الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستراتيجية الوطنية للدولة المدنية: المبادئ الأساسية للمواطنة -المفاهيم- -1-

نادية حسن عبدالله

2011 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يخرج الشعب السوري تحت الرصاص ويهتف آزادي آزادي.. الشعب الذي يرفض العنصرية والتهميش والإقصاء وينادي بالحرية والمساواة والعدالة للجميع... الشعب السوري الذي يطالب بالدولة المدنية، ويطالب بدولة الحق والقانون، ويطالب بدولة المواطنة للجميع.

المواطنة تعترف بالتنوع والتعدد العرقي والإيديولوجي والسياسي والثقافي والطائفي، هذا المفهوم السحري ـ كما يحلو للبعض الإشارة إليه ـ هو من أحرز في ظل الديمقراطية النجاح في الحد من النزاعات المبنية على الاختلاف العرقي والإيديولوجي والعقائدي والقومي واللغوي والثقافي والاقتصادي داخل الوطن الواحد في كثير من دول العالم. ولا يكتمل مفهوم المواطنة على الصعيد الواقعي، إلا بنشوء دولة الإنسان. تلك الدولة المدنية التي تمارس الحياد الايجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيدلوجيات مواطنيها. بمعنى أن لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية.

المبادئ الأساسية للمواطنة التي يجب أن تتضمنها أي إستراتيجية وطنية للمرحلة القادمة:

المواطنة تعزز العلاقة بين المواطن والدولة، وتعمل على صون هذا التنوع والتعدد واحترامه مع توفير قنوات وممرات للمشاركة والتعاون والتكامل من أجل إغناء وإثراء المضامين والمفردات المدنية والحضارية للمواطن والوطن معا. فالمواطنة هي (إطار يستوعب الجميع، فهو يحافظ على حقوق الأقلية والأكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة. فالمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الصبغات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية أو الجنسية. فكل مواطن له كامل الحقوق وعليه كل الواجبات). فالمواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية في الوطن، بحيث توفر البيئة الصحيحة والخصبة لتكوين ثقافة الوطن التي تتشكل من تفاعل ثقافات أبناء الوطن. و هي التعبير الطبيعي عن حالة التنوع والتعدد الموجودة في الوطن. ثقافة تؤكد حاجة كل منا للأخر و أن ثقافة الفرد هي محصلة ثقافة كل أبناء الوطن، فهي ليست ثقافة فئوية أو طائفية أو وإنما هي ثقافة وطن بكل تنوعاته وأطيافه وتعبيراته.

المواطنة تضمن حقوق الإنسان في المجتمع والوطن والدولة؛ لكونها تنقل الحق الإنساني إلى حق للمواطنة عبر تشريعه وتقنينه. وتضمن استمرار المجتمع في الإطار السياسي الذي يعبر عنه وهو الدولة. فـ (المواطنة أرقى من أن تكون مفهوما، هي بالحقيقة مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها بل عمودها الفقري في النشوء والاستمرارية، في التكوين والبقاء) ، ومن ثم فإن المواطنة تحفز المواطن على المطالبة بالحقوق مع أداء الواجبات في سيرورة الاستمرار والتطور، مما يرقي المواطن نفسه إلى الوعي بمكانة المواطنة في حياته الفردية والمجتمعية؛ فهي قيمة أخلاقية واجتماعية وسياسية وسلوك ممارس قبل أن تكون معرفة وثقافة. ومن ثم فإن ( أهمية الأبعاد القانونية والسياسية ومكانتها المركزية في مراعاة مبدأ المواطنة ليست بسبب أفضليتها على الحقوق الأخرى وإنما يتعدى سبب اكتسابها لتلك الأولوية أهميتها الذاتية إلى حقيقة كونها السبيل الناجع والضمانة الأكيدة لتنمية إمكانيات النضال السياسي السلمي)

المواطنة حقوق وواجبات، ومبادرة الإنسان ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل وديمقراطي يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص للجميع. وبالتالي المواطنة لا تمارس في مجتمع غير مؤسساتي أو إثني أو شمولي … وبذلك ممارسة المواطنة لها أساسيات ومداخل أهمها الفكر المؤسساتي. فالمواطنة بالحقيقة مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها بل عمودها الفقري في النشوء والاستمرارية.

المواطنة مساواة الأفراد أمام القانون والدستور، بما يعني ممارسة المواطن حقوقه كاملة وأداء واجباته كاملة دون تمييز أو مضايقة أو إلغاء أو تهميش. والحقوق تضمن له حق المشاركة في المجتمع السياسي أو المدني كما تضمن له ممارسة حقوقه المتنوعة الأخرى. فالمواطنة إذن ( تتعلق بالمساواة بين جميع المواطنين والفرص المتساوية لجميع المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية والعامة، أي أن ركني المواطنة هما المساواة والمشاركة). وبذلك في دولة المواطنة جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو اللون أو العرق أو الموقع الاجتماعي …مفهوم المواطنة، مفهوم تتحقق فيه المساواة بين البشر، وينال فيه الفرد موقعه الاجتماعي ووظيفته عن طريق كفاءته وقدراته ونزاهته. فالواقع يؤكد أن ثمة علاقة في المضمون بين مفهومي المواطن والمواطنة. حيث إننا لا يمكن أن تتحقق المواطنة، بدون مواطن يشعر شعورا حقيقيا بحقوقه وواجباته في وطنه. فلا مواطنة بدون مواطن، ولا مواطن إلا بمشاركة حقيقية في شؤون الوطن على مختلف مستوياته.

المواطنة لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا في إطار من الشفافية والديمقراطية وضمن علاقة سليمة بين المواطن والدولة واضحة بحكم وضوح القوانين وشفافيتها. فالدولة التي لا تقنن مرافقها ولا تمارس الشفافية مع مواطنيها ولا تتسم بالديمقراطية في نظامها السياسي، فإنها لا تحقق المواطنة ولا تضمن ممارستها؛ حيث لا يمكن تفعيل مفهوم المواطنة إلّا تحت مظلة نظام سياسي دستوري ديمقراطي يشمل جميع شرائح المجتمع، قائم على حفظ حقوق الإنسان وصون كرامته والعمل على توفير متطلبات الحياة الكريمة إليه.

المواطنة تعمل على رفع الخلافات والاختلافات الواقعة بين مكونات المجتمع والدولة في سياق التدافع الحضاري، وتذهب إلى تدبيرها في إطار الحوار بما يسمح من تقوية لحمة المجتمع وتعلق المواطن بوطنه ودولته، وتدفعه إلى تطوير مجتمعه عامة ووطنه خاصة. فـ (تفعيل حق المواطنة في المجتمع هو الآلية الناجعة للحد من الفتن و الصراعات الطائفية و العرقية في أي مجتمع…. على قاعدة المساواة و عدم التمييز). فالمواطنة كمبدأ ومرجعية دستورية وسياسية، لا تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضاء الاجتماعي، تضبطها بضوابط الوطن ووحدته القائمة على احترام التنوع وليس على نفيه، والساعية بوسائل قانونية وسلمية للإفادة من هذا التنوع في تمتين قاعدة الوحدة الوطنية. بحيث يشعر الجميع بأن مستقبلهم مرهون بها، وأنها لا تشكل نفيا لخصوصياتهم، وإنما مجال للتعبير عنها بوسائل منسجمة وآفاق العصر ومكتسبات الحضارة.

المواطنة تؤدي إلى بناء نظام سياسي مدني تعددي متنوع في العرق والمؤسسات والثقافة والإيديولوجيا والدين، مرتفع عن تعدديته نحو تكاملها وتفاعلها من باب احترام المشاركة الشعبية للمواطنين وتبوئيها صدارة السلطة على مؤسسات الدولة، لأنها هي المصدر للسلطة والممارسة السياسية عبر المؤسسات التمثيلية. وتحتضن تطور هذه السلطة وتلك المؤسسات بطرق ديمقراطية. حيث ( في المجتمعات التعددية، قوميا أو دينيا أو حتى ذات بنى ونظم ما قبل مدنية، يصبح مفهوم المواطنة معيارا لدرجة التقدم والتحول والتطور في هذه المجتمعات، بمعنى كلما تعددت التكوينات والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية، تصبح المواطنة أساسا لبناء الدولة المدنية، الحديثة، وبالتالي تكون المواطنة معيارا للحق والواجب، تتحدد عبرها العلاقة بين المجتمع والدولة. وعليه المواطنة توفر مساحة للمواطن كي يعمل على تطوير نوعية الحياة في المجتمع للجميع.
شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد
الجامعة الأمريكية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال