الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة المالية والاقتصادية وسبل مواجهتها (1-3)

فهمي الكتوت

2011 / 10 / 30
الادارة و الاقتصاد


يشكل الوضع الاقتصادي مصدر قلق كبير للأردنيين في بلادنا على الرغم من تقدم الشعار السياسي على الاقتصادي، والسبب في ذلك إدراك ووعي الحركة الشعبية والسياسية المنادية بالإصلاح، إن إصلاحا اقتصاديا واجتماعيا لا يمكن تحقيقه بمعزل عن إصلاح سياسي ودستوري يضمن فصل السلطات الثلاث وعدم تغول السلطة التنفيذية، وتلازم السلطة والمسؤولية، وإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب، وتشكيل حكومة الأغلبية النيابية، وتحقيق التداول السلمي للسلطة.
فقد واجه الأردن كغيره من البلدان العربية غير النفطية والدول الفقيرة عامة تحديات كبيرة بعد استقلاله السياسي تمثلت بشدة الفقر والتخلف الاقتصادي، وعدم وجود بنية تحتية، ونمو القطاعات غير الإنتاجية، مثل التجارة والخدمات، والاعتماد على الخارج في تأمين الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية. ومع مرور 65 عاما على الاستقلال وعلى الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ، وتطور البنية التحتية، وتطور الخدمات العامة المبنية على أسس تجارية استثمارية- الصحة والتعليم- إلا ان السياسات العامة للدولة لم تضع ضمن توجهاتها الأساسية بناء قاعدة اقتصادية إنتاجية تؤسس لاقتصاد متين قادر على حماية البلاد من الأزمات، بل على العكس من ذلك فقد تخلت الدولة عن بعض انجازاتها بما يسمى بسياسة التخاصية التي أفقدت البلاد قدراتها المتواضعة، لتقف الآن عاجزة عن مواجهة الأزمات. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة بضرورة إعادة النظر بالسياسات المتبعة والتكيف مع المستجدات وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتأثيرها على الاقتصاد الأردني إلا أن الفريق الاقتصادي تعامل معها بعدم اكتراث أحيانا وبتصريحات متناقضة ومرتبكة أحيانا أخرى، فقد تراجعت وتائر النمو الاقتصادي خلال عام 2009 إلى 2.8% وفي عام 2010 إلى 3.1% مقارنة مع نمو قدره 7.8% في عام ،2008 وأدى هذا التراجع إلى انخفاض إيرادات الخزينة. في المقابل شهدت البلاد انفلاتا في الإنفاق المالي أدى إلى عجز غير مسبوق في الموازنة. بسبب المالية والاقتصادية غير المتوازنة، وإنفاق أموال الدولة بقصد او بغير قصد بطريقة عشوائية تنم عن الجهل الإداري او الفساد باستحداث عشرات المؤسسات الخاصة، والتي أصبح عددها 62 مؤسسة أنفقت عام 2010 حوالي 1.915 مليار دينار إضافة إلى النفقات العامة الواردة في موازنة الدولة، نصفها نفقات جارية، وبعجز قدره 606 ملايين دينار. وموازناتها لا تخضع لإقرار مجلس الأمة- قبل التعديلات الدستورية الجديدة- من بين هذه المؤسسات سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وهي مثل ساطع على فشل هذه السياسات، وقد فرخت ما يعرف بشركة تطوير العقبة، فمن المعروف ان الدولة أنفقت على منطقة العقبة أرقاما فلكية، وقدمت لها كافة الإعفاءات الضريبية، فهي لا تمد الخزينة بأي دعم، ليس هذا فحسب، بل تعاني من عجز بلغ قيمته عام 2010 حوالي 55 مليون دينار، يتحول الى ديون الخزينة.
لم يعد ممكنا استمرار النهج السائد في السياسات المالية والاقتصادية التي اوصلت البلاد الى كارثة اقتصادية، لا تقل خطورة عما شهدناه عام 89 والتي أدت إلى انهيار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية، ولولا المساعدات الخارجية الاستثنائية التي حصلت عليها الخزينة خلال العام الحالي لتعرض الاقتصاد الوطني وموازنة الدولة، الى ازمة خطيرة بسبب ارتفاع معدلات الانفاق بشكل غير مسبوق مع تراجع الايرادات المحلية. في ظل تراجع النمو الاقتصادي، وانخفاض احتياط البلاد من العملات الاجنبية ، وتراجع الايرادات من السياحة. في ظل هذه الاوضاع واصلت حكومة البخيت سياساتها الاقتصادية على خطى الحكومات السابقة، على الرغم من الضخ الاعلامي حول الخطط والبرامج لمواجهة الازمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد، فلم نشهد اجراءات حكومية تنعكس نتائجها على حياة المواطنين بشكل ملموس، فقد تعهدت الحكومة منذ تشكيلها في بداية العام الحالي بدعم الفئات الفقيرة، وتوسيع الطبقة الوسطى من خلال التوزيع العادل للدخل، وجسر الهوة بين الاغنياء والفقراء، لم تقدم الحكومة إجراءات محددة على هذا الصعيد ولم تصمد توجهاتها المزعومة امام الواقع فقد واصل الاقتصاد الوطني تباطؤه فالتقارير الرسمية تشير الى تراجع النمو الاقتصادي للنصف الاول من العام الحالي الى حوالي 2.3%، اي اقل من معدل النمو السكاني، إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم الى حوالي 4.7%، ناهيك عن التوزيع غير العادل للثروة، وانتشار جرائم الفساد، أما الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة فقدرت بحوالي 25% خلال السنوات الأربع الأخيرة والمواد الغذائية وحدها بحوالي 38% وفقا لمعلومات دائرة الإحصاءات العامة، والتي أدت هذه السياسات الاقتصادية الى زيادة عدد الفقراء في بلادنا. ومن غير المتوقع ان تحقق إيرادات الموازنة اهدافها المعلنة، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي من جهة، والسياسات الضريبية المتحيزة ضد الفقراء والتي خفضت نسبة مساهمة القطاع المصرفي وكبار التجار من جهة اخرى.
وبالتدقيق بالارقام المعلنة من دائرة الإحصاءات العامة حول ارتفاع نسبة الفقر استنادا لبيانات نفقات ودخل الاسرة لعام 2008 ، والتي تعتبر ثمرة السياسات الرسمية للحكومات المتعاقبة، فقد بلغ خط الفقرالمطلق 680 دينارا للفرد سنويا، وعلى مستوى نفقات الأسرة 323 دينارا شهريا، وارتفعت جيوب الفقر من 22 جيبا عام 2006 الى 32 جيبا ،2008 اي ان اكثر من 25% من سكان هذه المناطق يعيشون تحت خط الفقر، تعكس هذه المعلومات اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء نتيجة التوزيع غير العادل للثروة الوطنية والسياسات الاقتصادية المتحيزة ضد الفقراء للحكومات المتعاقبة، فقد سجل الناتج المحلي الاجمالي نموا خلال عامي المسح 8.8% و 7.6% على التوالي، وارتفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 25% ليصل الى 2753.5 دينار بالاسعار الجارية، وفقا للارقام الرسمية، مع ذلك ارتفع عدد الفقراء، واتسعت جيوب الفقر ..! للكشف عن مدى تضليل المعايير المستخدمة في الوصول لمتوسط نصيب الفرد، فلم يسهم هذا النمو بتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ولم نلحظ اثرا ايجابيا على المجتمع المحلي، بسبب التوزيع غير العادل لمكاسب التنمية، والسؤال المطروح اذا لم تنحسر جيوب الفقر في ظل نمو اقتصادي مرتفع، واذا لم يشعر المواطن بمكاسب التنمية في ظل هذا النمو، فكيف الحال في ظل تراجع النمو الاقتصادي الى 2.3% فاي معدلات وصلت اليه جيوب الفقر حاليا..؟ ومع التحفظ على بعض الاستنتاجات والاستخلاصات التي وصلت اليها دائرة الاحصاءات، مع ذلك يمكن اعتبارها نذير خطر اجتماعي نلمس مظاهره يوميا من خلال التوترات والانفعالات الاجتماعية بازدياد حالات الانتحار والمشاجرات العشائرية وضعف سلطة القانون. وما التحركات الشعبية التي آخذت تتسع لتشمل معظم المحافظات، والمطالبة بمحاربة الفساد وتحقيق إصلاحات ديمقراطية وتوفير العمل للجميع ، ومعالجة مشاكل الفقر الا تعبير عن الظروف والأوضاع المعيشية البائسة التي أصبح يعاني منها الشعب الأردني، وعلى الرغم من اعتراف الأرقام الرسمية بارتفاع معدلات البطالة والتي قدرت هذا العام بحوالي 13.1% إلا أن هذه الأرقام ليست دقيقة، بدليل أن معدلات البطالة لم تتغير خلال السنوات الأخيرة وبقيت تراوح مكانها على الرغم من تراجع النمو الاقتصادي من حوالي 8% إلى 2.3 % في ظل زيادة سكانية تتراوح نسبتها اعلى من النمو الاقتصادي أو تلامسه، ونسبة التضخم ضعف نسبة النمو الاقتصادي، ومع ذلك معدلات البطالة تحافظ على نسبتها..!
ومع ذلك تخرج دائرة الإحصاءات العامة باستخلاص مفاده تحسن في توزيع الدخل..! أي تحسن في ظل هذه المعطيات..؟، فالانحراف في توزيع الدخل لصالح الأغنياء سبب اتساع دائرة الفقر، وفي هذا السياق تستشهد الدائرة بتحسن في مؤشر جيني لتوزيع الدخل، مقدمة معلومات خلافا للمعلومات الصادرة عن البنك الدولي، فقد ارتفع مؤشر جيني لتوزيع الدخل من 37.72 لعام 2006 وفقا لارقام البنك الدولي المنشورة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، إلى 39.3 فان المؤشر يميل نحو الهبوط وليس الارتفاع كما تعلن الإحصاءات، ومن المعروف ان مقياس جيني يعتبر مؤشر اللامساواة على مستوى توزيع الدخل، كل ما ارتفعت النسبة اختل توازن توزيع الثروة، كما لا بد من الاشارة الى ان حوالي 75%من من العاملين باجر في القطاعين العام والخاص يتقاضون اقل من 300 دينار شهريا، في حين تعلن دائرة الاحصاءات العامة ان خط الفقر المطلق يشكل 323 دينارا شهريا للاسرة، مما يعني ان نسبة الفئات التي تعيش تحت خط الفقر تتجاوز الارقام المعلنة.
اما الاسباب المباشرة لتدهورالاوضاع المعيشية للمواطنين تعود الى السياسات المالية والاقتصادية المتحيزة بزيادة العبء الضريبي للضريبة غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات، وانخفاض مساهمة الشرائح والطبقات الميسورة في ايرادات الخزينة من خلال السياسة الضريبية الاحلالية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة بتخفيض الاعتماد على ضريبة الدخل التصاعدية وزيادة الاعتماد على ضريبة المبيعات، والسبب الثاني انفلات الاسعار وارتفاع معدلات التضخم في ظل غياب الرقابة الحكومية، فقد ارتفعت الارقام القياسية لاسعار المستهلك الى 19.34% عام 2008 قياسا بعام 2006 ، والسبب الثالث لا يقل اهمية عن الاسباب الاخرى ارتفاع تكلفة مؤسسة الفساد الممولة من جيوب المواطنين ودافعي الضرائب وتصاعد المديونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص