الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة العربية لماذا لا تنتصر !.؟

جورج حزبون

2011 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



بلا شك يجتاز الوطن العربي مرحلة مفصلية من تاريخه ، ستؤسس لسنوات طويلة ، قد تعيد صياغة المنطقة بشكل ثوري وديمقراطي ، وقد تعود الى تغير المنطقة بصورة ارتدادية مع الاحتفاظ بالمضون الراهن ، من تحالفات مع القوى الاستعمارية ، وتآويل للاحداث الوقائع ، ونشهد انظمة جديدة لكنها عقائدية سواء كانت قوى اسلامية او قوى قومية او ديمقراطية ، فقد انطلقت الشعوب العربية بانفجار كبير معلنة رفض التخلف والوصاية والارهاب الفكري والثقافي والفساد المستشري ، وتعامل الانظمة مع شعوبها وكانها رعايا لا مواطنون، لا تلزمهم بالمعاصرة والحداثة سواء في الارتقاء بالنظم والاحكام والدساتير ، او مواكبة التغيرات المعاصرة للاحاق بالامم في ظل تنافس حضاري علمي يعمق الهوة بين الشعوب ، لتصل ان استمر الحال الى واقع تصادم ثم بالضروة الهيمنة والاستعباد ، في عملية استرجاعية لمرحلة الاستعمار القديم ولكن بوسائل حديثة ومتطورة .
وبطبيعة الحال لن تجري هذه الثورات بصورة ميكانيكة ، فهي معرضة لكافة احتمالات الانحراف والاعاقة والاحتواء ، فهناك الانظمة وتحالفاتها والفئات الاجتماعية المستفيدة منها ، وبالطبع ستدافع عنها بكل قوة ، ثم هناك قوى سياسية ، اهتزت مواقعها فاخذت تسعى جاهدة للدفاع المستميت عن دورها ومكانتها ولو اقتضى الامر الى تغير جلدها وصولا الى اهدافها فانها ستعمل سواء احتواء او اعاقة الثورة وحتى الى تحويرها هو الاخطر .

فالى جانب القوى السياسية والاجتاعية والدينية الداخلية ، هناك القوى الاقليمية الطامحة الى دور متقدم يخدم مصالحها الاقتصادية ويوسع نفوذها في اطار الصراع على الاسواق في ظل ازمة مالية عالمية متفاهمة ، وهو ما يعطي لهذه القوى الاقليمية دوراً سياسياً متقدماً في العالم لتصبح شريكا اقليميا لقوى عالمية هي الاخرى لا تكتفي بالمراقبة ، والبحث في انتهاكات حقوق الانسان ، بل هي تفعل صيانة لمكتسباتها وحفاظاً على نفوذها واقتصادها لتبقى قوة عالمية تستمد نفوذها من مدى تأثيرها الدولي ، وليس بمجرد حرص على حقوق الشعوب وآمنها الذي كانت هي وستببقى اول من داس هذه الحقوق وطغى عليها .
في هذا الصراع تتفاعل الثورة مع محيطها ، وحين انطلقت كانت تجد الوصول الى الهدف اكثر بساطة مما وصلت اليه الامور ، لم تكن تحتسب لتفاعل القوى الانف ذكرها اثر ، ولم تدرك ان الانتصار آبائه كثيرة ، لكن الهزيمة يتمية ، وهم انتصروا فكان ان ظهر الاباء ، منهم من هو غير شرعي ومنهم من هو يحاول التبني ، ومنهم من يحاول الاحتواء عن طريق الاغداق بالمال او بالحنان على المولود ، وفي هذه الحال مع غياب قيادة طليعية مقر لها ، فان الامور تختلط ، اذا عرفنا ان اليسار العربي اصبحت له طبيعة مستغربة في الوطن العربي وهي التعدد ، وان اليمين موحد سواء بالخطاب الديني او بالترابط عبر دول الخليج والنهج الوهابي والاغداق المالي ، وهذا الوضع ادى الى ان يشعر الكثيرين بالارتباك، هل تستمر الثورة ام تنتكس ، وها نحن نراها تكاد تسقط في يدي المتاسلمين الجدد ، بدت مظاهر ذلك في مصر وليبيا وتونس ، وتشتعل حذراً ازاء الوضع في وسوريا ، وفي محاولة لادراك ما يجري وما مسبباته يلاحظ ابتداء غياب التجربة السياسية ، التي فرضتها تلك الانظمة وبالتالي ضحالة الخبرة مع اهمية الانتباه الى ضعف قوى اليسار ، وتردد المثقفين الثورين المنتمين لجماهير شعبهم مع ان قسما منهم يقف منتظراً لعله يدعم من يستقر به الامر ليأخذ له دوراً كان محروماً منه زمن سيطرة الاحزاب الحاكمة وانظمة المنافع الشخصية ، وفي هذا ما يضعف امكانيات الثوار المحتاجة باستمرار الى طليعة فكرية وسياسية قد لا تتوفر لمن نهض متحديا ،لا يملك الا قوة ارادته وتضحيته العظيمة للتغير وهو بالضرورة يمثل الفئات المحرومة وفقراء المدن والريف وجمهرة الكادحين ، وهي ذاتها القوة الطليعية في اي مجتمع، كونه لا مصلحة لها الا حريتها وأمنها ووقف نهب حقوقها ، ورغم الظروف العربية الخاصة والتي حكمت بتلك الوضعية الراهنة سواء بالتاريخ او بالوصاية او بالارهاب ، الا ان حركة الثورة بالضرورة تربي ابنائها وتنير دروبهم طالما بقوا مثابرين على حريتهم ومتنتبهين للثورة المضادة ، او الى الفيروسات الانتهازية التي تاهجم الجسم الاجتماهي حين يتعرض لاية صعوبات او احراجات طرأت له .
والمراقب لعلمية الحراك السياسي في جسم الثورة يلاحظ ان القوى الاقليمية والعالمية ، وهي الباحثة عن موقع لها لم تعد تجد اقرب من التماهي مع الحركات الدينية الاسلامية وتدعو لها بانها حركات معتدلة ،ويمكن التحالف معها ، وهذه اميركا تنشئ جهازاً خاصاً لهذه المهمة ، وطبيعة الحال فان الحركات الاسلامية ليست معنية الا بالاستيلاء على السلطة ، وليست مهتمة الا ان يتضمن الدستور الجديد ( ان الشريعة الاسلامية مصدر التشريع الوحيد ) وليس مجرد احد مصادر التشريع ، وهي محاولة عابثة الى لي عنق الثورة والسير بها الى الخلف على طريق السلف ،وادارة الظهر للحداثة وبذلك تعاكس حركة الثورة والتاريخ ، وهي تدرك كونها صاحبة نهج التدرج ان تلك هي خطوتها الاولى والاساسية ليبني عليها .
واقع الحال انه لا توجد امكانية لمثل تلك الردة ، بحكم ان العالم اصبح كتلة واحدة متصلة بالاسواق والمصالح والاتصال والتبادل الثقافي ولا تستطيع اية دولة ان تحيط نفسها ( بسورصين ) وامامنا تجربة ايران التي تعاني من صعوبة المواصلة مع تلك العزلة رغم امكانيتها الاقتصادية الكبيرة ، وان الحركة هي طبيعية الحياة ، وبذلك فان الغرور والاستعلاء الاسلاموي لن يصمد ان هذه الحركة الطبيعية للحياة والتطور ، وخلال التجربة الابتدائية للحكم في العام او العامين القادمين بعد ترتيب الاوضاع لاجراء الانتخابات البرلمانية ،ستظهر كافة القوى السياسية والاجتماعية على حقيقتها ،وانها لا تستطيع التكيف مع مضامين الثورة في المعركة وحرية الرأي والتعبير وان هؤلاء الامناء عليها لم يبادروا بالتضحية في سبيل استبدال استبداد باخر حتى لو كان محوطا بالمقدس ، ولسوف يدرك اليسار بمكوناته انه امام تحد تاريخي وعليه صياغة موافقة والتحالف مع اوسع جماهير وصولاً لانشاء قاعدة نظام ديمقراطي واسع ، فقد تحالفت القوى الاسلامية في تونس مع بقايا وكوادر من الحزب الدستوري المنحل وحصلت على ما تريد من الوصول الى الاغلبية ،وان حصل معها ذلك الحزب الى حوالي اثنا عشر مقعداً ، تماماً هذا ما يجري في مصر ، فان اطيح بالحزب الوطني فقد سلم الجسم ،وهو قطاع صاحب خبرة وامكانيات ومصالح فلا بأس من ان يختبئ مع القوى الاسلامية فلا تناقض جوهري معها، وربما هذاا احد اسباب قيام الاخوان المسلمون لطرح حزب جديد بمسمى جديد وشعارات جديدة ، والامر ذاته سيكون في ليبيا واليمن وحتى سوريا، حين تتغير اليافطات ويمكر المتأمرون حتى تمر العاصفة ، وهذا ما يؤثر في معنويات الثوار ويدفعهم الى التخلي على الاقل عن اندفاعهم ، يظهر هذا في مصر وتونس وقد يكون في مواقع اخرى ، وهي رسالة واضحة بان حجم الهجمة المضادة كبير ، والضمان الوحيد يكون عبر الالتصاق بالجماهير والتسمك بالاهداف والشفافية الكاملة لتكن الحقيقة للجماهير . من حيث هي صاحبة المصلحة الاقدر على تصويب الامور صيانة لحقوقها ولتضحياتها الكبيرة والمجيدة .
وما هوجار اليوم في سوريا ، ليس سوى تعبير عن مدى اصرار الانظمة القمعية على البقاء في السلطة لانها مستفيدة باعتبار الجماهير اقطاع لها ، ويظهر مدى استهانتها بالراي العام العربي والدولي ، مما يشكل حافزا للثورة بالتقدم ، متحالفة مع الاخوان المسلمين او سواهم ، حيث هذا البديل المتوفر ، ولكل حادث حديث ، بعد استقرار المجتمع ،والمستوجب على الجميع اعادة صياغة حركة ثورية حداثية جذرية قادرة على مواجهت تحديات هائلة تنتظر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال
amina saadi ( 2011 / 11 / 7 - 18:26 )
تحليل صحيح مئة بالمئة لكن السؤال الدي يطرح نفسه هو: ماهي مقومات اليسار للعب دوره المأمول في ظل الشروط الدي يعيشها حيث
فشل التجربة الاشتراكية الاولى في التاريخ
عزلة الاحزاب اليسارية واقتصارها على المثقفين الثوريين من الطبقة الوسطى الساقطة, وضعف القاعدة الشعبية
الخوف الحقيقي من اليسار من جهة قوى الثورة المضادة عالميا و عربيا و محليا
ضعف الامكانيات المادية
عدم تبلور برنامج لتحول نحو الاشتراكية


2 - التاريخ لا يرحم
عبدالرحمن حمومي ( 2011 / 11 / 7 - 20:53 )
سيدي الكاتب ارى شخصيالا ان الامر اقصى من اللهجة الحزبية والاديولوجية انها لحظة الاستحقاق التاريخي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى الواقع المورث عن الاستعمار والمورث عن الاستبداد المؤدلج بالشعارات التي تتغذى بغفلة الشعوب النائمة في متاهة الشيوخ الخ الامر اكثر تعقيدا من مقاربة حزبية ان الشعب بكل تناقضاته وماورثه من فكر وسلوك وليس لاحد ان يزعم انه يفهم نيابة عن الشعب
ولكن اين نحن من الشعب بعضنا يتوجس من ذاكرته التي ليس تحت جبته الا هذا واقصد ما بين يديه وقد خبره والفه واعاده من خلال التقاليد ماذا يقدم اليسار ماقيمه الا ان ينقض الآخر بحمولته المؤكد انها ايديولوجية ولايخفى ذلك على النبيه؟ نحن قوم تمكن منا التفتت قالها درويش احتمينا بالنصوص فاندس اللصوص الاشكالية في العقلانيين في بيئة تؤمن بالخرافة لم نخلق مؤسسات بديل والمثقف محض فرد تتوزعه الشهوات: ذاته واحلامه المؤجلة


3 - رد على السؤال الاول
جورج حزبون ( 2011 / 11 / 7 - 22:18 )
انا لا اراهن على اليسار العربي حاليا ولكني اقول من حيث هو ضمانة ، ان امامه فرصة خلال المرحلة الانتقالية ليعيد تنظيم صفوفه بصورة موضوعي وليس اجترارا للماضي ، حيث امامه فرصة طيبة لاخذ مكانه ودوره ، اما حاليا فالمطوب اوسع تحالف شعبي شبابي ديمقراطي لمواكبةالمرحلة وعدم تركها صيدا باردا لتيارات الاسلام السياسي


4 - اي قوة تقود الثورة؟؟
mahmoud houjeiri ( 2011 / 11 / 8 - 12:13 )
انطلقت نسائم الربيع العربي على لهب وصراخ ذلك الشاب العاطل عن العمل محمد بو عزيزي بدون تحضير وبدون اصدار البيانات المهيئة للثورة وسقط جدار الصمت والخوف وانطلقت الثورة في الشارع عفويا بلا قيادة وفي هذه الحالة تسارعت رفات الاحزاب الاسلامية واليسارية لاخذ مكان اكبر منها في مقدمة التحركات وقد سقط العديد من هذه الاحزاب قبل الانظمة مثلا حزب التجمع الوحدوي في مصر وهروب حركة الاخوان المسلمين الهرمة والمريضة من اسمها واذا دخلنا الى شارع اليسار فاننا نشم رائحة العفونة اذا تاملنا صورة الاعلام الحمراء ترحب بالدبابات المحتلة في العراق وموقف الحزب الشيوعي السوري المساند لنظام القمع والقتل وشهر العسل الطويل بين الحزب الشيوعي اللبناني ونطام ولي الفقيه وادواته في لبنان من هنا نرى ان الثورات العربية تنطلق بشكل عفوي ولكن تتعرض للسرقة من قبل الانتهازيين والوصوليين من اسلاميين ويساريين ولا ننسى بكاء الامركيين على انظمتهم الوفية ولكن يتعاملون مع قوى الامر الواقع ولديهم من الكلام والشعارات ما يلائم كل المراحل والقوى .المرحلة انتقالية والقوى التي تعايشت مع الانظمة البائدة سترحل معها


5 - الأسباب الكامنة وراء تسييد الأحزاب الاسلامية
وصفي احمد ( 2011 / 11 / 8 - 17:00 )
مع جل احترامي لصاحب المقال لكنه غفل الاسباب الكامنة وراء تسييد الاسلاميين لمشهد ما بعد التغيير , إذ أنها -أي القوى الاسلامية - استغلت فشل التيارين القومي و اليساري . فالأول عجز عن الاستمرار في تحقيق الشعرات التي طرحها قبل وصوله للسلطة الأسباب ذاتية و موضوعية .بينما فشل الثاني بسبب احجامه التقدم نحو السلطة على خلفية مناطق النفوذ في عالم تلك الأيام مما مكن الأنظمة المستبدة أن توجه له الضربات القاسية التي أدت إلى ضعف بنيته التنظيمية كمقدمة لتشضيه إلى تيارات كل يدعي الوصل بماركس ناهيك عن الداعية الكاذبة للتيارات الاسلامية باتهامه بالالحاد الذي سيؤدي إلى تحلل المجتمع . وقد أدى هذا الواقع إلى احداث فجوة كبيرة بين اليسار و الطبقات التي يدافع عن مصالحها فهذ تعلم أن لا مخلص لها سواه غير أن الدعاية التي ذكرناها جعلها تخاف الانضواء تحت رايته خوفا على آخرتها .و في نفس الوقت فان الدول الرأسمالية تريد اجهاض الديمقراطية عن طريق تحويلها إلى اقتصاد السوق و هذا المشروع لا ينفذه سوى القوى الاسلامية التي لا تتورع عن التحالف مع قوى الثورة المضادة للوصول إلى السلطة .

اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر