الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مهرجان أدب الطفل - الاول- في محافظة النجف

محيي المسعودي

2011 / 11 / 2
الادب والفن


قراءة في مهرجان أدب الطفل " الاول" في محافظة النجف
بابل - محيي المسعودي
ككل المهرجات العراقية والعربية المختلفة العناوين, جاء "مهرجان ادب الطفل الاول, في محافظة النجف" والذي اقامه اتحاد الادباء والكتاب في المحافظة, بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بالثقافة, واستمرعلى مدار يومي الجمعة والسبت 27 – 28 - 10 - 2011 ككل المهرجات من حيث الشكل والمضمون والنتائج , اذ تسيّدت "الاحتفالية" على كل فقرات المهرجان , فكان مهرجانا احتفاليا بامتياز من البدء حتى الختام , وقد بذل القائمون عليه والمشاركون فيه جهودا جبارة في هذا الاتجاه, من حيث الضيافة بكل مستلزماتها من طعام ومنام واستقبال واحتفاء واحترام للمشاركن والضيوف, واختلطت الاحتفالية بالارتجالية من خلال الاحاديث والتصريحات العامة العائمة, والمنتمية لثقافة الرأي الآني الارتجالي غير المتخصص وغير الدقيق, وبهذا كشف المهرجان عن انتمائه الكامل لجنس تلك المهرجات العراقية والعربية التي تنتهي دائما مع انتهاء حفل الختام . وللانصاف نقول : ان هناك القليل جدا من النصوص, كانت مستوفية لشروط ادب الطفل وثقافته . ولكن ظل المهرجان احتفاليا, حتى ان تصريحات اهمّ المشرفين عليه جاءت تقول ان الهدف منه هو التعريف والاحتفاء بالمدينة وثقافتها . وهذه الحال تكشف سطحية العمل وسطحية التأسيس في هكذا مهرجانات لاي نشاط يستهدف المجتمع او الثقافة او الاقتصاد او السياسة او غيرها من النشاطات الانسانية , وقد شهدتُ _ انا شخصيا - خلال عملي الطويل في الصحافة والثقافة خارج العراق وداخله الكثير جدا من هكذا مهرجانات , كانت دائما ذات رَحِم عقيم, لم يلد نفعا يُذكر غير الاحتفال والاحفاء .
الحماس .. التسرع .. الارتجال .. العشوائية
هذه هي قوائم ومقومات كل المهرجانات العراقية التي تُعقد المئات منها سنويا, ومنها مهرجان ادب الطفل في النجف , الذي اطلق فكرته احد اعضاء اتحاد الادباء والكتاب في المحافظة من وحي تدفق مشاعره التي استفزها اختيار النجف عاصمة للثقافة الاسلامية للعام 2012 ثم تصاعد الحماس بين المثقفين واصحاب القرارفي المحافظة للاسباب نفسها, فجاء قرار اقامة المهرجان سريعا , وسريعا ايضا اعلان انطلاقه, اما مضمونه ونتائجة واهدافه فكانت ارتجالية وعشوائية, مبنية على الاجتهادات الشخصية غير المدروسة . فلم نر رؤية واضحة ومحددة لكيفية اقامة هذا المهرجان, ولم نر اهداف مرسومة وواضحة له, ولم نر خططا وبرامج, تُنفذ من خلالها الاهداف . ولم نر آلية فعالة للتنفيذ, ولم نر دراسة تبين جدوى اقامة هذا المهرجان, واخرى تبين جودة برامجه ومفاصله الرئسية والفرعية . كنت اتمنى ان ارى برنامجا عمليا وعلميا مدروسا لهذا المهرجان . كان على ادارة المهرجان ان تستحضر وتطرح اسئلة من الواقع الذي يعيشه الطفل العراقي - بمشاكله واحتياجاته - وتحاول البحث عن اجابات لهذه الاسئلة من خلال المعنيين والمتخصصين الذين تدعوهم الى المهرجان ولهذا الغرض . اسئلة حول عنوان المهرجان " ادب الطفل" وكان على المهرجان ان يُقدم نماذج مقترحة من ادب الطفل لاجل دراستها وفحصها وتقييمها وتقويمها والبحث عن النماذج المثلى لادب الطفل في هذه المرحلة التي يمر بها العراق . كل هذا لم يحصل وكان المهرجان اشبه بـ - الفزعة - مشكور من حضره وجواد من اعطى فيه, دون النظر لامكانيات وقدرات الحاضرفي المهرجان او قيمة وسلامة المُعطى فيه للطفل .

المشاركون في المهرجان وما قدموه
لا شك ان القائمين على المهرجان بذلوا قصارى جهودهم لاستضافة من يرونه قادرا على اعطاء المهرجان ما يجعله ناجحا ويحقق لهم تصوراتهم وامنياتهم " الصادقة" ولكن, وفق المقاييس التي يعرفونها, وهي المقاييس الاحتفالية المتبعة في المهرجانات العراقية , وليس وفق المقاييس العلمية العالمية المتبعة - التي لم يشهدها مهرجانا عراقيا او عربيا قط - وقد نجد عذرا لهم في ذلك بسبب غياب هذه المقاييس في العراق والمنطقة . لذلك شهدنا حضور الشخصيات المعروفة في ادب الطفل وخاصة ادباء العاصمة الذين هيمنوا على فعاليات المهرجان واختطفوا - كالعادة - الاضواء الاحتفالية البليدة, من ادباء المحافظات . ومع غياب النقد الادبي وغياب المقاييس الادبية العلمية لمعرفة جودة وجدوى ما قدمه الادباء المشاركون , شهدنا وسمعنا قراءات شعرية وقصصية , لا يمكن لاي عارف حقيقي بادب الطفل ان يعدّها ادب طفل , اذ كان اغلبها يتحدث عن الطفل وليس للطفل فيصورالطفل ويحركه لمتلقٍ كبير السن, حتى المفارقات التي اعتقد البعض انها تشويق وجذب للطفل كانت مفارقات تسخر من الطفل وتهينه وتقلل من شأنه وتهدم ثقته بنفسه كقول احدهم ( اعطيت للطفل عملتين فئة عشرة دنانير وكلفته شراء شيء بعشرة دنانير وشيء آخر بالعشرة الاخرى فذهب الطفل وعاد لي دون ان يشترى وكان عذره , ان العشرتين اختلطتا ولم يعد يعرف باي عشرة يشتر الشيء الاول وباي عشرة يشتري الشيء الثاني ) ان هكذا مفارقة هي سخرية من الطفل يضحك عليها الكبار وليس الصغار . الى ذلك , امتلأت النصوص المقروءة بالنصائح والتوجيه المباشر والتلقين الخالي من الجمال الادبي, بل حتى دون أي وعاء فني يلبسه النص, وهي نصوص ينفر منها الطفل حسب التجارب الادبية العلمية والبحوث والدراسات التي اجريت بهذا الخصوص . وفي قسم آخر من النصوص, رأينا فيها كتابها يخاطبون انفسهم او اقرانهم , وليس للطفل فيها شيء يُذكر الا القليل . حتى البحوث والدراسات التي كتبت وقدمت في المهرجان لم تكن تلامس اهداف ومضمون المهرجان المعني بادب الطفل, وحلق كاتابها في علوم بعيدة عن ادب الطفل وثقافته , فخاضوا في علم الفسلجة والسيكلوجيا وطرائق التعليم والتدريس ولم يربطوا هذه العلوم بادب الطفل وكيفية الاستفادة منها في هذا الميدان . ولم يبحثوا ولم يدرسوا صناعة رؤية وفكر واسلوب واداء "الاديب" مُنتِج ادب الطفل وثقافته . ولم يتعرضوا لموضوعة التلقي عند الطفل وكيفية الوصول اليه بيسر وجعله يُقبل على استهلاك المادة الادبية وتذوقها, مع ان جلسة خاصة خصصت للتذوق الادبي عند الطفل . وظلل المشاركون يجترون اشياء وموضوعات مكرورة , عفا عليها الزمن واثبت العلوم الادبية الحديثة فشلها . ولم يُشر احد الى المفصل الأهم في ادب وثقافة الطفل والذي يهم الاديب "المُنتِج" والطفل المتلقي , الا وهو سوق ادب وثقافة الطفل . مع ان غياب هذا السوق وترويج بضائعه يعاني منها منتجوا ادب الطفل, والطفل نفسه, , ذلك لان السوق كفيل بأن يجد المتسوقين ويثير فيهم رغبة ومتعة التسوق والاستهلاك ويغني منتجي ادب الطفل عن الحاجة الى دعم الجهات الرسمية وغير الرسمية ويغنيهم عن الوقوف على ابواب المانحين, كمتسولين للدعم . والسوق " الغائب" يجعل من كتاب ادب الطفل محترفين يعتزون بحرفتهم ويستطيعون العيش من ريع منتجهم الادبي , والسوق يخلق حالة تنافس ترتقي بادب الطفل وتستمر بتقديم الافضل ثم الافضل .

تجربة ينبغي ان نتعلّم منها
غياب الرؤية والهدف الواضحين وغياب التخطيط العلمي المبني على وقائع ومرجعبات ومعطيات مادية ملومسة, وغياب البرامج وبدائلها لتنفيذ الخطط , وغياب التقييم والتقويم المستمرين لمراحل التنفيذ ولجودة وجدوى العمل, وغياب الكفاءات المتخصصة والخبرات الحقيقية بين العاملين في أي مشروع . كل هذه الغيابات لا يعوضها التمويل, مهما كان كبيرا ولا ينفعها الحماس مهما كان عاليا . هذا ما ينبغي ان نتعلمه من تجربة مهرجان ادب الطفل الاول في محافظة النجف, ونذهب به الى المشاريع القادمة ومنها مشروع – النجف عاصمة الثقافة الاسلامية للعام 2012 ولو ان الوقت قد فات كثيرا على العمل بهذه الشروط وفات كثرا ايضا على تحقيق مقومات النجاح وضمانه , ولم يتبق من الوقت ما يكفي لذلك . ولكن الوعي في هذه المرحلة مهمّ جدا, لانه سوف يقلل من الخسرات والاخطاء ويصوّب بعض التوجهات ويعالج بعض التفاصيل على المدى القصير والطويل . وقد يدفع الى معالجات سريعة تسمح بان يضع مهرجان النجف عاصمة الثقافة الاسلامية اساسات صحيحة يمكن البناء عليها لاحقا لتحقيق الاهداف التي غابت عن هذا المهرجان وان يضع فهما وتوجها نحو مفهوم الاستدامة للثقافة ولاي نشاط انساني او مشروع آخر يحتاجه المجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن