الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع الشعوب.. خريف الطغاة

فرج بيرقدار
(Faraj Bayrakdar)

2011 / 11 / 3
الادب والفن



عقودٌ من ظلماتٍ طاغيةٍ تأكل حتى نجومها.
عقود لا معاني لها ولا تفاسير ولا تأويلات، أبعد من كونها استبداداً وقحاً وشرساً ودامياً، وفي المحصِّلة بهيمياً.
أي عالم عربي كان؟
بجنازاته الممتدة من انطفاء غروب الشمس في مراكش إلى جمر شروقها المخنوق في العراق.
وأي عالم عربي نراهن مع شعوبنا على ولادته الآن؟!
رغم تشابه الظروف ما بين البلدان العربية شعوباً وأنظمةً، فلكل ثورة في الواقع شرارتها الخاصة.
خصوصية الشرارة في سوريا تتلخص في أن بعض أطفال مدينة درعا، هم من قدح شرارة الثورة.
في ليلة ما من أواسط شهر آذار 2011، اعتقلت السلطات السورية 15 طفلاً من مدينة درعا، أعمارهم ما بين 10 و 16 عاماً، كتبوا على جدران مدينتهم ومدارسهم شعاراتٍ مشابهة لتلك التي سمعوها ورأوها على القنوات الفضائية في تظاهرات تونس ومصر، من مثل: الشعب يريد إسقاط النظام.
* * *
حاول الأهالي الاتصال بالمسؤولين الأمنيين والسياسيين لإطلاق سراح الأطفال، غير أن السلطات لم تكتفِ برفض الاستجابة فقط، وإنما أيضاً ألحقت بأهالي الأطفال إهانات بالغة الغباء والصلف والنذالة، ليس أدناها شتم أعراضهم.
حين التقى وجهاء وشيوخ عشائر مدينة درعا ب "عاطف نجيب" رئيس فرع الأمن السياسي في مدينتهم، وهو بالمناسبة ابن خالة الرئيس السوري، قال لهم: أنسوا أطفالكم الذين هم عندي واذهبوا إلى زوجاتكم لتنجبوا منهن أطفالاً آخرين، فإن كنتم لستم رجالاً وغير قادرين على ذلك فإن رجالي يستطيعون أن يقوموا بالمهمة نيابة عنكم.
شعور الوجهاء والشيوخ بالإهانة جعلهم يقومون بفعل رمزيّ معروفة دلالته في تقاليد الشعب السوري، فقد رفعوا عقالاتهم التي على رؤوسهم ووضعوها على طاولة رئيس الفرع كإشارة إلى إحساسهم بالمهانة التي لن يصفحوا عنها إن لم يتدبّر رئيس الفرع حلاً للمشكلة، غير أن رئيس الفرع لم يدرك أو لم يكترث لفعلهم الرمزي، بل إنه أمعن في الإهانة عندما جمع عقالاتهم عن طاولته ورماها في سلة المهملات، وهكذا خرج من عنده الوجهاء والمشايخ وهم ينوون الانتصار لكرامتهم.
بعد أسبوعين أُفرِج عن الأطفال، ليكتشف الجميع أنهم تعرضوا لتعذيب وحشي بلغ حد تكسير الأسنان وقلع الأظافر، فاندلعت الانتفاضة في هذه المدينة على نحو شامل، إذ نزل شباب المدينة إلى الشارع، ثم تبعهم الآباء والأمهات والإخوة والأخوات.
كان جواب السلطات على تلك التظاهرات رصاصاً حياً أودى بحياة مئات المتظاهرين، ثم انتشرت النار في الهشيم على كامل مساحة سوريا.
* * *
سبق لي وتوقَّعتُ أن يُرَشِّحنا المستقبل كأصحاب أكبر تراث عالمي في أدب السجون.
لم أزل عند توقُّعي، ولكني أضيف الآن أنه ربما سيرشِّحنا المستقبل القريب كأصحاب أحدث ثورات وأكثرها رقياً وإبداعاً.
حتى الآن هي ثورات سياسية سلمية تستهدف طيَّ صفحات سلطات الاستبداد، ولكن أليست هذه هي البوابات الإجبارية، أوالضرورية، من أجل المواصلة في اتجاه إنجاز الثورات بمعناها الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؟
* * *
لم أشكِّك بتفاؤلي حتى عندما كنت في السجن لأربعة عشر عاماً متواصلاً تحت وطأة تعذيب يوميّ منظَّم، أعني حتى عندما كان كل شيء يعوي عواء مقلوباً من شدة التعذيب والألم، ولكن ذلك التفاؤل كان كما يسميه رفاقي "تفاؤلاً تاريخياً" لا كرامة واقعية له.
وكنت أعتقد أن لا شيء يمكن أن يعوِّضني عن سنوات السجن، غير أن الربيع العربي، أو تسونامي العربي إن شئتم، الذي بدأ من تونس بذاكرتها الخضراء، وبلغ ذروته في أم الدنيا مصر، لتتقصَّف بروقه وأمواجه وتصل بعدهما إلى ليبيا واليمن وسوريا، يوشك أن يعوَّضني عن كل ما نزفتُه من دمٍ وأحلام وذكريات.
أهلاً بربيع الشعوب.
أهلاً بخريف الطغاة.
في ودي أخيراً أن أقول: لم تعنِني حرية الإبداع في حياتي، لا قبل السجن ولا خلاله ولا بعده. كنت مكتفياً بحريتي الداخلية.
الآن أيضاً لا تعنيني "حرية الإبداع".
إن تركيزي منصبٌّ على المشاركة في "إبداع الحرية" الذي تشرِّفنا به شعوبنا على أجمل وأعلى أشكال ممكنة.
السلام على الشعوب ولها ومنها، بتشابك أغصانها وأديانها وأمانيها.
* النص العربي لكلمتي التي قدمتها على مسرح الدراما الملكي في ستوكهولم بمناسبة احتفائه بالربيع العربي، وذلك في مساء يوم الإثنين 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي