الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأخيرا تأسس التيار الديمقراطي في العراق، وبدا في الأفق عمل

كامل كاظم العضاض

2011 / 10 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



عضو اللجنة العليا للتيار الديمقراطي
(القسم الأول)
بعد مخاض غير قصير، وبين تجريب و تعثرات بركامات عملية سياسية، ولدت شوهاء، بعيد إحتلال البلاد وسقوط النظام الإستبدادي السابق، فصارت ليوأخيرا تأسس التيار الديمقراطي في العراق، وبدا في الأفق أمل!لا بهيما، تسوده التنازعات والخلافات والتحاصصات المذهبية والطائفية والفئوية الإنقسامية، ناهيك عما سادها ويسودها من دمار ومن فساد طاغ وهدر وتزوير وعدم كفاءة، وجدت النخب والأحزاب والقوى والشخصيات المستقلة التي بقيت عفيفة، وممن كان لها ماض مشرّف ونزيه في الدفاع عن مصالح الشعب العراقي وللذود عن حقوقه المهدورة، وجدت طريقها للتوّحد، توّحدا عقلانيا هذه المرة، على وفق برنامج سياسي، يحمل عناوينا تعبر عن جميع المصالح والإحتياجات القريبة وبعيدة المدى لجميع أبناء الشعب العراقي دون تمييز أو تطييف او إستثناء. فعلى أساس الوطنية وعلى أساس مدنية الدولة وعلى أساس العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والتكافؤ في الفرص، بُني البرنامج. كما جاء النظام الداخلي لهذا التيار التحالفي الرصين عاكسا لفلسفة البرنامج ولروحه وأهدافه.
موجز الخلفية وأطراف التيار واهدافه؛ لم تأت ولادة هذا التيار كردة فعل ظرفية للحالة السياسية الجديدة وما صاحبها من تدهور فضيع في الأوضاع الإقتصادية والخدمية، ولا لحالة الإرهاب والرعب و التدمير والتهجير التي عمت البلاد والعباد، إنما هي كانت و لاتزال إستجابة تأريخية وتطورية، بل ومنطقية، للتحوّل والإنعتاق من حالة الديكتاتورية والإستبداد، الى حالة الحرية والديمقراطية، فضلا عن كونها الحالة التي تمنطق بإدعائها المحتل، وإن كان قد أولدها قيصريا، كعملية أُقيمت على أسس مذهبية وطائفية وأثنية، وفضلا عن كونها حالة إدعتها ونادت بها القوى والأحزاب والكتل التي تسيدت المشهد السياسي، منذ سقوط النظام البائد حتى الآن. كما ان القوى الأساسية المنظمة حزبيا، ممن لها تأريخ سابق ولعقود طويلة في الدعوة والنضال المشرف من أجل الديمقراطية، كالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي والمنظمات الإجتماعية والشخصيات السياسية المثقفة والمستقلة، وجدت في مرحلة ما بعد زوال الإستبداد فرصة تأريخية أُتيحت الآن لبناء حضارة الديمقراطية، على الرغم من الأجندات الخفية التي قد تضمرها قوى سياسية من داخل اللعبة السياسية، أو قوى ومصالح خارجية أجنبية من خارجها. إلا ان هذه القوى التي شكلت الدعوة الديمقراطية نسيج مبادئها الكفاحية على مدى عقود ولعهود سابقة، قد هُمشت وحوصرت، ليس فقط لإنها لا تملك المال السائل من مصادر خفية، إنما أيضا لأنه جرى تجييش وتعبئة النوازع الطائفية والمذهبية والأثنية، حيث تم إستلاب الرأي الحر، وإستباحة مفهوم المواطنة والمساواة، إذ تم توظيف أصوات جموع الناس على أسس إنقسامية مذهبية وأثنية، مما أسقط بيد قوى الديمقراطية الحقيقية، صاحبة الدعوة الى مدنية الدولة ومساواة المواطنيين، وإحترام خصوصياتهم الدينية والأثنية؛ بإعتبارهم مواطنين عراقيين وشركاء متساوين في الوطن الواحد، مما جعلها مطوقة ضمن الأسارات التي رُسمت لها، بوعي أو بدون وعي، ناهيك عن تغييب قانون واضح وديمقراطي لتشكيل الأحزاب، والإكتفاء بقانون إنتخابات جائر يسلب أصوات المرشحين من قبل القوى الديمقراطية والمستقلين، ويضيفها لإصحاب القوائم الفئوية الكتلوية المذهبية والمتحالفة لغايات وصولية، أضحت تحاصصية معروفة. بيد أن حصيلة أكثر من ثمان سنوات مريرة، من هيمنة القوى المتسيدة على السلطة والعملية السياسية التي لم تثمر سوى الدمار وعدم الإستقرار والإرهاب والفساد وهدر الأموال، أقنعت جماهيرا صارت تتزايد الآن في قناعاتها بأن خياراتها المذهبية والطائفية والفئوية في التصويت في ثلاث دورات من الإنتخابات العامة الماضية لم تحصد منها سوى الياس والرماد. ولم يكن هذا التململ وعيا جديدا، بل بدأ منذ الدورة الثالثة من الإنتخابات العامة، ولكن القوى الديمقراطية، صاحبة القضية لم تتمكن لإسباب ذاتية وتمويلية من إلتقاطه ليصب في توجيه الإرادة الشعبية نحو وجهتها الوطنية الديمقراطية المدنية الصحيحة. ولذلك فشل المؤتمر الأول لهذا التيار في نهاية عام 2009، أي قبيل الدورة الثالثة للإنتخابات العامة الماضية في مطلع عام 2010. وفي كل الأحوال، فالتأريخ يملي دروسة، حيث تتعمق التجربة وتتكشف الآفاق بوضوح. وها ان فجرا ديمقراطيا حقيقيا يلوح الآن في الأفق ليبزغ أملا بارقا، وما على هذه القوى والشخصيات الوطنية إلا أن تمسك خيوطه بمهارة لتديم صلتها بالجماهير التي كفرت بالعملية السياسية الشوهاء. ومن هنا إنطلق التداعي الفاعل لعقد هذا المؤتمر التأسيسي الحقيقي، لأن الأول كان قد إنفرط قبل أن يكمل أعماله.
المؤتمر التأسيسي، نبذة عنه وعن نتائجه وما له وعليه؛ بعد تحضيرات إستمرت على مدى عامين تقريبا، 2010-2011، وبعد عشرات اللقاءآت والمؤتمرات المحلية في جميع المحافظات، ما عدا محافظات الشمال، إنعقد المؤتمر التأسيسي، بحضور المئات، من ممثلي الأحزاب المشاركة في اللجنة التحضيرية والمنظمات الإجتماعية والشخصيات المستقلة، السياسية و الإجتماعية والأكاديمية والثقافية والنقابية، وممثلو لجان التيار على مستوى المحافظات، تحت شعار، " نعمل من اجل توحيد جهود القوى والشخصيات الديمقراطية وتعزيز دورها في الحياة السياسية في البلاد"، وذلك بتأريخ 22 تشرين الأول 2011. وبعد أن تُليت برقيات التحايا المرسلة من قبل رئيس الجمهورية، جلال الطالباني، ورئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، ومؤسسة المدى ومجلس السلم والتضامن ووسائل إعلام مختلفة، جرت مناقشة أعمال المؤتمر على وفق جدول أعماله. فنوقش النظام الداخلي والبرنامج بجمبع بنودهما، بعد الإستماع الى عرض وتقرير اللجنة العليا للتيار المؤقتة والتي إنتهت أعمالها بعد إنتخاب اللجنة العليا التي ستستمر ولايتها لسنتين، أي لحين إنعقاد المؤتمر الثاني للتيار.
لقد ناقش المؤتمر،عدا ذلك، الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وساند المطالبات الجماهيرية في تظاهراتها الدورية بحرية التعبير عن الرأي وإستقلال القضاء، وفي أهمية إجراء الإصلاحات العاجلة للأوضاع المعيشية والخدمية، وعدم كبت الحريات، وإطلاق سراح السجناء الأبرياء، ومعالجة نقص الخدمات الفضيع والتدهور في الأمن، ولوضع السياسات الجادة لمعالجة البطالة، والتدني المستمر في البنى الإرتكازية، ولمجابهة الفقر ولحل مشاكل المهجرين، كما نوقش عدد كبير آخر من القضايا الإجتماعية والمعيشية الضاغطة والمعيقة لحياة أبناء الشعب العراقي، إينما كانوا. وشدد المؤتمرون على بلورة أهداف التيار بإحترام التنوع القومي والديني والمذهبي والإلتزام بتطمين الحقوق القومية لسائر مكونات الشعب العراقي في إطار العراق الإتحادي الديمقراطي ووفق ما جاء به الدستور، ولحل كل الإشكاليات والقضايا العالقة بين الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان والحكومات المحلية في المحافظات. وأولى المؤتمر أهمية إستثنائية لإستنهاض التيار الديمقراطي، بهدف المشاركة لبناء الدولة الإتحادية المدنية التي تقوم على أساس المواطنة والتنوع وإحترام الخصوصيات، مما يستدعي بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على أساس الكفاءة والنزاهة والمهنية، مع التصدي الدائم للفساد الإداري والمالي، والعمل على إستبعاد المحاصصة الطائفية والأثنية، وبما يعزز القيم الديمقراطية، بإعتبارها من سمات حضارة الإنسان المعاصر. وناقش المؤتمر الأوضاع الإقتصادية والمالية، فناشد من أجل سياسات تستجيب لتنمية ببعديها المادي والبشري، وأكد على أهمية إستغلال ثروات البلاد النفطية من أجل تنمية مستدامة، يكون شرطها المسبق؛ ضمان سيطرة وسيادة الشعب العراقي على ثرواته النفطية والغازية لصالح الشعب العراقي كله. وهذا يقتضي تنويع الإقتصاد العراقي وتشجيع الإستثمار الخاص والأجنبي والمختلط، خصوصات في القطاعات غير النفطية، ولتحقيق إرتفاعات حقيقية وليست نقدية بحتة في حياة المجتمع والإقتصاد العراقيين. وكل ذلك من أجل تحقيق مبادئ العدالة والمساواة، وما يستدعيه ذلك من تحقيق للأمن والإستقرار التامين. ونوقشت الأوضاع المالية وإرتفاع الأسعار وهامشية وفقر البطاقة التأمينية، فضلا عن تدني الخدمات والمنافع، وفي مقدمتها خدمات الكهرباء. و نوقشت أيضا مواضيع، منها ضرورة وضع قانون ديمقراطي لتشكيل الأحزاب ولتغيير قانون الإنتخابات. كما شدد المؤتمرون على إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار والمجتمع الدولي، ولحل النزاعات حول المياه والحدود وغيرها بالطرق السلمية، ووفقا لمباديء المصالح المشتركة، وإحتراما للمواثيق والمعاهدات الدولية.
وإذ يحق لنا التعليق على مجريات ووقائع المؤتمر، نرجو أن نبين بأن تعليقنا يعبر عن وجهة نظرنا الشخصية وليس بالضرورة عن وجهة النظر الرسمية للمؤتمر. فقد لاحظنا، ولأسباب واضحة منها ضيق الموارد المالية المتاحة للتيار، فإن كل هذا الكم الهائل من المواضيع نوقش بكثافة وتحت وطأة الوقت الضيق، حيث عقد المؤتمر جلستين خلال يوم واحد، وربما خلال سبع ساعات ونيف، مما حرم المؤتمرون من الإستماع لكل الآراء، وأدى الى الإختزال وإغفال بعض التفاصيل الهامة، والسبب المعلوم هو عدم توفر المال اللازم لإستضافة ممثلي المحافظات والقادمين من الخارج، فلوتيسرت الموارد والوقت، لكانت قد أتت النتائج بحصيلة أفضل. ولعل هذه النقطة تثير لدينا الشجن، لأن القوى الأخرى تملك المال السائل للوصول الى الجماهير ولعرض قضاياها بيسر وإسترخاء. وهذا ما يستدعي لفت إنتباه كل المخلصين من الوطنيين الديمقراطيين الحريصين على خلاص العراق من مآزقه الحالية الى التبرع بسخاء للتيار لدعم فعالياته الوطنية لإنقاذ العملية السياسية ولوضعها على جادة الصواب. كما ان التسهيلات المتوفرة في قاعة الإجتماع كانت متواضعة، ولكن للضرورة أحكام، وأملنا كبير أن يحظى التيار بدعم الجماهير، وخصوصا المثقفة منها، ليس فقط معنويا وإنما ماديا، فالتيار لا يتلقى عونا من أحد، إلا إستثناءا وبشروط لا تخل أبدا برسالته وإستقلاله وبشفافية كاملة.

الرؤية وإستراتيجية العمل والتحديات؛ ما تقدم يمثل موجزا مكثفا جدا لوقائع المؤتمر، إلا أن الرؤية الإستراتيجية إذ تبدو واضحة وشفافة، يحق لنا أن نبدي بعض الملاحظات الشخصية تتعلق بشروط العمل بها والتحديات المتوقعة وهي كبيرة جدا.
1. من البساطة توقع أن الطريق للعمل سيكون سهلا وميسرا، إذ هناك أعباء ضخمة تنتظرنا، حيث ينبغي الركون الآن للمختصين والعلماء ممن يعاضدون التيار للمساعدة في بلور وتفصيل العناوين العريضة للبرنامج، حيث لابد من تشخيص الظواهر الإجتماعية والإقتصادية والقانونية والسياسية بدقة علمية، ولتحديد الإجراءآت والتمويل والبعد الزمني لتنفيذ البرنامج أوأحد بنوده بدقة علمية، بل ولتعيين معالم التشريعات المطلوبة لتنفيذ مشاريع البرامج المطالب بها، سواء كان ذلك من خلال البرلمان أم عبر المعارضة العلمية والسلمية التي توجبها العملية السياسية وتقرها.
2. صحيح أن التيار لايشكل لونا سياسيا واحدا، إنما هو تشكيل من القوى والشخصيات المتنوعة، لكنها متوافقة على برنامج يقوم على مشتركات أساسية، فالتباين ممكن، ولكن الدراسات وتلاقح الآراء والتشخيصات العلمية وليست المدفوعة بنوازع أودوافع سياسية أو فئوية هي التي تضمن، بل توجب وحدة الرأي، والخضوع، ليس فقط لرأي الأغلبية، كما تستدعي ذلك القيم الديمقراطية، ولكن أيضا لعلمية المدخل وللمعالجة والطرح الذي ينبغي أن يضمن ويوجب وحدة الرأي، ويضمن بالتالي السير الموّحد نحو تحقيق الأهداف المشتركة.
3. لاشك قد يكون هناك من يشارك في التيار بإعتباره تكتيكا سياسيا ذي طبيعة مرحلية، وبالتالي فإنه قد يترك أو يبتعد عن التيار حينما يعتقد بأنه قد حان له إستحقاق تقتضيه مصالحه. ليس بالإمكان محاسبة النوايا، ولكن التفكير العلني الشفاف يعني تداركها. ولعل في مقدمة الدواعي لهذا التفكير هو أن المسار السياسي للتيار، كي يصل الى الجماهير الواسعة، سيستغرق وقتا غير قصير، ربما بضع سنوات، على الرغم من شعورنا بتغير الحراك الجماهيري نحو تيارنا. ولكن لا يمكن كسر المعادلات التي أنهدت تحت ثقل التمويلات الخارجية والتجييش الطائفي والأثني، ناهيك عن محاولات غير مستبعدة لشل المعارضين بشتى الطرق. وعلى ذلك، لابد أن يكون العمل إستراتيجيا ووحدويا لسنوات قادمة، لأن اية تصورات موهومة بالوصول قد يؤدي الى تغليب التكتيك على حساب الإستراتيجي، مما سيؤدي للتفكك والضعف وربما الخسران بأسوأ التقديرات.
4. أن تيارنا حمل شعارتوحيد القوى والشخصيات، والهدف من وراء ذلك هو توحيد الشعب، فوحدة الشعب هي غاية ووسيلة، والحفاظ عليها يعتبر أهم وأخطر شروط العمل من اجل تحقيق أستراتيجية التيار أو أهدافه الإستراتيجية، بدونها سيختل الميزان لاسمح الله.
5. نصبو الى تيار يمثل أخلاقية ديمقراطية، ترتفع بالإنسان العراقي الى مستوى من القيم الحضارية الديمقراطية الرفيعة، لا أن يستدنيها الى مستوى المماحكات والمحاصصات السياسية، عندها سوف لانختلف عما نراه ونكابد منه من نماذج العمل السياسي على مشهد العملية السياسية الحالية ومنذ سقوط النظام الإستبدادي البائد.
د. كامل العضاض








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟