الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم إنسان ميت

عمر قاسم أسعد

2011 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


حلم إنسان ميت



عندما كان طفل صغير كثيرا ما سأل والده عن سبب فقرهم وفقر الناس من حولهم ، كان يسأل عن سبب عمل والده المستمر لتأمين لقمة العيش له ولإخوته ، يسأل عن عدم قدرة والده لشراء ملابس جديدة أو عدم توفر الطعام في بيتهم أو عدم حصوله على العاب كغيره من الأطفال .

قال له والده ذات يوم ــ وهو في قمة عصبيته ــ ( الله يلعن اللي كان السبب ) ، ومن يومها وهو يبحث عن هذا السبب الذي لعنه والده كي يلعنه هو .

قفز عن طفولته وكبر قليلا وتفوق في دراسته ــ رغم الجوع والفقر والقهر ــ وتفوقه يؤهله للحصول على مقعد في الجامعه ، لكنه لم يكمل تعليمه وأدرك أن التعليم ليس للفقراء ، كبر والده ولم يعد بمقدوره العمل ، وهده المرض الذي يؤهله لدخول المستشفى الذي لم يدخله ، وأدرك أن العلاج ليس للفقراء ، بحث عن عمل هنا وهناك ، لأن جسمه وقدرته تؤهلانه للعمل ، أدرك أن العمل أيضا ليس للفقراء ، مات والده وعندما أراد دفنه في القبر لأن جثته تؤهله لدخول القبر ، أدرك أن القبر أيضا ليس للفقراء .

كل شيء في الوطن بثمن ، وإذا لم تملك الثمن فلا شيء لك ــ حتى الاشيء ليس لك ــ التعليم بثمن والصحة بثمن وحتى القبر الذي يأويك للأبد بثمن .

لا السماء لك ولا الأرض لك ، وكل ما بينهما ليس لك .

وهو ما زال يستذكر قول والده ( الله يلعن اللي كان السبب ) ، ما السبب ؟؟؟

بات ليلته ــ كما هي كل الليالي ــ جائعا مظلوما مقهورا مسلوب الإرادة ، شاهد روح والده تحلق فوق رأسه وتدخل أعماق روحه وتسحبه نحو اللاشيء ، سار في سراديب المجهول بحثا عن والده والروح دليله ، وجد روحه بين حشود من الأرواح اجتمعت للترحيب بقدومه في عالمها ، عالم الأموات .

سمع همسا في أذنه ، التفت فإذا والده يمسك بيده ويقوده حيث جلسته ، وحشود الأرواح تدخل أجسادا تتوافد بذات الملابس البيضاء الملطخة بالدماء ، وذات الخطوات الرتيبة .

جلس الأموات كل في مكانه ، صمت مطبق ــ كما هو حال الأحياء الأموات ــ برز جسد ميت من بين الحشود واعتلى مكانا بارزا مخاطبا حشود الاجساد الميته قائلا : يا شعب الأموات الأحرار ، يا أيها المقتولين قهرا وظلما وجوعا ، أيها الأموات قهرا وغصبا ، نحن ما زلنا ننتظر قاتلنا ليمثل بين أيدينا ، سنوات طوال ما زالت تجثم على أرواحنا كما جثمت علينا في حياتنا ، سيأتي قاتلنا سيأتي من حكمنا ظلما دون إرادة منا ، سنوات طوال ننتظر لعله يأتي وحتما سيأتي تحت أقدامنا ، وها هو ميتنا الجديد سيبشرنا بموت الحاكم قريبا ،

نظر إلى والده ليستجمع ما تبقى من روحه ، شاهد ملامح ابتسامة ترتسم في محيطه ، وملامح من عيون دامعة بالفرح من خبر سيقوله الآن ، واستجمع بقايا أصوات لتنطلق صرخة من فمه : يا أبي لقد عرفت الأن ما السبب ( ولعن الله اللي كان السبب ) ، أبشركم بنهاية الحاكم ومثوله بين أرجلكم ، وساعة الانتقام قد حانت ، سيأتي اليكم حقيرا مذموما وضيعا حاسرا عاريا ، ابشركم أن الأحياء قد سمعوا أصواتكم وهاهم ينتقمون لأجلكم وقريبا سيلقوا بالحاكم اليكم .

وما أن انتهى من صرخاته إلا وجموع الأرواح تنتفض على أجسادها والفرحة تملأ المكان والزمان والشيء واللاشيء، .

استيقظ من نومه وما زال صدى أصوات وصرخات تلاحق روحه الهائمة وأيدي الموت تلاحقه بفرح ،

هو الموت إذا ، في كل لحظة من حياتنا يلاحقنا أينما حللنا ،

وما تحت السماء موت وما فوق الأرض موت ، وكل ما بينهما موت .

وأنت أيها الحاكم الغافل مصيرك إلى الموت مهما ظلمت وتجبرت وسرقت ونهبت وانتشيت ، مصيرك إلى الموت ، ولن ترحمك كل الأرواح التي أزهقتها والتي ما زالت تلعنك في قبورها ، وحتما ستمضي إليها بلا حرسك ولا أجهزة مخابراتك وعصاباتك وقمعك ، ستكون وحيدا بين من قتلتهم بالفقر والجوع والحرمان والقهر والظلم .

إعلم أنه لم يأخذ حقه منك حيا ، ولكن سينتقم منك ميتا وسيلحقك إلى قبرك ويلعنك كما لعنك كل ضحاياك ،قبرك محفور عليه اسمك والجحيم الأبدي يلاحقك .



عمر قاسم اسعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا