الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصدير الثورة المضادة- عنوان المرحلة! (2)

عصام مخول

2011 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


*يجب التمييز بين قوى المعارضة الشعبية الوطنية المعادية للمشاريع الامبريالية وللابتزاز الأجنبي، والتي ترفض التبعية، فخرجت الى الشوارع في سوريا من أجل المطالبة بتغيير جذري في النظام وإشاعة الحريات المقموعة، ووقف التعامل الامني مع المظاهرات، ووضع حد للفساد، وهي معارضة نتضامن معها، وبين قوى الثورة المضادة التي خرجت الى الشوارع برعاية ودعم وتمويل وتسليح من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والعربية السعودية ممثلة للرجعيات العربية المحيطة واسرائيل*
// ردة الفعل العصبية التي تميز بعض المقالات الصحفية بما في ذلك في جريدة "الاتحاد"، في كل مرة يشار فيها إلى الدور الأساسي والخطير الذي تلعبه الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة تثير القلق. خاصة حين يأتي التوقف عند الدور الأمريكي في سياق تحليل الحراك الثوري من جهة، وحراك الثورة المضادة من الجهة الأخرى، لسرقة ما بدا أنه الربيع العربي، وإجهاضه واستعماله متكأ، لإطلاق مشاريع الهيمنة الأمريكية من جديد في المنطقة وخارج المنطقة. وتهدف هذه المشاريع إلى إعادة صياغة الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والفكر واللغة على مقاس هذه الهيمنة. وبات انزعاج بعض أصحاب الأعمدة الصحافية ودهشتهم مثيرا، إزاء ما يعتبرونه "زجا مفتعلا" بدور الامبريالية الأمريكية في تحريك الثورة المضادة في الدول العربية وخاصة في سوريا، بينما يزعجني انزعاجهم وتدهشني دهشتهم!
وتتراوح منطلقات "التأفف" من "الزج" بالامبريالية في تحليل صراع الثورة والثورة المضادة في العالم العربي، وخصوصا في الحالة السورية، بين نماذج، أولها يقول إن الامبريالية التي نتحدث عن مخاطرها هي "امبريالية مفترضة، ولا وجود لها في عالمنا الجديد إلا، في خيال الشيوعيين وتفكيرهم الدوغماتي"... ويضيف: "العالم تغيّر إلى حدّ كبير منذ انتهاء الحرب الباردة ودخل دوامة العولمة وتعدد المحاور ومراكز القوة، وامتلأ بالمحاور الإقليمية... فإذ بالصين كأمريكا تماما وكروسيا وفرنسا، وإذ إيران كتركيا والسعودية واليابان والهند. كل دولة تبحث عن مصالحها... هكذا سوريا في لبنان منذ استقلاله، وهكذا سورية في الأردن وفلسطين والعراق! وهكذا أيضا مع الدول المعنية بالشأن السوري بما فيها أمريكا وإسرائيل. هذه هي طبيعة العلاقات بين الدول وحقيقتها، لكن لماذا كل هذا التعقيد الذي يخرّب على الدوغمائيين. (مرزوق حلبي - الحوار المتمدن 26.9.2011 ).
ما الذي يخفيه هذا الخلط، الذي يأتي على نسق المجاملة الشعبية القائلة "كل الناس خير وبركة"، أو مقولة: "السياسة قذرة وكل السياسيين فاسدين"، وكأنه لا فرق بين سياسة وأخرى وبين حامل فكر سياسي وآخر. ان مثل هذا التعميم يأتي للتعمية وتضييع الطاسة، وهو يأتي لتبرئة ساحة القوة السياسية المتنفذة والمنفلتة، ويأتي في حالتنا لتصوير سياسة الهيمنة الامبريالية الامريكية، على انها مجرد سياسة مثل أية سياسة اخرى، والإلقاء باللائمة والنقد على السياسة في طبيعتها، وليس على سياسة منتهجة بعينها، تعبر عن خيار فكري وسياسي واجتماعي واضح، وعن مصالح طبقية محددة. فتصبح بالتالي الاشارة الى الامبريالية ودورها في المؤامرة على ثورات الشعوب العربية، وعلى أوطانها، سبة و"دوغما"، "تأتينا بلغات قواميس صلُحت لعوالم مضت وتغيّرت، فاليوم تلائمه لغة هذا العصر الجديد والفجر المنبلج"..." لأنهم (الشيوعيين ع.م) ما زالوا يعتقدون أنه... نظام مقاوم ممانع لسياسة أمريكا، سهم الامبريالية والاستعمار السام والقاتل. فكل من يقف في وجه أمريكا تحل عليه البركة ويستوجب الدعم والهتاف فالأصل أمريكا والطاعون أمريكا وأمريكا هي الداء والداء أمريكا!." (جواد بولس- الاتحاد 20.11.2011)
من حقنا ان نسأل أصحابنا : ماذا يعني القول المتحمس بأن الصين كأمريكا ؟! وسوريا كإسرائيل!! فمنذ ان "تغير العالم إلى حد كبير"، شنت الولايات المتحدة الامريكية حروبا مباشرة دمرت دولا مركزية وقامت باحتلالها وتفكيكها مخلفة ملايين الضحايا، في أوروبا وآسيا وإفريقيا وقامت بتهديد دول تقدمية في أمريكا الجنوبية، في اطار مشروع هيمنتها الامبراطوري. فكيف صارت الصين التي تبني موقعها الدولي الهام،على اساس علاقاتها وانجازاتها الاقتصادية الهائلة، كأمريكا!؟ هذه تستعمل الفيتو لمنع الاعتراف بعضوية فلسطين في الامم المتحدة، والاخرى تستعمل الفيتو لمنع حرب إمبريالية على سوريا! وكيف تكون سوريا التي لا تزال اراضيها تحت الاحتلال الاسرائيلي مثلها مثل اسرائيل التي تحتل هذه الاراضي وتستوطن فيها!؟
ان غسل أيدي سياسة الهيمنة التي تبنيها الولايات المتحدة لبنة لبنة، على اشلاء الشعوب والاوطان، من يوغوسلافيا الى البوسنه الى افغانستان الى العراق الى ليبيا الى الصومال، الى السودان الى جنوب لبنان وغزة.. والحبل على الجرار، ليس مجرد اجتهاد موضوعي، وانما هو خيار فكري يهدف إلى إخفاء التمايز الإيديولوجي والسياسي القائم على المستوى العالمي وعلى مستوى المجتمعات، استنادا الى الترويج لأيديولوجية "نهاية الايدولوجيا" ونظرية "يد السوق الخفية" التي "تنظم السياسة والفكر والمجتمع بشكل موضوعي خارج عن ارادة الناس ووعيهم ورغباتهم"، وتفرض عليهم التعامل "بلغة هذا العصر الجديد والفجر المنبلج" التي لا تحتمل ذكر "سهم الامبريالية والاستعمار السام والقاتل".



*الفرز بين الثورة والثورة المضادة* ومن نماذج التأفف من التركيز على دور الامبريالية في الثورة المضادة في العالم العربي (في سوريا وليبيا مثلا) موقف دفاعي يقول: جميعنا ضد الامبريالية فعلام النقاش ولماذا التركيز على مشاريعها في المنطقة، وخلق الانطباع وكأن الموقف منها موقف خلافي؟ والحقيقة أنه لا يكفي أن يعلن واحدنا انه مناهض للامبريالية من دون ان يتخذ موقفا حادا مناقضا لمشاريعها في المنطقة، ومن دون ان يواجه مفاهيمها ويرفض دورها التخريبي لإجهاض الحراك الثوري العربي بلا تأتأة. ان المسألة ليست مسألة مشاعر. وهي لا تبدأ ولا تنتهي بأن نشتم الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، في مواسم الشتم المواتية. فنحن مطالبون بمقاومة استراتيجياتها ومشاريعها وفضح الاشكال التي تظهر بها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، والمساهمة في مراكمة الوعي لإفشالها في كل موقع وفي كل موقف وفي كل سياق وبضمنها في السياق السوري. وإذا كنا نتفق على طبيعة المخططات الأمريكية وطابع برامجها المعلنة لزعزعة الأوضاع في سوريا ولإسقاط النظام كمقدمة لاقتناص البلد، وإذا كنا نتفق على طبيعة مشاريع الهيمنة والتحكم بمصادر الطاقة في المنطقة، فهل يجوز أن يحتج هؤلاء المناهضون للامبرياليةً، أو أن يتأففوا بسبب اعتبار التناقض مع الامبريالية هو التناقض الرئيسي، الذي نقرأ من خلاله التناقضات الهامة الأخرى في سوريا أيضا؟
إن تحديد التناقض الرئيسي الأوسع هو القاعدة التي يمكن الفرز على أساسها. بحيث يمكن تمييز قوى المعارضة الشعبية الوطنية المعادية للمشاريع الامبريالية وللابتزاز الأجنبي، والتي ترفض التبعية، فخرجت الى الشوارع في سوريا من أجل المطالبة بتغيير جذري في النظام وإشاعة الحريات المقموعة، ووقف التعامل الامني مع المظاهرات، ووضع حد للفساد وانهاء احتجاز الاقتصاد في قبضة مراكز النفوذ من جهة، وهي معارضة نتضامن معها ومع معركتها الديمقراطية والإنسانية العادلة، وبين قوى الثورة المضادة التي خرجت الى الشوارع برعاية ودعم وتمويل وتسليح من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والعربية السعودية ممثلة للرجعيات العربية المحيطة واسرائيل، مستغلة المعركة الشعبية والصادقة من اجل بهدف زعزعة الحالة السورية، والمطالبة بتدخل اجنبي على النسق الليبي، لاسقاط النظام وفتح الطريق امام مشاريع الهيمنة الامبريالية الجشعة في مناطق النفط وليكن من بعدهم الطوفان الذي يطيح بسوريا مقدمة للاطاحة بكل موقف لا يتماشى مع مشاريع الهيمنة الامريكية.
إن ما ينذر به نموذج العمالة الفاضح والمتخلف الذي يقدمه "ثوار الناتو" في ليبيا والمروجين لهم، وما تعكسه عملية إعادة توزيع امتيازات النفط الليبي، ومجالات النفوذ، وقواعد الأساطيل على المشاركين في العدوان الامبريالي وشركاتهم العملاقة، كل بحجم مشاركته في العدوان ووزنه وطموحاته الإستراتيجية، قبل أن ينتهي الشعب الليبي من إحصاء ضحاياه، يثير أشد مشاعر القلق ويستدعي من الذين تحمسوا لاستجلاب عدوان الناتو، دفاعا عن "الديمقراطية" و"الحرية" و"حقنا لدماء الليبيين" أن يراجعوا مواقفهم، ليس في ليبيا فقط بل في الموقف من سوريا ومن قوى الثورة المضادة فيها أيضا.
إن ما حمله صدور المرسوم "الثوري" في أول خطاب ألقاه مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس "الثوري" الانتقالي بعد انتصار قوات الناتو، و"بشّر" من خلاله الليبيين بالديمقراطية وإشاعة الحريات، عبر إقرار "حرية" تعدد الزوجات، يجب أن يثير أكثر من استغراب حول ما إذا كانت كلمة "ثوري" في هذه الحالة مشتقة من كلمة ثورة أصلا.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لفت نظر
نوفه المرابعي ( 2011 / 11 / 1 - 12:04 )
ألفت نظر الكاتب الكريم أن ما تطلق عليها وصف الثورة المضادة هي مع الثوار كما يقول نظام الأسد وليس ضد الثورة. فكيف تكون ثورة مضادة مع الثورة؟
لذلك أنصحك يا أخي أن تسارع بالطلب من هيئة تحرير الحوار المتمدن بسحب مقالتك حالا من الجريدة ستراً للفضيحة


2 - الفت نظر حضرتك (1)ء
بشارة خليل قـ ( 2011 / 11 / 1 - 15:12 )
ان الثورة المضادة هي التي تحاول جر المنطقة الى بيت الطاعة السعودي الوهابي باللعب على الوتر الديني وان الشباب الذين قاموا بالثورة والذين واجهوا ببطولة قمع الانظمة بصدورهم العارية كانت مطالبهم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولكن ابى انتهازيوا الثورة المضادة الا ان تدخل الشعوب المقهورة في نفق الدكتاتورية من جديد وبلبوس ديني هذه المرة
المثل بيقول اللي من ايده الله يزيده
وبيقول
ما في حدا بتعلم الا من جيبته
ولا لأ؟
هذا فقط لكي الفت نظرك

اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟