الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المنشولة

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة المنشولة

أصعب شعور يمر به الكثير من اليساريين والوطنيين التقدميين في مصر: شعورهم أن الثورة تُسرق أو "تُنشل" منهم، ولهم كل الحق في ذلك..
فالقوى الأعلى صوتًا في مصر اليوم، والتي تتقدم بخطى واسعة نحو السلطة الموعودة بعد انتخابات رهيبة منتظرة.. هي قوى الإسلام السياسي بفرقها المختلفة (الإخوان، السلفيون، الوسط..).. ثم القوى الليبرالية (الكتلة المصرية، وحزب الوفد).. ثم فلول الحزب الوطني المنحل (سبعة أحزاب الآن).. وكلها قوى جبارة تملك موارد مالية هائلة وقنوات إعلامية وأيضًا شبكات للمنفعة المتبادلة وشراء الولاء تتغلغل في أعماق الدولة والمجتمع، وتقوم على علاقات المصاهرة والعشائرية والجهوية والإخوانيات الدينية بكل أشكالها.. وهلم جرا.
والغريب أن اليسار بمعناه الواسع موجود في أكثر من فريق من هؤلاء.. فحزب الكرامة الناصري (ممثلاً لليسار القومي) تجاوز كل أسوار المنطق الناصري ورشح أعضاءه على قوائم الإخوان المسلمين.. وحزب التجمع (التاريخي) مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط) اختارا الترشح على قوائم الكتلة المصرية (أي الليبراليين). أما حزب التحالف الشعبي والحزب الاشتراكي المصري وبعض التنظيمات والائتلافات اليسارية والشبابية فقد اختاروا طرح أنفسهم في قوائم مستقلة بعنوان "الثورة مستمرة"..
من المؤكد أن المؤشرات الانتخابية ليست مطمئنة لليسار حتى الآن.. رغم أن اليسار لعب دورًا رياديًا منذ السبعينيات في مواجهة سياسات التبعية والخيانة والدكتاتورية والفساد.. ثم كان لليسار دوره في التمهيد لـ 25 يناير من خلال الأدوار التي لعبها- ولو بدون تنظيمات بالنسبة لبعضهم- في حركة كفاية وغيرها.. وبالطبع كان اليسار حاضرًا بقوة في فعاليات الـ 18 يومًا الخالدة التي انتهت بتنحي مبارك.
هنا يثور سؤال كبير: هل من الصواب أن يشترك اليسار في معركة انتخابية بهذه المواصفات (أي انتخابات يجريها مجلس عسكري مشكوك في نواياه، وانتخابات سيحسمها المال والإعلام والعنف وغياب الأمن مع إرث التزوير المتغلغل في أعماق الريف والصعيد والأحياء الشعبية والعشوائية في الحضر).. وهل من المنطقي أن ندخل معركة نعرف أننا سنخسرها مسبقًا في الغالب (أرجو الرجوع إلى مقالي السابق على الحوار المتمدن في مناقشة لأفكار المناضل خليل كلفت)..
أراد أنصار مقاطعة الانتخابات الهروب من هذه الحقيقة القاتمة القادمة.. فدعوا إلى المقاطعة بدعوى التفرغ لتوعية الشعب وتثوير الحركات الاحتجاجية والاجتماعية.. ورأوا أن مشاركة اليسار في الانتخابات ستمنح الشرعية للحكومة القادمة.. وبالطبع لا توجد مؤشرات على مقاطعة جماهيرية ستحدث، حتى لو كانت مقاطعة سلبية، اللهم إلا إذا صاحب الانتخابات عنف وترويع غير مسبوقين.. كما أن المشاركة في الانتخابات لا تعني بالضرورة منح الشرعية لأحد آخر.. فضلاً عن الخلاف حول عن أي "شرعية" نتحدث.
بالطبع إن الشعور بالفقد والتعرض "للنشل" شعور محبط وخطير.. لكنه لما كان لا مفر منه، يتوجب علينا أن نحوله إلى حافز ذاتي ثوري.. ولكن لنتساءل أولاً لماذا نحن منشولون؟
أود هنا أن أركز حديثي في النقاط التالية:-
(1) لا داعي لإنكار أن قوى الإسلام السياسي والليبراليين وائتلافات الشباب ذات الطبيعة الفضفاضة قد أسهمت بأقساط في الأيام الثورية المجيدة.. بغض النظر عن توقيت وشكل ومضمون هذا الإسهام.. ولا بد من الاعتراف بأن "الثورية المؤقتة" لبعض هذه القوى قد انتهت شحنتها عند هذه النقطة أو تلك من مسار الأحداث.. ويجب أن نتعامل مع هذا الفرز الحادث في جانبه الإيجابي وليس السلبي وحده.. كما تفكك الكثير من الائتلافات الشبابية ودخلت في صراعات فيما بينها حتى أنها فقدت الكثير من قدرتها على الحشد.
(2) ليس من المنطق الثوري في شيء تصور الثورة على أنها عملية خطية أحادية متصاعدة على الدوام.. أي أنها يمكن أن تعرف الموجات والانكسارات والالتواءات والهزائم أيضًا.. وهو منطق موضوعي وليس قدريًا بحال من الأحوال.. والدليل على ما أقول أن الثورة قد بدأت بانتفاضة 25 يناير ذات الطابع الديمقراطي الغالب.. وكان التطور الذي عجل بإزاحة مبارك هو انفجار حركات الاحتجاج الاجتماعي (التي أسميت بالاحتجاجات الفئوية) بشكل دعا مجلس الدفاع الأعلى للتحرك للحفاظ على الجوهر الاجتماعي للنظام القائم مقابل التضحية برأس النظام الزائلة.. ومن ثم أمكن للمجلس العسكري استثمار التناقضات السياسية في الساحة لجعل حتى التنازلات/ المكاسب الديمقراطية التي تحققت مشوبة ببقايا الدكتاتورية والتحكم..
(3) على اليسار بمعناه الواسع أن يدرك أن الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية سيظل هشًا، ما لم يتقدم هو- أي اليسار- للعب دور قيادي في إضفاء بعدين مهمين على النضال الشعبي الثوري.. البعد الوطني والبعد الاجتماعي. لكن هذا الدور المنوط باليسار قبل غيره لن يتحقق بين يوم وليلة.. وليس بمجرد الانغماس في الحركات الاحتجاجية، وهو فرض واجب بالتأكيد.
(4) إذن على اليسار أن يجري أولاً تقديرًا سريعًا للموقف- بالمعنى الاستراتيجي- باحثًا بالدرجة الأولى عن عوامل قوته وضعف، ومحددًا على وجه دقيق السياق العام للثورة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وراصدًا لقواه الطبقية والحلفاء المحتملين.. وأظن أن من المفيد الآن- نظرًا للضعف النسبي للإمكانيات المادية والبشرية- اتباع تكتيك "الانتشار والتمركز".. بمعنى أن يتواجد اليسار في كل المعارك الممكنة، مع تحديد مجالين أو ثلاثة للتركيز فيهما ويمكن أن تصبح بمثابة حلقات رئيسية "تجر بقية السلسلة معها".
(5) التحديات المقبلة وجودية وخطيرة، ولا يجوز التصدي لها بصفوف مبعثرة ومهلهلة.. وهو ما يستدعي توحيد إمكانات اليسار من أجل تحقيق الأهداف المباشرة.. على طريق بناء حزب قوي وكبير، بعيدًا عن "نظرية النمو الذاتي" سيئة الصيت في تاريخ اليسار المصري، والتي بمقتضاها يتصور كل فريق أن قادر على النمو وحده بشكل سيجعل الآخرين يأتون إليه صاغرين وكأعضاء قاعديين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
محمد المصرى ( 2011 / 11 / 10 - 05:42 )
شكرا لك على مقالك هذا
ولكن احب ان اؤكد لك ان من نشلوا الثورة لن يهنئوا بها
بالرغم من تحفظى على عمليه النشل تلك
ولكن افتراضا انه نم ذلك
فنحن الليبراليين لن نسمح للنشالين والحرامية ان يهنئوا
ابدا بما هم متواهموان انه فى حوزتهم

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟