الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الرأسمالية الراهنة وعدم راهنية النظرية الكينزية المستجدى بها

محمد بودواهي

2011 / 11 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


دخلت الرأسمالية في أزمة عميقة من المؤكد أنها أكبر من كل أزماتها السابقة . فالانهيار المالي كبير جدا ويمكن أن يفضي إلى ركود اقتصادي طويل الأمد حيث بات المال عبئا ثقيلا عليها وأصبح يقوم بدور تدميري هائل وهو الدي يمكن أن يهيء الأرضية المناسبة لتحقيق تحولات جدية في الحراك الشعبي والاجتماعي العالمي الدي قد يكون هده المرة عاصفا على خلاف كل الأوهام التي بنت أبراجها على حكاية نهاية التاريخ السفسطائية .
إن العجز في الميزانية وفي الميزان التجاري والمديونية المرتفعة على الدولة وعلى الشركات والأفراد هي أمراض اقتصادية ناتجة عن إشكالية رأسمالية يعيشها الاقتصاد الأمريكي والغربي عموما بسبب التراكم المالي الهائل الدي بات خارج التوظيف في الاقتصاد الحقيقي للدولة والدي أصبح لا مكان له سوى المضاربة ... وهو الأمر الدي أسس لكثافة في التوظيف والتشغيل في قطاعات غير منتجة ، مثل العقارات ، توظيف لا يجلب فائض القيمة ولا يراكم في الإنتاج بل يعتمد على المضاربات مما تعنيه من ارتفاع في أسعار السلع دون أي مرتكز اقتصادي وهو الشيء الدي يِؤدي إلى تكاثر التراكم المالي دون أي إنتاج فعلي وحقيقي .
إن الانهيار المالي الحالي نشأ في قلب النظام الرأسمالي ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو أخد في الانتشار ليؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره . فالبنوك الأوربية التي كانت من أهم الزبائن في سوق الرهون العقارية أصبحت اليوم سامة . وقد بدأ امتصاص الاقتصاديات المصدرة الكبرى ، اليابان - الصين - ألمانيا .. ، إلى الأزمة في وقت تتقلص فيه الأسواق لسلع تلك الدول . وبدلك يترائى في الأفق ركود عالمي على نطاق ما حصل في أواخر عشرينيات القرن العشرين .
ولمعالجة هده الأزمة وإنقاد الاقتصاد الرأسمالي منها نادى الكثيرون من علماء الاقتصاد والسياسيين بالعودة إلى النظرية الكينزية والعمل بها بينما تجاوزها الكثيرون ودعوا إلى تبني نظام رأسمالية الدولة في الوقت الدي أكد فيه الشيوعيون بأن لا مخرج من هده الأزمات إلا باعتناق المدهب الاشتراكي والقضاء نهائيا على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج . فما هي إدن النظرية الكينزية التي يطالب بها هؤلاء ؟ وما هي الانتقادات الموجهة إليها ؟
تأسست المدرسة الكينزية من طرف المفكر الاقتصادي كينز عقب الحرب العالمية الثانية من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية العالمية 1934 على مبادئ وأسس تختلف في جوهرها عن الأفكار الاقتصادية التقليدية . فهي لم تدع إلى هدم النظام الرأسمالي وإنما إلى تطويره ودلك عبر تدخل الدولة لإحداث التوازن الاقتصادي وعبر فرض الكثير من القيود على الحرية الاقتصادية للشركات والأفراد . فالنظرية الكينزية حققت رواجا كبيرا في الأوساط الأكاديمية والإقتصادية نظرا لطبيعتها الإسعافية أمام عجز النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي كانت سائدة قبل كينز عن تفسير الكساد الكبير وعن تزويد الدولة بأفكار تمكن من رسم سياسة اقتصادية تخرج الاقتصاد الرأسمالي من هدا الكساد وتضمن بالتالي تجدد إنتاج هياكله . وفي هدا الإطار أبرز كينز بشكل قاطع دور الطلب الفعلي وبين كيف أن تراخيه يؤدي مباشرة وبشكل تلقائي إلى الانكماش . فالمشكل الرئيسي هو كيف يمكن إنعاش الاقتصاد ومواصلة الاستثمار لتجنب البطالة ، وهو ما يقتضي حسب كينز تعبئة الأموال العاطلة وتوظيفها ، ودلك باتباع ثلاثة إجراءات رئيسية :
1 _ إحياء الطلب الفعلي . 2 _ تسهيل توظيف الأموال في الإنتاج بتخفيض سعر الفائدة . 3 _ زيادة الإنفاق العام حيث يترجم إلى أجور ودخول تسهم في إنعاش اللطلب . لقد أبرز كينز دور الطلب وأوضح كيف أن انخفاض الطلب يؤدي إلى الركود . والحقيقة أن انخفاض الطلب هو النتيجة الطبيعية لسوء توزيع الدخول . بمعنى أن تركيز جزء كبير من الثروة في يد أقلية بورجوازية لا بد أن ينتج عنه تراخي الطلب لأن النسبة الكبيرة من حجم الطلب يقع على عاتق أغلبية الناس ، ولما كانت هده الأغلبية الفقيرة لا تجد مداخيل كافية فإنها ستتسبب في خفض الطلب لأنها عاجزة عن الشراء . وبهدا ينتقل الاقتصاد الرأسمالي باستمرار من الفقراء إلى البرجوازيين إلى أن يصل إلى نقطة الانكماش ، وبالتالي تحصل الأزمات .
ورغم أن الكينزية استطاعت أن تحقق توازنا نسبيا بين المعطيات الاقتصادية مثل الاستهلاك والادخار والعرض والطلب والإنتاج والتوزيع إلا أنها عرفت انتقادات حادة تمثلت حسب المتخصصين في : مستوى أدوات التحليل المستعملة ، ومستوى مفهوم التوازن الدي تدافع عنه النظرية وأخيرا مستوى السياسة الاقتصادية المقترحة .
فهي نظرية خاصة بالأجل القصير فقط ومن تم فهي لا تصلح لتفسير التطورات الطويلة المدى . كما أنها اتسمت بالطابع الستاتيكي الساكن إد هي لا تأخد بعين الاعتبار حركة النظام الرأسمالي ومشكلاته ومستقبل النمو فيه . هدا زيادة على عجزها عن حل الأزمات على المدى الطويل بسبب افتقار جهازها التحليلي للبعد الزمني وعجزها عن إيضاح لمادا يبتعد النظام الاقتصادي بين فترة وأخرى عن تحقيق التوازن الكلي المستقر .
ففي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية لا يمكن للنظرية الكينزية أن تلعب أي دور علاجي مرتقب ودلك لأن الرأسمالية الاحتكارية العالمية وصلت إلى حدود إفلاس لا رجعة عنها . وبناء عليه فإن خلاص البشرية لا يمكن أن يأتي إلا إدا استنهضت كل القوى الاشتراكية والشيوعية المخلصة لخطها النضالي الأصيل وكل الطبقات العاملة على مستوى العالم وكل الشعوب المضطهدة والمستغلة أبشع استغلال كل قواها واستنفرت كل طاقاتها وبدلت كل مجهوداتها من أجل إزاحة القيادات النقابية الانتهازية الخائنة لقضايا العمال والفلاحين والفقراء والقيام بالثورات الشعبية الرصينة والمنظمة ضد أنظمة العار العميلة للإمبريالية والإمبيالية نفسها وإقامة أنظمتها الاشتراكية الديموقراطية البديلة محلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هناك أزمة إقتصادية قاتيلة لرأسمالية؟
أكرم سعيد ( 2011 / 11 / 5 - 19:20 )
تحية طيبة رفيق محمد؛مقالة قصيرة و مفيدة ، مليئة بمعلومات و يفتح باب واسع للمناقشات . لدي تعقيب تالي على ما تفضلت بها:- لا يمكن للنظرية الكينزية أن تلعب أي دور علاجي مرتقب وذلك لأن الرأسمالية الاحتكارية العالمية وصلت إلى حدود إفلاس لا رجعة عنها-..أشاطرك التخمين في ( لا يمكن للنظرية الكينزية أن تلعب أي دور علاجي مرتقب) لكن لا أؤيد القول (لأن الرأسمالية الاحتكارية العالمية وصلت إلى حدود إفلاس لا رجعة عنها) . برأي يمكن القول ان الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية خطيرة لكن ليس هناك أزمة الاقتصادية يسبب وصل الرأسمالية إلى حدود إفلاس لا رجعة عنها،لا يوجد ازمة اقتصادية قاتلة لرأسمالية، إن نظام الرأسمالية يجد حلول لأزماتها بهجوم على حقوق الطبقة العاملة و شن الحروب لأعادة تقسيم و ترتيب العالم. كما نرى الآن ما يحدث في الغرب و في شمال افريقا والشرق الاوسط كمثال. صدقت لما كتبت : فإن خلاص البشرية لا يمكن أن يأتي إلا إذا استنهضت كل القوى الطبقة العاملة الشيوعية المخلصة لخطها النضالي الأصيل على مستوى العالم.. لك مني الف تحية .


2 - افكار هامة
محمدعزالدين علقم ( 2011 / 11 / 6 - 07:10 )
إن الكينزية حلت مشكلة انية (مشكلة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي)حيث كانت الرأسمالية تنتج أكثر مما تستهلك من بضائع. لكن في هذه الظروف حيث تستهلك الدول الرأسمالية اكثر مما تنتج حيث أصبح رأس المال يستغل للمضاربات وليس للانتاج مما الى تقليص حجم الطبقة العاملة في بلدان رأس المال. ان هجوم رأس المال المتكرر على مكتسبات الطبقة العاملة مما يزيد هذه الطبقة فقراً وعوزاً ويستنهضها للخلاص من هذه الطبقة الرأسمالية واقامة انظمتها الاشتراكية بدلاً عنها. لك مني التحيات


3 - الأزمة الماثلة
فؤاد النمري ( 2011 / 11 / 6 - 14:18 )
الرفيق بودواهي،
الوصف الدقيق للأزمة كما في الفقرة الأولى يدل دلالة قاطعة على أن الأزمة الماثلة اليوم ليست هي أزمة الرأسمالية
الرأسمالية في جوهرها متاجرة بقوة العمل البشرية عن طريق تجسيدها في سلع ثم تحويلها إلى نقود وهو بالتالي تراكم للثروة
الطبقة العاملة الأميركية تناقصت في النصف الثاني من القرن العشرين بنسبة 60% وحدث مثل ذلك في جميع المراكز الرأسمالية فكيف ندعي بأن الأزمة أزمة الرأسمالية؟ وكيف نصف أميركا بالرأسمالية وديونها العامة تزيد على 50 تريليون دولار
وكيف نصف أميركا بالرأسمالية وهي تطبع كل يوم ملايين الدولارات المكشوفة وفي هذا انتهاك لقدس أقداس الرأسمالية وهو قانون القيمة
الرأسمالية ماتت في السبعينيات وخلفها الاقتصاد الاستهلاكي وهو الاقتصاد النقيض والقاتل للرأسمالية
لا يعود كينز موضوعاً في الاقتصاد الاستهلاكي حيث وجدت الكينزية لإطالة عمر النظام الرأسمالي الذي لم يعد موجوداً
لا يمكن التعرف على طريق التقدم اليوم قبل التعرف على النظام القائم في العالم والتناقضات فيه
مع خالص الود

اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني