الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (29): وثيقة السلمى والمادة التاسعة ما بين اليابان ومصر

عبير ياسين

2011 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا يهدأ الجدل فى مصر فى أى قضية حتى تبدأ قضية أخرى فى الصعود، ولا تبدأ أى مرحلة جديدة دون فتح ملفات أخرى موازية تستنزف بدورها المزيد من الوقت والجهد الذى كان يفترض توجيهه لقضايا أخرى جوهرية. وعلى هذا السياق وبدلا من التركيز على الانتخابات البرلمانية التى تمثل عنصر محورى فى الفترة الانتقالية بدأ الجدل حول ما عرف بوثيقة المبادئ الدستورية والتى تعارف عليها باسم وثيقة السلمى نسبة إلى الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى. ومع تعدد أسباب انتقاد الوثيقة وما أحيط بها من أبعاد فأن أحد النقاط المثيرة تتمثل فى تركز الجدل حول المادة التاسعة من الوثيقة والتى أعادتنى بدورها للمادة التاسعة من الدستور اليابانى خاصة وأن المادة المعنية فى كلا الحالتين تتعلق بالقوات المسلحة ومسئوليتها فيما يتعلق بإعلان الحرب وهو التشابه الوحيد بين المادتين وفيما عدا هذا تختلف كل الأشياء.

وبالطبع لا يمكن أن نقارب بين الحالة التى وضع فيها الدستور اليابانى والسياق الذى أنتجه، والحالة التى وضعت فيها وثيقة السلمى والسياق الذى أنتجها وهو ما يفسر إلى حد ما فكرة الإختلاف دون أن يبررها أو يدعمها فى الحالة المصرية. فاليابان التى خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومعترفة بحجم الهزيمة والدمار الذى تسببت فيه حملت صورة سلبية عن دور الجيش وما يمكن أن تصل إليه الأوضاع أن تركت الحرية للجيش لإتخاذ القرار، وأعتبرت أن القيادات العسكرية هى المسئولة عن الوصول بالأوضاع إلى ما وصلت إليه، وأرادات أن تسقط هذا الجزء من ذاكرتها وأن تتخذ من السياسات ما يحول دون تكرار تلك الكارثة مرة أخرى وبصورة عملية ما يحول دون سيطرة العسكريين مرة أخرى على القرار السياسى. فى الوقت الذى شعرت فيه القوات المنتصرة وعلى رأسها الولايات المتحدة بالإضافة لدول الجوار الجغرافى التى عانت من الإحتلال اليابانى بأن عدم تسليح اليابان خيار أفضل. ولكن فى ظل الرؤية اليابانية أمكن ليس فقط إتخاذ اليابان لقرار عدم التسلح ولكن أضيف له قرار التخلى عن حق إعلان الحرب فى المادة التاسعة من الدستور والتى أصبحت المادة الأكثر شهرة لما يثار حولها من نقاش داخلى وخارجى. المهم أن المادة التاسعة فى الدستور اليابانى خرجت من قلب مرحلة معاناة ودشنت لقطيعة مع تلك المرحلة، كما جاءت متسقة مع الرؤية الشعبية المتمسكة بخيار رفض أى توجه للعسكرة والذى ظهر واضحا فى التعامل مع قوات الدفاع الذاتى التى تأسست تاليا والتى لا يطلق عليها اسم جيش ولا يطلق على العاملين بها مسمى جنود

انطلقت اليابان بعد الحرب فى عملية بناء متعددة الأبعاد فمع أنها ركزت بشكل واضح على عملية بناء القوة الاقتصادية، إلا أن عملية البناء شملت إعادة بناء المؤسسات الداخلية، وإعادة بناء العلاقات الخارجية خاصة مع دول الجوار الإقليمى، مع ترك جزء كبير من عبء الأمن على الولايات المتحدة بالإضافة إلى قوات الدفاع الذاتى التى شهدت الكثير من التطور التقنى خلال العقود التالية. ولكن استمرت الرؤية المجتمعية لما هو عسكرى بمثابة تحدى لأى محاولة لتجاوز روح المادة التاسعة من الدستور، ولهذا أصبح من الممكن لقوات الدفاع الذاتى القيام بأدوار متعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، وبعمليات انسانية والمشاركة فى جهود إعمار خارجية ولكنها لازالت غير قادرة على القيام بدور عسكرى بمفهوم الجيوش التقليدية فيما يخص شن الحروب الحرب والقتال خارج حدود اليابان وخارج حدود الدفاع عن النفس

بالمقابل جاءت المادة التاسعة فى وثيقة السلمى مغايرة لتلك الروح المنصوص عليها فى دستور اليابان لأنها تعطى مساحات أكبر للجيش ليس فى صورته الكلية ولكن فى مجلسه العسكرى الذى أصبح بحكم الوثيقة شريك فى إتخاذ قرار الحرب، أو بمعنى أخر صاحب سلطة فيتو على قرار الحرب. كما أصبح فى جزء أخر سيد قراره فيما يتعلق بميزانيته التى أصبحت سرا عسكريا لا يمس من خارجه. والأمر الأكثر أهمية أن الوثيقة بمادتها التاسعة جعلت المجلس الأعلى فعليا هو السلطة العليا كونه حامى الشرعية، والمنوط به النظر فيما يخص القوات المسلحة، والمسموح له بوقف قرار الحرب أن أراد

وفى حين جاءت المادة التاسعة من الدستور اليابانى وليدة للمرحلة التى وضع فيها الدستور ما بعد الحرب وويلاتها التى كبدت اليابان الكثير من الخسائر البشرية والمادية، فأن الوثيقة المصرية جاءت بعيدة عن الثورة التى حدثت فى مصر فى مؤشر واضح على قيام واضعى الوثيقة بتجاوز مرحلة الثورة وتدشين نمط للحكم يخرج من عباءة مبارك ليدخل فى عباءة المجلس الأعلى

ولم يستطع واضعو الوثيقة على ما يبدو قراءة المرحلة التى مرت بها مصر بصورة سليمة فتم الخلط بين التقدير المعنوى والرمزى للجيش وبين أعطاء المجلس الأعلى سلطة تعلو الشعب وتعلو مجالسه المنتخبة. وأصبحت شعارات ومقولات مثل الجيش والشعب أيد واحدة والمجلس حامى الثورة مبررة لوضعية يكون فيها المجلس فوق الدولة. وفى حين كان من المفترض أن تقود الثورة لبناء ديمقراطية تقوم على إستعادة دور الشعب، وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، والاحتكام للانتخابات كوسيلة اختيار وتغيير جاءت الوثيقة لتدشن لوضعية خاصة لمجلس هو بطبعه غيرمنتخب شعبيا، وأعطته سلطات واسعة دون أن تحدد من يراقبه أو يحاسبه

وبشكل عام يمكن القول أن المادة التاسعة فى الحالة المصرية تعبر بشكل واضح على أن العقليات المنوط بها التخطيط لمرحلة التغيير أو الآليات المتبعة تنتمى لمرحلة ما قبل الثورة وربما لهذا تثار تساؤلاتهم الآن لماذا هذا الرفض للوثيقة، ولماذا هذا الرفض للمادة التاسعة؟ وربما يقولون لقد أحضرنا الجيش ممثلا فى مجلسه للشعب ممثلا فى مجالسه المنتخبة لتصبح مصر أيد واحدة بجد.

ورغم كل تلك الأحداث، وكل الصخب الدائر لازال لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مساحة للتعامل مع تلك الانتقادات وتولى مسئوليته المرحلية بشكل يليق بمصر ومكانة الجيش، ليس بالإكتفاء بالصمت أو أحاديث المصادر غير المعلنة والمصادر المقربة للصحف والمحطات التلفزيونية، وليس بالإكتفاء بإلغاء الوثيقة أو تعديل المادة التاسعة منها فقط، ولكن على المجلس أن يؤسس لحالة من الحوار والمكاشفة فى التعامل مع الشعب عبر خطاب موجه منه أو من رئيسه يوضح فيه رؤيته لكل تلك القضايا المثارة خاصة ما يتعلق بدور الجيش والمجلس الأعلى ورئيسه فى المرحلة الحالية والقادمة فالغموض ليس بناء ولكنه مضر ومتناقض مع مقتضيات المرحلة الثورية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش