الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العودة للحظيرة الامريكية

خالد عبد القادر احمد

2011 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



عرف عن الحياة وعن السياسة الامريكية انها براغماتية _ واقعية عملية_, اي انها تتصف بما يلزم من مرونة وقدرة على التكيف والتعامل مع تقلبات التي تتراكم في الواقع وايضا مع التي تجيء فجأة, ويعتبر ذلك من سمات قوتها وتفوقها, لكنه عرف ايضا عن الولايات المتحدة انه المتابعة الحثيثة والدراسات المستمرة لما يحدث في البلدان الاخرى الامر الذي يسلحها بتوقعات وتحديد مسبق لاتجاهات التعامل مع الاحتمالات الطارئة على تنوعها يسندها في تحقيق ذلك حالة تفوق اقتصادي سياسي عالمية النطاق. لذلك تمتلك ميزة القدرة على التعامل مع سرعة واتجاه _وتائر_ حدوث هذه التقلبات وتملك امكانية التاثير بان تسرع في وتيرة حركة الاحتمال المناسب لمصالحها اوتعيق وتيرة تحقق احتمال اخر يضر بهذه المصالح,
بهذا المعنى يجب ان نفهم تفعيل الولايات المتحدة لمقولة الفوضى الخلاقة, والذي ايضا لا ينفي او يسقط حقيقة وجود _امتدادات عضوية تامرية_ للولايات المتحدة الامريكية داخل مجتمعات الدول الاخرى, يتم تفعيل دورها في اللحظات الحرجة ليصبح وزن ضررها على الاستقرار السياسي رئيسيا في عملية الصراع المحلية, بسندها في ذلك تغطية وتظليل سياسي اميركي علمي لهذه الامتدادات وللاتجاهات المحلية التي تجد ان تعاملها معها مستقبلا سيكون اكثر جدوى,
ان التطبيق الامريكي لمقولة الفوضى الخلاقة هو جمع مرن بين تدخلها في العامل الارادي والعامل الموضوعي, يعمل على صياغة بنية الحالة السياسية القومية لمجتمعات اخرى, ولعل اقرب مثال يوضح ذلك انها اشبه بدورعملية الاغتيال مدروسة النتائج مهمتها تطعيم واعادة ترتيب بنية وهيكلية تنظيمية سياسية, نعرفها جيدا نحن الفلسطينيون من نهج الاغتيالات الصهيوني لرموز فكرية وسياسية وعسكرية فلسطينية والذي ترك اثره _ الخاص_ في التوجه الفكري السياسي الكفاحي لحركة المقاومة الفلسطينية نحو الصورة الراهنة لها,
ان للقوة هيكلا تنظيميا اما ان تكون بنية عضويته سيادية استقلالية اذا كان تعكاس رؤية ثقافية سيادية استقلالية وحينها ستكون مهجيتها السياسية سيادية استقلالية, ولذلك تعمل قوى الاستعمار العالمي على احداث تخريب في بنية هيكل القوة القومية للحصول على نتائج سياسية غير سيادية غير استقلالية تتوافق مع مصالحها كاجندة اجنبية,
بالضبط حول هذه المسالة يختلف مثقفونا في تحديد الموقف من الانتفاضات الاقليمية, تبعا لثنائية منظورهم الفكري السياسي, حيث انحاز البعض الى الدفع باولوية الحفاظ على السيادة والاستقلال في حين انحاز اخرون الى الدفع باولوية العدالة الاجتماعية وشرط تعدديتها الديموقراطية, الامر الذي اسقط اولوية اولوية واهمية البرنامج السياسي واسقط اهمية تحديد القوة الثورية القادرة على حمله وتمثله, بل بلغ الامر ببعض الكتاب للاسف ان اعتبره تجديدا في الماهية والطبيعة الثورية ان لا يكون هناك تحديدا وتربية مسبقة للجماهير وقوتها الطليعية على الاتجاه الثوري للنضال. وحصر مفهوم الثورية باعتباره _ حركة الشعب _ فحسب.
لذلك ليس غريبا ان ينتهي وضع الانتفاض في المنطقة الى النتائج الرجعية الراهنة التي يرسمها منظور تحالف الاتجاهات الرجعية مع الاجندات الاجنبية, وبصورة خاصة الامريكية منها, الى درجة دفعت بويرة الخارجية الامريكية في اخر تصريحاتها الى الاعلان السافر عن ان ( أن التغيير الديمقراطي الحقيقي في الشرق الأوسط هو في مصلحة الولايات المتحدة.), ولا ادرى باي معنى يمكن القول ان التغير الديموقراطي الحقيقي في بلد ما هو في مصلحة بلد اخر؟
غير اننا يمكن ان نلاحظ ان وزيرة الخارجية الامريكية تنحاز الى وتؤكد على الثنائية الفكرية التي الخيار بين الاستقرار والتقدم فنجدها تقول ( إن "الولايات المتحدة ترفض الخيار الزائف بين التقدم والاستقرار..وإن أيام القادة الذين يواجهون شعوبهم الراغبة فى الحرية بقوة السلاح باتت معدودة ), وهو الخيار الذي انحاز له الدافعين باولوية مطلب العدالة الاجتماعية وشرط التعددية الديموقراطية, دون التفات لاهمية الاستقلال والسيادة القومية, واعتماد الانجاز الوطني السابق في هذا المجال للبناء المستقبلي عليه, فهذا هو عدو الاجندة الاجنبية الرئيسي, بغض النظر اكانت الولاايات المتحدة الامريكية او اوروبا او رووسيا او الصين او غيرها,
اننا اذن امام صورة لم يعد الانتفاض والحراك الشعبي اهم عواملها, وراسم ملامحها, لنضعه اساسا لتقييمها وتحديد الموقف منها, بل باتت الاجندة الاجنبية هي اهم هذه العوامل.
فتصريحات وزيرة الخارجية الامريكية لا تقف عند حد تاييد الانتفاض والحراك الشعبي, بل تتعدى هذا الحد الاممي الذي يحفظ كرامة استقلال وسيادة الدول الاخرى, الى التدخل في رسم ملامح الصورة السياسية القومية الامر الذي يهدر كرامة واستقلال وسيادة هذه المجتمعات, لذلك نجدها تقول عن الوضع في تونس( على المسئولين عن حزب النهضة أن يقنعوا الأحزاب العلمانية بالعمل معهم ),
حيث نلاحظ انان صيغة التوجيه في هذا التصريح تطغى على صيغة الاقتراح,
طبعا يحق للولايات المتحدة الامريكية ان تمارس هذه الوصاية على الانتفاضة الشعبية الاقليمية, بعد خضوع القوى الرجعية وفي مقدمتها الاسلامية لها, في سبيل وصول هذه القوى للسلطة والذي اضطرها لتفاهمات مخزية مذلة مهينة معها, كان ثمنها الرئيسي بقايا الاستقلال والسيادة والكرامة القومية, والتي ارجحتها باضافة التنازل عن جوهر مبدئيتها الروحانية في مقولة الاسلام هو الحل, لتتبنى عوضا عنها مقولة الاسلام الليبرالي هو الحل.
ان مسئولية قوى اليسار والعلمانية عن هذه _الهزيمة الاقليمية الشاملة_, هي مسئولية مباشرة, فهم بتاريخهم الكفاحي كانوا ايضا اداة الاجندة الاجنبية, يشهد على ذلك موروثهم الفكري السياسي, وعلاقاتهم العالمية التي نسجوها على حساب واقعهم القومي الخاص, دون التفات منهم لخصوصية سمات واقعهم الذاتي, فلم يميز اي فصيل منهم مثلا بنية برجوازياتهم القومية واعلن موقف معاداتها سياسيا واقتصاديا, عوضا عن الانتصار للشريحة الوطنية منها وتركيز العداء لشريحة الكمبرادور, وهم وان ميزوا نظريا بين هاتين الشريحتين فانهم لم يترجموا ذلك عمليا في صور الكفاح النقابية والاستهلاكية, وفي الانتخابات البرلمانية .....الخ. لقد تجاهل اليسار الاقليمي واسقط مرحلة الثورة الديموقراطية ورفع شعار التطبيق الاشتراكي وهي قفزة ليس لها في الواقع الاقليمي ارضا تهبط عليه, اذا كان هدف الكفاح والنضال التقدمي دفع الاساس التحتي للبنية القومية خطوة حضارية الى الامام. حيث لا تقصد بدا الثقافة الثورية احلال الذات محل الموضوع. فماذا فعل اليسار في تاريخه الكفاحي سوى محاولة احلال الذات محل الموضوع؟
ان على قوى اليسار الان ان تدرك انها عادت خطوتين واكثر الى الخلف, لان قضية الديموقراطية حملت من القضية الوطنية ابعادا اثقل حملا ملمحها مزيد من تعززالوصاية الاستعمارية وتوسع اكبر لتحالف مجتمعي رجعي سلطوي, مكونه شيوخ العشائر والدين وقوى الليبرالية وفلول الانظمة البرجوازية الساقطة, بل وتبرهن نتائج اول انتخابات برلمانية في تونس تماما على ذلك, في حين يتوقع ان تحمل الانتخابات المصرية نتائج شبيهة, اما ما انتهى اليه الوضع الليبي فرجعية مكونه في منتهى الوضوح.
ان اجنداتنا الاقليمية ضلت طريق الاستقلال والسيادة القومية, بل وتبعا لتصريحات وزيرة الخارجية الامريكية فاجنداتنا فقدت ايضا حتى حركة تارجها في الصراع بين مراكز التفوق والنفوذ الرئيسية العالمية, حيث ستستكمل الاجندة الاجنبية _ خاصة الامريكية_ ذلك بترتيب اوضاع سوريا واليمن, الامر الذي سيدعو الاجندة الاجنبية على الى تركيز حركتها على صراعاتها مع مراكز القوة في المنطقة, والتي عناوينها الكيان الصهيوني وايران وتركيا. وهي صراعات تتقاطع على مقولة تسوية الصراع في الشرق الاوسط, ومركزية القضية الفلسطينية فيها.
ان الاهمية العالمية للقضية الفلسطينية هي كونها الاطارالذي يجري حسم صراعات مراكز القوة الاقليمية مع مراكز القوة العالمية فيه وعليه,حيث تسعى مراكز القوة الاقليمية الى التحول الى مراكز قوة عالمية في حين تعمل مراكز القوة العالمية على منعها من ذلك, وتحاول ان تبقيها اجندات (اجنبية اقليمية) حارسة للنفوذ العالمي في وعلى الحوض النفطي ومضائق الممرات البحرية الشرق اوسطية,
فالكيان الصهيوني يرى في التسوية السياسية خطرا على منظوره الاستراتيجي في التوسع والتحول لمركز تفوق عالمي, وهو يحاول التخلص من ضغوط مراكز التفوق العالمي عبر اغراقها في صراعات مع مراكز القوة الاقليمية الاخرى, لذلك نجده يعمل الان على تصعيد حدة التعامل مع الملف الايراني, وهي حدة تتصاعد كلما اقترب موعد سحب القوات الامريكية من العراق, مهددا بتوريط الولايات المتحدة الامريكية _ بحرب برية_ مع ايران من الواضح ان الولايات المتحدة اذا تورطت بها فان ذلك سيستر لسنوات لن تكون حينها قادرة على ممارسة الضغوط عليه, اما الوجه الاخر للمسالة فهو في المساومة التي يفرضها الان الكيان الصهيوني على الولايات المتحدة تحت ضغط هذا التهديد, والتي يطلب من الولايات المتحدة بها ان تتبنى بصورة كاملة المنظور الصهيوني لتسوية الصراع مع الفلسطينيين على اساس اسقاط مقولة الدولة الفلسطينية المستقلة, والضغط على الفلسطينيين لقبول وضع الاقلية العرقية في الدولة الصهيونية.
لقد ادركت القيادة الفلسطينية_ م ت والسلطة الفلسطينية_ ما يجري من صراع بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية, وادركت انها امام لحظة تاريخية تضع معها الولايات المتحدة الامريكية امام الخيار بين موقوتية وجود الكيان الصهيوني والامد الاستراتيجي للدولة الفلسطينية القادمة لا محالة, وباتت تثبت عمليا للولايات المتحدة واوروبا ان الكيان الصهيوني بات يشكل الخطر الرئيسي على مصالحها في المنطقة, لذلك نرى الاصرار والعناد الفلسطيني على مسار تدويل الصراع, وهم يدركون تماما ان خيار الحرب الصهيوني على ايران انما هو سيف سياسي ذو حدين احدها على رقبة الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها والاخر على رقبة علاقات الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة وحليفاتها, لذلك نظن ان احتمال التصعيد الفلسطيني هو الارجح في الفترة الحرجة القادمة, والتي تنتهي حراجتها باستكمال سحب الولايات المتحدة لقواتها العسكرية من العراق,
ان ارتباك المواقف العالمية هو انعكاس جدلي لتصاعد التجاذبات الصهيونية الفلسطينية, وهو ارتباك تتزايد حدته مع استمرار الكيان الصهيوني في تصعيد الضغوط على م ت والسلطة الفلسطينية, تواجهه القيادة الفلسطينية بتصعيد صراعها معه على الصعيد الدولي, والذي يجبر دول العالم على تحديد مواقف واضحة من موضوع تسوية الصراع اساسا ومدخله تحديد موقفها بوضوح من الحقوق القومية الفلسطينية, وهي مواقف تحدد مسبقا ناظمها بالاقرار بالحق القومي الفلسطيني بتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة, والاقرار الدولي بان الكيان الصهيوني محتل لاراض عام 1967م,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا