الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية: القانون وحقوق الإنسان -المفاهيم- - 2-

نادية حسن عبدالله

2011 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي لا يمكن ان تتحقق بغياب أحد الشروط عنها، أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين وتؤمن الحريات وخاصة حرية التعبير. ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يتعرض أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر.

فالدولة المدنية تقوم على أسس ومباديء أصبحت ثابتة في عرف كل الدول الحديثة وعلى رأسها المواثيق الدولية التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة ومنها القانون العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية وغيرها من مواثيق الأمم المتحدة . كل هذه المواثيق تدعو بكل وضوح إلى الإعلاء من مكانة الإنسان كانسان حر أولا وتضع ثوابت أساسية تؤسس لدولة الحق والحرية.

يلتقي الطابع الأساسي للبعد الداخلي لحقوق الإنسان مع مبدأ أساسي كرسه القانون الدولي وهو أن المسئولية الأولى عن احترام حقوق الإنسان والنهوض بها مسئولية وطنية تقع بالدرجة الأولى على عاتق كل دولة إزاء مواطنيها وذلك في إطار احترام التزاماتها الدولية.

الدولة المدنية تحترم حقوق الإنسان

أن شروط إمكانية- قيام حقوق الإنسان هي قيام عقد اجتماعي أو سياسي حديث، ونشوء نوع جديد من الشرعية المؤسسية، وتحول الفرد من مجرد كونه رقما مجهولا في المعادلة الاجتماعية إلى كونه مواطنا ذا حقوق، ومشاركا فاعلا في المجال السياسي، وهي نزعة ترتكز على تصور جديد للإنسان قوامه أن الإنسان كائن واع وحر وفاعل ومسؤول.

وتركز مبادئ الدولة المدنية على احترام حقوق الإنسان، باعتبار ان كرامة كل إنسان في العالم هو شيء أساسي وضروري لحياة الإنسان بغض النظر عن العنصر أو اللون أو الجنس أو الأصل أو الدين أو الوضع الاجتماعي.
عندما نتحدث عن دولة القانون وحقوق الإنسان، من الضروري أن نعلم بأن مجرد إدماج مصطلحي (الحق والقانون ) في صيغة الكلام ، فنحن نعي جيدا أن هذان المصطلحان يعبران عن رمزية أساسية في خلق دولة ذات مؤسسات ديمقراطية . إن تحديد هذا المفهوم يختلف من دولة إلى أخرى، ومن وعي مجتمع إلى أخر.

إن الأصل في القانون هو ضبط مجال الحقوق في المجمل وليس تقييدها، وفي دولة القانون وحقوق الإنسان، يكون وضع أو تأويل القوانين لصالح تيسير التمتع بالحقوق، وليس لصالح تعسيرها، وعلى هذه القاعدة تتأسس دولة الحق والقانون، باعتبارها مبنية في الأصل على الحق في التعبير والتنظيم والعيش الكريم والكرامة الإنسانية والاجتماع والاختيار الحر والمعارضة...ويأتي القانون تبعا لهذا الأصل ضابطا له وميسرا لوجوده، فالقانون يأتي اقتضاء لهذا الحق لا ابتداء، هذا هو عمق دولة الحق والقانون.

ويمكن إجمال أهم حقوق الإنسان الذي يجب ان يعززها القانون في التالي :

1. حق المجتمع في تقرير نوع ومضمون تعاقده مع من يحكمه ويسير شأنه العام،
2. حق المجتمع في تقرير الاختيارات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للدولة، عبر مؤسسات تمثيلية له مسؤولة وشفافة ومشكلة بنزاهة وحرية،
3. حق المجتمع في اختيار من يسير شأنه العام،
4. حق المجتمع في تقويم ومراقبة ومحاسبة من يسير شأنه العام،
5. حق المجتمع في تنظيم نفسه والتعبير على اختياراته المتنوعة،
6. حق المجتمع في حماية نفسه ضد كل إرادة للتعسف والاستبداد،
7. حق المجتمع في صون الكرامة الإنسانية لكل أفراده، بمختلف تجلياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
8. حق المجتمع في صون الملكية الفردية والمنافسة الاقتصادية الشريفة والحرة والشفافة المسؤولة لكل أفراده

وينبغي على دولة القانون وحقوق الإنسان أن تكون ملاذ طموح المجتمع، والدولة الضامنة لهذه الحقوق، العاملة على إصدار قوانين بما يضمن سريان هذه الحقوق. بهذا المعنى لا يمكن أن نتصور "قضاء" في دولة الحق والقانون غير مستقل، أو لا يحمي المجتمع من الظلم والتعسف والشطط في استعمال السلطة. ولا يمكن أن نتصور "قانونا للصحافة" يكبل حرية التعبير ولو تحت أية دعاوى أو تبريرات قانونية، ولا "قانونا للأحزاب السياسية" يعرقل التأسيس، وتوظف فيه الثغرات لصالح المنع أو الإنكار، و لا قانون لحفظ الأمن لا يصون كرامة المواطن، ولا "قانونا جنائيا" لا يحمي المتهم، ولا يضمن له مجريات تحقيق ومحاكمة عادلتين.

وكما أن دولة القانون وحقوق الإنسان ينبغي عليها إصدار قوانين بما يضمن سريان هذه الحقوق، فهي كذلك الساهرة على تطبيق هذه القوانين بما يضمن سريان تنزيلها، بشكل يحفظ أيضا هذه الحقوق الأساسية. إن القانون في دولة الحق والقانون، ينبغي أن يكون خادما للحق لا أن يكون الحق خادمه، أن يكون خاضعا للحق لا أن يكون الحق خاضعا له، أن يكون مسيدا بالحق لا سيدا عليه، هذا هو معنى القانون في دولة تحترم حقوق الإنسان.
إن دولة تحترم القانون وحقوق الإنسان ليست هي فقط التي تتوفر على دستور وعلى حكومة وعلى برلمان وعلى جهاز قضائي، وليست فقط التي تتوفر على ترسانة هائلة من القوانين، وليست فقط هي التي تدار فيها الانتخابات، إن دولة القانون وحقوق الإنسان هي مضامين قبل كل هذا، ومضامينها كلها ينبغي أن تكون منسجمة مع مبرر وجودها، الذي هو ضمان حقوق المجتمع وفئاته وأفراده وجماعاته.

الدولة المدنية هي دولة القانون، وبالتالي لا يمكن شخصنتها، فهي ليست ملكاً لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء، بل إن الدولة المدنية تؤسسُ على قاعدة الفصل الحقيقي وليس الاعتباري، بين السلطات الثلاث. ولا يمكن لأي دولة إن تكون إدارتها ناجحة مالم تكن دولة مدنية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى واسع وشامل ، كما انه لا يمكن إن يكون أي مجتمع مدنياً متحضراً مالم يكن قائماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً على مبادئ القانون . وإن قوة أي مجتمع لا تقاس فقط بما يملكه هذا المجتمع من وسائل تقنية مادية بل بما يملكه هذا المجتمع أيضاً من تشريعات قادرة على حمايته وتنظيمه وتطويره ، إن القانون وبفروعه المتعددة والمختلفة ينظم حياة إفراد المجتمع , ويضع أطاراً شرعياً ونظاما وعدلا يقوده إلى التقدم والازدهار .وتعتبر حاجة الفرد بالشعور بالأمان في تعاملاته اليومية ضمن إطار المجتمع هي من أهم الوظائف الأساسية لكل قانون، وضمان سيادة القانون هي الوسيلة الأكيدة لحرية الفرد والأساس الشرعي لممارسة السلطة.

إن دولة القانون تعني الالتزام بالشرعية والمشروعية الدستورية في أعمال الدولة وحيادية ودوام مؤسسات الدولة ورفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب بأكمله .

السلطة العليا في الدولة المدنية هي سلطة القانون الذي يلجأ إليه الأفراد من اجل حفظ حقوقهم من الانتقاص والانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع أي طرف من تطبيق أي شكل من أشكال العقاب بأنفسهم. النظام العام هو الذي يحمي المجتمع.

من أهم مبادئ الدولة المدنية تأمين حرية المعتقد والمساواة والمواطنة؛ فالفرد لا يُعرّف بمهنته أو بدينه أو بماله أو بسلطته، ولكن يُعرّف تعريفا قانونيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.

وأن أساس ضمانات الدولة المدنية العصرية يجب أن يقوم على المقومات المدرجة أدناه وهي :-

الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية كأحد مقومات الدولة المدنية فأن الهدف الأساس من قيامه هو حماية الفرد من تعسف السلطات العامة واعتدائها على حقوقه فهو يفترض وجود حقوق للأفراد في مواجهة الدولة لأن المبدأ ما وجد الأ لضمان تمتع الإفراد بحرياتهم العامة وحقوقهم الفردية .ومتى ما اختفت الحقوق والحريات الفردية أو انعدمت في النظام القائم كنا أمام دولة أمنية ومتى ما وجدت وكان الحاكم يعسف بها ويستبد بأمور الأفراد كنا أمام دولة استبدادية وفي الحالتين لا وجود لدولة القانون.
.
الحريات المدنية هي الاسم المعطى لحماية حريات الفرد من الحكومة تماماً. الحريات المدنية تضع حدوداً للحكومة حتى أنها لا تستطيع إساءة استعمال قوتها أو تتدخل في حياة مواطنيها.

الدولة المدنية هي دولة القانون والمواطنة المتساوية، دولة المؤسسات الدستورية الديمقراطية تؤسس على الدستور المدني الذي هو بمثابة عقد بين الحكومة والمحكومين يعمل على حفظ الحريات المدنية والسياسية ويمثل مرجعاً أعلى تُستمد منه الشرعية ويحوي المبادئ العامة المنظمة للحياة الديمقراطية للأفراد والمجتمعات .

الدستور المدني بين الحكومة والمجتمع يتم بموجبة تفويض الشعب للحكومة بإدارة شئون البلاد وفق شروط، ويسحب هذا التفويض إذا حدث إخلال بالعقد ويمثل هذا الدستور تأكيداً على أن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها .

وجود الدستور كأساس للدولة المدنية يقيم نظاماً ويضفي الشرعية والوجود القانوني للسلطة الحاكمة في المجتمع ويضع التنظيم وحق التصرف باسم الدولة،وينظم أيضاً وسائل ممارسة السلطة. ويبين الدستور الطريقة التي يمكن بها اختيار الحاكم وحدود سلطاته وعلى ذلك تكون السلطة التي مصدرها الدستور مقيدة بالضرورة بذلك ، كما يحيط الدستور الهيئة الحاكمة بإطار قانوني لايمكن الخروج عنه وإلا فقدت صفتها القانونية وبالتالي تفقد صفتها الشرعية . وبهذا يصبح الدستور هو المعيار في تنظيم تصرفات السلطات التي تنشأ عنه في الدولة ( السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية) .وبذلك يصبح المفهوم الذي قدمناه يتعذر معه وجود دولة القانون بدون وجود الدستور ومن هنا كان الدستور أول مقومات دولة القانون.

تدرج القواعد القانونية هو الركن الثاني في بناء الدولة المدنية ذلك انه لايمكن تصور النظام القانوني بدون تدرج القواعد القانونية فيه ,الذي يظهر سمو بعض القواعد القانونية على بعضها البعض , وتبعية واستناد بعضها على البعض الآخر. فالقواعد القانونية ليست في مرتبة متساوية من حيث القوة والقيمة، ففي القمة تأتي القواعد الدستورية، ومن ثم تتلوها التشريعات القانونية العادية ثم الأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من السلطات الإدارية وهكذا يستمر هذا التدرج حيث يصل إلى القاعدة الفردية أي القرار الفردي الصادر من سلطة أدارية دنيا ، وهذا التدرج يستلزم بالضرورة خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأسمى شكلاً ومضموناً.. ومع هذا المفهوم لتدرج القواعد القانونية أوتدرج النظام القانوني في الدولة يتعذر أيضاً تصور وجود الدولة القانونية بدونه، ومن هنا كان تدرج القواعد القانونية أحد مقومات دولة القانون.

خضوع السلطة للقانون هو ركن أساسي لقيام الدولة المدنية, فلا يمكن أن تقوم الدولة المدنية إلا به وبمقتضاه كما لا يجوز للسلطة أن تتخذ إجراء أو قراراً إداريا أو عملاً مادياً إلا بمقتضى القانون وتنفيذا له ولايمكن لها أن تتصرف إلا بالقانون كونها أحدى سلطاته والتزامها بالعمل وفق القانون يؤكد وحدة النظام القانوني المقرر في الدولة وهو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية ( مبدأ حكم القانون ) ويعتبر ذلك السلطة عنصر من عناصر دولة القانون ، ويترتب على هذا أيضا سيادة حكم القانون وسيطرته وخضوع الإدارة في نشاطها للقانون تطبيقاً لمبدأ الشرعية وعنصراً من عناصر الدولة . ويترتب على مبدأ الشرعية سيادة حكم القانون وسيطرته وخضوع الحكام والمحكومين له على السواء فلا يصح أن يتحلل الحكام في دولة القانون التي تقوم على أساس وجود المبدأ المذكور من حكم القانون . ومتى أصبحت السلطة في وضع لا تتقيد فيه بالقانون وتتخذ إجراءاتها وقراراتها الإدارية وأعمالها المادية استناد لأهوائها كنا أمام دولة أمنية/ بوليسية . حيث تكون السلطة مطلقة الحرية في أن تتخذ أنجاه الأفراد ما تراه من الإجراءات محققة لغاياتها

يجب أن تهدف "القوانين إلى غرض واحد أخير، هو خير الشعب ... ولا يحق للسلطة التشريعية ولا ينبغي لها أن تُسَلم صلاحية وضع القوانين لأية هيئة أخرى أو تضعها في غير الموضع الذي وضعها الشعب فيه قط".

من هذا المنطلق تكون مهمة الدولة المدنية المحافظة على كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر . فهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها دولةَ مواطنة، تقوم على قاعدة ديمقراطية هي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. وعليه فالمواطنون لهم حقوق يتمتعون بها، مقابل واجباتٍ يؤدونها. وهذه المواطنة لصيقةٌ كليا بالدولة المدنية، فلا دولة مدنية بدون مواطنة، ولا مواطنة بدون دولة مدنية. وعليه فالمواطنة لا تتحقق إلا في دولة مدنية ديمقراطية تعددية دستورية تصون كرامة المواطن وقناعاته في ممارسة معتقداته وأفكاره بالشكل الذي يؤمن بها في إطار الدستور الذي أقره الشعب.

إذن العلاقة بين الدولة المدنية والمواطنة أساس بناء المؤسسات المدنية الديمقراطية، وأساس هذه العلاقة هي الحقوق والواجبات بحرية، وحماية مصالح المواطنين التي تعتبر نواة مصالح المجتمع والدولة. فبدون حرية لايمكن صيانة حقوق المواطنين، وبدون حرية لايمكن للمواطنين القيام بواجباتهم تجاه الدولة. فالتفاهم والاحترام يؤديان إلى الالتزام من قبل المواطن تجاه الدولة، ويؤديان إلى حماية الدولة لحقوق المواطن. ومن هنا تتعمق قوة الإرادة الوطنية لتحقيق الاستقرار والسلام والازدهار.
الدكتورة شذي ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد
الجامعة الأمريكية في بريطانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها