الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العائم: قصة تشكيلية

رياض خليل

2011 / 11 / 1
الادب والفن



العائم
قصة تشكيلية
قصة قصيرة لرياض خليل
سئمت من البيت وجدرانه .. فخرجت لأتنفس الهواء الحر ، انتقلت من الحارة إلى قلب المدينة ، حيث المشهد مختلف عن سكون البيت . المشهد يتغير ويتجدد بسرعة ، كل شيء يتحرك . يظهر ، يختفي ، تتبدل العناصر ، ولا أتمكن من متابعتها دفعة واحدة . حتى لو ركزت فلن تتمكن من تثبين العناصر والمكونات .. ولا القبض عليها ، وأنا جزء من المشهد الذي يموج كالبحر .
كل ما التقطته حواسي هو أنني كنت في شارع متخم بالمارة والأشياء .. كنت مستسلما للزحمة .. أتحرك عائما بلا هدف ..
فجأة بدأت الحركة تتوتر .. هرج ومرج ، همهمات وأصوات مختلطة ، خوف ودهشة وقلق وفضول . ثم سرعان ما تصاعدت الحركة أفقيا وعموديا ، ورأيت الناس يركضون .. ولم أتساءل لماذا؟ ولم يكن يعنيني أو يخطر ببالي مثل هذا السؤال .. والناس يهربون ، ويرتفع اللغط ، وتمتزج الأصوات ، كأصوات قطيع من البقر الهارب من الضواري المفترسة .. ووجدتني مندفعا مع القطيع البشري بالغريزة ... كان الخوف يدفعني بقوة لا تقاوم ، وركضت ، وأسرعت مع الأمواج البشرية الراكضة باتجاه ما .. لا أدري ما إذا كنت أقلدهم لاإراديا ، أم أنهم هم من يقلدني ، لا أدري من كان أول الراكضين الهاربين المندفعين باتجاه ما غير محدد المعالم . لا يهم ، كنا جميعا نركض و نصرخ .. ولم يتسن لي ولا لغيري أن يسأل : ماذا هناك ؟ وما الذي يجري ؟ أو ما المشكلة ؟
وركضنا ... وانتهينا خارج المدينة .
وفجأة وجدت نفسي في المقدمة ، تماما في المقدمة ، ورائي جيوش من الناس يهربون . في البداية كنت في حواشي الحشود .. وحين بدأ الركض والهروب ، كان الناس أو ما أظنه الناس يتفاوتون في قدراتهم ، بعضهم أسرع من الآخر ، بدليل أن بعضهم سبق البعض الآخر ، وكأننا في مباراة حقيقية ، لا في مباراة رياضية ، وأدركت أنني أمتلك قدرة تنافسية متفوقة ، لأنني استطعت أن أصبح في وسط القطيع .. وسرعان ما سبقت الجميع من الناس أو أشباه أو أنصاف الناس ، وأصبحوا ا جميعا ورائي .. خلفي ، ورأيتني أحتل المقدمة ، كانت سرعتي أعلى من سرعاتهم , وكنت أركض ، وكانت المسافة تزداد بيني وبينهم ، ففي حين كنت أسمعهم وأحس بأنفاسهم بلفح ظهري ، أصبحت الآن لا أحس بوجودهم ، ولا بهمهماتهم وأصواتهم التي تشبه هدير قطيع من البقر الهارب من فريق من الضواري المفترسة التي تطاردهم بلا هوادة . وتوجست إذ انقطع الإحساس بهم .. لم ألتفت ورائي مذ بدأنا نهرب مرعوبين من شيء ما أجهله وأم أتساءل عن ماهيته ، إلا أنه بالتأكيد شيء يشبه الضواري البرية المتوحشة اللاهثة وراء القطيع لاصطياد ما يتيسر لها منه .
صار خوفي خوفين معا ، الخوف الأول هو خوف بالعدوى ، والخوف الثاني هو الخوف من فقدان القطيع الهارب ... ولم يتسن لي أن ألتفت إلى الوراء
لأتفقد قطيعي .. لأنني حين قررت أن ألتفت لأطمئن عن القطيع .. كنت قد سقطت من فوق جرف جبلي شاهق جدا ، لم أنتبه لوجوده ، لأنني كنت أفكر ، وأحلل ، وأفسر ، وأحاول الهروب من خوفي المركب ، خوفي الذي احتواني تماما ، وحجب عني الرؤية .
وأنا أسقط .. كنت أمعن النظر نحو الأسفل ، الذي بدا لي كلوحة تشكيلية فريدة .. لا مثيل لها في ذاكرتي . تتداخل وتمتزج فيها كل الأجزاء والخطوط والألوان والأشكال والتفاصيل ، لتخرج صورة مختلفة ، عالما مختلفا عن العالم الذي عشت أو كنت أعيش فيه . .
وكنت أسقط .. وأحاول تصور العالم من تحتي ، وأبحث عن الأشياء ، ولم أجدها ، كنت أبحث عن قلب المدينة والحارة والبيت ، والناس أو أشباه الناس .. أو شيء ما يشبه القطيع المرعوب الهارب من الضواري والكواسر التي تطارده .. عسى أن تتمكن من اصطياد ما يسد رمقها ..
وكنت أسقط .. وأسقط .. وأنا أحلم بجناحي نسر كاسر بحجم التنين الطائر .
اللاذقية : الساعة الثامنة مساء من يوم الجمعة في 21/10/2011 ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا