الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة ديمقراطية ام ثورة الثنائيات..؟؟

اكرم هواس

2011 / 10 / 31
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يعاني التفكير البشري عموما من مشكلة الثنائيات التي تهيمن على كل اشكال العلاقة و الفعل البشري و بذلك فان هذا التفكير المتقاسم اي القابل للتقسيم يضع حدودا للتطور بكل مراحله و مستوياته و مظاهره بدرجة يصعب تجاوزها حتى ان الفكر الماركسي او بالاحرى تراث الفكر المادي قد اخرج نظرية لتفعيل التناقضات بدلا من وضع صيغة بديلة تضمن علاقات سلمية غير عنفية بما يمكن ان يتناغم مع الخطاب السياسي للكثير من الاحزاب الشيوعية و العمالية و اليسارية بشكل عام. ( سبق ان ناقشت هذا المفهوم قي كتابي... الاسلام.. نهاية الثنائيات و عودة الفرد المطلق... الصادر عن دار المدبولي في القاهرة سنة 2010 ).

في هذه المقالة نحاول ان ندرس اماكنية الجمع بين مفهومين تدل التجارب التاريخية على علاقة تناقضية بينها هما الثورة و الديمقراطية من خلال ما يطلق عليه الربيع العربي او ثورة الديمقراطية. سنطرح سؤالا عله يرشدنا الى استنتاجات قد تخالف الواقع التاريخي للحالة التناقضية و هو..... هل ان الثورة و الديمقراطية هما ثنائيتان بحيث لا يمكن الجمع بينهما ام ان الليرالية قد وجدت بالفعل تركيبا او تأليفا جديدا لم يسبقه التاريخ؟

قبل ان ندخل في المناقشات اود ان اشير الى قضية معرفية مفاهيمية مهمة و هي ان الثنائية ليست مرادفة للتناقض بل ان التناقض هو مظهر من مظاهر الثنائية التي قد يفهم منها ايضا علاقة تكاملية كما يؤكد ذلك الاسلام و قبله الكثير من الفلسفات الاسيوية بينما التناقضية هي مهفوم غربي انبثق عن المدرسة الالمانية ثم طوره هيجل ثم ماركس و غيرهما.

ثورة ديمقراطية...؟
التاريخ يخبرنا عن ثورات كثيرة شهدتها بقاع مختلقة من بقاع العالم كما ان المفكرين و الباحثين انتجوا مفاهيم مختلفة و متعددة عن طبيعة الثورة و العوامل المؤدية لها و دوافع القائمين بها و كذلك كيفية انجاحها و الاسس المهمة للتحشيد و التجنيد ....الخ.
من اهم هذه المفاهيم و التي استندت الى تجارب واقعية هي مفاهيم الثورة الشعبية و ثورة النخبة و ثورة الجياع والثورة الاشتراكية و الثورة العلمية....لكن لم يبرز للان اي مفهوم فكري او علمي عن ثورة ديمقراطية الا ما ذكره الرئيس بوش في خطاب عام 2004 اجتهد فيه ليجد تبريرا منطقيا و اخلاقيا لاحتلال العراق. اسباب عدم توافق الثورة مع الديمقراطية تتعلق بالاسس التي تقوم كل من تجربتي الثورة و الديمقراطية. فالثورة هي عمل غير عقلاني و مفاجيء نتيجة تراكم عوامل الضغط و الاضطهاد و عادة تكون مصاحبة لاستخدام العنف او على الاقل حاملة لامكانية استخدامه و لو على شكل رد فعل و ليس بالضرورة كفعل ارادي مخطط.

هناك بعض الاستثناءات القليلة منها مفهوم الثورة العقلانية الذي طرحه بعض المفكريين مثل توماس كون في كتابه (بنية الثورة العلمية 1996) و لكن لم يشهد اي تطبيق عملي له الا في المجال العلمي و الاقتصادي و بذلك ظل المفهوم في حبيس الفكرة و لم يتم تحويله الى تجربة واقعية في الثورات الاجتماعية و السياسية. استثناء اخر يتمثل بالتجربة الهندية التي استندت الى افكار غاندي عن اللاعنف و رغم ان بعض الباحثين يؤشر الى استخدام العنف و ان كان بشكل جزئي في التجربة الهندية رغم افكار غندي و حرصه الشديد عى ان التغيير دون عنف الا ان السؤال المهم يظل يتعلق بالتصنيف اي ما اذا كانت التجربة الهندية يمكن وضعها ضمن دائرة التجارب الثورية ام يمكن ان توضع في اطار مختلف.

الاستثناء الثالث الذي من الممكن ان يقربنا اكثر من مفهوم ثورة ديمقراطية يتعلق بتجربة ما اطلق عليها تسمية الثورة البرتقالية في اوكرانيا و التي كانت بشكل ما امتدادا لتجربة اسقاط او سقوط جدار برلين. الثورة البرتقالية التي جاءت في نهاية 2004 و نجحت في تغيير النتائج الرسمية المعلنة للانتخابات العامة انذاك, لم تأتي الا كنوع من رد الفعل ازاء عمليات التزوير و لم تتصل هذه الثورة باي شيء اخر يمس حياة المواطن. اي ان هدف الثورة و بالتالي النتيجة التي حققتها كانت فقط مختزلة بشكل كبير بنتيجة الانتخابات و لم يتم تطويرها لكي تشمل مفاهيم اجتماعية و اقتصادية او ثقافية بل حتى ان المفهوم السياسي نفسه سقط بعد فترة وجيزة حيث عادت البنية السياسية الى ما كان سائدا قبل انطلاق الثورة.

هذه كانت اقرب التجارب التي سجلت مقاربة بين الثورة و الديمقراطية و لكن من المؤكد انها مقاربة غير متكافئة و هذا ما يظهر جليا في ما يسمى ربيع الثورة العربية الذي هو اقرب الى الثورة الشعبية (تونس و مصر) او الثورة المسلحة (ليبيا و اليمن و سوريا و لحد ما البحرين) بكل ما تتضمنه من اساليب و اسباب و دوافع من اية تجربة ديمقراطية واقعة و تاريخية.

لو ارتأينا اجراء مقارنة بسيطة و اولية نجد ان الديمقراطية تستند الى تأمين حق الجميع بغض النظر اذا كان الافراد و الاحزاب و الجماعات تؤمن بهذه الايديولوجية او الدين و المنهجية او تلك. الديمقراطية تبني على اساس الاصلاح و هو عمل عقلاني قائم على المناقشة و التغيير المقبول لدى الاكثرية, في حين ان الثورة هي عمل اجتثاثي و اختزالي و تتسم بهيمنة ايديلوجية و فعل انتقامي و تهدف الى تغيير جوهري و جذري في انماط المارسة السياسية و ربما و الاقتصادية و الاجتماعية. و على هذا الاساس فان الافكار و الرؤى الراديكالية التي تشكل اهم اسس الثورات غير مرغوبة في الانظمة الديمقراطية.

و لعل ان التاريخ يخبرنا ان التجارب التغيرية سواء كانت اصلاحية ام ثورية منها تنتقل بشكل كبير و احيانا بسرعة مذهلة بين الشعوب و لكن السؤال المهم يبقى يدور حول التفاعل بين ثلاثة عوامل حاسمة و هي الاسباب المختلفة لانتشار فكرة التغيير و الاليات المتبعة في تنفيذها و تحقيقها و كذلك ايضا المفاهيم و النماذج التي يتم بناؤها بعد قيام التغيير. في هذا الصدد فانني مع احترامي الشديد لتجارب كل الشعوب الا انني اعتقد شخصيا و هذا عبرت عنه دوما في مقالاتي و كتاباتي بصورة ان من حق الجميع البحث عن بدائل و ليس الالتزام بقوالب تتوافق و تستند بالضرورة الى تجارب الاخرين, و لكن لكي تكون التجربة جديدة فلابد انها تحتوي مضمونا جديدا و لا تكتفي باسماء و مسميات يكثر الحديث عنها دون جوهر حقيقي كما انها لابد ان تستند الى مفاهيم و اليات تتوافق مع الواقع الاجتماعي.

ثورة... مؤامرة...ام...؟
بموازاة الحماسة الثورية المنتشرة بشكل فائق هذه الايام فانه يخرج هنا و هناك كلام عن مؤامرة.... نعم ... كأي قضية اخرى فقد نشأت ثنائية جديدة لتضاف الى الكثير من الثنائيات التي ارقت عبر التاريخ الاستقرار النفسي و الاجتماعي و الثقافي في المجتمعات البشرية عموما ولكن بشكل خاص المجتمعات الفقيرة و المسلوبة الارادة. يتبارى فريق من المثقفين في وصف الاحداث و التغييرات التي حدثت بالحالة الثورية النقية و يرد اخرون بانها مؤامرة و تمتليء الصحف و الكتب بهذه المجادلات بدلا من تقديم رؤى و مناهج لما ينبغي ان يقوم عليه من اسس جديدة تغير حال الناس. ... للاسف فان ظهور هذه الثنائية الجديدة تؤشر الى استخلاص اولي مرير و هو ان هذه الثورات لم تأتي بشيء جديد فيما يتعلق بعقلية و ثقافة ادارة المجتمع فما تزال المتاريس تفرق الناس و تحد بشكل جدي من تقديم بدائل عقلانية و واقعية.
من المنطقي جدا ان نتسائل لماذا تستأثر قوى الاستقطاب اكثر من اي شيء اخر بقوة الدفع في التطور الاجتماعي الثقافي السياسي؟ لماذا يتفرق رفاق الامس و لماذا تهيمن ثقافة التكفيرو تقسيم المجتمع الى كانتونات هلامية تحارب بعضها البعض.... بل و لماذا نحصر طبيعة التغيير بين الثورة و المؤامرة او بين النقاء و العمالة للاجنبي؟ لماذا لا نبحث عن مفهوم اخر جديد يشمل حال الجميع و يبعدنا عن تضخيم دور الاجنبي كما يتجنب منح القدسية لكل من وقف ضد الحاكم؟ لماذا ما زلنا نعتقد ان الناس هم اما قديسين او اشرار...و ان الاجنبي اما هو اله او شيطان؟

تركيبة جديدة..؟
و لنعد الى السؤال الاساسي.... هل ستبقى الثورة و الديمقراطية ثنايئتين ام يمكن الجمع بينهما في تركيببة وتوليفة؟ اعتقد ان واحدة من اهم الخطوات للبحث عن هذه التركيبة الجديدة تتعلق بايجاد موالفات بين العناصر المتعددة التي تتراكم و تتفاعل لتشكل كلا من العوامل الثلاثة الانفة الذكر اي الاسباب و الاليات و النموذج قبل الحديث عن التفاعل بينها مجتمعة.

في هذا الصدد فاننا نجد ان الاسباب التي شكلت الدافع للتغيير مختلفة و احيانا متناقضة الى حد لا يمكن ان توضع موضع تشكيل مسار متماسك لتفجير الثورة حيث يتحدث البعض عن الجوع و اخرون عن الكرامة و قسم ثالث يتحدث عن الحرية و الديمقراطية كأسباب لقيام الثورات فيما يسمى الربيع العربي . المشكلة ان هذه العناصر تستند الى منظومات نفسية و اقتصادية و سياسية مختلفة, فثورة الجائع هي رد فعل ضد التجوع و تستهدف البقاء على قيد الحياة لا غير, بينما ثورة فاقد الكرامة تستهدف الانتقام اما ثورة الباحث عن الحرية فانها تستهدف كسر القيود السياسية و الاجتماعية و هذه النماذج الثلاث يكمن الاساس فيها في الانانية و الذاتية الفردية بينما الثائر من اجل الديمقراطية فانه يبحث عن بناء مجتمع محتلف.

اما فيما يتعلق بالاليات فان الامر يختلف كليا ايضا حيث ان الالية المتبعة من قبل الجوعان هي الاستيلاء على الاموال العامة و الخاصة اي اموال الدولة التي حرمته من نصيبه منها و اموال السياسيين و رجال الاعمال الذين استولوا بدورهم على اموال الدولة. من جانبه فان فاقد الكرامة قد يتبع الية عمل هي القتل او على الاقل سلخ خصومه قوتهم التي لعبت دورا رئيسيا في سلب كرامته. اما فاقد الحرية فان الياته تتلخص في الهروب من الطوق الذي يجد نفسه فيه او كسر الطوق و هذا يعني انه سيعمل على هدم المؤسسات السياسية و الامنية و غيرها مما يعتقد انها شكلت اسس الطوق او السجن الذي يجلس فيه. عكس هذه النماذج الثلاثة فان الباحث عن الديمقراطية يعمل على ترميم المؤسسات و الحفاظ على المال العام و الخاص و تطوير العلاقة بين الدولة و المجتمع و الافراد.

اخيرا فان النماذج التي يرمي اليها كل من هذه النماذج الاربعة تختلف ايضا بشكل جذري, فالجوعان يستهدف نظاما يضمن له لقمة العيش بغض النظر عن الاسس الاخرى للنظام اما فاقد الكرامة فانه قد لا يأبه كثيرا بما ستؤول اليه الامور قدر اهتمامه بتحقيق انتقامه الشخصي. من جانبه فان الباحث عن الحرية فانه قد يقبل بالفوضى طالما انه يتمتع بحريته في ظلها و في الحقيقة فان المدرستين الماركسية و الليبرالية تحويان تيارين مهمين يؤمنان بنوع من الفوضى او الاناركيزم. اما الباحث عن الديمقراطية فان نموذجه المرغوب هو نظام سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي مستقر قابل للاصلاح و يضمن حقوق جميع المجموعات و الافراد بشكل متساو و لو نسبيا.

خلاصة اولية
ما يمكن ان نستخلصه بشكل مبدأي هو ان النماذج الثلاث الاولى اي الجوعان و فاقد الكرامة و الباحث عن الحرية فانها قد تصل الى اهدافها عن طريق الثورة المصاحبة للعنف اما الباحث عن الديمقراطية فان اي استخداف للعنف و التخريب سيطيح باهدافه كونهما اي العنف و التخريب سيصعبان كثيرا من ترميم المؤسسات و اصلاحهما مما يؤثر و بشكل سلبي كثيرا في بناء مجتمع يتمتع فيه الجميع بحقوقهم.
و لكن هل ان الامور محسومة بهذا الشكل الاختزالي كما يظهر للوهلة الاولى؟ من المؤكد انها ليست كذلك و هذا يرتبط بطبيعة مفهوم التطور. كيف يمكن اذن تفسير التغيرات التي لم تنتج نظما مستقرة و ما هي علاقة ذلك بالديمقراطية و دور الغرب و اخيرا كيف يمكن ربط كل هذا باشكالية الثنائية... هذه الاسئلة و غيرها سنحاول ان نناقشها في مقالة لاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات