى منقسماً بفعل النزاعات بين الضباط الوطنيين التقليديين والمتطفلين الذين ترعاهم إيران، كما يعاني من الشلل بفعل السياسات المختلة في بغداد وانسحاب دعم الجيش الأمريكي. فإذا كان للعراق أن يصبح بلداً قوياً وآمناً وقادراً على توجيه شؤونه، فإن الكثير يعتمد على قدرة جيشه على تجاوز هذه العقبات.

قضيت مدة ثلاثة أسابيع مؤخراً في مقر قيادة الجيش العراقي جنوب العراق. وعلى الرغم من أنه يجب على المرء أن يحذر من وضع استنتاجات حول هذا البلد الكبير والمتنوع اعتماداً على ملاحظات يجمعها من أي من مناطقه، إلا أن المنظر من جنوب العراق ذو أهمية خاصة هذه المرة. فالجنوب هو الفناء الخلفي لإيران – ذلك الجزء الذي تتركز فيه مطامح طهران بسبب ارتباطاتها السياسية والدينية والاقتصادية بغالبية السكان الشيعة، وحيث نحس بنفوذها على أشده. كما كانت قيادة الجيش العراقي في الجنوب تعمل بشكل مستقل عن الدعم الأمريكي والبريطاني إلى حد كبير منذ خفض تعداد القوات الأجنبية إلى مستوى متدن عام 2009 – الأمر الذي جعلها نافذة تبين مستقبل الجيش العراقي بعد الخروج الأمريكي.

ربما مثل إعلان أوباما معلماً للعديد من الأمريكان، ولكن في رأي القادة الأمنيين العراقيين فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهت منذ أمد بعيد في الكثير من مناطق البلاد. فقد انتهى الأمر مذ صادق مجلس الوزراء بتاريخ 16 تشرين الثاني / نوفمبر على الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية – هي في الواقع جدول الانسحاب الأمريكي. فمنذ ذلك التاريخ وصاعداً، تزايدت صعوبة قيام القوات الأمريكية والعراقية بتوقيف أو اعتقال أو محاكمة المشتبهين العراقيين وذلك لأن المذكرات العراقية فقط هي التي كانت ذات وزن قانوني. وعلى الرغم من تناقص القوات الأمريكية تدريجياً، فقد تناقص معنى حضورها المادي في قواعدها بالنسبة للعراقيين لأن قدرة أمريكا على التأثير على الأمن على الأرض قد تم تحييدها قانونياً وسياسياً.

إن التلاشي البطئ للحضور الأمريكي ترك قادة الجيش العراقي عرضة للهجمات السياسية. فالعديد من المقابلات مع الضباط العراقيين ترسم صورة لحرب الأشباح الجارية في قطاع الأمن العراقي عشية الرحيل الأمريكي. فمن جانب هناك طبقة المعيـّنين السياسيين للشيعة العرب والمزروعين في أنحاء المؤسسة الأمنية منذ صعود الحكومة ذات الأغلبية الشيعية في بغداد. وقد كان العديد من هؤلاء الأشخاص أعضاء في فيلق بدر، وهو الذي تم تشكيله من قبل فيلق الحرس الثوري الإسلامي في إيران لتحريض الشيعة العراقيين المنفيين ضد جيش صدام حسين. وهناك آخرون من المؤيدين الحاليين للسياسي الشيعي المتشدد مقتدى الصدر أو من المنشقين عن حركته. هذه المجاميع تعارض أي تأثير أمريكي على الحكومة العراقية والقطاع الأمني وتؤيد دور رجال الدين في الحكومة بما يشابه ذلك الممارس في إيران. وتقول هذه المجاميع أن الهجمات على الأهداف العسكرية الأمريكية لا تعد أعمالاً إجرامية – فهم لا يهتمون إلا بملاحقة البعثيين وإرهابيي القاعدة.

أما الجانب الآخر – المحاصر حالياً والذي ينظر من فوق كتفه دائماً – فهو طبقة الوطنيين العراقيين التقليديين التي ما تزال تشكل جزءاً كبيراً من قيادة الجيش العراقي في الجنوب.فالعديد من جنرالات اليوم حاربوا في المقدمة أثناء الحرب العراقية الإيرانية الطويلة والدامية حين كانوا برتب ملازمين أو رواد. وبسبب خدمة هؤلاء الرجال في جيش صدام، فمن السهل استهدافهم بغرض التحقيق بشبهة الارتباطات البعثية. ولا شك في أن ما تدعى بلجنة اجتثاث البعث قد أصدرت قائمة تضم أكثر من 70 من كبار الضباط، وذلك قبل انتخابات آذار / مارس 2010، مشوهة سمعتهم على زعم أنهم بعثيون. هؤلاء الضباط ذوي التاريخ يمقتون بشدة دمج الضباط السياسيين المعينين من الأحزاب الإسلامية والذين تم منحهم رتباً بعد عام 2003 من دون التخرج من الأكاديميات العسكرية. وبسبب المشكلة الأمنية العملياتية الناجمة عن القادمين الجدد هؤلاء، فقد تجمع المحاربون القدماء مع بعضهم البعض وشكلوا مجاميع قيادية ضيقة تتكون حصرياً من زملائهم في الحرب القديمة – وبذلك فقد همشوا ضباط الدمج ليتولوا أعمالاً أقل أهمية، كما شجعوهم على أخذ إجازات طويلة.

يتخذ هؤلاء الضباط الوطنيون موقفاً معقداً من الولايات المتحدة الأمريكية بحيث لا يمكن وصفه بالحب ولا بالكره. فقد قال لي أحد الضباط العراقيين: "عندما أكون في واجب كجندي عراقي، فإن واجبي هو العمل مع الأمريكان. وعندما أكون في إجازة، كمدني، فإنني لا أستطيع حتى النظر إلى عربة أمريكية، وذلك لأنني غاضب جداً".

ومع ذلك فإن الضباط الوطنيين يدركون أن للولايات المتحدة الأمريكية والعراق مشكلة مشتركة – وهي نفوذ إيران في المنطقة. فضباط الجيش العراقي يجب أن يكونوا دقيقين في دعمهم لجهود الجيش الأمريكي ضد المسلحين المدعومين من إيران. ومن ناحية أخرى، ومن وراء الكواليس، فغالباً ما تكون أفعالهم فعالة في مساعدة الغارات التي تقودها أمريكا ضد أسوأ المجرمين.

ولسوء الحظ، فإن الجيش العراقي – بالدعم الأمريكي أو بدونه – غير مهيأ لمواجهة الوجود الحالي للمسلحين المدعومين من إيران في العراق. وعلى الرغم من أن بعض التدريب جارٍ حالياً لتمكين القوات المسلحة العراقية من حماية البلاد من التهديدات العسكرية الخارجية، غير أن العمل اليومي للجيش ما يزال يتمثل في استعادة الأمن الأساسي داخل البلاد. وفي العديد من المحافظات ما تزال هناك شبكات كثيفة من نقاط التفتيش المزودة بجنود الجيش العراقي. غير أن الجيش لا يحب هذا العمل ولا يريده، إلا أنه مضطر للقيام بهذا الدور لأن تعداد قوات الشرطة العسكرية غير كافٍ ولا يثق الجيش أو الحكومة الفدرالية بها.

وما يزيد الطين بلة هو أن الانخراط الأمريكي المتناقص بالأمن العراقي قد جمد تطوير المبادرات الأمنية الجديدة. وقد تفاقم هذا الوضع من خلال شبه شلل السياسة الوطنية العراقية وعدم قدرة الحكومة على تعيين وزراء أمنيين كاملي الصلاحيات طوال الشهور الـ 14 الأخيرة مع تولي رئيس الوزراء نوري المالكي مهام وزير الدفاع ووزير الداخلية، مع عدم قدرة أي من هاتين الوزارتين على القيام بأية خطوة. على سبيل المثال، مع تناقص المشاركة العسكرية الأمريكية والبريطانية في جنوب العراق عام 2009 لم يقم الجيش العراقي إلا بوقف اتخاذ مبادرات جديدة لتأمين حدود البلاد. أما خطط إعادة نشر القوات ووضع حواجز جديدة وإقامة منظومات مراقبة إلكترونية جديدة فقد تراكم الغبار عليها بسبب قلة الأموال وعزل بغداد.

وحتى على المستوى التكتيكي نجد أنه من الصعب الحصول على مؤشرات للتقدم. ففي إحدى المرات تمكن المهندسون العسكريون الأمريكان من رفع ونقل نقاط تفتيش كاملة من أحد أجزاء شبكة طرق إلى جزء آخر. وذلك من أجل التكيف مع نشاطات المسلحين. والآن تقبع نقاط التفتيش في المكان الذي وضعها فيه الأمريكان – سواء كانت تلك المواقع ذات معنى أم لا.

وبدون وجود المستشارين الأمريكان لعاد الجيش العراقي إلى العادات القديمة. فقد أصبح قوة تعتمد على رد الفعل، فينتظر ظهور المهاجمين ومن ثم يقوم باعتقال كافة الشهود والمتهمين المحتملين. ليست المشكلة هي افتقار الجيش للقوة الضاربة: فكل فرقة من الجيش العراقي لها عدد من وحدات المغاوير القادرة على تنفيذ الكمائن الاحترافية والعمليات الضاربة – وهي تفعل ذلك بين حين وآخر. إن المشكلة الحقيقية هي أن مسلحي الجنوب المدعومين من إيران أو المرتبطين بحركة الصدر هم بالأساس محميون من قبل نفس من يدير وكالات الاستخبارات المدنية واستخبارات الشرطة في العراق. ولهذا السبب نجد أن اللائمة تلقى على القاعدة في كافة الأحداث الأمنية في الجنوب – وحتى المحللون الاستخباراتيون العراقيون لا يستطيعون المخاطرة بأن يدونوا على الورق الأسماء الحقيقية للمجاميع المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.

وبالنتيجة فإن قدرة الجيش على كبح المسلحين معاقة. فالعمليات الاستخبارية الشديدة بشأن المسلحين شحيحة، وتـُحبط الهجمات بسبب تنبيه المشتبه بهم مسبقاً، أما أولئك الذين يقبض عليهم فغالباً ما يطلق سراحهم حتى قبل التحقيق معهم وذلك بسبب الضعف في النظام القضائي أو عرضة الشخصيات السياسية والقضائية للترويع. وقد أجبرت هذه العوامل الجيش الأمريكي في العراق على العودة إلى الدوريات الأحادية وعمليات التوقيف بعد مقتل 14 جندي أمريكي على يد المجاميع الشيعية المسلحة في العراق في شهر حزيران / يونيو 2011.

وعشية الانسحاب الأمريكي، ما يزال الجوهر الوطني في الجيش العراقي يأمل بعراق قوي ومستقل – لكنه يؤمن أن الزلزال السياسي وحده بإمكانه إيقاظ بغداد من غيبوبتها. وكما قال لي ضابط شاب: "سيتوازن العراق مع إيران مرة أخرى: هذا هو النظام الطبيعي للأمور." غير أن العسكريين يشعرون بالإحباط من تبعية العراق الواضحة للمصالح الإيرانية. كما قال الضابط الشاب ذاته بأن الجيش قد ثبطت همته بشدة عندما تم تأخير شراء مقاتلات F-16 وفق الخطة الموضوعة وقام البرلمان العراقي بتقليصها في ربيع 2011. وقال متذكراً: "تحدث عضو في الحرس الثوري [الإيراني] في التليفزيون ضدها يوماً ما؛ ثم صوت البرلمان العراقي ضدها في اليوم التالي."

الحل بالنسبة للعديد من الضباط هو حاكم مستبد آخر – ليس صدام، سني من خلفية قبلية ضيقة، بل وطني شيعي أو غير طائفي يستطيع مواجهة أعداء العراق الخارجيين والداخليين. يقول البعض أن المالكي هو ذلك الشخص – إلا أن الطريق السياسي المسدود قد أثار الشكوك. وقال لي مقدم في الجيش: "هناك حاجة للأسلحة والتدريب، ولكن يجب أولاً إصلاح السياسة على يد رجل قوي، عندئذٍ فقط يمكن أن يظهر الجيش."

إن مأزق الجيش العراقي يضع لغزاً. فإنه تاريخياً مثل تهديداً للحكم المحلي ولأقليات العراق، ويمكن أن يفعل ذلك مرة أخرى. ومع ذلك، فإنه إناء مقدس أيضاً حيث تحترق فيه الروح الوطنية العراقية ببهاء وحيث يبقى التكنوقراط متولين المسؤولية. فقد أثبت الجيش بأنه إحدى المؤسسات الحكومية الأقل عرضة للتأثير الإيراني، وربما سيستمر بهذه الصفة. وعلى الرغم من أن الطريق قدماً سيكون صعباً، إلا أن الروابط التي صاغها الجيشان العراقي والأمريكي في القتال تستحق القتال لأجلها.

عن موقع مجلة "السياسة الخارجية".
24 تشرين الأول / أكتوبر 2011

http://www.foreignpolicy.com/articles/2011/10/24/iraq_withdrawal_iran_welcome_to_the_shadow_war?page=0,0

كاتب المقال:
مايكل نايتس: زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. يسافر إلى العراق بانتظام. كتب عدداً من الكتب والتقارير حول أمن العراق وسياسته كان آخرها "قوات الأمن العراقية: السياق المحلي والمساعدة الأمريكية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي