الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش من المطالب الفئوية للوصاية على الدولة

عماد عطية

2011 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


صدع المجلس العسكري و"كتابه" و"اعلامييه" رؤوس الجميع بالتحذير من مخاطر الاضرابات والاعتصامات، التي أسموها "فئوية"، على الاقتصاد المصري وتعطيلها المزعوم لما أسموه ب "عجلة الانتاج". وفي المقابل بح صوت الكثيرين لكشف زيف هذه الادعاءات والتأكيد أن العكس تماما هو الصحيح، فمطالب الملايين من العمال والموظفين بعزل القيادات الفاسدة واعادة هيكلة الأجور، ليست فقط مطلبا رئيسيا من مطالب الثورة، بل انها في الحقيقة مجرد خطوة لا غنى عنها لوضع الاقتصاد المصري على مسار التصحيح.
ولكن المناقشات التي دارت حول المبادئ الدستورية، وما انتهت اليه من وثيقة السلمي، العراب الجديد لحكم العسكر بعد طارق البشري، كشفت عن نوع آخر من المطالب الفئوية بحق، وهي مطالب الجيش من الدستور الجديد!! فلقد طالب المجلس العسكري بالنص في الدستور الجديد على بنود من شأنها أن تجعل الجيش فئة أو قوة أو سلطة فوق الشعب، بدلا من أن يكون جيشا الشعب.
جاء في وثيقة السلمي: "ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر فى كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقماً واحداً فى موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أى تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره."
أي أن ميزانية القوات المسلحة هي ميزانية سرية لا تخضع لأي نوع من الرقابة من أي جهة على أوجه الصرف، علما بأن القوات المسلحة تمتلك العشرات من الشركات المدنية التي تتعامل مع جميع أوجه الحياة الاقتصادية في المجتمع وتتعاقد مع جهات حكومية وشركات خاصة، تتحكم - في بعض التقديرات - في حوالي ثلث الاقتصاد القومي، وهي بالطبع غير خاضعة لأي رقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات أو غيره.
كما أن الجيش - طبقا للبند السابق وبخلاف أي فئة أخرى في المجتمع يتمتع بوضع خاص يضعه فوق الدولة ومؤسساتها حيث لا يحق لمجلس الشعب اصدار أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة دون موافقة المجلس العسكري.
أضف الى ذلك ان العسكريين لا يحاكمون الا أمام القضاء العسكري، حتى لو كانت الجريمة موقع المحاكمة لا علاقة لها بعملهم أو بالمجال العسكري، أي حتى لو كانت جريمة سرقة أو قتل أو حتى مشاجرة مع الجيران أو سائق تاكسي!! ولقد مد المجلس العسكري منذ بضعة أشهر هذه الحصانة والتي كانت قاصرة على العسكريين خلال خدمتهم في الجيش لتشملهم أيضا بعد التقاعد، وأغلب الظن أن محاكمة مبارك كانت وراء هذا التعديل!!
تبدو المسألة، طبقا لوثيقة السلمي، أكبر بكثير من مجرد فئة من فئات المجتمع تسعى للحصول على وضع خاص أو مزايا خاصة، مثل الشرطة والقضاء والجيش نفسه منذ عهد عبد الناصر، بل الرغبة في الهيمنة على الدولة وفرض وصاية كاملة عليها. مثلا:
- لجنة وضع الدستور، والتي تم تجريد مجلسي الشعب والشورى من سلطة اختيارها، ستضم 80 عضو من النقابات والجمعيات وغيره، ولكن على هذه الجهات أن تختار ضعف العدد المطلوب ليختار المجلس العسكري من بينهم من يشاء !!
- من حق المجلس الأعلى أن يعترض على ما يشاء في مشروع الدستور قبل استفتاء الشعب عليه !!
- اذا فشلت لجنة كتابة الدستور في انهاء عملها (أي في الوصول لدستور يرضى عنه المجلس العسكري) خلال ستة أشهر، يحق للمجلس تعيين لجنة جديدة لكتابة الدستور (طيب ما كان من الأول وبلاها انتخابات مجلس شعب وشورى وتضييع وقت وفلوس على الفاضي!!!)
يضاف الى ما سبق، الابقاء على المادة الخاصة بمجلس الأمن القومي دون تحديد صلاحياته، ويرتبط بذلك وجود أحكام متعددة يضاف اليها "بما لا يهدد الأمن القومي"، وذلك دون تحديد دقيق لمفهوم الأمن القومي، وهو ما بات ضروريا بعد أن امتد مفهوم الأمن القومي ليشمل مدنية الدولة واعتصامات التحرير وماسبيرو وصولا الى توزيع العيش وأنابيب البوتاجاز. والمؤكد أن القوات المسلحة لا يجب أن تنفرد بتحديد مفهوم الأمن القومي.
لا أقل من الوصاية والهيمنة الكاملة على الدولة والمجتمع، هذه هي الرسالة التي يبعث بها المجلس العسكري للجميع عبر وثيقة السلمي، وفي المقابل سنمنحكم الحق في اختيار رئيس جمهورية مدني، خاضع هو نفسه لوصاية المجلس العسكري.
عندما يستلم العسكريون السلطة، يغرقون الجيش بالمزايا خوفا من الانقلابات، ويدفعهم هذا بدوره للمزيد من التمسك بالسلطة. ويتم اضعاف جميع المؤسسات المدنية بحيث يبقى استمرار الحكم العسكري وكأنه ضرورة لا بديل عنها.
ولكن هل يمكن بالفعل أن تنتهي بنا ثورة 25 يناير لمزيد من العسكرة للمجال السياسي؟
أم أن الطاقات التي فجرتها هذه الثورة قادرة - عبر جولات جديدة - على هزيمة مخططات العسكر واجبارهم على العودة الى الثكنات؟
لا أعتقد أن أحدا يمكنه أن يتنبأ بمسار الصراع ضد الحكم العسكري في الفترة القادمة، ولكن المؤكد أن ملايين المصريين المتعطشين الى الحرية والعدالة، والتي أيقظت الثورة أمالهم وجعلتهم أكثر ثقة في قوتهم عندما يتجمعون، لن يرضخوا هذه المرة بسهولة، أو يعودوا للجحور كما يتوهم العسكريون ومنافقوهم، بل سيخوضون الجولات الجديدة من النضال بعزيمة أشد، ولن يكتفوا في المرة القادمة، بعد أن تعلموا الدرس، بالاطاحة برأس النظام ورموزه، بل سيقتلعونه من الجذور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس