الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتل القذافي .. وماذا نقول للعالم المتحضر ؟

حسين عبد المعبود

2011 / 10 / 27
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


لا أحد منا يوافق على الظلم والطغيان أيا كان مصدره ، وأيا كان صاحبه ، ولا أحد منا يوافق على الاستبداد مهما كانت حتمية الظرف التاريخي ، ومهما كانت دقة الموقف السياسي ، ولا أحد منا يوافق على توريث الحكم والسلطة للأبناء و الأحفاد ، ولا أحد يوافق على محاباة الأهل والأحباب والخلان ، ولا أحد يوافق على أن نترك المنافقين الأفاكين سماسرة بيع الأوطان وخدام السلطان ليعيثوا في الأرض فسادا ، وكل مؤهلاتهم أنهم يجيدون فن النفاق طمعا في الثروة والنفوذ والسلطان ، ولا يضرهم أن نعيش في ذل وهوان ، ولا أن يعبث الحاكم في ثروات الشعب ومقدراته ، ولا أن يسيم أهله وأبناء وطنه سوء العذاب ظلما وطغيانا ، وقتلا وتعذيبا ، وسجنا وتشريدا ، ولا أن يجلب لنفسه ولأبناء شعبه العار والذل والهوان ، فهم يعشقون الثروة والمال عشقهم للحياة ، حبذا لو كلل ذلك بالجاه والقرب من السلطان الذي يمنحهم النفوذ والسلطة التي تجلب لهم مزيدا من الجاه والسلطان ، وتزيدهم نفاقا للحكام لدرجة أن جعلوهم فوق البشر ، وأشباه الآلهة والعياذ بالله ، فهم لايستحون ، فقد فقدوا عذريتهم العقلية ، وفضت بكارتهم السياسية وضاعت كرامتهم الإنسانية غراما في الجاه ، وعشقا في السلطة وهياما في السلطان ، فعلى أي شيء يخافون ؟ فأصبح جل همهم أن تتساوى رءوسهم برءوس الأحرار الشرفاء ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإهانة الشرفاء والانتقام منهم ، والكيد لهم والدس عند الحكام ، خاصة حكام هذا الزمان الذين فقدوا الشرعية والأهلية ، وأصبحوا هم ومنافقوهم لايشعرون بالعزة والفخار إلا بالتنكيل بالأحرار الشرفاء ، وقتلهم وتشريدهم في السجون والمعتقلات ، وحكم الشعوب بالحديد والنار .
ونسي هؤلاء الخونة من الحكام والمنافقين أن باستطاعتهم سجن البعض ، وتشريد البعض ، وقتل البعض ، ولكن هل باستطاعتهم أن يسجنوا شعبا أو يقتلوه ؟ لم يذكر لنا التاريخ حاكما واحدا استطاع أن يسجن شعبا ، أو يقضي عليه ويأتي بشعب بديل .
ولا أحد يوافق على ما فعله القذافي وبنوه ، وما اقترفوه من أوزار في حق الشعب الليبي ، وإن كان للقذافي أمثال وأشباه كثير ! فالقذافي ليس وحده الذي يستحق حد الحرابة ، بل هناك الكثير ممن يستحقون أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وأن يصلبوا على جذوع الأشجار أمثال : بشار الأسد أول وريث للسلطة في بلد مفترض أنه جمهوري ، لا ملكي ولا إماراتي ، وأول من أهان شعبه تحت دعاوى المقاومة ضد الاحتلال والصهيونية ، والصمود في وجه الهيمنة الأمريكية .
وها هو علي عبد الله صالح الكاذب المراوغ الذي لا يوفي بعهد ولا يحترم ميثاقا ويتشبث بالسلطة التي كلفته الكثير .. فقد فقد ساقا ويدا ، ولأنه كذاب مراوغ فهو لا يأمن إن ترك الكرسي أن يتركه شعبه ولا يغدر به كما غدر ويغدر كل يوم ، فهو يخشى المحاكمة مهما كانت التطمينات حتى لو كان هناك اتفاق مكتوب على الخروج الآمن من السلطة .
ولن نتكلم عن زين العابدين بن علي وفضائحه ، ولا عن مبارك وجرائمه وكفاكم ما يكشف من جرائم ويفتضح من أسرار كل يوم .
ولن أتكلم عن ممالك الظلم وإمارات الطغيان فالتاريخ يكشف ويفضح كل شيء ومحكمة التاريخ حسابها عسير ولا يستطيع أن يفلت من حسابها أحد أو يضللها أيا كان وما تخبئه اليوم تكشفه الأيام .
ولكن .. هل يستحق القذافي أن يفعل به ما فعل ؟ من ضرب بالأيادي وركل بالأرجل وسباب وإهانات هي في الحقيقة أقسى وأشد من القتل أوالسحل أوالذوبان في الأحماض ، والخوف أن تنتقل عدوى التشفي إلى الطغاة وأذنابهم فيفعلون مثل ذلك بالشرفاء الأحرار فينكلوا بهم وفي ذلك قتل معنوي والقتل المعنوي أقسى وأشد من القتل الجسدي ، لأن القتل الجسدي لا يجلب على المقتول ما يجلبه القتل المعنوي من ذل واحتقار وعار وانكسار .
لذلك : فإن ما حدث للقذافي .. نحن لا نقبله .. لأننا إذا قبلناه على رموزالظلم والطغيان والاستبداد والسفه والعهر السياسي أمثال : القذافي ، ومبارك ، وابن علي وأمثالهم ، قبلناه على رموز التضحية والفداء من أجل الحرية ، والقيم الإنسانية ، والغايات النبيلة من الأحرار الشرفاء .
فكان على ثوار ليبيا ومجلسهم الانتقالى أن يكونوا أكثر حكمة وحنكة في مثل هذه المواقف بعيدا عن التشفي وتصفية الحسابات الشخصية ، والتنكيل بالخصوم ، وكان يتوجب عليهم قبل إطلاق النار على القذافي أن يحاكموه أمام القضاء المدني أو القضاء العسكري أومحاكمته سياسيا ، وليكن الحكم أن يقتل القذافي مائة مرة شنقا أو رميا بالرصاص بدلا من هذه المهزلة التي لا تجلب إلا الخزي والعار لمرتكبيها ولمن وافقهم عليها . ماذا نقول للعالم المتحضر إذا اتهمنا بالوحشية والبربرية بعد ما رأي بعينيه مقاطع الفيديو التي بثتها الفضائيات ؟
وماذا لو فعل متشددو إسرائيل بالفلسطينيين مثلما فعل الثوار بالقذافي ؟
وماذا لو انتقلت عدوى ما حدث إلى الأنصار والثوار ؟ فتستيقظ نزعة التشفي ، والتنكيل بالخصوم ، وتسود الفتنة لينتقم الكل من الكل ، وتشتعل نارا تأكل الأخضر واليابس ، فلا تبقي ولا تذر ، وما تذيعه وكالات الأنباء وتبثه الفضائيات من أخبار عن وجود جثث بأعداد كبيرة لأنصار القذافي في سرت وغيرها من المدن الليبية خير شاهد على ما نتخوف منه . كفانا الله شر الفتن ووقانا من شهوة الانتقام .
ولنسأل أنفسنا : لماذا تضاربت التصريحات حول مقتل القذافي ؟ فقد كانت هناك تصريحات وروايات بالصوت والصورة لمسئولين في المجلس الانتقالي لم تتفق رواية واحدة والصور أو مقاطع الفيديو التي بثت عبر الفضائيات . وهذا يثير الشك والريبة .
لماذا كان قرارالمجلس الانتقالي والسريع بدفن القذافي في مكان مجهول ؟ ونفذ ذلك بالفعل ولكن بعد عدة أيام ، وبعد أن تركت جثته مكشوفة لكل من يريد أن يشاهد أو يصور ، وهذا يتنافى تماما مع أبسط حقوق الموتى . مما يزيد الأمر شكا وريبة .
لماذا لم يحاكم القذافي ؟ ليس دفاعا عنه أو أملا في نجاته من الموت أو الإعدام ، ولكن لتنكشف لنا أسرارا نجهلها ولا نعلم عنها شيئا ، فهناك كثير من الأسرار المتعلقة برجال الحكم والسلطة التي لايعلمها الكثير ، بل هناك أسرار لا يعلمها أحد مهما كان موقعه ، ومهما كانت كفاءة أجهزة المخابرات المحلية والدولية ، ومهما ادعت بعض الدوائر الإعلامية والحكومية .
فلربما تكون هناك أجهزة وحكومات متورطة مع القذافي ثم انقلبت عليه ! ولربما كان في المجلس الانتقالي نفسه من كان معاونا للقذافي ومتورطا هو الأخر !
لماذا قتل القذافي ؟ وللإجابة على كل لماذا ؟ لابد وأن نعرف أن الثورة الليبية ليست نقية كما يتصور البعض ، أوكما يدعي البعض الأخر ، ولكن هناك أطرافا عديدة منها البريئة ومنها الخبيثة التقت مصالحها في إزاحة الطاغية ، والقضاء عليه وعلى كل ما له علاقة به ليموت ويدفن وتدفن معه الأسرار حتى لا تفتضح الأمور ويتعرى أفراد ونظم وحكومات ولكن هيهات .. هيهات .. فكما قلنا : ما تخبئه اليوم تكشفه الأيام .
أنا أكره القذافي كرهي لمبارك وابن علي وكرهي لعلي الغير صالح وبشار الأسد على شعبه كرهي لممالك الظلم وإمارات الطغيان كرهي للفساد والاستبداد أينما كان ولكن ما حدث للقذافي غير مقبول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القذافي
زين مبروك ( 2011 / 10 / 27 - 15:14 )
المستقبل سيحكم في ماذا كان القذافي وطنيا ام مستبد؟لكن ماهو واضح ان القذافي كان اكثر وعيا ومرونه ورجل دولة مما هم الاسلاميون الذين تعاونه مع الاجنبي على اسقاطه


2 - ميراثنا القتل والتنكيل بالخصوم
علي سهيل ( 2011 / 10 / 27 - 18:43 )
تحياتي واحترامي
القتل والتنكيل بالخصوم هذا ميراثنا منذ القدم، فنلاحظ هند آكلة الكبود والنكيل بعثمان ومنع المياه عنه والصلاة في المسجد وهجموا عليه وهو يقرأ القرآن، وأكبّت عليه زوجته نائلة لتحميه بنفسها، لكنهم ضربوا يدها بالسيف فقُطعت أصابعها، وتمكنوا من عثمان فضربوه بالسيف، فسال دمه على المصحف الذي كان يقرأ منه، وايضا في الخلافة الاموية فتلوا وروعوا وقذفوا مكة بالمنجنيق ولا ننسى الزبيرـ قالت : كذبت ، كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة وسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنكه بيده وكبر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحاً ، وقد فرحت أنت وأصحابك بمقتله ، فمن كان فرحه يومئذ بمولده خير منك ومن أصحابك، وكان براً صواماً قواماً بكتاب الله معظما لحرمته يبغض من يعصي الله عز وجل.
ثم فجعته بقولها وإني لأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (يخرج من ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فرأيناه (وكان هو المختار بن أبي عبيد الثقفي )، وأما المبير (تعني الطاغية المهلك) فلا أخاله إلا أنت . فما نبس الحجاج ببنت شفة وقام ولم يرجع. والكثير منها ولا ننسى الخلافة الاموية العباسية والتكيل ببني أمية.


3 - قول لهم
محمد مختار قرطام ( 2011 / 10 / 28 - 09:30 )
تحية طيبة للكاتب العزيز
قول لهم اننا همج وابناء همج واحفاد همج ولنا في تاريخنا أسوة حسنة وتراثنا بالمرة كمان
واهديك هذا البيت من اقول العبقري ابو العلا المعري
فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاءوا باالمحال فكدروه
تحياتي لك


4 - القذافي
asmaaelshrief ( 2011 / 11 / 8 - 10:27 )
ان القذافي ترك لنا عظة وهي ان الله اذا أراد أن يعاقب أحدا من قادة عباده فانه ينزع منه عقله ولأن القذافي اضطهد شعبه وقاتله فان الله سبحانه وتعالى انزل عليه عقابه زنقة...زنقة.

اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله