الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعوة السياسية من غير عصبية الدين لا تتم .

الطيب آيت حمودة

2011 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يُعد ابن خلدون أكثر علماء الإسلام فهما لطبائع المسلمين وطبعهم ، فقد رسم ملامحهم وحدد المؤثرات التي توجههم منذ أواخر القرن الرابع عشر، فهو قد علم مقدار تأثر المجتمعات المشرقية والمغاربية بالدين ، ذاك ما أوضحه في كتابه العبر تحت عنوان : (في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها .).. حيث وضح أن الإعتقاد الديني يبعدُ التنافس والتحاسد الذي هو في أهل العصبية ، فتتكون منهم جماعة صلدة وجهتها الحق ، مستبصرة مدركة لمنشدها المشترك ، فهي بغاية واحدة مستميتون في بلوغها ، فعقد لذلك أمثلة من التاريخ المشرقي والمغاربي الإسلاميين ، مثلما وقع للمسلمين من نصر مأزر في ( القاديسية ) و(اليرموك ) ضد الساسان والروم ، ومثله وقع في الشق الغربي عند (اللمتونيين )و (الموحدين ) اللذان ضاعف فيهما الإحتماع الديني من قوة عصبيتهم فلم يقف لهم شيء ، فلولا عصبية الدين لما قدرت لمتونة الصنهاجية التغلب على مثيلاتها من عصائب الأمازيغ ، ولما قدر ( المصامدة ) من تبع المهدي التومرتي التغلب على العصائب المكافئة لهم و الذين هم الأكثر بداوة منهم (كزناتة ) التي تحينت الفرص لنزع الصبغة الدينية عنهم عندما بهت أمرها عندهم .
وركز ابن خلدون في هذا المقام على قيمة العصبية في انتصار الدين ( ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه) ،وكم حاول أشخاص لا يملكون ( منعة عصبية ) تقيهم فانتهى الأمر بدعوتهم إلى الخذلان والخسران ، وإلى الفتنة والقتل ، وهو ما حدث (للتوبذري) بسوس و(العباس) في غمارة وفي أمثالهما كثير .
وما ذكره ابن خلدون ُيعد صحيحا في زمانه ، والأزمنة التي سبقته ، أما الآن فيبدوا أن نظريته غدت مقلوبة عندنا ، على شكل أن الدعوة السياسية من غير الدين لا نجاح لها ، وهو ما تبلور تدريجيا خلال تجارب التيارات الإسلاموية المتلاحقة مشرقا ومغربا .

*** الدعوة السياسية من غير عصبية الدين لا تتم .

ففي الإسلام السياسي أصبحت نظرية ابن خلدون مقلوبة ، أي أن السياسي مطالب بتوظيف الدين كمطية لبلوغ سدة الحكم وهو ما تعارف عليه إصطلاحا ب( الإسلام السياسي ) ، وقد كان هذا معروفا ماضيا واتخذ أوجها مختلفة متدرجة منها انتحال النسب الشريف ، أو إظهار التصوف ، أو النظر الباطني ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم فكرة المهدوية التي تملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا .
توظيف الدين بدل (الدبابة والطائرة والصاروخ) في التصارع السياسي بانت قوته في الثورات بداءا من ثورة ايران الإسلامية ، وما لحقها من زخم عند العرب ، فقد تجلى ذلك في حصد جبهة الإنقاذ الجزائرية (FIS ) لأصوات الناخبين في أول تجربة ديموقراطية تعددية في الجزائر ،و التي أفشلها العسكر بإلغاء دورها الثاني الأمر الذي أدخل البلاد في تصارع بين تيارين متنافرين ردحا من الزمن سقطت جراءه أزيد من 200 ألف ضحية ، وتكررت التجربة في فلسطين بأن اجتاحت ( حماس ) مكاتب التصويت لصالحها وحجمت من قيمة ( فتح ) العلمانية، وتكرر ذلك على يد الإخوان في مصر وسوريا والأردن .

*** احترام نتائج الصندوق واجب ..

رغم المعارضات المتأججة الغاضبة ،فإن الحس المدني للمواطن مهما كان توجهه يفرض عليه الإذعان لإرادة الأغلبية الناخبة ويتحول جانبا للمعارضة الإيجابية ريثما تحين الإستحقاقات القادمة التي يتعرى فيها الكذب وتسقط أقنعة النفاق السياسي وتعود الأمور إلى جادة الطريق، فالتيار الإسلامي وإن نجح في قيادة الشعب إلى جنة الآخرة فهو غير قادر على جعلهم متمتعين بجنة الدنيا التي هي أسبق من الأولى ، وهو غير قادر البت في أمور الإقتصاد التي سيطر عليها الريع وأتخمها التعامل الربوي المدعم بآليات المحسوبية والإرتشاء ، فالخطب كبير ومسؤولية الناجحين في الإستحقاق عظيمة في معالجة ما أفرزته أزمنة الليبيرالية المتوحشة و الرأسمالية المتجذرة التي أينعت وتوسعت خاصة بعد انهيار المعسكر الإشتراكي إثر أزمته بفشل بيريسترويكا الغورباتشوفية .

*** التيار الإسلامي والإسلام في المحك ...

كنت من أكثر الناقمين على سحب البساط من يد جبهة الإنقاذ الجزائرية بعد نجاحها الباهر في استحقاق 1991 ، لأن انطلاقتنا الديموقراطية التعددية أفرزت لنا واقعا يجب مسايرته ، فالشعب هو الوحيد القادر على وزن وتقدير جهد الإسلاميين على مدار حكمهم ، غير أن أياد حمقاء أفسدت العرس وشتت الشمل وأدخلت البلاد في عشرية دموية سوداء لا نرضاها ولا نتمناها لأشقائنا في تونس ولا مصر إن استوعبوا الدرس الجزائري وقرؤوه بإيجابية ، وكل الخوف أن يتحول الساسة الإسلامويون إلى أدوات (هدم المعتقد ) وإظهار البون الشاسع بين ما يقولونه وما يطبقونه ويفعلونه في الميدان ... وهو أمر نتمناه كتجربة حتى يسترشد الشعب ويدرك ُبأن ليس كل ما يبرق ذهبا .

*** تجربة الفيس استنسختها النهضة .

تطابق كبير بين ممارسات الفيس والنهضة وإن تباعدا زمنيا ، فكلاهما وظف الدين وأتقن اللعبة ، وأبرزا حذاقة ومهارة في التعامل مع المواطنيين من منطق ديني ، ( انتخب على الذين يعرفون الرب ) وتوظيف المساجد والجوامع لخدمة السياسة ، واتخاذ شعار الهوية العربية الإسلامية استراتيجية لتحقيق الغاية في وسط مجتمع يتمنى إعادة سراب مجد يتخيله أوعايشه في كتيبات صفراء ماد حة أكثر منها ناقدة ، تعج بحلم تحقيقه سيُسيرنا ويجرنا خلفا عكس تجاه سير الأمم .
*** النهضة التونسية تظهر مالا تبطن .
حزب النهضة التونسي ذو التوجه الإسلامي اكتسح الساحة الإنتخابية التونسية لصالحه بعد علمنة طافحة للبلاد والعباد منذ الإستقلال في 1956 ، ( حكم بورقيبة وزين العابدين ) ، ونجاح النهضة المطلق تفسيره قد يكون رغبة الشعب استرجاع هويته الإسلامية ، و نصرته لرجالات النهضة الذين اضطهدوا سابقا ، ولضعف حجة الأحزاب المنافسة التي لا يمكنها أن تنافس بعقلها وعلمانيتها الزحف الإيماني النقلي ، وهو ما يجعل الأحزاب الحداثية محجمة ضعيفة ، قد تجد متنفسا لها داخل المجلس التأسيسي الذي أعد آليات محكمة لا تسمح بالحكم الإنفرادي ولا بتمرير أحكام بتوجه وحيد الذي مهما كان منصفا فهو يعني ( استبدادا ).

*** حزب النهضة أمام تحد عصيب ..

حزب حركة النهضة وإن بعثت برسائل تطمين للمتوجسين منه خيفة ، على شاكلة احترام التنوع و ضمان حركية السياحة و حرية العبادة لغير المسلمين وحتى اللادينيين منهم ، مع احترام حقوق المرأة في الحرية والميراث واللباس ، ورغم الإشهاد الصريح بأنها تيار النهضة ما هو إلا صورة مستنسخة من (حزب العدالة والتنمية التركي) غير أن القلق قائم وقد أبان مظهره في إحراق مقر حزب النهضة بالأمس (بسيدي بوزيد ) منطلق ثورة تونس ، وكأن أهاليها يريدون القول أن ثورة الغلابى والمحقورين وطالبي الحقوق والعدالة سرقها الإسلاميون الذين أحرزوا على نسبة مريحة في المجلس التأسيسي ( 90 من 217) .
تقديري أن حزب النهضة سيتعرض مستقبلا لمضايقات عديدة من الحداثيين الديموقراطيين ومن التيار الإسلامي السلفي ، فهو بين المطرقة والسندان ، فوسطيته البراجماتية وسط جماعات مؤثرة تريدها متطرفة إما إسلاميا أو ليبيراليا حداثيا هي الفوارق القاصمة لظهر النهضة .

صفوة القول هو أن الحراك السياسي في البلدان التي قامت بالثورة ينبئ أن التيارات الإسلامية فيها هي التي ستجني ثمار الثورة الشعبية ، فالنهضة حصدت الأصوات في تونس ، والإخوان في مصر على أهبة الإستعداد للظفر بالسلطة ديموقراطيا ، وهو المنحى الذي أعلن عنه (مصطفى عبد الجليل )الليبي في خطاب التحرير ملوحا أن حكم ليبيا سيكون بخلفية شريعة الإسلام ، وحدد أمثلة قوية منها كإلغاء القوانين التي تحد من تعدد الزوجات ،ولجم تعاملات البنوك الربوية وهو ما أقلق الغرب الذي استفسر عن كنه هذه التصريحات ؟؟؟، والخوف كل الخوف أن تستنسخ (تجربة الجزائر الدموية )خلال التسعينيات من القرن الماضي في هذه البلدان التي بدأت شعوبها تحس بأن ثورتها الإجتماعية سرقت منها لصالح أجندات مؤدلجة كانت تترقب وتنتظر فصل حصاد وفير لها قلما توفرت فرصٌ لتحقيقه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين