الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استبداد الحكام واستبداد السماء

نارت اسماعيل

2011 / 10 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ما الفرق بين ظلم حاكم فاسد وظلم السماء؟
ما الفرق بين الاضطهاد برجال الأمن والتعذيب في المعتقلات وبين الاضطهاد بآيات شيطانية؟
كلاهما يستغلان ضعف الإنسان وجريه وراء لقمة عيشه ومتاعب حياته، كلاهما استبداد والضحية هي الإنسان وخاصة العناصر الضعيفة كالمرأة والطفل والأقليات وحتى الحيوان والبيئة.
كلاهما يؤديان للتصحّر، تصحّر البيئة وتصحّر الإنسان.
لن تقوم حضارة بوجود استبداد، من السماء كان أم من الأرض.

المتخشبون: هل تستطيع أن تذيب الخشب وتعيد صبّه من جديد في قوالب جديدة مفيدة؟ لا ينفع مع الخشب إلا النحت والنشر والتقطيع لإعادة تشكيله بأشكال مناسبة مفيدة. وهذا هو حال المتخشبين من الناس، مهما أوتوا من العلم والمعرفة فلا ينفع معهم إلا قوانين أرضية تحدّ من سطوتهم وضررهم.
أكثر الناس المتخشبين هم المتدينون.

لم يجلب شيء متاعب للبشرية مثل الأنبياء وخاصة أصحاب الكتاب، قد يقول قائل، ولكن المسيح لم يحمل سلاحآ ولم يقتل أحدآ وكان رقيقآ وكان يدير خده الآخر لمن يصفعه، وما الفائدة إذا كانت النتيجة واحدة؟ فأتباعه قاموا بواجبهم على أكمل وجه وقطعوا من الرؤوس وأحرقوا من البشر والكتب أكثر من غيرهم.
ما دامت هناك قناعات خشبية، هناك استبداد وهناك ظلم وقتل وعذاب.
لم يجلب شيء من المآسي للإنسانية مثل الأديان، سماوية كانت أم أرضية أم برمائية.
وعود وهمية، تغييب للعقل وتعطيل للابداع.
أشبّه الأنبياء ورجال الدين بمن يستولي على النهر ثم يبيع الماء للعطشى.
استولوا على الحقيقة ومنعوا الناس من التفكير والإبداع، منعوهم من محاولة حل مشاكلهم وصعوباتهم الحياتية بأساليب إبداعية، أعاقوا التنمية والحضارة، أفقروا الناس ثم صاروا يبيعون الأوهام والوعود بجنات عرضها السماوات والأرض للفقراء والمحرومين والسذج من الناس.
يسألني بعض الأصدقاء: لماذا تؤيد الثورات العربية وأنت تعلم أنها سوف تجلب في النهاية حكومات إسلامية؟
أجيبهم: إنها فرصة نادرة لن تتكرر لكي نتخلص من أحد الاستبدادين، على أمل أن نتفرغ بعدها للاستبداد الأكبر.لا نستطيع مقارعة استبدادين عظيمين بوقت واحد، كما أن كلاهما يعتاش على الآخر ويحتمي بالآخر رغم كل شعاراتهما الجوفاء، ولا بد من فصل التوأمين السياميين عن بعضهما.

كنت دائمآ أحلم بمجتمعات إنسانية متنوعة، مختلفة الألوان والأشكال، متكاملة، تشكل حديقة إنسانية غنّاء جميلة، ولكني الآن لم أعد أكترث كثيرآ لهذا (الترف)، صرت أقبل بما تجلبه العولمة وتطور وسائل الاتصال من ذوبان للهويات وضياع للكنوز الثقافية والتنوع الثري الجميل.
لم يعد هناك مجال للدلع والترف والانتقاء، مع كل هذا التكاثر السكاني، وكل هذا الاستنزاف المريع لموارد الأرض، وكل هذه المآسي والاستبداد والقتل والتعذيب، لم يعد هناك مجال للاستمتاع بفنجان قهوة على شرفة بيتك المطل على النهر وأنت تستمع لأم كلثوم وهي تشدو: شمس الأصيل دهّبت خوص النخيل ياليل ياليل
سوف نقبل بالزحام والضجيج وصراخ البائعين المتجولين وزمامير السيارات حتى طلوع الصباح، صرنا نقبل بالراب ميوزيك وزعيق أشباه المطربين وأخبار الكوارث البيئية والزلازل والتسونامي، فقط أوقفوا القتل، فقط أوقفوا تعذيب الشباب على الأرصفة الباردة، فقط أخرجوا المعتقلين الذين انتفخت أجسادهم وتشوهت وتهشمت كرامتهم وانسانيتهم.
فقط أوقفوا الاستبداد، استبداد الحكام واستبداد السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ نارت اسماعيل المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 10 / 28 - 03:57 )
من يقرأ مقالاتك يا دكتورنا العزيز سيستشف الإنسانية منها ، مهما اختلفوا معك فإنه لن يجادل أحد بتوجهاتك الراقية نحو التطلع إلى مجتمع بشري تسوده الكرامة ويشعر البشر بإنسانيتهم .
أعتقد أني علقت على مقالك السابق( رسالة وداع ) لكني لم أجد تعليقي ويؤسفني أني نسيت ما كتبت لحضرتك ، لكني أؤكد هنا أنك تقول الصواب عندما تصف أن الأديان كانت سبب بلاء الناس ، وأن السياسة تستند إليها بتمرير مشاريعها ،
المقطع الأخير رائع يا أستاذ نارت ، عندما يتوقف استبداد السماء والحكام سنتنفس الحرية والكرامة ونشعر بإنسانيتنا رغم الفقر ، والفوضى ، والضجيج ، والقمامة ، والكوارث البيئية ... بناء الأوطان يعتمد على بناء الإنسان النفسي أولاً ، وإذا كنا نمر الآن بمرحلة دقيقة انتقالية ، فإن المستقبل يعد بالبشارات مع وجود المتنورين من أمثالكم .
تشكر يا دكتور ، وأتمنى أن تتحقق آمالنا جميعنا ودمت سالماً


2 - أختي العزيزة ليندا
نارت اسماعيل ( 2011 / 10 / 28 - 05:52 )
أولآ لم يصلني أي تعليق منك على مقالتي السابقة
بالنسبة لتعليقك الحالي، كم يسعدني ويشرفني أن أحظى بهذه الكلمات العميقة والجميلة منك
نعم لخصت أنت ما قصدته تمامآ من مقالتي وهي أننا تخلينا عن أشياء كثيرة وأحلام كثيرة مقابل أن نتخلص من الاستبداد ونعيش بحرية وكرامة
شكرآ تحياتي لك


3 - أتباع الحكام وشبيحتهم أشدّ خطراً
رعد الحافظ ( 2011 / 10 / 28 - 10:28 )
عزيزي ك. نارت إسماعيل
فكرتكَ هي الصحيحة / دعونا نتخلص من مسخ الطغاة , لنتفرغ لمسخ البغاة , الذين هم مشايخ الدين وأتباعهم المنافقين
لكن دعاوي المؤدلجين التي نسمعها دفاعاً عن الطغاة وبكاءً عليهم بحجّة الإنسانيّة , هي خدعة اُخرى منهم وتشبّث بالقشّة وعبثاً يحاولون , فهؤلاء سيرحلون مع الطغاة
يتباكون على مقتل القذافي , خوفاً مسبقاً على مصير / الأسد .. الجرذ في سوريا
كلّنا , شعرنا بإشمئزاز لوهلة لتلك المشاهد , لكن هذا لا يعني أننّا نطبّل ونزمّر للطغاة
والعجب كلّ العجب عندما يجيبك المنافقين والشبيحة / بأنّ ثورات الربيع العربي خطأ محض تقع به شعوبنا , وعندما تسألهم ماهو البديل / يلفوون ويرقصون على الحبال ويخرسون عن نطق الحلّ المعقول
******
تحدثتَ عن المتخشبين ونحت الخشب كحل وحيد لهُ
د. ريتشارد داوكنز تحدث عن 43 دراسة نشرتها مؤسسة ARISعن العلاقة بين التديّن والذكاء منذ عام 1927 الى يومنا هذا , يقول كلّ تلك الدراسات ماعدا أربعة توصلت الى علاقة عكسيّة بين التديّن والذكاء
الآن لانحتاج أن نتعجب من غباء المنافقين , على إعتبار المؤدلجين متدينيين أيضاً بعقيدتهم الشموليّة
تحياتي لجهدكَ


4 - أخ رعد الحافظ المحترم
نارت اسماعيل ( 2011 / 10 / 28 - 16:31 )
أنا معك بأن الثورات العربية ليست خطأ نقع به بل هي خطوة إلى الأمام و المشوار طويل والعقبات كبيرة ولن يكون التخلص من استبداد الحكام إلا الخطوة الأولى ولكنها خطوة جبارة
من ملاحظتي للمتدينين الذين أعرفهم وبعضهم من حملة شهادات كبيرة، هو أنهم رغم امتلاكهم لمهارات عقلية كبيرة و مهارات علمية اكتسبوها إلا أنهم لا يستعملون تلك المهارات بالطريقة الصحيحة بسبب عامل الخوف والرهبة المزروعة في عقولهم منذ الطفولة لكل ما يمس الدين
شكرآ لك أخ رعد على مرورك وتقبل تحياتي الصادقة


5 - تحية للكاتب المتنور وللمعلقين
نبيل السوري ( 2011 / 10 / 28 - 19:35 )
نارت وليندا ورعد، قمة الإنسانية والعقل
ذكرت مراراً أن السافل حافظ أسد (وهو من يقال عنه علماني) أسس لمعاهد تحفيظ القرآن، التي هي عبارة عن مفارخ إرهاب ومسح دماغ، وبنى من المساجد أضعاف ما كان عليه الوضع حين اغتصب الحكم، وجاء الوريث الغر ليتابع المسيرة الظافرة، فأرسل المنتج من الإرهابيين التفجيريين للعراق ولبنان، واستعمل البعض في مسرحيات هزلية مفبركة هاجمت سفارات الدانمرك (أكبر متبرع بالعالم بنسبة حجمه للفلسطينيين) والنرويج وبعملية إرهابية مسخرة للسفارة الأميركية وتم قتل جميع االمهاجمين

إن المتطرفين بشكل عام أغبياء ويقعون بنفس الفخ عشرات المرات، وقد عرف الثعلب حافظ ذلك ولعب بهم واستعملهم وكذلك قتل الكثير منهم
نحن اليوم مع هكذا نظام، نواجه الشريّن: الطغيان والتطرف الإسلامي
حين نتخلص من الطغيان، وإن تحكم الإسلاميون لفترة فسنكون بمواجهتهم وحدهم وسيسقطون تحت ضربات الحداثة
أود أن أذكركم أنه عام 56 وصل للبرلمان 6 نواب إخوان بانتخابات حرة من أصل 150، وهؤلاء ال6 كانوا مثقفين معتدلين
إن استطاع المد الأصولي التحكم الآن فسببه تمكين الطغيان من المجتمع بتجهيله وإفقاره وإفساده
الطغيان هو رأس المصائب


6 - الأخ نبيل السوري المحترم
نارت اسماعيل ( 2011 / 10 / 28 - 21:04 )
أثلجت صدري يا أخي بتعليقك وإضافتك القيمة
نعم كما قلت أنت، حينما نتخلص من الطغيان سيسقط الإسلاميون تحت ضربات الحداثة
وهذا ما أؤمن به أنا، شكرآ لك وتقبل تحياتي


7 - العزيز / نبيل السوري
رعد الحافظ ( 2011 / 10 / 28 - 22:35 )
كم أتمنّى أن يُصبح تفكير الغالبية , بمثل طريقتكَ الرائعة الواقعيّة
بغاة المشايخ , أمرهم سيهون بعد تبخّر الطغاة الذين كانوا يستخدمونهم مطيّة للبقاء في السلطة عبر تزكيتهم لأولي الأمر على طول الخط
هذه حجّة يستخدمها شبيحة الأنظمة ومنافقيهم ومرتزقتهم بأسماء منتحلة وهميّة
كنتُ قبل قليل أجادل أحدهم اسمى نفسه عبد الحق , وهو لاينطق بكلمة حقّ
بل مجرد دفاع , عن نفّاع وسقط المتاع
هؤلاء الأنصاف أخطر على الثورات من الطغاة , لكنّهم سريعي التبخر
فقط نجدهم يلطمون الخدود بضعة ايام بعد مقتل أحدهم , ثم سرعان ما يتبخرون
تحياتي لكل أحرار الفكر والكلمة ومحبتي لكم


8 - علينا تغيير المواطن قبل الحاكم
الحكيم البابلي ( 2011 / 10 / 28 - 23:52 )
الزميل العزيز نارت اسماعيل
حول آرائك المطروحة في هذا المقال ، فأنا معك 100% وأكثر ، لا بل أُعاتبك على قصر المقال وقلة الإتهامات الموجهة للدينيين والأديان والأنبياء وللرب الذي بعد أن خلقه البشر على شاكلتهم ، راحوا يدفعون ضريبة خلقه وتواجده السلبي الأزلي !!!، فيا لغبائهم الذي أضر بمستقبل كل من خلفهم من أبناء وأحفاد
سؤالك أعجبني : ما الفرق بين ظلم حاكم فاسد وبين ظلم السماء ؟
وجوابي هو ممكن جداً التخلص بطريقة أو بأخرى من ظلم الحاكم الفاسد ، ولكن كيف سنتخلص من ظلم السماء وبوجود 90% من البشر الأغبياء الجهلة الذين يقفون كالثيران للدفاع عن من يقف خلف قدسية السماء المزعومة وإلاهها المُفترض !؟
هؤلاء المتخشبين الذين ما قرأ أذكاهم كتاباً واحداً في حياته ، شهداء الزور هؤلاء الذين يؤمنون بما لم يروا من خالق وأنبياء ومعجزات وأكاذيب
إبحث عن أقرب 100 شخص حولك اخي ، وقل لي : كم منهم يعرف حقيقة ما يدور من امور في مجتمعاتنا وعلى أرضنا ؟ واحد ... إثنان ... وربما لا أحد كما في أغلب الحالات
ولهذا فثوراتنا وربيعنا قد تراوح في مكانها لسنين وسنين ، إلى ان يتغير ما في داخل رأس إنساننا الشرقي
تحياتي


9 - عزيزي وصديقي الحكيم البابلي
نارت اسماعيل ( 2011 / 10 / 29 - 01:41 )
أنا أختلف معك في هذا الموضوع وأنا مازلت أرى الخير في شعبي وأنا متفائل بقدراته على التطور وبناء بلد ديموقراطي تعددي في حال تخلصنا من استبداد الحكام
الموضوع يحتاج إلى وقت
شكرآ لمداخلتك وأراءك القيمة، أرجو أن تتقبل الاختلاف ولك مني كل التحية

اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في