الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكمة...قبل الموت

فريد يحي

2011 / 11 / 7
الادب والفن


... لقد تعودت دائما أن أجلس الي جانبه ، هناك وهنا... على صخرة ماتت لتعيش، وأعطت بدون أن تأخذ، أجبرت لتخرج من أعماق البحر وتتكشف للجميع، فلقد تتخلى عليها هذا القوي... عارية، بعد أن صارت للأسف قديمة.. . بشعة... باردة... ولكن القدم جعلها صلبة... أيضا صامتة.
يجلس هناك دائما... أيضا في صمت ، ليرمي بصنارة الصيد ، فترتعش هذه الصنارة ، حتى صار السمك يخافها ، فلا يقترب منها ، بالرغم من أنه لا يتوقف على التسكع حولها... الارتعاش يغريه ليرقص، فيغوي الشيخ،بدون أن يمسك بها، فالسمك يعرف تمام المعرفة، بأن الشيخ لم يعد في استطاعته أن يصطاد، ببساطة هو لم يعود شابا.

عرفته منذ زمن، و محاولا أن لا أكون سببا في إزعاجه، أو أن أكون عازل، فالإغراء لا يسمح إلا... بواحد فقط ، علما بأنني كنت متيقنا تمام التيقن بأنه بقدر ما سيجدب السمك ، فلن يظفر به في النهاية... إلا أنا...وصنارتي. ولكن الشيخ انتبه لي ، فهو إن فقد بعضا من قوته الجسمانية ، إلا أن حواسه لازالت بخير. قائلا لي بصوت خافت ولكنه قوي، كلما تقدمنا في العمر، صرنا ندفن الأمل، الواحد بعد ألأخر، إلا أمل واحد ووحيد يظل يعيش معنا، ليدفننا... إلا وهو الحكمة، فأنها تكبر معنا، حتى نكاد لا ندري، إن كان علينا أن نجلها، أو لنقل ببساطة نحترمها بقدر إعجابنا بها... الحكمة هي البساطة التي تعني خطوطا نظيفة... غير ذلك، يصير لا معنى له، أو لنقل ببساطة أكثرة مرة أخرى.. غير ضروري. البساطة يعني أن اختار كلمة واحدة ذهبية ، عندما تكون هناك عشرات الكلمات التي تجعل من القضية غير مفهومة... أو لنقل ببساطة مرة ثالثة محيرة ، فبإمكان الكلمة أن تكون واحدة واضحة وحقيقية.

عندما يحكي... لا يحكي إلا القليل، هو سيد البساطة، في طريقته الفريدة بالاستيلاء على سامعيه، فالطريقة التي يكلم بها الناس، لا تحوي في جانبتها، إلا الواقع بدلا من الصوت الطنان، الصادر من السرد.

كان ينظر إلى البحر ، عندما "سمعته يقول لا يهم".


"ماذا الذي لا يهم؟"


لم يجيب.


"ماذا الذي لا يهم، أيها الشيخ؟"


أجاب وهو ينظر إلى البحر "لا شيء يهم"، إذا لم نرى البحر.


قلت ولكنك ، أيها الشيخ "،" أنت شخص مهم بالنسبة لي ".


الشيخ تطلع إلى البحر، ولم يكن براه.




"البحر ملئ بالأوساخ... لا يهم"... قال الشيخ.


بل مهم ..."كون البحر متسخ وملوث" وقبل أن أسترسل في محاضرة، أو درس بشأن أهمية المحافظة على البيئة... قاطعني بقول

... نفس الشيء ، لا يهم ".

الحياة لا تتحرك في خطوط مستقيمة، بل في دوائر، كل دائرة تحلق في نفس المكان، محاولة أن تتحرر من قيودها، حتى تصبح معروفة، عندها تنتقل بطريقة أو بأخرى، إلى الدائرة التالية، والموجودة على مسافة بسيطة منها، أو ربما ترجع مرة أخرى.

جمع الظلم والاستبداد، كلانا في السجن، أنا نتيجة لمجرد التواجد في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ، وهو... هذا الرجل البسيط التفكير ، انتهى دون قصد ، خلال مشاجرة عائلية عديدة الأطراف ، أدت إلي قتل الزوجة برصاصة طائشة،نظرا لان السلاح موجود مع من يريد،بلا حسيب ولا رقيب ، على الرغم من انه برئ ، ولم يقوم هو بالقتل ،الا أنه يحكم عليه بالموت من قبل النظام القانوني الذي ليس له علاقة بالعدالة ، بقدر ما له علاقة بفرض الحالة الراهنة.
أما أنا فأبدو ، عكس الشيخ ، فأنا... رجل زوجي العرق ، متعلم ، ويصفني كل من عاشرني باني... ذكي. كلانا عاش في السجن ، بالرغم من أن ، كل واحدا فينا ، كان له طريقه الخاص... مستذكرا قول نيتشه "لديك طريقك... و لدي طريقي ، لان الطريق الصحيح، والسبيل الوحيد... لا وجود له".

عندما تم استدعاء الشيخ "مثلما تستدعي الحيوانات" من قبل المحامي الذي يتولى الدفاع عنه ، نصحه هذا المحامي بأن يكون حيوان أبكم ، على أمل أن تحكم له المحكمة بالبراءة ، نظرا للنقص الهائل للمعلومات الكافية لارتكاب الجريمة ، بلغة القانون "نقص في الأدلة" ، خالته التي تولت تربيته ، نظرا لوفاة والدته وهو صغير ، يمكن لها أن تتقبل الحكم النهائي بالإعدام ، ولكن ليس على صورة أن ابن أخيها يموت مثل الحيوان. لقد أرادت دائما أن تقابله في السجن، من أجل شيئا واحدا، آلا وهو أن تعلمه... كيف يموت الرجال.

الم يكن هذا ظلم ، مازال حكم الإعدام ، يرتكب بحق البشر جبريا في مجتمع متخلف ، يقوم على العنف ، دون مراعاة لإنسانية هذا الآدمي ، ناهيك متى كان الحكم ، صادرا بحق رجل بريء... إلا من خلال موقف واحد، هو أن يقبل بمرارة كي يتم استدعاءه كحيوان، "لا يهم"، أما أنا فيمكن أن أعدم، نظرا لان القانون يجرمنا، متى عبرنا عن آراءنا بحرية... ضد استبداد وتعسف صاحب الدولة ، إلا إذا أستدعيت من قبل امن الدولة "كحيوان يستجدي الرحمة".

ولكن... على صفحة الظلم، تتكشف لنا، تلك الخطوط النظيفة الرائعة، فمع اجتماعنا نحن الاثنان، متشاركان معا الزنزانة، محدقان في السقف... ولكننا لا نراه... وجدنا السلام، حيث لا أهمية لشيء على الإطلاق، فلا محاضرات ولا مساجلات... لا قبضة، ولا انفعالات، في مكان لا يوجد فيه إخفاء لوجهة نظر... تصير أحيانا غامضة.

هكذا، وهكذا فقط يصير الرجل رجلا؟ عندما لا يميز الرجل عن حيوان أخرس؟ فمدرسونا ليسوا دائما أولئك الذين لديهم قدر أعلى من الذكاء. قادتنا هم أولئك الذين في بعض الأحيان يكونوا صامتين، وهم يسيرون إلي مصائرهم، مهما يكن الآمر... فهذا ليس بعدل. ولكن مع الضمير النقي ، والوقوف بصمود. فكل ما يتم فعله لرجل ، يبقى من الأمور القليلة. مقارنة بما يفعله المرء لنفسه، وكيفية التعامل مع ظروف حياته، ليصبح المهم... هو كيف يعيش أو كيف يموت... بشرف.سواء كانت هناك عدالة أو لم تكن ، فسنجد الإجابة داخلنا ، إن كنا قد استطعنا العيش بنزاهة ، عندها فقط ، نستطيع أن نذهب إلي أية محاكمة ، ونحو أي مصير ، ورؤوسنا مرفوعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ