الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوائد الإدمان في العراق

سرمد السرمدي

2011 / 11 / 1
الادب والفن


الغريب في كلمة مثقف أنها توحي بكون هذا الإنسان تعرض لتدجين ما لدرجة معينة قد نال بعدها صفة مثقف من خلال عمليات تثقيف فعلية, وهذا أن دل فعلى كون الثقافة بشكل عام تنقسم إلى عدة تقسيمات أساسية وثانوية, وبشكل خاص تبقى المساحة الذاتية التي يستطيع من خلالها الإنسان المرور على مختلف الثقافات التي تم التعرض لها واختيار ما لائمه بشكل أساسي وضروري وحاسم, أن كان لهذا الوصف أي المثقف ملامح إسقاط خطر على الواقع, مالذي يجعله خطرا؟. أن في مجتمعنا العراقي على سبيل المثال من الثقافة الأساسية ما يمكن الوقوف عندها أو حتى الجلوس لكي تتبين من أين تولدت كلمة مثقف, ودون الخوض في درس تاريخي أو اجتماعي, على ما في هذا من إسهاب وتجني في ذات الوقت, إلا أن المراد هنا هو التفكر في كلمة المثقف بوصفها فعل أو فاعل. وذلك لكونها تطلق على الإنسان الذي يمتلك قدرا معينا من الثقافة في مجال ما أو عدة مجالات, وبهذا تكون فعلا يمارسه هذا الإنسان بكونه فاعل, أما وهي فعل فبالتأكيد قد تعني أن هذا الإنسان قد تم فعله أي صنع ثقافته, فأين الفرق في النتاج الحاصل بين النوعين والكلمة هي ذاتها؟.

إدمان الثقافة المكتسبة من المجتمع دون اي تدخل اختياري قد تكون هي الأقرب لوصف مثقف, فهو يتثقف بالضرورة وبطريقة آلية على تقليد مجتمعه في صفاته وتقاليده وطرق التفكير في الحياة, أما ما يتم الاعتماد عليه حين لا نتطرف كثيرا في هذا الوصف للمثقف للدرجة التي تجعله نسخة من مجتمعه فهي الفروق الفردية بين شخص وآخر, وعند التشخيص بهذا الشكل يكون الانفتاح على احتمال وجود الثقافات الفردية مقتصرا على كيفية تنفيذ أو نقل التقاليد والعادات المجتمعية من قبل هذا الشخص بشكل مختلف عن الشخص الأخر, لكنها تبقى في إطار الثقافة المجتمعية مما يجعل هذا النوع من الثقافة ملائما جدا لوصف مثقف, فهو تثقف ابتداء من البيت والمدرسة والشارع بما يؤله للمضي قدما في إتباع قانون الحياة في المجتمع الذي اوجد فيه دون أن يغير فيه بل في تفاصيل نسبية تمتد من عادات الأكل والشرب إلى طريقه التفكير, وهذه التفاصيل بدورها تبدأ في فرض مساحة من التأمل لديه فيما جبل عليه من ثقافة, وهنا يكون الانتقال متاحا للنوع الثاني من الثقافة.

إدمان الثقافة الثانوية التي تنتج من خلال الفروق الفردية النسبية الأثر بين شخص وآخر. هذه بالذات هي بمثابة حجر الأساس بالتغيير الاجتماعي برمته, فمنها تكون الثقافة المتوارثة الأساسية محل التفكر الدائم, وتنتج من خلال التفكر عملية الانتقاد والتغيير الجزئي, وهكذا يتم قياس نسبة التغيير في الثقافة المكتسبة مجتمعيا بمجموع التغيرات التي طرأت عليها وذلك من خلال المجتمع الصغير, أو المجتمع داخل المجتمع, حيث يبدأ هؤلاء الأفراد بإنشاء مجتمع صغير داخل المجتمع الكبير يتميز بثقافة فيها ما يمكن أن يقاس على انه التغير النسبي, أو الثقافة الجديدة, وهنا يكون الحال في التعايش مع المجتمع الأصلي اقل حدة وأكثر انسجاما بما أن التغير النسبي لا يضرب في عمق الثقافة المجتمعية.

ومن هنا نرى أن الإدمان يدفع المجتمع الأكبر لكي يطلق على أفراد المجتمع الأصغر بالمثقفين, فهو يحيل بطريقة أو بأخرى ما تم من خلال المثقفين إلى مجتمع آخر, مع أن كل الذي حصل هو بعض التغيرات النسبية في الثقافة المجتمعية, وذلك الدافع وراء هذه الإحالة والعزل الاجتماعي يعود بالدرجة الأولى إلى الحس الدفاعي لدى المجتمع الكبير, أي الشعور بالخطر من ضياع الهوية التي توحده والتي تترجم عمليا إلى أساليب الحياة اليومية, التي تعد روتينية في نظر أفراد المجتمع الكبير لكنها ثقافة مرفوضة نسبيا لدى أفراد المجتمع الصغير, ومن هذا المجتمع الصغير تبدأ عملية التثقيف المضادة النسبية لثقافة المجتمع الكبير بشكل لا إرادي, فالمقارنة تفرض أمثلتها من خلال التفحص بتفاصيل الحياة اليومية سواء من قبل أفراد الكبير أو الصغير, أي أن التثقيف يعمل باتجاهين وليس باتجاه واحد في هذه الحالة, لكن هذا لن يؤدي إلا لإحالة الصدام ونقطة الاختلاف الرئيسية بين الثقافتين إلى مرحلة أكثر تطورا.

والمرحلة الأكثر تطورا في هذا الصراع بين إدمان ثقافة أساسية وثقافة فرعية ناشئة توضح نتاجها من خلال ولادة ثقافة ثالثة, هنا سيميل أفراد الثقافتين إلى تثقيف أفراد الثقافة الثالثة, وبالطبع سيكون أفراد الثقافة الثالثة الجديدة من الأصغر عمرا, لذا نجد أن الصراع على اكتسابهم أعضاء وامتدادا لثقافة أساسية أو ثانوية سيبدأ منذ الولادة, وهم الجيل الجديد دائما, بالتالي هم مدمنين بالضرورة على التغيير والتنور من كافة الثقافات بحكم الواقع المعاصر, مما يعطي دفعة أمل في غد أفضل, خاصة وان المعلومة متاحة, والمصادر متعددة, وأقربها إليك هي المصادر العلمية, بالتالي لن يكون سهلا أن يقمع عقل عراقي يرغب بمعرفة الحقيقة, ولن تدوم ثقافة ترتجف أمام النقد ولو بقوة السلاح, فالعلم أقوى الأسلحة, وإدمان العراقيين على الثقافة سيحدد مصيرهم بعد أن كان ترفا وأصبح ضرورة, لكن ما دور كلمة مثقف ؟.

نميل هنا للتفاؤل بأن هذا الجيل الجديد في العراق سيعمل لإضفاء بعض الحياة على إدمان العراقيين للثقافة وعلى كلمة مثقف في تفصيلها وترجمتها إلى واقع عملي أكثر انتماء للتطبيق منه للنظرية, فكل المهن تتطلب ثقافة, وكل ادوار الحياة في المجتمع تتطلب ثقافة, أما المثقف الذي يتحول لمثقف بكسر القاف, بدوره فهذا أقربهم إلى عدم الحاجة لوصفه بالمثقف, لأن نقل الثقافة يتطلب واسطة, أو مهنة, وإنسان, يكنى بوصف مهنته, فمن يمارس الطب طبيب ينقل ثقافة الطب ومن يمارس الهندسة مهندس ينقل ثقافة الهندسة ومن يمارس المحاماة محامي ينقل ثقافة القانون, وكل من يمارس الثقافة ليس مثقف, بل مثقف بكسر القاف, وكم هي ثقيلة في اللفظ والمعنى, وكم هي من الزوائد في أيامنا هذه, فهي ليست مهنة بحد ذاتها بل وصفا لأحد مهمات أي مهنة كانت, شاعر عامل كاتب حداد طبيب سائق مدرس, الكل ينقل ثقافة معينة للمجتمع من خلال مهنته بالضرورة, فإذا توقفت عجلة الحياة لأن الثقافة السائدة تقف في طريق ثقافة مهنة سيكون أهون من أن تقف ثقافتين في صراع ثقافي ينتهي بالدم, وسيكون هذا ضمان للتغيير الجزئي بداية من الجزء للكل المنشود, وإلا كان الإبقاء على الشائع حول هذه الكلمة, المثقف, سببا في موت الثقافة العراقية.

الكاتب
سرمد السرمدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو