الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الثورات العربية والتحديات

جورج حزبون

2011 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


اخذ يبدو إن ربيع العرب لن يستقر ثورياً ، بمعنى انه لن يكون ديمقراطياً حداثيا عربيا ، بل سيكون إسلاميا مع مسحة ديمقراطية ، وهي من لروميات الأمور وطبائعها ، لان إنكار الديمقراطية مبكراً سيفتح السبيل غالى رفض الخيار الاسلاموي ، ومن الضرورة استخدام ما يطمئن حتى تهيمن ، هذا نهج عرفت به الحركات الإسلامية ، وهو حال ليس مستجد ، فمنذ انطلاقة الإسلام الأولى كان ذلك نهجاً ، فالآيات المكية أكثر سلامية ورحمة ، والآيات المدنية طرحت السيف ، ونظرية التدرج عرضها حسن ألبنا مبكراً ، وبسبب كون هذه الأطر الدينية جاهزة تنظيمياً بفعل تواطأ الأنظمة معها وتوفر الإمكانيات المالية عندها ، ودعم الأنظمة الخليجية لها ، فقد توفرت لها ظروف مناسبة أكثر للتأثير سواء بالانتخابات وبالمهرجانات ، ولا يعني هذا ان الجماهير المنطلقة ثورياً لتصويب الحال السياسي في وطنها ، كان الإسلاميون وراء حراكها ، إلا إن اليقين لديهم دينياً ، والحراك الشبابي ضبابياً ، ولعله انتهى لمجرد سقوط قيادة الأنظمة الحاكمة ، فتهالكت القوى الدينية وخاضت معركتها لاعتبار التوجهات الشبابية او الحداثية والديمقراطية مجرد نزوة مرحلية ، وإنها لا تملك إجابات واضحة لما هو مقبل فقدمت هي بالغيبية التاريخية ( الفكر الديني ) ، وأصبح المجتمع أكثر فوضوية بفعل ذلك ، وطرت أسئلة كثيرة، لماذا خرجنا ؟؟ الى أين تتجه ؟؟ وهل تتكرر تجربة الفشل ؟ ولكننا لا نملك حتى اللحظة بديلا ، وهذا ما قد يسمح باستمرار الفوضى وعدم الاستقرار ، حيث لا يشاهد جديد سوى الأشخاص او الرموز .
ان الحالة الراهنة لما وصلت إليه الثورات العربية ، تحتاج لقراءة التجربة السياسية العربية مع الحرب العالمية الأولى والثانية وما بينهما ، واستعراض الأفكار والعقائد التي سادت او عرضت ، لما بعد السلطة العثمانية ، فقد غادر العثمانيون البلاد العربية وهي مناطق مفتوحة ، يملك بها العربي التنقل والاستقرار ، الى حالة من التجزئة شملت بلدانناً إقليمية ، مقسمة بالجغرافيا ، ومتنازعة بالتاريخ والقيادة ، لكنها موحدة بالانتماء الإسلامي اكثر من العروبي ، ذلك الانتماء الذي رأي فيه الأفغاني وابن تميمة وبعده رشيد رضا ومن بعدهم أنه هو جامع الأمة وعنوانها ، وان من الخطأ الدعوة للقومية العربية، بل وجدوا فيها ما يتعارض مع الإسلام ، وعليه خاصموا الدعوات القومية من البعث حتى عبد الناصر وكل حركات القومية العربية متعاونين مع الانظمة الحاكمة ، وبهذا يصبح الإسلام حالة سياسية ، عقيدة دينية ترفض التجديد وتمتاز بالارتباط بالماضي وتفسر الحاضر حسب قيم الماضي ، ولقد استطاعت الامبريالية استغلال هذا المناخ لصالحها ، فشجعت قيام حركة الإخوان بمصر ( بريطانيا ) ، وتصدير الفكر الوهابي في السعودية ، ووجدت في هذه الأفكار ما يخدم هيمنتها واستغلالها لشعوب المنطقة ، وساهمت في إقامة أنظمة عسكرية فيها حتى استقرت نزعة التقسيم، التي فرضت حسب ( سايكس بيكو ) وضربت القوى الديمقراطية تحت ذرائع معاداتها للدين والشريعة وللأنظمة ، واستقرت الحركات الإسلامية وتطورت واتسعت ، وتحقق الانكفاء الذي ساد في مرحلة المماليك والترك سواء بالمظهر او بالانغلاق وقد بدا أكثر وضوحاً حيال المرأة التي فرضت عليها صيغ وقناعات حولتها الى مجرد كائن منتج للنسل و المتعة .
لم يكن فقط قيام إسرائيل السبب الوحيد في استمرار الاضطهاد والقمع للتحركات الشعبية ، فقد اهتمت أنظمة التسلط بربط تذمر الشعب منها ومن علاقاتها مع المستعمر ، بأنها تسعى إلى الدفاع عن الوطن حتى تستطيع مواجهة إسرائيل ، وان القوى المطالبة بالديمقراطية تعطل الجهد من اجل التحرير وهي قوى مرتبطة بالخارج، وسوريا بقيت تقمع شعبها على قاعدة انها تسعى للوصول للتوازن الاستراتيجي مع العدو ، والمدهش ان دولة إسرائيل والمحاطة نظرياً بأنظمة معادية ، تعيش نظاماً ديمقراطية تعدديا ، وحين لم يعد ممكناً الحفاظ على هذه الادعاءات والافتراءات بعد ان انفتح العالم بالاقتصاد وثورة الاتصالات ، انطلق شباب الدول العربية لإسقاط الأنظمة ( ربما وقد يكون أكثر صوابية ) باعتبارها العقبة الأساسية ، إمام طموحاتهم للالتحاق بالعالم ، بالانفتاح والديمقراطية والحداثة ، وتم لهم تحقق جزء مهم من مسيرتهم ، لكنهم لم يحتسبوا ان قوى الثورة المضادة أصبحت جزء مهم في مسيرتهم ، مترسخة ولا امتدادات ،وهي جزء أساسي من الأنظمة وليست مجرد مؤسسات او قوى دينية ، فحين سقط النظام بقيت أدواته ودعاويه وبيروقراطيته ، ويستطيع ان يتجدد او يغير جلده ، ويعيد إنتاج نظام ربما أكثر عدوانية .
ولئن أصبحت إمكانيات القوى الاستعمارية والرأسمالية اضعف مما كانت لتهب بتلقائية وتدعم الأنظمة المتهالكة ، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها أزمتها المالية، الى جانب وعي شبابي ناهض رافض لاستمرارية النهج السائد سواء في منطقة الدولار او في منطقة اليورو ، ويعبر عن موقفه بمحاولة الاستيلاء على ( وول ستريت ) باعتبارها الممثل الرسمي للأنظمة الامبريالية ، مما إربك خطواتها وجعلها تتردد في إشهار مواقفها الداعمة علنا للأنظمة الرجعية في بلدان التخوم ، وحرصا على ان لا تخسر مواقع نفوذها ، فإنها تستبدل تحالفاتها ، وهنا تجد في الإسلام السياسي حليفاً مناسباً ، من حيث كونه ليس غريباً على النهج السابق ولا على أساليب الحكم الشمولي الرافض والمعارض للحداثة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير .
ورغم ان هذا المناخ قد يعيق الثورة الحداثية والتجديد الثوري للعالم العربي ، بل قد يعيد صياغة حالة عربية تم إيقاف تطورها منذ الحربين العالميتين ، فانه يبقى تعطيل مؤقت و طارئ ، فالإقليم جزء من حركة التغير العالمي ، بحكم الاتصال والمحاكاة مما يؤشر الى حراك ثوري عالمي قد يطول بالزمن لكنه سيحقق تغيراً جوهرياً وإحقاقا للشعوب التابعة وبلدان التخوم ، ويعيد صياغة تاريخ فرضت عليه القوى الامبريالية بعدا الحربين العالميتين حالة مقيدة تسهل الاستقلال والنهب والإلهاء .
وبالطبع لن يتحقق أمر بالأماني الطيبة ، ولا يجوز استمرار في وصف الحالة والتسليم بهيمنة الاتجاه الإسلامي على الساحة العربية وكأنه قدر ، كما وانه لا يجوز العودة الى قيادة الساحة بأدوات قديمة مطلوب منها المغادرة وإعادة تنظيم حركة ثورية عروبية بإشكال جديدة وحتى قرأت عقيدية متجددة ، فالشباب الذين أطلقوا الشرارة وهم من يجب ان يستمر وينظم صفوفه ويواجه المرحة دون التفات الى خسارة المعارك الجانبية وحسب التعبير المصري ( غزوة الصناديق ) حيث ذلك متوقع فالحياة لا تسير صعوداً بانتظام ، فهناك التواءات ، لكنها التجربة التي أصبح الشباب يمتلكها ، وتتطلب منهم التوجه نحو صياغة تحالفات عريضة واسعة مع الجماهير وقواه الحية القادرة وصاحبه المصلحة وفي مقدمها الطبقة العاملة التي أصبحت أكثر وعياً وتمتلك كفاءات ثقافية وعلمية تعزز مضمونها ، دون ضياع وقت في الصراع مع مجموعات الإسلام السياسي بل تقديم صورة أكثر وضوحاً وديمقراطية للناس ومواجهة البدع والشعوذة بكل منابعها والحرص على عدم الانجرار لمواجهة مع الدين ، فقد فسره المتاسلمون كما يريدون ، والمطلوب إنقاذ الدين من تأويلاتهم بكل وضوح .والحرص على عدم الانجرار الى احتراب ديني ، وان كان ضروريا مواجهة عقيدية بالفكر المتفتح والحوار الجاد فليسوا هم سدنة الأمة ، وعلى نفس المنهج يجب عدم الانجرار الى الاختلاف الطائفي مسيحي كان او شيعي او صابئة او بهائية ، بل يجب الدفاع عن حريتهم بالتعبير ، والتحالف مع الأقليات الثانية والقومية فهي تمتلك حاجة جامحة نحو نظام ديمقراطي، وبذلك فهي حليف لحركة الثورة ، وهذا ما يمنع الانقسامات والتقسيم التي تسعى له قوى الاستعباد وحلفائها الجدد من التيارات الإسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقيقة
amina saadi ( 2011 / 11 / 9 - 19:28 )
لولكان لنين موجود اليوم انظر الى الثورات العربية كجزء من الثورة العالمية...ثورة بدأت من الاطراف المهمشة لتنتقل الى المراكز الرأسمالية.....ل
لأن الثورات العربية التي انبثقت من واقع الفساد و فشل التنمية و طحن الطبقة الوسطى التي هي هي صورة حقيقية لانهيار النظام الرسمالي العالمي
لدلك انطلقت الثورة العالمية من الاطراف تونس-مصر لتنتقل الى اسبانيا و وول ستريث و برطانيا اليوم
عدو الرأسمالية العالمية و بديلها الوحيد تاريخيا هو الثورة الاشتراكية و اي طروحات الشباب في تونس ومصر وباقي الدول العربية انطلقت من مفاهيم اشتراكية و ان بوعي طبقي فطري او غير ناضج
فكان لابد للرد الامبريالي و قاعدته الاجتماعية و حلقائه الطبقيين الاصطفاف لمواجهة الخطر الاشتراكي التاريجي , وهنا لا يوجد اي تناقض بين الاسلام السياسي و النظام الراسمالي العالمي.
على اليسار العربي ان يعيد قراءة الواقع المحلي من منظور التحولات العالمية المقبله
تحياتي


اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن