الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المساحات الكاليغرافية للحكي في المجموعة القصصية ورثة الانتظار

عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)

2011 / 11 / 1
الادب والفن


المساحات الكاليغرافية للحكي في المجموعة القصصية ورثة الانتظار

بقلم الناقد الأدبي د. عزالدين نملي

سنقاربة واحد من الإبداعات السامقة للمبدع عبد النور ادريس من خلال ثلاث ورقات , تحاول الورقة الأولى الوقوف على عنوان المجموعة القصصية "ورثة الانتظار" والورقة الثانية تعالج مسألة استحضار الشخصيات التاريخية في مجموعته السردية كتقنية من التقنيات الفنية , أما الورقة الثالثة فتحاول الوقوف على الصور البلاغية التي تنتشر بكثافة على طول المساحة الكلغرافية للحكي.
تطمح هاته الورقات إلى القبض على بعض ملامح التقنيات التعبيرية والأسلوبية والفنية , التي يحفل بها البناء السردي في " ورثة الانتظار" , من خلال البحث في مظاهرها وأشكال حضورها بهدف الإمساك بالدلالة الثاوية فيها ,و اﻈهار ما يكتنفها من توتر وقلق , ويترسب في أعماقها من مكونات سردية تنفتح على الذات والموضوعي, والخاص والعام , وما تختزنه من حمولات جمالية , وطاقات فنية وتعبيرية , على اعتبار أن الكتابة عند القاص عبد النور , حضورا وجوديا تبني نفسها على آليات ومكانيزمات فعالة, تساهم في تحريك اشتغالها وتفجير طاقاتها, حيث تتواشج كل التقنيات والمقاصد لصالح الفكرة المركزية و الدلالة المحورية , التي تعانق في هذا الجنس السردي موضوعة الانتظار في شتى تمظهراتها وتجلياتها , إنها كما يتبين لقارئ النصوص تمارس حضورا قويا في المحكي وفي نفس السارد وشخوصه و في تركيباتهم النفسية وعمقهم الوجداني, وسلوكا تهم الفردية و الجماعية, كما يظهر ذلك من خلال غلاف المجموعة القصصية ..الكل ينتظر بما في ذلك الراوي نفسه.. الكل ينتظر في قاعة متآكلة نسجت في فضائها العنكبوت بيتها, وتراكمت فيها جماجم آدمية, دلالة على مصائر البشر المعومة , والانتظار القاتل , اللانهائي واللامحدود..انتظار واغتراب وتيه وعبث..وتبرز قدرة السارد في نجاحه في تمرير معاني الانتظار في شرايين الملفوظات السردية, ومالها من تداعيات على امتداد طول مساحة السرد.

الورقة الأولى ..عنوان المجموعة القصصية "ورثة الانتظار" .

يمثل العنوان ورثة الانتظار، هذا المركب الاسمي خبر مقدم + مضاف إليه ، العتبة الأولى لدخول عالم النص السردي .. حيث يلعب أدوارا حية في الكشف عن دلالة النص، واستجلاء فكرته العامة، فهو علامة دالة تحرك في المتلقي عموما شهوة القراءة .. إن العنوان لم يوضع اعتباطا، إنما وضع من أجل تأدية وظائف متنوعة تخدم النص السردي وتوجهه وتمنحه إطارا متماسكا، وتطوقه بدلالات تكشف مقصديته، فالعنوان بمثابة نواة تتناسل من النص،إنه يتموضع كمعلومة بعتبة الواجهة، وينهض بوظيفة دمج المتلقي بالنص، وهو ما تنبه إليه كنغور حينما قال : " العنوان يؤسس غواية النص" .. لأن الاشتغال على السرد يبتديء انطلاقا من العنوان، حيث يستقر عند بوابته، ويعطينا إشارة المرور للدخول إلى عالمه. والعنوان هنا يكتسب قيمة دلالية وبلاغية لأن إسناد الانتظار إلى الورثة، ينم عن منافرة دلالية، تنزح في هذا التركيب عن اللغة المألوفة : " ورثة المال " " ورثة الفن " ورثة العلم "... ، فالسارد حطم الحواجز القائمة بينما هو أدمي ورثة وما هو مجرد الانتظار .. للدلالة على القتامة التي تسكن الأنساق السردية، والوعي الحاد الذي يسكن لا وعي الكاتب من هول تراكم الهزائم والإخفاقات والانكسارات ..والاحتراق في صف الانتظار، مما اكسب القوالب السردية قوة درامية ناجمة عن مشهد المسلسل الوجودي والتاريخي للشخصيات الاجتماعية ،المتآكلة، المتهاوية، والمحترقة بلهب الانتظار، كما في صحراء التتار لدينوبوزاتي ، حيث يغرق المنتظرون في بحر لجي من الظلام والظلمات، وموت الرغبات،ونزيف التوسلات...

الورقة الثانية :استحضار الشخصيات في المجموعة السردية

لقد شكل التاريخ طاقة مرجعية ومصدرا معرفيا، استقى منه السارد مواد بناءه خاصة ما تعلق منه باستدعاء الشخوص الماضية ذات الأبعاد الرمزية، وقد أضفى على هذه الاستدعاءات والتوظيفات لمسات فنية وأبعادا دلالية ، دلت على براعته وقدرته الفنية في توظيف ما يلاءم كل سياق، حيث أكسبها أبعادا إنسانية ترتبط بمشكلات الوجود والحياة وقيم العصر، كما نلمس ذلك في الزمن المكسور ص 13/ 14 ، حين استدعى كل من " هوميروس"و " عبد الرحمان المجذوب"، وجعل قبريهما يتصافحان ومضامين إبداعهما.. تركب صهوة الزمن للامحدود، متجولة في أمكنة وفضاءات الشوارع راصدة حركات الأفراد داخل المجتمع في زمن الترهل والاختناق والإخفاق.. حيث لم يجد عبد الرحمان المجذوب أمام هذه الصورة القاتمة إلا ان يطلق ساقيه للريح هاربا من هذا الزمن الرابض المكسور " ص 14 و15" ..، حيث جعل السارد من هذه الشخصيات منسجمة مع الفضاء السردي والدلالي الذي يروم تبليغه وإبلاغه من خلال رؤياه المسكونة بهاجس الزمن الرديء

الورقة الثالثة: الصور البلاغية في المجموعة السردية

تتجه الورقة الثالثة بسهم التحليل، إلى الصورة الشعرية التي يحفل بها النص السردي والتي تشكل خاصية أسلوبية في السرد عند الأستاذ إدريس عبد النور، لكونها تحتل مسافات مهمة في الملفوظات السردية، مما أضفى على تجربته السردية طابعا من الفرادة والبهاء، علما أن هذه الصور البلاغية تلم تلابيب المضمون وتجمع شتاته، كما تنهض بوظيفة إلحامية متميزة .. إن توزعها اللافت في جل أرضية النص، أكسبه غنى وثراء دلاليا، وساهم إلى حد كبير في تمتين بنية النص المتداخلة والمتعالقة.

هكذا، ومن خلال بعض الصور الاستعارية والمجازية التي ارتقت إلى مدارج الصور الانزياحية، بشكل يتطلب مجهودا من القارئ لمعرفة مخبوئها ومستورها الأسلوبي والدلالي، الذي يتسع لأكثر من معنى كما نلاحظ من خلال النماذج التالية:

" القبور تحتفي" ، الألوان الهاربة " ، الفصول الراقدة " ، الطرقات صائمة" الزمن رابض مكسور... حيث يتبين أن هذه الصور تتكئ على المنافرة، لكون المستعار والمستعار منه ينتميان إلى حقول تختلف اختلافا جذريا عن بعضها البعض، حيث يتم إسناد الإنسان على غير الإنسان، الشيء الذي يكسر أفق انتظار المتلقي أمام هذه الانحرافات والمنافرات التي تخدم الدلالة الدرامية والنغمة الحزينة ، والرؤيا الساخرة " الأحزان الضاحكة " .. ما يفسر دلالة اللاجدوى والعبث والاحتراق من انتظار تحول غير ممكن لزمن التخاذل والقتامة والهزائم .

وبهذا المعني فإن الصور البلاغية التي تحفل بها هذه المجموعة السردية ترقى إلى مصاف الصور الإبداعية الخالصة، وتعبر في نفس الوقت عن تجارب نفسية وإنسانية ووجودية في غاية التعقيد .

وختاما فإن هذه المجموعة السردية تحتاج إلى أكثر من قراءة وتأويل، لكونها تزخر بطاقات تعبيرية وتقنية لغوية وفنية جديرة ببحث مستفيض، يرقى إلى مستواها الإبداعي،وعليه فإن هذه القراءة تبقى مفتوحة إلى حين لقاء آخر نجتمع فيه مع هذه الكوكبة من المثقفين والمحبين للإبداع والفن...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل