الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغالطة

خالد صبيح

2011 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



عبر احد المصريين على احد مواقع التواصل الاجتماعي، في عبارة احتشدت بالمغالطات، عن رغبته، ( نفسي!!)، في أن يعدم مبارك في يوم عيد الأضحى ( مثلما اعدم الكلاب الشهيد صدام حسين).

لم يكن واضحا في هذه العبارة ( وهي كلام مرسل وعابر) من المقصود بالضبط بالكلاب، ولكنني أظن أن المقصود هم الشعب العراقي، لان الدكتاتور، أي دكتاتور، يكون غريمه بالضرورة شعبه. لكن ربما تكون العبارة قد عنت جزءا معينا من الشعب العراقي، ـ كأن يكون الشيعة مثلا ـ، حُدّد وقُيم على أسس مشكوك في جدارتها. وفي الحالتين فان كفة الدكتاتور هي الراجحة.

والأمر سيكون هينا، ويمكن تجاوزه، لو كان مضمون ما أوردته العبارة يقوله شخص هنا ويردده آخر هناك، بيد أن أهميتها، والى حد ما خطورتها، تكمن في أنها، كموقف ورؤية للأحداث وللأطراف الذين سمتهم، تشكل قاسما مشتركا بين توجهات سياسية وفكرية عديدة ومختلفة، يتقاسمها من حيث الجوهر، ومن زوايا نظر ودوافع مختلفة: الإسلاميون، والقوميون، وبعض اليساريين، وعموم الأنظمة العربية ووسائل إعلامها وكتبتها (كان أبرزها على صعيد الأنظمة هو إقامة ليبيا الحداد بعد إعدام صدام حسين، وما أشيع وقتها عن نيتها بإقامة تمثال له إلى جانب تمثال البطل القومي عمر المختار، وإعلان ابنة ألقذافي، الحسناء عائشة، عن استعدادها للدفاع عنه مما كلفها ضياع فرصة الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق من السوربون).

العبارة توجز رغبة بعقاب دكتاتور بمثل عقوبة دكتاتور آخر، ولكنها تربك المشهد حينما تبجل الآخر، صدام حسين وتمجده بنعت الشهيد، بينما تزدري الأول، حسني مبارك، مع أنهما يشتركان بذات الجريمة، جريمة الاستبداد والفساد، بل إن نظام صدام حسين، وبحسب أي مراجعة منصفة لوقائع عهده، ستثبت بأنه كان أكثر دكتاتورية واستبدادا وقسوة ودموية، وكل ما يشتق عن الاستبداد من أوصاف وأمراض، وبمسافات، عن شبيهه المفترض في العبارة، نظام مبارك، الذي سيتفوق، وبما لايحتمل المقارنة، على رديفه العراقي، وعلى نفس خط المفاضلة، لما تمتع به من قدر من الانفتاح السياسي وهامش معقول للحريات الاجتماعية ولحرية التعبير عن الرأي وغيره.

هل سيستوعب صاحب هذه العبارة، أو المصريون بشكل عام، لو قلنا لهم أننا، نحن العراقيين، في زمن الخراب العربي الشامل، كنا نتمنى، طالما ليس هناك بدا من حكم دكتاتوري ومستبد، يطبقان علينا كقدر لامفر منه. كنا نتمنى، لنشعر بآدميتنا قليلا، حكما دكتاتوريا بمواصفات وطبيعة حكم مبارك؟.

يبدو هذا صعب التصديق لمن لم يعرف حقيقة نظام البعث عن قرب، ولكن الواقع كان هكذا. ونظام مبارك بقسوته وعنجهيته وفساده، وكذلك نظام ابن علي في تونس، يبدوان، في مواجهة همجية نظام صدام حسين أنظمة ناعمة؛ على الأقل بسبب انه كان يمكن لمن يعارضهما البقاء على قيد الحياة.

ومرة أخرى يبقى الأمر هينا لو إن الزمن الذي قيلت فيه مثل هذه العبارة وما تعبر عنه من ذهنية هو غير زمن الربيع العربي ( ومبنى العبارة، وسياقها ومكانها، تؤكد أن صاحبها ينتمي لهذا الزمن). حيث يفترض سياق هذا الزمن، الذي دشنه الحراك الشعبي النوعي، أن له دلالات وأبعاد ومضامين تتخطى بكثير محدودية تصديره لشكله الاحتجاجي، ـ الاستيلاء على الميادين العامة وجعلها منبرا للتعبير والتغيير السياسي المباشر والجذري ـ الذي بلغت عدواه دول العالم وطالت تأثيراته (الوول سترييت)، الرمز الأكبر لسلطة المال ومركز الرأسمالية الحيوي. فالزمن العربي الجديد هو زمن تحول نوعي على المدى الاستراتيجي بعيد المدى من ناحية تأسيسه لروح عصر جديدة ونوعية، فكريا وسياسيا وخطابيا، بغض النظر عما يعتريه الآن من خلخلة في بلورة قواه المحركة وتشذيب اتجاهاته الفكرية، وما يسببه من قلق وتوتر، وهو في خضم صراعه لاكتساب صوته الخاص وهويته المميزة، من صعود تيارات الإسلام السلفي وتصدرها الواجهة. أقول إن مآل هذا الزمن الجديد هو مآل تصاعدي وتقدمي بالضرورة بحكم مصدريته ونوعية حراكه الذي جاء ثمرة مباشرة لتناقض مستعص بين آلية حكم عقيمة، بأفكار وذهنية متكلسة من أزمنة واستراتيجيات الاحتدام الأيدلوجي والحروب الباردة، أو زمن الكليات المتورطة بيقينياتها والمنتشية بها؛ وبين ذهنية جديدة نشأت في زمن تطور تقني وعقلي شكل مداركها الفكرية والسياسية وجذّرها، ومنحها وسائل ومديات رؤيا جعل من الصعب عليها أن تقبل بالواقع على ماهو عليه.

صحيح انه لايجوز محاكمة تيار عريض وله مشارب ورؤى مختلفة، مثل تيار الثورة الشبابية، في رأي عينات معينة أو اتجاهات محددة في داخله، ولكن مثل هذه المحاكمة من شانها أن تسهم بقدر وباخر في بلورة فكر ورؤى هذا التيار الشعبي الواسع وتنقية أجواءه.

يُفترض إذن بالزمن الجديد، بين أشياء أخرى، ولكي يكون جديرا بنزعته التغييرية العميقة، أن يعيد النظر بكل الأسس والمسلمات الذهنية والخطابية، الفكرية والسياسية، التي تسيدت المشهد العام قبل انطلاق ونجاحات هذا الحراك الشعبي، ومن بين أهم وأول هذه الأسس هي المعايير التي يقيّم على ضوئها وبأسسها موقفه من كل قضايا المجتمع العربي، من سياسية وفكرية وأيدلوجية وغيرها. وبهذا، لايمكن، برأيي، أن يكون صدام حسين بطلا وشهيدا، وغيره، ممن هم اقل منه جرما، طغاة ومجرمون. وذلك لأن الطابع الشعبي الواسع الذي عبر عنه شكل الاحتجاج الشعبي الذي شكل مدخلا عمليا للواقع الجديد كان من بين أهم محركاته هو فكرة دور الشعب في الأداء والقرار السياسيين، وهذا يفترض، كأساس، انه يعلي من قيمة الفرد المواطن، أو الشعب بالتعبير الأوسع، باعتبارهما الهدف لكل نشاط الدولة ونظام الحكم فيها، وباعتبار الموقف منهما هو المعيار لصلاح السلطة السياسية وليس بما ترفعه من شعارات جوفاء، أو بما تقوم به من حروب دونكيشوتية فاشلة وتدميرية باطنها تعزيز السلطة والجبروت وإرضاء النزوات الأكثر نرجسية لحاكم متغطرس، وظاهرها دفاع عن عروبة وحياض وطن هي الثمن الأرخص لكل مساومة رخيصة تخدم البقاء في السلطة،كما فعل طيلة فترات حكمه نظام صدام حسين.

لا يمكن، في ظل ما يفترض انه عودة للوعي، ومحاولة لإعادة الاعتبار للإنسان، الذي تخط موضوعيا ملامحه ثورات الربيع العربي، لايمكن أن يستقيم القول بإدانة مجرم استبد وفسد وتمجيد مجرم آخر يفوقه دموية وقسوة واستهتارا. لان هذا النمط من النظر يدخل هذا الفكر في حالة استعصاء غير قابلة للحل، ويضع الفكر الجديد، الذي هو ثمرة مباشرة للمنجز العربي في مواجهة الاستبداد، في فوهة عقل الردة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق طويل
ايار العراقي ( 2011 / 11 / 2 - 10:11 )
تحياتي سيد خالداتمنى ان تكون في حال جيدة
سيدي الفاضل يبدو ان جنابكم لايعلم بان نصب لصدام حسين قد تم تشييده في طرابلس ودعي لافتتاحه العديد من المثقفين والمناضلين والمقاومين العراقيين يتصدرهم الشيخ المقاوم حارث الضاري ممثلا بالناطق الرسمي الشيخ المجاهد بشار الفيضي والمناضل الاممي عبد الحسين شعبان المنظر الاممي في قضايا حقوق البشر عده اللانسان العراقي لاته غير مهم جدا
سيدي الفاضل مااشرت اليه يمثل ازمة حقيقية في العقل الجمعي العربي حيث اختلطت المفاهيم وتداخلت المسميات والنموذج اللذي ذكرته ليس الاوحد فانا سامع من مصريين يحبون الخميني ويطلقون عليه لقب الدجال لكثرة ترديدها في الاعلام العراقي حتى ظنوه اسمه العائلي وغيرها من الامثلة
ماذكرته ول الرغبة التغييريه الهميقة للشعوب هي على المحك فعلا لو انهم اوالوا تمثال صدام حسين في طرابلس على اعتبار كونه صنوا للقذافي في دكتاتوريته رغم اني واثق تمام الثقة بان هذا الامر يحتاج الى سنوات طويلة حتى يسلم العرب بهذه الحقيقة ويفهموا ان اشرس حكامهم ليس سوى دمية صغيرة امام اجرام صدام وسطوته وفعلا كنا نشتهي حكامهم على سئتهم مقارتة مع صدام
شكرا


2 - الاخ ايار العراقي
خالد صبيح ( 2011 / 11 / 2 - 19:23 )


اتفق معك اخي العزيز ايار على ماذكرته، ويبدو ان الاشكالات كلها تقع، كالعادة، في العقل الجمعي. والمشكلة ان هكذا اراء وتوصيفات لاتنحصر بين عامة الناس، وانما مشكلتها انها تدور بطريقة مزعجة ومؤلمة بين مثقفين، يبدو ان افق تفكيرهم لايتخطى المفاهيم العامة السطحية، اغلب الاحيان، التي يمارسها رجل الشارع العادي وتقبع، بالتكرار او الاجترار، في وعيه الجمعي.

والواقع العربي الان في مفترق طرق حساس سيفرض على مجتمعاته خيارات صعبة ولكنها هذه المرة مصيرية فعلا.. هذا ماا فكر بالكتابة عنه في موضوع قادم.

اما مهزلة الوفد الذي زار القذافي وقدم له (عصارات فكره) فلا يمكن سوى وصفه بانه (عار موثق).

تحياتي لك

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب