الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرح نادر: بين غيبوبة العاطفة وصحوة العقل

رياض خليل

2011 / 10 / 29
الادب والفن


في نصها " كن بيتي" تضع فرح نادر إصبعها على الجرح ، وتضع قلبها البريء براءة الوردة على لسانها ، الذي ينقل أحاسيسها ، ويعبر بها الخطوط الحمراء دون تردد أو خوف .
أستطيع أن أصف النص بالشاعرية والشعرية النثرية ، لأنه بالفعل يحمل شحنات فنية شعرية شفيفة وموحية ، إنه أشبه بلوحة تشكيلية ، تعبر عن نفسها من خلال تناسق الألوان والخطوط ، وببساطة غير مصطنعة ، تؤهلها الدخول بدون إذن إلى المتابع المتلقي ، وتختطفه بإشراقات معانيها وجمالياتها التعبيرية ، وغنى إيحاءاتها ، وحساسية أطروحاتها . إنها تجذبك بقوة من المقطع الأول ، الذي يضعك مباشرة وجها لوجه أمام حالة عامة ، ومعاناة حقيقية ، قلما ينجو منها أي شخص . إنها حالة الزوبعة العاطفية العمياء المنفلتة من سلطة المنطق والعقل والواقع ، والتي تسير وفق بوصلتها الخاصة ، لتتحول إلى سلطة مضادة متمردة ، لاترى ولاتسمع غير نفسها ،فتقع في فخ الحب الصوفي ، الذي يتحول إلى مايشبه العبودية المتبادلة أو الأسر المتبادل مع من تحب ، وتلك حالة تجتاح أيا منا في لحظة ما ، لتحرك سطح البحيرة الساكن في أعماقنا .
إن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين ، هكذا جاء نص فرح الشعري ، أقصر مسافة بين فرح والمتلقي ، لأنها وبتلقائية موهوبة أوصلت ماتريده بما قل ودل من الكلام ، وبثوب أدبي فني جمالي أنيق ، وتلك هي ذروة البلاغة والفصاحة والإبداع . فكانت المقاطع أشبه بمشاهد تعبيرية منسجمة القوام ، تشع بالأفكار ، وتبوح بالمشاعر الصادقة ، والمكنونات المتقوقعة ، التي من الصعب إطلاق سراحها ، مالم يكن صاحبها منحازا للحقيقة ومؤمنا بالحرية ، والحرية أولا ، وفوق كل شيء أو اعتبار . وهنا نجد أنفسنا إزاء المضمون الفلسفي الساطع كالشمس ، والتي لم تستطع ولن تستطيع فرح نادر إخفاءه بعد أن أفلت النص من يدها كمهر جامح انطلق وامتلك زمامه ومضى .
النص يعرض لنا شخصية ، لها نظائر واقعية ، شخصية تستسلم لصراخها الداخلي ( العاطفي ) ، وتندفع نحو غايتها دون تخطيط مسبق ، ودون تبصر ، وتلك طبيعة العواطف ( العمياء) التي لاتعترف بسلطة العقل والمنطق ، ولا بتزمت الشكل المفروض ، الذي يحدد لنا سلفا نظام القيم الأخلاقية والسلوكية التي بدورها تحدد الممنوع والمسموح . وكل منا يقع في مطب تلك المغامرة ، مغامرة العاطفة ، ولايستفيد أو يعتبر بتجربة الغير ، فيرتمي في نفس الحفرة بمتعة وشغف وحماس ، لدرجة أن الآخرين من حوله يعتبرونه نوعا من الجنون ، وكم في التاريخ من أمثلة على ذلك ، ومنها ماذكرته فرح :" شبهتك بروميو وقيس" . إذن نحن أمام حالة من سكرة الجنون كتعبير مجازي ، وهو مابرز قويا من المقاطع الآولى للنص ، ولكن مالذي حصل ويحصل حينما تزول السكرة وتتجلى الفكرة ؟ ! ماذا بعد أن ننتقل من غفوة العاطفة إلى صحوة العقل ؟ ! هذا ماتجيب عليه فرح بنفسها وعلى لسان شخصية نصها الأدبي :
" سعدت في البداية " طبعا هي القصة نفسها تتكرر : الحب أوله عسل ، إنها السكرة إذن .. الاستسلام لاجتياح العاطفة .. لنوع من مازوخية الحب ، ثم وبعد تحقيق الهدف بالحصول على الغاية ، ربما نصل إلى التخمة العاطفية التي تنقلنا من الرؤية العاطفية النسبية للحالة إلى الرؤية الواقعية الحادة ، ولا غرابة في هذا ، وطالما كان ثمة بون ومسافة بين رؤية القلب ورؤية العقل للأشياء من حولنا :
" شيئا فشيئا بدأت تخنقني " هكذا تخاطب حبيبها ، ثم " لاأدري إن كنت سجيني ، أو كنت أنا حبيستك ، كلانا يكبل الآخر بقيوده " ، إنها لحظة التعري والانكشاف ومواجهة الوجه الآخر للحقيقة والواقع المختلف عن الواقع الذاتي المقدس والذي كان لايقبل النقاش ولا المساومة ولا المنطق ، هاهو العقل يصحو على واقع صارخ لايرحم ، واقع الدائرة الأوسع من مجر لحظة عاطفية تم إشباعها حتى التخمة ، والحياة ليست تلك اللحظة وحسب ، بل هي أوسع وأكبر منها بكثير ، وهو ما يتطلب استحقاقات مختلفة . نعم الحياة ليست كلها حب وفقط حب . وخوض التجربة وحده يعلمنا ويمكننا من رؤية وفهم الحقيقة العارية الموضوعية . الصحوة إذن تتجلى برفض حالة الذوبان بين الأنا والآخر ، والتي قد تبدو في لحظة العاطفة نوعا من الحرية الذتية الممتزجة بحرية الآخر عبر الاندماج والعبودية المتبادلة ، كحالة الصوفيين نسبيا ، وبينما لايصحو الصوفي ، فإن الإنسان العادي يصحو لأنه ببساطة يستحوذ على معبوده حسيا وفيزيائيا ، وتنطفئ جذوة العاطفة بعد الاشباع ، بينما لاتنطفئ جذوة العاطفة الصوفية لأنها عاجزة عن الاستحواذ على المعبود المطلق المتعالي ، وتستمر الحالة التي يعبر عنها الصوفي شعرا مذهلا مثل : " أنا من أهوى ومن أهوى أنا ....... نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
فرح إذن وعبر شخصية نصها تصحو ، وتنصاح لسلطة العقل ، وتكتشف أن الأولوية هي للحرية ،" كيف للفراشة أن ترفرف بجناحيها إن أمسكنا بها ؟ " وأن شعارها : الحرية أولا ، وأن الحرية هي قاعدة الثقة والحب والوحدة والتعايش والسعادة والتوافق والانسجام بين طرفي الثنائية : الأنا والآخر ، وليكن العاشق والمعشوق ، حيث لاتعني الفاعل والمفعول ، بل تعني أو يجب أن تعني في قاموس فرح – وكثيرون يؤيدونها – أن يكون كلا من طرفي الثنائية فاعلا لامفعولا ، وبذلك تكون فرح كمن بطالب بدمقرطة العلاقة بين المرآة والرجل ، رافضة ديكتاتورية أحدهما على الآخر ، وساعية إلى بناء شركة وشراكة ندية وعادلة بين الاثنين ، وبذلك وحسب تترسخ المحبة المعقلنة وتدوم وتثمر . تقول فرح :
" إن مشاعري تنمو وتموت كل يوم آلاف المرات إلى أن تتحجر " وتؤكد أن المشاعر لاتحيا في ظل التملك " ، إنها إذن ترفض واقع التملك في العلاقة بين المرآة والرجل ، وهو من الصعب تحقيقه بالنسبة لأغلبية النساء ،
وتختار أن تكون داعية لفلسفة جديدة أساسها الحرية والمساواة والاحترام المتبادل مع الرجل ، وهي حاجات ملحة وأساسية ومحقة من أجل علاقات أكثر توازنا وعدالة وعقلانية بين الأنثى والرجل . وهو ماينسجم مع المدنية والعلمانية والتحضر . ومايحقق البيئة الصحية للاستقرار العاطفي .:" أحببني بأسلوبي " ,و" اجعل من قلبك بيتا أسكن فيه " هوذا الحب عند فرح ، أن يفهم كل خصوصية الآخر ، ويسعى لإسعاده بعيدا عن الشك وضعف الثقة " كلما هربت من رجل غيور يأتيني سواه بوجه آخر " ، فللغيرة منطقها الخاص ونسبيتها ، وهي شئيا أم أبينا نوع من الخوف وضعف الثقة بالنفس قبل الآخر ، إنها تعبير عن غريزة التملك : تملك المحبوب ، الذي يصل إلى حد لايحتمله الآخر ، لأنه ببساطة محاولة لاستععماره واستباحة هويته واستقلاليته ودوره في ثنائية الحب التي يجب إلا يختل توازنها بسبب الغيرة ، الغيرة كفعل انفعالي أكثرمنه عقلاني ، فعل يرتكز على التوهم أكثر مما يرتكز على الحقائق . وهذا يبرهن على أن " لاأدرية" فرح هي قمة ال" أدرية " والوعي .
هكذا تقدم لنا فرح منهجا ومنطلقا لبناء علاقة قابلة للحياة بين الرجل والمرآة ، أساسه رفض الحب الأعرج ، والبحث عن الحب المتوازن الذي تتكامل فيه العاطفة والعقل في رحلة العمر القصيرة ، وقد نجحت فرح في توصيل الأفكار بزي أدبي عصري وأنيق وخفيف الدم ، وهو مالانستطيع تحقيقه بسهولة دائما .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منبهرة
فرح نادر ( 2011 / 10 / 29 - 17:23 )
حقيقةً
أعجز عن كتابة أي شيء
يوفيك حقك مما كتبت وبإسهاب
وبتحليل عميق وكأنك تقرؤني
وجعلت من خاطرتي المهملة
موضوعًا عالي المستوى

أشكرك من قلبي

وأهديك إحدى خواطري
ومن أجلك سأعرضها الليلة

الخواطر جميعها كتبتها عن نفس الشخص
وأغلب الخواطر كتبتها عن لسانه
أي عبّرت عن مشاعره من خلال كلماتي

تابع معي

إليك وردة مني أيها الرائع


2 - رد رياض
رياض خليل ( 2011 / 10 / 29 - 20:48 )
شكرا لك ، أتابع وأقرأ كل ماتكتبينه ، ولو لم تعجبني كتابتك المميزة ، خصوصا بمضمونها ، وشكلها الفني لصارحتك ، أو لكنت أدرت ظهري لها على الأقل ، ولكنك حقيقة مميزة ، وأحسك مرآتي ، أرى فيك نفسي التواقة لعالم حر وجميل وعقلاني ،وهذا كاف ليجمعنا بقوة نحن في خندق واحد فكريا ورسالتنا واحدة كل بطريقته وأسلوبه ، وبحيث تؤدي إلى روما . تحياتي لك وأتمنى عليك أن تتابعي ولاتسأمي ، فكلمتك تبني عالما جديدا سينتصر حتما ، وبالمناسبة أهديك مقطعا من قصيدة لي بعنوان : سورة الألق ، ومنها :
ماأجمل الشمي إذا تعرت !!!
وأظهرت عوراتها للكون .
سعفورها جدواها ...
فجورها تقواها .
والأرض في مدارها تدور ...
كالعاشق المسحور ..


3 - رد رياض
رياض خليل ( 2011 / 10 / 29 - 22:48 )
شكرا لك ، أتابع وأقرأ كل ماتكتبينه ، ولو لم تعجبني كتابتك المميزة ، خصوصا بمضمونها ، وشكلها الفني لصارحتك ، أو لكنت أدرت ظهري لها على الأقل ، ولكنك حقيقة مميزة ، وأحسك مرآتي ، أرى فيك نفسي التواقة لعالم حر وجميل وعقلاني ،وهذا كاف ليجمعنا بقوة نحن في خندق واحد فكريا ورسالتنا واحدة كل بطريقته وأسلوبه ، وبحيث تؤدي إلى روما . تحياتي لك وأتمنى عليك أن تتابعي ولاتسأمي ، فكلمتك تبني عالما جديدا سينتصر حتما ، وبالمناسبة أهديك مقطعا من قصيدة لي بعنوان : سورة الألق ، ومنها :
ماأجمل الشمي إذا تعرت !!!
وأظهرت عوراتها للكون .
سعفورها جدواها ...
فجورها تقواها .
والأرض في مدارها تدور ...
كالعاشق المسحور ..


4 - اعتذار
فرح نادر ( 2011 / 10 / 30 - 12:16 )
أعتذر عن التأخير
والسبب أنني لم أعرف أي خاطرة أختار

اخترت خاطرة .. ما أخفيه عنك
وسأرسلها الآن للموقع


5 - نص كن بيتي
منى لافي ( 2011 / 10 / 30 - 15:34 )
فعلا نص كن بيتي هي دعوة لإعادة بناء علاقة المرأة والرجل في مجتمعنا الشرقي
لتكون علاقة ديمقراطية ومتفهمة لحاجة الأخر للحرية وتحقيق الذات
وأن لا تكون كأنها علاقة عبد بربه وهذا نراه كثير في النصوص الدينية
:على سبيل المثال
_حديث_ لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها

وأضيف على كلام الأستاذ رياض خليل
بأن الأستاذة فرح نادر تكتب كلام موزون سهل واضح ولا تميل للإسهاب الممل
بالإضافة لشعورك بأنك تشاهد حوار مسرحي
له بداية ووسط ونهاية
شكراً للتحليل الجميل والعميق أستاذ رياض خليل

اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟