الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة التكنوقراط والدولة المدنية

منذر الفضل

2011 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



مرت على العراقيين مشكلات كثيرة وحروب داخلية وخارجية خلفت كوارث من ملايين الضحايا من الأرامل والأيتام والمصابين بالعوق الجسدي والأمراض النفسية فضلا عن تدمير البنية التحتية بكل مجالاتها , فلا خدمات صحية ولا تعليم ولا سكن يليق بالانسان ولا ماء نظيف ولا كهرباء ولا ثقافة ترسخ السلام الاجتماعي فضلا عن الخراب في الصناعة والزراعة التي اهملت تماما بينما هي الاساس في الامن الغذائي للبلاد مع انتشار وازدياد ظاهرة الجريمة والفساد المالي والاداري والاخلاقي والقائمة تطول وهذه الأثار ما تزال قائمة حتى الان في العراق عدا كوردستان التي تسير بخطوات ناجحة نحو البناء والتخلص من تراكمات الماضي المؤلم .
ويعود سبب هذه المشكلات الى ثقافة الحزب الواحد والقائد الاوحد والعشيرة الاعلى وتولي مفاصل الدولة الحيوية جيش من الموالين والمقربين للطاغية والاعتماد على الأميين والجهلاء من ذوي الطاعة العمياء وليس من ذوي الاختصاص . فالحكم الدكتاتوري يقوم على كراهية العلماء واصحاب الفكر اذ تشير تجارب التاريخ بأن الحاكم المستبد يتخذ له صفة القدسية سواء أكانت دينية ام قومية , وانه لا يتقيد بدستور او قانون لأن ارادته هي الدستور وهي القانون ولا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة , ولا بالعدل والعدالة , وهذا لا ينسجم مع قيم وفكر من يؤمن ببناء الدولة المدنية القائمة على حكم المؤسسات وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان .
ويتذكر من عاصر فترة حكم البعث الدموي منذ عام 1968 وحتى تاريخ سقوطه في 9 نيسان 2003 كيف ان مجلس قيادة الثورة , وهو اعلى سلطة تشريعية وسياسية في الدولة , ضم مجموعة من المجرمين والقتلة وغير المتعلمين مثل صدام حسين وعلي حسن المجيد و مزبان خضر هادي ومحمد حمزة الزبيدي وغيرهم . لا بل حتى الكوادر الحزبية العليا شغلوا مناصب حساسة بعيدا عن تخصصاتهم مثل سمير الشيخلي الذي شغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي بينما كانت وظيفته مسؤول فرق الاعدام في حزب البعث طوال سنوات , وهناك من الامثلة الكثير .
حصلت هذه الكوارث على العراقيين بسبب انعدام التعددية السياسية وغياب حكم المؤسسات وضياع مبدأ سيادة القانون وعدم الاستماع لرأي الخبراء وابعاد ذوي الاختصاص من الكفاءات والعلماء عن دورهم المطلوب اما لأنهم غير حزبيين او لعدم الولاء والطاعة للطاغية لأنهم يحملون فكرا علميا ومنهجية في ميدان التخصص قد لا ترضي الحاكم الاوحد ولا نهجه في السلطة وادارة البلاد وفق منظور الحكم الشمولي .
ومن هنا لابد للحكم الجديد في العراق الاتحادي , حكومات ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري , ان يتعظ من أخطاء الحكم السابق ويعتمد على أصحاب العقول من الكفاءات العلمية النزيهة في شغل مناصب الدولة العراقية , ولكن للأسف فان هذا لم يحصل , وانتشرت الشهادات المزورة بشكل قد لا يصدقه العقل وعم الفساد المالي والاداري والاخلاقي في جميع مفاصل الدولة وتعقدت المشكلات بصورة كبيرة في جميع القطاعات الصحية والخدمية والتعليمية والزراعية والتربوية , وصارت المناصب الوزارية والعليا تسند الى اشخاص غير مؤهلين بسببب نظام المحاصصات الطائفية والحزبية مما أدى هذا الى فشل كثيرين منهم وهو اسلوب نظير لما انتجهه النظام السابق .
ان مشكلات العراق المتوارثة هذه لن تحل بسهولة , لا بل انها ستتعقد اكثر , وهو يتجه نحو الهاوية مالم يتغير هذا النهج الخاطئ من خلال حزمة من التغيرات الجوهرية أولها في فصل الدين عن الدولة , اذ لا يجوز مطلقا تدخل رجال الدين في العمل السياسي والحكومي , أي منع تسيس الدين والمذهب , ومحاربة الفساد المالي والاداري بقوة القانون واختيار عقول متخصصة من العراقيين في الداخل والخارج في ضوء خطط استراتيجية واضحة مقرونة بالعمل المؤسسي المتخصص لأنقاذ البلاد من هذا التدهور الخطير في كل مفاصل الحياة .
ان بناء الدولة المدنية والاعتماد على شخصيات وطنية من التكنوقراط لا يعني اعادة الاشخاص الذين يؤمنون بالتطرف والتعصب ودعموا القوى الارهابية اذ يجب احترام نصوص الدستور العراقي وتفعيل أحكام المادة 7 منه التي نصت بكل وضوح على حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له ، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولايجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق لان هؤلاء ضد بناء دولة مدنية ترسخ الاعتدال والوسطية والسلام الاجتماعي .

وفي ظل الدولة المدنية لا يجوز ممارسة العمل الحزبي او الانشطة السياسية في مؤسساتها ومنها مثلا المؤسسات الامنية ووزارة الدفاع ووزارة التعليم العالي ووزارة التربية والقضاء وغيرها لان هذا التسيس هو احد مظاهر الحكم الاستبدادي . بل ان من الامور الخطيرة التي تهدد عملية بناء الدولة ما صرنا نسمعه ونشاهده بان الوزارات في الحكومة الاتحادية ببغداد صارت أشبه بالضيعات او الممتلكات الحزبية الخاصة وصار أغلب الموظفين في الوزارات يعينون على اساس صلة القرابة او الانتماء لحزب معالي الوزير ..!؟ وهذا السلوك يثير الاستياء لانه ينافي مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والانصاف .
كما لا توجد احصائية لدى الحكومة العراقية ومؤسساتها عن عدد العقول العراقية والكفاءات والخبراء في شتى العلوم والمعارف من المقيمين في المنافي وهو خلل يجب تلافيه , وضرورة عمل برامج وخطط للاستفادة من هذة الطاقات التى لا تقدر بثمن للاسهام في اعادة البناء وتوظيف خبراتهم وعلومهم للمجتمع , ولم تكن الدعوات والمهرجانات السابقة لعودة الكفاءات العراقية سوى برامج اعلامية وسفرات سياحية !.
وفي هذا السياق نشير الى تجربة اقليم كوردستان وخطواته التي تستحق التقدير والاعجاب في الاستفادة من طاقات وخبرات التكنوقراط الكورد وغير الكورد لبناء كوردستان كنموذج للاقليم المتطور اقتصاديا وهذا يعود للاستقرار الامني وللرؤية الواضحة في السير نحو بناء الديمقراطية ومؤسسات الاقليم الدستورية وفي احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة في ضوء وجود معارضة سياسية اذ لا ديمقراطية بدون معارضة سياسية هادفة , تبني وتسهم في التقويم والاصلاح .
ان الدولة المدنية لا تقوم على سياسة التمييز بين البشر على اساس الجنس او اللون او الاصل او الدين او المذهب او المعتقد ولا تجيز نشر الخرافات ولا توظيف اماكن العبادة للاغراض السياسية بل تقوم على قواعد البناء الديمقراطي المعروفة في الادب السياسي والاحترام الطوعي للقانون وحصر المرجعية بالدستور والبرلمان والقوانين وتوظيف كل الخبرات والطاقات لخدمة الانسان ومستقبل الاجيال.
‏03‏/11‏/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا