الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطالب .. أم حقوق الأقباط، وكيفية الحصول عليها ؟

نبيل عبد الملك

2011 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تمر مصر ، خلال الفترة منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي، أي بعد سقوط رأس النظام الفاسد تحت حكم حسنى مبارك، بحالة من عدم الإستقرار، يصفها البعض بالضبابية، ويصفها آخرون بالسيولة، أو الصراع بين رؤى سياسية واجتماعية متعارضة: بين تيارين رئيسيين، التيار الليبرالي واليساري الديموقراطي في مواجهة التيار السياسي الإسلامي.
ويُرجع البعض هذه الحالة إلى وجود ثورة مضادة لثورة 25 يناير التي أطلقها الشباب، تقودها قوى معاكسة "للثورة الشعبية" وتنتمي إلى فلول النظام البائد، بل ويرى آخرون أن المجلس العسكري، الحاكم الفعلي للبلاد في هذه الفترة "الإنتقالية"، له يد، سواء بشكل مقصود أو نتيجة لإفتقاده الخبرة السياسية، في عرقلة مسيرة التحول الديموقراطي وقيام الدولة المدنية المبتغاة.
فى هدا الجو الملتبس والمناخ المتلبس بالعنف والفوضى وعدم الإستقرار، تعرض الأقباط إلى العديد من حوادث العنف الجماعي من تيارات سياسية إسلامية أو من جماعات دينية متطرفة، وفى حالات أخرى من إنتهاكات صارخة على يد أفراد من القوات المسلحة وجهاز الأمن المدني.
وكان الأقباط (ممثلين بالرئاسة الكنسية - فى لحظة تجلي)، مثلهم مثل بقية المصريين، يتوقعون أن تأتي مع الثورة حلولا لقضاياهم التي اختزلوها فى مطلبين أساسيين: بناء وإصلاح الكنائس دون عراقيل وإصدار قانون للأحوال الشخصية يتفق مع رؤية الكنيسة، التي تؤكد أن "لا طلاق إلا لعلة الزنا". وهما مطلبان تكررت المطالبة بهما مند سبعينيات القرن الماضي، دون أن تستجيب لهما الدولة بأي حال.
والملاحظ انه، على مدى أربعة عقود تحديدا، قد تعرض الأقباط لمسلسل فاضح من التمييز والتهميش، والأسلمة القسرية والإضطهاد حيث دمرت ممتلكات وكنائس وقتل منهم المئات على الهوية، دونما أية محاولة من الدولة لإتخاذ أية تدابير عملية، سواء من جهة إعمال القانون لردع الجناة، أو نشر ثقافة التعايش لوقف التحريض، أو تحقيق العدالة لمنع التمييز الممنهج ضدهم.
أمام كل ذلك من إنتهاكات حقوقية صارخة كانت كل الأبواب موصدة أمام الأقباط (كجماعة أو مجتمع، أو أقلية دينية قومية) لإنتزاع حقوقهم الجماعية المشروعة: السياسية والقانونية والإجتماعية والثقافية، إذ أوهمتهم الدولة بأن ما يتعرضون له هو "فتنة طـائفية" من جماعات متطرفة يعاني منها المجتمع المصري بأكمله، بل وتعاني منه الدولة نفسها فى حالات كثيرة!
وإدا كانت الجماعات الدينية، والتي وصفت "بالإرهابية" خاصة فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، قد شنت هجمات على بعض رموز الدولة والمجتمع وهددت صناعة السياحة وقتلت سياحا، كما ارتكبت العديد من الجرائم فى حق الأقباط وعلى مستوى جماعي وفردى، إلا أن العنف الديني قد إستمر ضد الأقباط فى العقدين التاليين على يد جماعات أخرى لم تنتمي لتلك الجماعات إنما على يد العامة من المسلمين من سكان قرى مجاورة بعد شحنهم وتحريضهم دينيا وفى حالات كثيرة من داخل المساجد.
قد يبدو ما أشرت إليه أعلاه معلوما للقارئ، ولكن كان لا بد من ذكره هنا للأسباب الآتية:
- إن صراع الأقباط في الواقع ليس من أجل بناء أو إصلاح كنائس أو إصدار قانون للأحوال الشخصية فقط، إنما هو صراع من أجل "حقوق المجتمع القبطي" للحفاظ على هويته الدينية المصرية وسط محيط تسعى عناصر رسمية وغير رسمية فيه لأسلمته، مستخدمة كل الوسائل: من تهميش، وعزل، وتمييز تمارسه السلطات، وعنف ديني تمارسه العامة من المتعصبين والدهماء ضد الأقباط.
- تصدرت الكنيسة المشهد السياسي كممثل للأقباط، سعيا لنيل أي من حقوقهم، إلا أنها لم تكن مؤهلة للتعامل سياسيا ولا حقوقيا لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة للأقباط. والواقع، أن دور المؤسسة الكنسية هذا قد رُسم لها وفرض عليها من أعلى سلطة فى الدولة لعزل الأقباط عن المجال العام ودفعهم بعيدا عن المجال السياسي لينكفئوا على أنفسهم فى حضن الكنيسة!
- أن أجيالا عدة من الأقباط يتصورون أن معاناتهم هي مسألة دينية بحتة وفاعلها الأساسي جماعات دينية إسلامية لا أمل في تغيير فكرها أو التعامل معها. وهو تصور خاطئ وبعيد عن العلم والمنطق السياسي، إذ يشل هذا المسلك حركتهم نحو التفاعل والحركة لإنتزاع حقوقهم. كما أنه تصور ووهم يغلق كل الأبواب أمام أي تغيير يؤدى لنيل حقوقهم الإنسانية المشروعة كمواطنين، أفرادا وجماعة.
- إن الصراع فى أساسه سياسي بين طرفين: نظام فاسد ومستبد، دأب على إستخدام الدين وتوظيفه في صراعه ضد الطرف الآخر، معارضوه على إختلاف إتجاهاتهم السياسية والفكرية والعقائدية. أما دور الأقباط هنا، فهم مجرد ورقة يلعب بها النظام فى لعبة الموائمات والمراوغات وتحويل الأنظار عن التحديات التي تواجهه من خلال خلق الإنقسامات فى المجتمع، سواء بين الأحزاب السياسية المعارضة أو بين فئات الشعب المصري بوجه عام.
فى ضؤ التحليل السابق، وأمام المرحلة التي تمر بها مصر الآن، والتي أشرت إلى طبيعتها بإختصار، وفيها تفتقد الدولة لعديد من المؤسسات، وبدونها يصعب تحقيق العديد من مصالح الشعب المصري بأكمله، وليس الأقباط فقط. لدلك يصبح من الترف، بل ومن السذاجة أن ينشغل الأقباط فى هذه اللحظة المصيرية بأي مطالب، على حساب مشاركتهم الضرورية فى رسم مستقبل البلاد.
مصر فى مرحلة بداية إعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها؛ ولكي ينال المصريون حقوقهم، والتي صدحت بها حناجرهم فى كل ميادين مصر، وفى قلبها العدالة الإجتماعية، عليهم أن يتجهوا إلى صناديق الإنتخابات فى الأسابيع والشهور القادمة، لكي يشكلوا البرلمان الجديد، ففيه ترسم السياسات ومنه يصدر الدستور الجديد، ثم القوانين التي تُفعل مبادئ هدا الدستور. وهنا لا يطالب الأقباط بنيل حقوقهم بل بأخدها استحقاقا لمشاركتهم السياسية، وهو أهم حق من حقوق المواطنة وعليه تنبني بقية الحقوق.
هده فرصة تاريخية أمام كل المصريين وخاصة المهمشين، سواء المرأة أو الأقباط أو غيرهم من الأقليات، للمشاركة الفعلية فى بناء الدولة المصرية الجديدة، ونظامها الديموقراطي، القادر على الوفاء بحقوق كل المصريين على قدم المسـاواة، وعلى أساس المواطنة الكاملة للكل. هدا ما كان حادثا إلى حد كبير فى الفترة الليبرالية قبل ثورة 23 يوليو 1952.
لذلك، فتقاعس الأقباط، تحت أي سبب أو ذريعة، أو رأي مؤسس على آراء إنهزامية لاكتها الألسن على مدى سنين، يمكن أن يؤدى بهم إلى كارثة وجودية، بمعنى أن مرحلة الإنتخابات، ومايليها هي مرحلة "نكون أو لا نكون". مرحلة يصنع فيها كل المصريين، أقباطا ومسلمين، مصيرهم المشترك فى الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية.
أن الإنتتخابات البرلمانية الآتية ستتم بنظام الإنتخاب بالتمثيل النسبي (لثلثي مقاعد البرلمان)، أي بقوائم حزبية، وهي طريقة تعطى لكل صوت إنتخابي قيمة فعلية تترجم بتمثيل عادل داخل البرلمان. الأمر الدي سيؤدى إلى تمثيل أفضل للأقباط وكل فئات الشعب المصري إدا ذهب كل مصري، وخصوصا الأقباط، للإدلاء بأصواتهم.
ومما يجعل لهذه الإنتخابات أهمية أكثر من أي إنتخابات سابقة ان المصريين خارج مصر (ممن لديهم بطاقة الرقم القومي) لهم الحق فى التصويت فى البلاد المقيمين فيها، وذلك فى مقار القنصليات المصرية بتلك البلاد.
الخطوة الأولى إذن، أن يسجل كل قبطي، وكل مصرى بوجه عام، بياناته الشخصية والرقم القومي على الموقع الإلكتروني للجنة المصرية العليا للإنتخابات : http://www.elections2011.eg/ بدءا من يوم الخميس القادم الموافق 10 نوفمبر 2011 ولمدة أسبوع، بعدها سيوجه الناخب إلى القنصلية المصرية الموجودة فى البلد المقيم فيه للإدلاء بصوته.
مرة أخرى، المشاركة السياسية بالتصويت فى الإنتخابات أو بالترشح لعضوية البرلمان، هو المدخل لممارسة حقوق المواطن. أن الحقوق لا توهب أبدا. ولكنها، أكـــرر، تُصاغ دستوريا وتفعل قانونيا وتمارس عمليا، بداية عن طريق التصويت فى الإنتخابات. المستقبل تشارك في صنعه الآن .. أو تتركه للآخرين ليصنعوه لأنفسهم فقط!!!!
_____________
* رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قطة في كيس-.. مبررات روسيا حول عدم التصويت على وقف النار في


.. نصيحة مهمة قبل شراء منتجاتك -أون لاين-




.. -تزوج يمشي حالك-.. معاناة العزاب في القانون العراقي


.. -مقارنة الأسعار قبل الشراء-.. مصمم أزياء يعطي نصائح للشراء م




.. -علم النفس قريب إلى نفسي-.. أكبر خريجة تتحدث عن دراستها لماد