الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة أخلاق ... وضمير – 2 –

حميد غني جعفر

2011 / 10 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تجربة بلادنا التي طرحناها في – الحلقة السابقة – أمام شعوبنا العربية الشقيقة الثائرة والمنتفضة اليوم بوجه الانظمة الديكتاتورية الاستبدادية في منطقتنا العربية ،ينبغي ان تكون درسا بالغ الاهمية في إستخلاص العبر ، وتهدف الى تبصير شعوبنا العربية وكل قياداتها السياسية الوطنية كي لاتنحى بذات المنحى الذي جرى في بلادنا ، وينبغي ان لا يغيب عن بال قياداتها الوطنية بان هذه الثورات والانتفاضات المنتصرة – ما كان لها ان تنتصر إلا بوحدة ارادة الشعوب وتضحيات ابناءها بدمائهم الزكية وشاركت فيها كل فئات وطبقات الشعب الكادح خصوصا الفقراء المعدمين من – عمال وفلاحين وكسبة وجنود وطلبة ومثقفين – فلا ينبغي ان يذهب دمهم الطهور هدرا – بل يجب ان يبقى الزيت الذي يضيء دروب الثوار نحو بناء الغد الافضل والحياة الحرة الكريمة التي ضحوا من اجلها ،من اجل الحرية والديمقراطية الحقيقية الملتزمة – لا ديمقراطية ليبرالية سائبة – مستوردة - .
ونحن في الوقت الذي نهنيء فيه – اليوم – الشعب الليبي الشقيق بانتصاره الحاسم على نظام الظلام والتخلف ندعوه وكل الشعوب المنتصرة الى اليقظة والحذر من مخاطرالالتفاف والارتداد على ثورته فهي لازالت قائمة –لكن وحدة إرادة الشعب – ووحدة الارادة والموقف للقيادات السياسية الوطنية – المستندة لارادة الشعب في صنع القرار ... بعيدا عن اية ضغوطات او تأثيرات خارجية – اجنبية او اقليمية – وعلى ان يكون من منطلق الهوية الوطنية الاساسية وبعيدا عن المسميات الاخرى الثانوية وهذه الارادة والموقف الوطني الر صين ، هو كفيل بالحفاظ على الثورة وانتصارها .
وعلى شعوبنا الثائرة ومنها الشعب الليبي ان تعي وتدرك جيدا حقيقة - جوهر الصراع الاساسي - كي لا تقع في فخ صراعات ثانوية – قومية او دينية او طائفية – فتضيع بذالك ثمرة الانتصار وفرحة وآمال الشعب كما جرى في بلادنا وانشغال الساسة في متاهات الصراعات والمهاترات – بعيدا عن المصالح العليا للوطن بتغليب مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة او القومية إذ وجدوا في الديمقراطية الليبرالية السائبة ضالتهم المنشودة ، وفي خضم احتدام تلك الصراعات بات مستقبل العراق مجهولا .
والحقيقة الجوهرية الاساسية التي لابد من ايضاحها ، هي ان الصراع في حقيقته وجوهره هو صراع طبقي بين الظالم والمظلوم - اي بين طبقتين – طبقة تملك وسائل الانتاج وتستحوذ على كل شيء من الثروات والخيرات – وطبقة مسحوقة معدمة لا تملك شيئا إلا قوة عملها تبيعها للرأسمالي الجشع وهو صراع ازلي منذ الخليقة – وليس له من علاقة بقضية الدين او القومية إطلاقا ، لكن الغرب الامبريالي بزعامة امريكا يسعى جاهدا وبكل السبل والاشكال لالغاء او تمييع جوهر الحقيقة – حقيقة الصراع – بهدف إخفاء طبيعة النظام الرأسمالي القائم أساسا على الظلم والاستعباد والاستغلال الطبقي ونهب وسلب ثروات وخيرات الشعوب والتحكم بمصائرها ، ولذا يسعى الغرب بزعامة امريكا لتحويل الصراع الى صراعات قومية او دينية او عرقية عبر اختلاق الفتن وتأجيج وتسعير تلك النعرات بشتى السبل والاشكال لتمزيق وحدة المجتمع الواحد بغية إضعافه لادامة هيمنته على الدول الضعيفة بهدف السلب والنهب والتحكم بمصائرها ،مستغلا بذالك حالة الجهل والتخلف السائد – للاسف – في مجتمعاتنا العربية والتي هي بفعل سياسات أنظمتها الرجعية المتخلفة في ممارستها لابشع أساليب القمع والبطش والتنكيل ، لانها تخشى نور الحقيقة وتحارب العلم والثقافة والتنوير خدمة لمصالح أسيادها الذين نصبوها – كشرطة حاكمين – كما أسماهم مظفر النواب ، ومن هنا وكما اوضحنا بان الصراع الرئيسي والاساسي هو بين الشعوب بكل قواها الوطنية والتقدمية وبين النظام الرأسمالي بزعامة امريكا .
فالاديان في منطقتنا العربية – والحمد لله –مصانة ومحترمة ولها هيبتها وقدسيتها ولجميع الاديان حرية التعبد وإبدا شعائرها الدينية ولم تحارب من اية جهة كانت ، إذن اين المشكلة ؟
فالمشكلة الجوهرية – الحقيقية والفعلية – تكمن في طبيعة النظام الرأسمالي العالمي بزعامة امريكا القائم على الظلم والإستعباد والإستغلال الطبقي بأبشع صوره ... ومطامعه في ثروات الشعوب وخيراتها وامتصاص دمها والتحكم بمصائرها ،ومن اجل ذالك يسعى بكل السبل والاساليب الخسيسة لاختلاق الفتن وتأجيج الصراعات ، وكما يقول الزعيم الهندي الراحل – غاندي - إذا تشاجرت سمكتان في البحر – فان بريطانيا هي السبب –وكان ذالك في عهد بريطانيا العظمى – واليوم امريكا زعيمة الامبريالية العالمية هي السبب .
ونظرة سريعة فاحصة للتأريخ القريب - لتذكير الشعوب – بان امريكا استغلت طغيان الشعارات والعوطف القومية التي ملأت الساحة العراقية والعربية في خمسينات القرن الماضي – بفعل قضية فلسطين الذبيحة – فاتخذت من العواطف الساذجة والشعارات البراقة الوسيلة والغاية لتفريق وحدة الصف بتشتيت القوى الوطنية واستعداء بعضها ضد البعض وايضا استعداء الدول الاقليمية ضد بعضها وباساليب الدعايات الخبيثة والتشويه للحقائق ، ومصدر تلك الدعايات – مصانع فبركة الاكاذيب الامريكية –لتشويه سمعة ومواقف قوى اليسار الديمقراطي وتحديدا الماركسية ، على انها اي – الماركسية – لا تعترف بالقومية والدين – مستغلة بذالك حالة الجهل والتخلف – مع ان الحقيقة هي ان الماركسية هي اول من أقر حقوق القوميات صغيرها وكبيرها واول من يحترم الاديان وأول نظرية علمية واقتصادية وانسانية تهدف الى التوزيع العادل للثروات والخيرات بين افراد الشعب بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج التي هي البلاء في الظلم والاستغلال وبالتالي إزالة الفوارق او التفاوت الطبقي .
كان ذالك يوم لم يكن للاسلام السياسي او القوى الاسلامية من وجود على الساحة العراقية والعربية ... أما اليوم وبعد ان تكشفت الاقنعة – المهلهلة –عن الوجوه الكالحة لدعاة القومية الزائفة واتضحت أمام شعوبنا العربية زيف وبطلان وديماغوجية كل الشعارات البراقة التي كان يتاجر بها القوميون المزيفون لتضليل شعوبهم باسم القومية والعروبة – وفلسطين الذبيحة هي الشاهد والبرهان ... وواقع الحال انهم جلبوا لشعوبهم الويلات والكوارث وسالدماء والدمار ، وما عراقنا اليوم إلا الضحية لفرسان دعاة القومية الزائفة من البعثيين والقوميين الذين جعلوا من أنفسهم أداة طيعة وذليلة لخدمة مصالح الغرب الامبريالي واحتلال بلادنا .
واليوم وجدت امريكا في مسألة الدين – بعد ان أفل نجم القومية وتساقط – الثغرة التي تنفذ منها لتمزيق وحدة الصف واشغال القوى السياسية بالصراعات والمهاترات واستعداء بعضها على البعض لخدمة مصالحها وإدامة هيمنتها ...فكان الاحتقان الطائفي والاقتتال بين الاخوة في الدين والوطن الواحد وكذا كان استهداف المسيحيين ... ولا زالت الصراعات على أشدها
ونرجو ان لايساء الى فهمنا فنحن لا نقصد الاساءة او الطعن باية جهة كانت ... فنحن ندرك ان هناك قوى قومية وطنية شريفة مناضلة ومخلصة لشعوبها وهناك ايضا قوى اسلامية شريفة ومناضلة ... لكننا أردنا فقط إيضاح الحقائق والتنبيه الى الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها أعداء شعوبنا العربية لحرف مسار ثوراتها وانتصاراتها والعودة ببلدانها الى الديكتاتوريات وعهود التخلف .
وللحقيقة والواقع فإننا كلنا قوميون ومتدينون ولكل منا قوميته ودينه الذي يعتز ويفخر به مهما كان عربيا ام كرديا – مسلما ام مسيحيا – وبالتالي أردنا كشف حقيقة وجوهر الصراع الطبقي فهو الصراع الاساسي بين الشعوب المقهورة والمستعبدة وبين الرأسمالية المتوحشة ... فهذه الحقيقة الجوهرية غائبة عن مجتمعاتنا العربية ولابد من إيضاحها كي لا تنشغل بصراعات جانبية او ثانوية .


والى حلقة قادمة





حميد غني جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة