الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان يصنع قيده

محمد ماجد ديُوب

2011 / 11 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في كنابه الرائع خوارق اللاشعور يقول العالم العراقي العبقري علي الوردي :

بحكم وجوده في الحياة الإنسان أسير ثلاث رغبات تتطلب إشباعها بشكل مستمر هي حاجته للطعام وحاجته للجنس وحاجته لتأكيد ذاته (الحاجة لإعتراف الآخرين به )

يلاحظ الراقب لسلولكية الأطفال الرضع أن الحاجات الثلاث هي شبه متلازمة في تصرفاته فتراه يطلب اللذة ثم يطلب الطعام ثم يطلب الإهتمام به والتعبير الوحيد عن عدم إشباع رغباته الثلاث هو البكاء

قد يقول معترض أن طلب الطعام يأتي أولاً لكن في الحقيقة وكما عبر عن ذلك فرويد فإن في الطعام لذة جنسية تراها متنامية واضحة عند كبار السن وهي لذة بديلة تعوض عن الضعف الجنسي لكنها هذا الضعف لايميت الرغبة عند هذا الكهل فيبقى شاخصاً بعينيه إلى أنثى تمر أمامه حتى لو أدى ذلك إلى توقفه عن إلتهام الطعام

في إحدى التجارب التي أجريت في أمريكا على الفئران وجد الباحثون أن قوة الرغبة الجنسية عند الفأر هي أقوى من الرغبة في الطعام

نلاحظ أنه في كل الديايات أكانت أرضية أم سماوية أن مفهوم الأخلاق فيها في جوهره هو موقف من الجنس فجميع هذه الديانات أباحت القتل من أجل الطعام لكنها حرمته من أجل الجنس وهذا في رأيي الشخصي هو في عمقه موقف من المرأة دافعه ذكورية تقدس النسب وربما كان هذا واحدا من الأسباب التي دعت الإسلام إلى تحريم التبني وكانت قصة زيد بن حارتة مولى محمد دليلاً على ذلك وتأكيداً ودُعمت بنص قرآني

إن العقل البشري هو سجين أمور كثيرة لكن الظاهرمنها هذه الثلاثية العامة التي ذكرها الوردي لأنها تعبر عن جاحات الإنسان الوجودية فالعقل تم تسخيره للعمل على تأمين هذه الحاجيات الثلاث ومن خلال عمله تمت حركة التاريخ على الصورة التي نراها ونعرفها

كما نلاحظ أن ثلاثة من كبار مفسري حركة التاريخ هم ماركس وفرويد و آلدلر الأول ركز على الحاجة المادية والثاني ركز على الحاجة الجنسية والثالث ركز على الحاجة لـتأكيد الذات( السلطة)

في الواقع كل واحد من هؤلاء تطرق لجانب وترك جوانب لايجوز برأيي المتواضع أن تهمل فكل دافع من هذه الدوافع له ساحته المتقاطعة مع غيرها من الساحات فلا نستطيع أن نقول أن الإقتصاد وحده هو الذي يحرك التاريخ على الصعيد الفردي لكنه بالتأكيد صحيح على صعيد المجتمعات كما أننا لانستطيع القول أن الجنس هو المحرك للتاريخ على صعيد المجتمعات لكنه ربما يكون صحيحاً على الغالبية من الأفراد وما قلنا عن هذين العاملين هو نفسه ما يمكن قوله عن العامل الثالث

بين هيجل ويونغ يوجد خيط سري رفيع يربط بين جدل الفكر عند هيجل والفكر الذي هو أسطوري في بنيته عند يونغ وبذلك نجد أن الإثنين هيجل ويونغ منفصلان ظاهرياً مترابطان بنيوياً

ماعلاقة كل ذلك بقيود العقل أو بالأحرى بالإنسان الذي يصنع قيده ؟

في الواقع إن علاقة هذا بذاك هو الذي تحدده العقائد أو الشرائع فكل الشرائع والعقائد أرضية كانت أم سماوية حاولت وما تزال تحاول تنظيم العلاقة بين البشر من خلال إيجاد مسارب أو مسالك دينية أو عقلية تنظم إشباعات هذه الحاجيات الثلاث بحيث لايؤدي إشباعها إلى تصادمات بين البشر كأفراد ومجموعات فهل تمكنت من ذلك ؟

إن محدودية موارد الأرض في كل فترة زمنية من تاريخها جعل من الصعوبة بمكان تحقيق العدالة في توزيع هذه الموارد بين البشر بالتساوي مع وجود عامل إضافي خفي سببه الخوف التاريخي لدى الكائن البشري من الحرمان مسبباً عدم إطمئنان إلى المستقبل والذي يتجلى بظهوره على شكل أنانية مفرطة

ربما الحالة البدائية التي كان يعيشها الإنسان في فترات التاريخ القديم جعلت الخوف من الحرمان محمولاً على جيناته إذ كيف نفسر الغيرة لدى طفل لم يتكلم بعد ؟ ويلاحظ هذا بين التوأمين أي مراقب لسلوكياتهما فتراهما لايقبل أحدهما إلا مثل ما يكون لدى الآخر

هذه القيود الثلاثة هي قيود مفروضة بحكم أننا نحيا ونحتاجها لنبقى على قيد الحياة فلابد منها

إن الدعوة إلى الإشتراكية هي دعوة ناقصة تعبر عن بقايا الرغبة في التملك والتي لم نستطع إلى الآن التخلص منها وجودها على جيناتنا فنحن نقبل بالحالة الإشتراكية التي فيها تمييز مُعتبر بين من يعمل ليكون ذا شأن مادي وإعتباري وأيضاً يمكنه من الحصول على الإشباع الجنسي ولكن بتميز يريده في لاوعيه هذا التميز الذي يلبي إشباعاً لديه في أن يكون أكثر إعتباراً من غيره في مجتمعه وبين كسول لايجد ٌ ليحصل على مبتغاه مما يعني أن بذرة الصراع الطبقي ستستمر في أي مجتمع ذي طابع إشتراكي أليس هذا ما حصل في دول الكتلة السوفياتية السابقة مما أدى إلى إنهيار دولها ؟!

ما سوف نراه في المجتمع الشيوعي هو حالة متقدمة كثيراً ففي هذا المجتمع سيكون لكل فرد ما يحتاجه من ماديات وإعتبار وجنس (لكلا الجنسين رجل وإمرأة )
كما أننا قد نرى مع الدكتور صادق جلال العظم أن الدولة بصفتها منظمة لحركة المجتمع ليس إلا , تقوم بتربية الأطفال تاركة لوالديهم حق التمتع بالحياة كل على طريقته

أجد من المناسب القول في هذا المقام أن الإسلاميين والبورجوازيين الصغار والكبار دائما كانوا يتهمون دعاة الفكر الشيوعي بالملحدين والإباحيين ناسين أو متناسين لكن الأكيد عن عمد أن المجتمع الشيوعي هو مجتمع الحرية حرية الإنسان بأبعادها الأربعة المادية والجنسية والنفسية والعقلية بتحققه واقعياً ينطلق الإنسان على درب تحقيق وجود كونه بالأساس هو مشروع وجود

اليس غريباً أن أبعاد الوجود كما قالت الفيزياء أربعة وأبعاد حرية الإنسان لينطلق في تحقيق مشروع وجوده أربعة ؟؟؟؟

.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز محمد ماجد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 11 / 11 - 03:17 )
تحيه وتقدير
دائما ربطكم رائع للامور والعلوم والتدرج بين مبتداء الكلام وخبره مفيد ومتناسق
العقل دين الفرد ومجساته هي الحواس والاديان تتحرك باتجاة المجسات لتعيد تنظيم العقل كما تريد فهي تسمع الفرد ما تريد وتريه ماتريد وتقدم له ما يلمسه باليد او بالشعور وتششمه رائحة البخور والزيوت التي تريد
الفيزياء قالت بابعاد الوجود مستخلصه ذلك من اقرب شيء لها تستطيع اقناع الانسان به وهو الماده الانسان
تقبل تحياتي اخي والشكر لما تقدم


2 - الاحلام
صلاح الساير ( 2011 / 11 / 11 - 08:08 )
الاخ محمد ماجد ديوب المحترم
خطرت فى بالي معلومة من خلال القيد الذى وضعتة فى التاثير على الانسان فى اربعة قيود (الطعام والجنس وبناء الشخصية اى النفسية والعقلية )ومن خلال اطلاعي البسيط وكذلك ذكر العلامة الكبير على الوردي وكتابة 0 الاحلام بين العلم والعقيدة 0 اشارة الى هذة العوامل ولكن يوجد عامل خفى وجبار حافظ على حياة الانسان من بداية الخلق ولحد الان ما هو ؟؟؟(الاحلام)كيف لو لم يحلم الانسان لانتهاء منذ فترة طويلة كل الاحلام لها ما يبررها عندما تحلم حلم جنسي على سبيل المثال يعني هناك تضخم فى الاجهزةوالهرمونات الجنسية عليك ان تحلم والا تنفجر وعندما تحلم بالماء فانك عطشان وعندما تحلم انك فى شجار وتعرضت يدك لجرح وهذا يدل على انك نام عليها وعندما تغيير موضع نومك هى عمليات لمحافظة على سلامة الانسان والا حلام الرعب وتنهض من منامك يعنى انك مريض وفى حرارة شديدة وعليك معالجة ذلك .....وكل الذى اريد ان اصل الية هو ان الاحلام هى حاسة السادسة عند الانسان ويطلق عليها 0 الحاسة اليقظة 0 اى تيقظ الانسان اثناء النوم عندما يتعرض الى اى محفز شديد مضر للانسان ارجو دراسة ذلك وشكرا


3 - الأخ حميد أيها المحترم
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 11 / 11 - 14:51 )
أين رداي على العزيزين رضا وصلاح؟؟


4 - أخي حميد
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 11 / 11 - 16:15 )
أنا لم أطلب نشر سؤالي أنا أطلب جواباً على تغييب رديٌ على الأخوين العزيزين رضا وصلاح بعد أن تم نشرهما


5 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 11 / 11 - 16:38 )
أخي ماجد المحترم تحية لجهدك مادة علمية ممتعة . اعتقد أنه من الضروري تكريم هذا العالم الرائع الوردي الذي ترك لنا هذا التراث الغني. يمكن أن نعتبره إقتراحاً لإدارة الحوار في تخصيص ملف خاص لإحياء ذكراه . تحية لك اخي ماجد


6 - الأخ المحترم سيمون
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 11 / 11 - 16:50 )
شكرا لك وتحية لمرورك وأنا أؤيدك بكل قوة فيما يخص هذا العالم الكبير وأقسم لك لو فُهِم مايرمي إليه كتابه هذا الذي أخذت عنه لكان في صدر كل مكتبة منزلية في العالم العربي بل ولكان في غرفة النوم يُقرا منه فصل قبل النوم كل ليلة ولك تحيتي


7 - الأخوين العزيزين رضا وصلاح
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 11 / 11 - 17:02 )
يبدو أن هناك خطأ ما غيٌب ردٌيٌ عليكما كلاً على إنفراد ما العمل الأمر للتكنولوجيا
أخي رضا
نعم علينا أن نعطي للعقل فرصته بتحريره من قيوده التي صنعناها بأيدينا
أخي صلاح
الأحلام هي بحد ذاتها مصدر إختلافات بين المتديٌن ورجل العلم فقد كثرت الآراء في تفسيرها ولكن الذي غاب عن ذهن الجميع هو أن الحلم هو دعوة اللاوعي لنا لنخرج إلى رحاب الحرية وهذا ما سأتكبه قريباً
لكما تحيتي وتقديري


8 - الكريمين محمد ماجد وسيومن خوري
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 11 / 11 - 17:04 )
تحيه واحتلرام
نؤيد بقوه التفاتة الاستاذ الفاضل سيمون خوري حول تخصيص شيء للعالم الوردي
اتمنى ان يكون هناك سياق في الحوار يخصص يوم في الشهر لعالم في كل الاختصاصات وان يبداء البرنامج من الكبير الوردي ووعد مني لكما في موضوع مع ابن ابن اخيه وهو شاب عشريني فاز بجائزتين الاولى سويدبه والثانيه عالميه في مجال التصميم المعماري ولنا في ذلك لقاء مفصل معه قريبا ننجزه
تحيه لكما وشكر


9 - أخي الفاضل سيمون
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 11 / 11 - 17:47 )
كونك صاحب الفكرة أرجو منك أن تخاطب المشرف العام على هذا المنبر المحترم بإسمنا جميعاً برسالة خاصة ليصبح إقتراحك واقعاً على صفحات الحوار ولك منا جميعا محبي هذا العبقري كل التحية والشكر والتقدير


10 - شكرا لثقتكم
سيمون خوري ( 2011 / 11 / 12 - 02:38 )
اخي محمد ماجد المحترم وكذلك صديقي الكريم عبد الرضا تحية لكما وشكرا على هذه الثقة . سأحاول مراسلة الصديق الطيب أخي رزكار بشأن هذه الفكرة التي طورها زميلنا عبد الرضا. ونتمنى خيراً مع التحية للجميع

اخر الافلام

.. امتحان عسير ينتظر إيران بعد وفاة رئيسي.. إلى أين ستمضي طهران


.. إجماع إسرائيلي على رفض قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو بصفت




.. مشاهير يوجهون رسالة إلى زوجة بايدن لحثها على اتخاذ موقف تجاه


.. استشهاد 10 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال منزلا لعائلة الكح




.. وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ماهي التبعات السياسية في