الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاض/قصص قصيرة جدا

نواف خلف السنجاري

2011 / 10 / 29
الادب والفن


قصص قصيرة جداً

مخاض
كأسه الأولى فرغت إلى النصف.. لم ينقص من صحن الزيتون الذي أمامه سوى بضع حبات، سيجارته الثانية قاربت أن تصير عقباً.. أما الورقة فلا زالت عذراء عطشى لحبر القلم الذي يمتشقه.. كأسه الثانية فرغت تماماً.. ماعون الزيتون نقص حبات أخرى، علبة السجائر نقصت خمساً، مازالت الورقة تأن من الفراغ.. كأسه الثالثة .. الرابعة....
فرغ صحن الزيتون، نفدت السجائر من العلبة، شارفت خيوط الفجر على البزوغ، المدينة بكاملها تشخر وتغطّ في نوم عميق.. الغرفة التي يشغلها ذلك المتشرد تفيض بالخيالات، والأحلام. في وسط الغرفة يستلقي الشاعر محملقاً في الفراغ بعيون جامدة، وبالقرب منه تقبع ورقة ارتوت تواً، وامتلأت بقصيدة تنزّ حزناً، وترتجف برداً، منتظرة شمس الصباح.


مصالحة
أنا وهو خصمان عنيدان، منافسان شرسان .. قررّتُ ألاّ أنافسه بعد اليوم.. اعترفُ بأنه تفوق عليّ أحياناً .. لكني لن أحسده على انتصاراته بعد هذه اللحظة. كل الميداليات، الأوسمة، وأكاليل الغار التي حصل عليها لا تعني لي شيئا الآن ...
حملتُ باقة زهور، واتجهتُ إلى المكان الذي انتقل إليه.. السعادة تشع من وجهي.. أنا احترمه الآن أكثر من أي وقت مضى.. واشعر بأنني لم أحبه يوما كما أحببته الآن...
وضعتُ الزهور إمام رأسه، وخرجتُ مسرعاً من المقبرة!

ملجأ
وصل بمعجزة إلى ذلك المكان المظلم.. استرد حواسه، تنفس الصعداء، بعد دقائق عاود صدره الصعود والهبوط بانتظام.. فتّش في جيوبه، أخرج علبة السجاير وأشعل لفافة.. نظر حوله، تراءى له هيئة ثلاثة جنود آخرين.. ابتسم بانتصار وقال:
ـ قد نكون الناجين الوحيدين من هذا الفوج البائس!
ثم استطرد متسائلا:
ـ ماذا سنفعل بعد أن ينتهي هذا المطر من القذائف؟ أين سنتجه؟
وتابع متنهداً:
ـ أطفالنا ينتظروننا.. زوجاتنا ينمن وحيدات في أسرتهن .. من يدري؟؟!
وقهقه ضاحكا.. تحدث كثيراً، كمن مسّه جنون، وحين لم يلحظ أية استجابة من المحيطين به، صاح بأعلى صوته:
ـ هل انتم نائمون حقا في هذا الجحيم؟ أجيبوا بربكم.. ألستم سعداء بنجاتكم؟
لم يرد عليه احد.
أشعل عود ثقاب، وقرّبه من وجوههم.. حينها تأكد له أنه يتحدث منذ ساعة إلى ثلاثة جثث!


إحصاء
* إلى الشاعرة ستيفي سميث
في قرية صغيرة على مقربة من الجبل.. هناك مئة وتسعة وستون قبراً، خمس وثمانون شجرة، سبع قباب، رابيتان، ثلاث طرق، أربع مزابل، ثمانية عشر دكاناً، وصالون حلاقة يطل على ميدان لكرة القدم.
قريبا من المقبرة توجد إحدى عشرة سيارة، أربعة عشر شرطياً، ثلاثة مصوّرين وكلب واحد يقبع حزيناً أمام جثة الشاعر.



عيد ميلاد
جميع الفراشات التي لوّنها في مرسمه الصغير تخرج من مكامنها، تحلّق وتحوم فوق حديقة الأزهار التي تحيط بشجرة زيتون زرعها الطفل المدلل حين خطى خطواته الأولى.. أحلامه البيضاء، أناشيد الطفولة، الأقلام الملّونة، أكوام الكرات والكتب، الصور، والأغاني كلها تنتظر عودة ذلك الصبي الأسمر ذا العينين الواسعتين..
والدته وأخواته جلبن شرائط ، بالونات، شموع ملّونة، وكعكة بحجم لهفتهن...
ها هو يأتي طائراً إليهم كمهر بجناحين، تاركاً فوق رصيف المدرسة جسداً برونزياً تنام في ذاكرته شظية أصغر من حبة الزيتون!

تشبث
كان له ما أراد.. صارت ساعته(90) دقيقة، يومه (36) ساعة، شهره (45) يوماً ، سنته (18) شهراًً...
ولمّا جاءه ملك الموت بعد ( ألفي ) عام وسأله:
ـ هل اكتفيت ؟
أجابه الإنسان:
ـ لا.


فراغ
* إلى حجي المرشاوي
لم يجلس يوماً إلى طاولته ليكتب، إلاّ وعليها علبة سجائره المفضلة..
الدخان صار طقساً مقدساًً من طقوسه الكتابية.. تدهورت صحته، فنصحه الطبيب أن يترك التدخين.. ألحّت عليه زوجته، توّسل إليه أطفاله، فرضخ صاغراً وأقلع عن تلك العادة.
مضى على ذلك خمس عشرة سنة...
إنه الآن يتمتع بصحة جيدة، وشهية عجيبة للطعام، ومواظب على ممارسة الرياضة كل يوم.
الجميع يحسدونه على تغيير حياته.. لكن لا احد غيره يحسّ حجم الألم الذي يعتصره، حين يلتفت إلى أوراقه المتروكة فوق الرفوف وهي لا تزال ترمقهُ بنظرات تقطّر بياضاً وحقداً.
* جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3996 - التاريخ 14/9/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم