الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمسون في المائة ميدان واسع في البداية

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


جرياً على المبدأ الذي ذكرته في مقال : هل ستغلق القلوب أيضاً ؟ ، فإن هناك أحداث لا تفقد صلاحيتها للتعليق برغم مرور بعض الوقت عليها ، لهذا لا أجد غضاضة اليوم ، الثالث من نوفمبر 2011 ، في التعليق على نتائج الإنتخابات التونسية التي جرت في الشهر الماضي ، بل أجد أنه من الضروري التعليق عليها ، لما لتلك الإنتخابات من أهمية لنا في مصر ، و في كافة الدول العربية ، سواء التي أسهمت في صناعة ربيع العرب ، أو التي تنتظر دورها للمشاركة في ربيع العرب و مد نطاقه الجغرافي .
لا يمكن أن أقيم أهمية نتيجة تلك الإنتخابات بالنسبة لنا كمصريين بدون أن أقوم أولاً بتقييم تلك الإنتخابات من حيث الأداء و النتائج ، لأرى : هل يمكن الأخذ بها ككشاف يفيد في الحالة المصرية أم لا ؟
التقييم المبدئي يقوم على التالي :
أولاً : شفافيتها ، ثانياً : نسبة الإقبال ، ثالثا : نتيجتها .
من حيث الشفافية فقد أشاد بها المراقبون الأجانب ، فبعثة الاتحاد الأوروبي صرحت بأن تقييمها إيجابي بنسبة 97% من لجان الإقتراع التي تمت مراقبتها من خلال البعثة ، و أن تقييم البعثة للإنتخابات يترواح بين حسن إلى حسن جداً .
كذلك صرحت بعثة مركز كارتر بأن المسار كان شفافاً و واضحاً .
إنها شهادات فخر للشعب التونسي الشقيق .
ثانياً : من حيث نسبة الأقبال ، لا حاجة للحديث عن الإقبال الكبير على الإقتراع ، و عدم حرمان توانسة المهجر من ممارسة حقهم في المشاركة في تقرير مستقبل وطنهم .
ثالثاً : نتيجتها .
النتيجة هنا مهمة لأنها تدل على مدى إقتراب ، أو إبتعاد ، الخريطة السياسية الشعبية التونسية ، من الخريطة السياسية الشعبية المصرية .
مثلاً لو كان حزب النهضة مني بخسارة فادحة ، في إنتخابات شفافة ، و حظيت بإقبال جماهيري كبير ، لكان في هذا دليل على أن الخريطة السياسية الشعبية التونسية تبتعد كثيراً عن الخريطة السياسية الشعبية المصرية ، و في تلك الحالة كنت سأكتفي بأن أرسل تهنئة للشعب التونسي من أعماق القلب ، و لكن كنت سأتجاهل نتائج الإنتخابات لعدم تقارب الخريطتين السياسيتين الشعبتين في تونس و مصر .
لكن الذي حدث أن حزب النهضة ، القريب من التيار الإخواني ، هو الذي حل في المركز الأول .
إذاً أمامنا إنتخابات شفافة ، و شارك فيها معظم المسجلين في قوائم الناخبين ، و حل في المركز الأول فيها حزب قريب في توجهاته من جماعة الإخوان في مصر ، إذاً يجب التعليق عليها .
لقد فاز حزب النهضة بتسعين مقعد من مقاعد البرلمان التونسي ، أي بواحد و أربعين في المائة تقريباً من مقاعد البرلمان ، و كان مجموع الذين صوتوا له حوالي سبعة و ثلاثون بالمائة من مجموع الأصوات الصالحة .
لو إستخدمنا أسلوب قديم جداً ، و معروف لليوم ، في قراءة النتائج ، و هو بالنظر لها من الجانب الأخر ، لمعرفة كيف يفكر الشعب التونسي ، سنجد أن ثلاثة و ستون في المائة من مجموع الناخبين التوانسة قد رفضوا حزب النهضة .
أغلبية التوانسة قالوا : لا لحزب النهضة ، في أول إنتخابات بعد ثورة الياسمين ، برغم البريق الذي كان يحوزه حزب النهضة بحكم الإضطهاد الذي تعرض له طوال سنوات حكم الطاغية بن علي ، و هو الإضطهاد الذي شمل أحزاب و تيارات أخرى ، و لكن كان لحزب النهضة النصيب الأكبر في تلقيه ، في ظل سياسة طغاة منطقتنا في تخويف الغرب من الديمقراطية في العالم العربي بالفزاعة المعروفة .
الأغلبية في تونس قالت : لا لحزب النهضة ، و للنمط الذي يبشر به حزب النهضة ، برغم الدعم الإعلامي الخارجي ، و كذلك الدعم المادي الذي تلقاه من الخليج ، و في ظل رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في وصول التيار الذي يمثله حزب النهضة التونسي للحكم في كل من مصر ، و تونس ، و سوريا ، و ليبيا ، و اليمن ، و غيرهم .
بالتأكيد هناك من سيعلق قائلاً : أن النتيجة التونسية لا تعبر تماماً عن النتيجة التي ستكون في مصر .
إجابتي : بالتأكيد ، لأن الإنتخابات في مصر ستقام في مناخ مختلف تماماً عن الذي جرى في تونس ، فالإنتخابات المصرية بدلاً من أن تجرى تحت رقابة دولية كالتي سمحت بها تونس الشقيقة ، ستجرى في ظلال قانون الطوارئ ، و المحاكم العسكرية للمدنيين ، و التقييد الإعلامي ، و هناك أيضاً ظلال مذبحة التاسع من أكتوبر 2011 ، تلك المذبحة البشعة التي أنهت فعليا و رسمياً المرحلة التاريخية التي بدأت في الخامس و العشرين من يناير 2011 ، و ما صاحب تلك المذبحة من تحريض رسمي على الفتنة الطائفية و الحرب الأهلية ، ثم لدينا في مصر الإختراقات الأمنية و التي جعلت حفنة من الشباب المخترق أمنياً زعماء و أوصياء على ثورة ملايين ، و هناك عملية فرض مرشحين معينين على التيار غير الإخواني ، كفرض البرادعي الإنتهازي على المعارضة ، و حفنة من شباب اتحادات خيانة الثورة ، و عمليات منع بعض الشخصيات و التيارات من المشاركة ، كمنع الدكتور أيمن نور من خلال القضاء المدني الفاسد ، و كذلك منع حزب كل مصر من التسجيل ، و منعي شخصياً من العودة لمصر بواسطة التهديد بالإعتقال في المطار ، بل و وصلت إلى التهديد بالتعذيب و التصفية الجسدية لو فكرت في العودة ، و ذلك في مارس الماضي ، 2011 ، بل و التهديد بتلفيق تهمة لي في الخارج ، و النظام بإرتكابه مذبحة التاسع من أكتوبر 2011 ، و ما صاحبها من تحريض رسمي على الفتنة ، برهن على أنه قادر على القيام بأي جريمة ، أكانت دموية أو مجرد تلفيق تهمة خارج مصر ، خاصة في ظل الدعم الذي تلقاه المخابرات السليمانية من أجهزة أمنية أجنبية .
نعم النتائج ستختلف في مصر عن تونس ، و ذلك لأن الظروف التونسية ، سواء التي سبقت الإنتخابات أو التي جرت فيها الإنتخابات التونسية ، تختلف عن الظروف التي تسبق الإنتخابات المصرية ، و كذلك الظروف التي ستجرى فيها الانتخابات البرلمانية المصرية و التي تم مسبقاً تحديد نتائجها .
أما إذا كان المعني أن التركيبة الشعبية الإجتماعية - الإقتصادية التونسية تختلف عن المصرية ، و بالتالي فأن النتائج ستختلف ، و أنه إذا كان حزب النهضة قد حصل فقط على سبعة و ثلاثين في المائة تقريباً من الأصوات الصحيحة التي شاركت في الإنتخابات التونسية ، فإن الإخوانيين في مصر سيفوزون - لو أرادوا الفوز - بأكثر من ذلك بكثير .
لأصحاب هذا الرأي أقول : نعم هناك إختلافات بين مصر و تونس من الناحية الإجتماعية - الإقتصادية ، و ما إلى ذلك ، و لكن إذا كان هناك عوامل في البيئة الشعبية التونسية حدت من تقدم حزب النهضة ، و أن تلك العوامل لا وجود لها في مصر ، فإن هناك عوامل توجد في البيئة الشعبية المصرية - لا توجد في تونس - تحد من إكتساح الإخوان ، و تلزمهم بنفس الموقع الذي حصل عليه حزب النهضة في تونس .
حديثي بالطبع هو عن أول إنتخابات ، لأن الإنتخابات التالية ستعتمد نتائجها أساساً على عوامل أخرى ، أغلبها عملية ، و ليست عاطفية كما في الإنتخابات الأولى .
لكن ، و حتى أقلل من جدال المتشائمين في مصر ، فإنني سأضيف للإخوان عشرة بالمائة ، بل ثلاثة عشر بالمائة ، زيادة عما حصل عليه حزب النهضة .
لنقول : سيحصل الإخوان في مصر ، في أول إنتخابات برلمانية ، لو جرت تلك الإنتخابات بنفس المقدار من الشفافية الذي جرت فيها الإنتخابات التونسية ، و في نفس المناخ الذي سبق الإنتخابات التونسية ، على خمسين في المائة .
إذاً ستظل خمسين في المائة من جماهير الشعب بعيدة عن الإخوان ، و علينا كحزب أن نضمهم لصفوفنا .
تكفينا في البداية - و أشدد على كلمتي : في البداية - هذه النسبة - نسبة الخمسين في المائة - كميدان واسع لبناء شعبية حزب كل مصر ، ثم بعد ذلك سنبدأ في القضم من الخمسين في المائة التي حصل عليها الإخوان ، لأننا على ثقة بأن ليس كل من يصوت للإخوان هو إخواني .
لا خوف لدينا من الإخوان ، و من أي تيار أخر ، لهذا نحن من أشد أنصار الديمقراطية الحقيقية .
النضال يجب أن يكون في إتجاه تغيير المناخات ، السياسية ، و الأمنية ، و الإعلامية ، في مصر ، من أجل أن تحصل الإنتخابات المصرية على تقدير الهيئات الدولية المحترمة ، كما حصلت الإنتخابات التونسية .
لا للفوضى ، لا للعنف ، لا لتأجيل الإنتخابات ، و نعم للنضال من أجل إنتخابات نظيفة حتى و لو لم نشارك فيها هذه المرة .
علينا أن نعلم إننا قادرون - بعون الله - على بناء حزب قوي ، و أن علينا من الآن الشروع في العمل من أجل ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت