الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب والقيادة

سامي فريدي

2011 / 11 / 5
العولمة وتطورات العالم المعاصر



المراهقة السياسية هو المصطلح الذي يستخدمه حنا بطاطو لتعليل ملابسات عهد الجمهورية في العراق، معتبرا أن أعمار معظم القيادات السياسية كانت دون الثلاثين، وهو تبرير منقوص إذا أمكن اعتبار أن معظم قادة التاريخ الديني والسياسي كانوا من ضمن هذه الفئة عند توليهم القيادة أو تحقيق منجزاتهم التاريخية وعلى رأسهم الملك داود أو الاسكندر المقدوني أو نابليون ناهيك عن معظم الملوك سواء قبل الميلاد أو بعده، وهو ما يصح كذلك في التاريخ الديني لبوذا وزرادشت ويوحنا المعمدان ويسوع الناصري ممن انحصرت أعمارهم بين العشرينات وبدايات الثلاثينات، وما زالت آثارهم ووصاياهم حاضرة في حياة البشر حتى اليوم؛ ولكن ما ينطوي عليه مفهوم المراهقة ليس العمر البيولوجي وانما نقص الخبرة وانعدام ثقافة التراكم الضرورية لسياسة الحاضر والمستقبل.
لقد حاول بطاطو التركيز على العوامل الداخلية في تحليل أسباب الاضطراب السياسي مغفلا أو مموّها على عناصر السياسة الدولية والصراع غير المستتر بين الكولونيالية الأميركية والبريتانية (أمسِ - كما- اليوم!) على واحدة من مراكز الثقل السياسي والاقتصادي التاريخية (سياسيا ودينيا وثقافيا)، مما جعل الحياة السياسية العراقية بعيدة عن الاستقرار تتناوبها رياح التأثير والتبعية وآثار الحروب الباردة حتى اليوم.
زعماء شباب
الألفية الثانية شهدت تجربة جديدة في وصول حكام شباب لقيادة ثلاثة من دول قديمة نسبيا، وتتمتع بأهمية ستراتيجية في الوضع العالمي والاقليمي. كانت البداية من الأردن أثر وفاة الملك حسين وتتويج ولي عهده عبدالله الثاني في فبراير 1999 خلفا له، وهو من مواليد (1962). وفي يوليو من السنة نفسها جرى تتويج محمد السادس (مواليد 1963) ملكا على المغرب. وفيما كانت هاته التغيرات في بلدين تتبعان النظام الملكي الوراثي، جاءت التجربة الثالثة بعد عام من الثانية، أي يوليو 2000 في سوريا عقب وفاة رئيسها حافظ الأسد (يونيو 2000)، وتنصيب ولده بشار الأسد في (يوليو 2000) وهو من مواليد (1965). ولم تكن تجربة الثلاثة سهلة، في ظل وجود زعامات تقليدية عريقة في المنطقة العربية، أمثال صدام حسين في العراق (1979- 2003) وحسني مبارك في مصر (1981- 2011) والقذافي في ليبيا (1969- 2011) وعلي عبدالله في اليمن (1978- ؟)*.
من بين الزعماء الشباب الثلاثة، لقيت ولاية بشار الأسد ردود أفعال داخلية وخارجية متضاربة ومستنكرة في الغالب، ولعل من الجدير دراسة إن كان سبب الاستنكار يستند إلى فكرة التوريث ما دعي يومها اعلاميا بـ(الجمهوريات الملكية)، أم بكونه من فئة الشباب في بلد يشتهر بسيادة الحرس القديم والهرم من السياسيين ورجال الدولة السابقين. فعلى العكس من دولة العراق لم يلجأ نظام الأسد إلى التصفية الجسدية أو النفي السياسي لمعارضيه وأنداده، واتباعه أساليب بديلة لتخريسهم مقابل عدم التعرض لحياتهم.
على رأس الحرس القديم كان عبدالحليم خدام الذي كان (اشبين) توريث الحكم من الأب للأبن في أعقد ظرف تاريخي، تم قيادته بنجاح وأمان طيلة عقد من الزمان قبل انفجاره في سياق الاحتجاجات الشعبية العربية.
مرحلة جديدة لم تقرأ جيدا..
كان من الممكن قراءة تغيرات الألفية بصورة ايجابية لو أنها استندت إلى قراءة علمية استراتيجية للراهن العربي والعالمي، والتي ترشح في صدارة معطياتها حقيقة التغير الدمغرافي لكثير من المجتمعات باتجاه زيادة مساحة الشبيبة العمرية (15- 25 عاماً)، وبالتالي وضع برامج وطنية ثقافية واقتصادية لاستيعاب حاجات وتطلعات الشبيبة، والتي جاءت اجراءات الخصخصة الأميركة والعولمة الامبريالية خطوة غير محتسبة لتدمير آخر فرصة مستقبلية لوضع الشبيبة الناهضة على أول طريق الحياة العملية.
ان أكبر تحديات حياة الشاب هي الخروج من جدول نفقة العائلة للتعويل على الذات، ولا شكّ أن برامج التنمية الوطنية وفرص العمل المستقرة والتوظيف الحكومي كانت تقدم بداية طيبة في هذا المجال. بيد أن اجراءات ترشيق المؤسسات الحكومية وخصخصة المؤسسات الحكومية والاقتصادية دون برنامج متدرج وضع قطاعات هائلة من قوى المجتمع على قارعة الشارع، كما حصل في العراق، عندما ترافقت برامج الترشيق والخصخصة منذ أواسط الثمانينيات مع موجات التسريح من الجيش في أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات مما خلق أزمة عمالة اقتصادية واجتماعية اضطر معها النظام إلى فتح باب الهجرة والسفر نحو الخارج. ان التنفيذ الغبي لاجراءات الخصخصة عربيا هو السبب الرئيس لظواهر الطرد السكاني الشبابي لقوة العمل العربية عبر المتوسط منذ التسعينيات، وهو العامل الرئيس لانفجار الاحتجاجات الشبابية وكنس بقية الزعامات التقليدية.
فرصة الزعامة الشابة..
لم يستفد الزعماء الشباب من امتياز الفئة العمرية التي تجمعهم بما لا يقل عن ثلث القوى الفاعلة لمجتمعاتهم. وكان لا بدّ لهذه العقلية أن يستفيد من هذه الشريحة وتنظيمها ضمن أطر برامجية لتنمية المجتمع ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وتمتين القاعدة السياسية لنظام الحكم، في معالجة غير مسبوقة للفجوة الاجتماعية التي فصلت بين الحكومات التقليدية وقاعدة المجتمع المحلي. وكان من أثر ذلك أن بلدان (الأردن، المغرب، سوريا) لم تكن استثناء من حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة التقليدية. رغم أن كلا من ملك المغرب والرئيس السوري بذلا وعودا باذخة وبرامج تحفيزية لم تتعدّ حدود الدعاية السياسية المجانية.
ولعلّ السؤال هنا.. ما الذي منع هذه القيادات الشابة أن تستغل فرصتها التاريخية لعمل نقلة تاريخية في بلادها وتغيير مسار التاريخ. لماذا نجح محمد علي باشا في القرن التاسع عشر في احداث النهضة المصرية ولم يكرر سواه المحاولة؟.. ان كلّ من البلدان الثلاثة تعاني من اختناق اليوم في عنق الزجاجة، ومصيرها إلى جانب اليمن وبلاد أخرى في مهبّ الريح.. فهل تصحو في الهزيع الرابع، و تفيد من تجارب العراق ومصر وتونس وليبيا، أم تنتهي إلى نفس المصير.
سامي فريدي
الخامس من نوفمبر 2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
• علي عبدالهـ صالح (1942) يكتنف الغموض مصيره منذ يوليو 2011 ضمن ملابسات الانتفاضة الشعبية ضد نظام الحكم. وهو الأقدم بين الحكام التقليديين بعد الاطاحة بمعظم أقرانه العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء