الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد الانتفاضات العربية الإسلام السياسي في قمة مجده أو.. غروره

سلامة كيلة

2011 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية




بعد انتخابات المجلس التأسيسي في تونس والنجاح الكبير الذي حققته حركة النهضة، والطابع الإسلامي الذي أعطاه مصطفى عبد الجليل لانتصار الثورة في ليبيا، ربما تأكدت التخوّفات التي ظهرت منذ انتصار الثورة في تونس ثم في مصر، التي انبنت على "الطابع الإسلامي" (أو الإخواني) لهذه الثورات. حيث انحكمت الثورات بـ "جو" عام سابق كان ينطلق من سيطرة إسلامية على النشاط السياسي، فرض التخوّف من سيطرتها بعد سقوط النظم.
الآن، صار واضحاً بأن الإسلاميين هم الذين يحصدون الحجم الأكبر في الانتخابات التي جرت والتي يمكن أن تجري. هذا ما كان مدعاة للنشوة لدى الإسلاميين أنفسهم، الذين لم يجدوا في ذلك سوى معجزة إلهية. كما كان مدعاة خوف لدى تيارات علمانية وليبرالية، وكذلك لدى أقليات. وانبنى عليه موقف سلبي من الانتفاضات ذاتها، وصل إلى حدّ التشكيك فيها.
هل كانت نتيجة انتخابات تونس مفاجئة؟ بالتأكيد لا. كما لن يكون مفاجئاً حصد الإخوان المسلمين في مصر لموقع الحزب الأول في انتخابات مجلسي الشعب والشورى في الأيام القادمة، رغم أنه يمكن أن يكون حجمهم أقل مما حصد "رفاقهم" في تونس.
فقد انحكمت الانتفاضات بوضع سياسي اتسم بضعف أو تلاشي القوى التي يمكن أن تعبّر عن مشكلات الطبقات المفقرة التي كانت أساس الانتفاضات، بالتالي كانت الانتفاضات عفوية، ولهذا أصبحت صياغة الوضع الجديد تخضع لوضع القوى "الفاعلة" في المعارضة، ولطبيعة "الانتصار" الذي تحقق. ولقد ظهر الإسلام السياسي كقوة معارضة للنظم، ومن ثم ظهوره كقوة مناهضة لـ "الإمبريالية" بعد الحرب الأميركية على الإرهاب. بالتالي بتنا في وضع يبدو فيه الإسلام السياسي كوارث لدور اليسار، وأصبح القوة الأساسية في العديد من البلدان، أو القوة التي لها رمزية تسمح لها بأن تحوّلها إلى قوة فعلية. هنا كان الإسلام السياسي هو المؤثر، وكان يبدو كبديل حقيقي لهذه النظم. هذا ما جعل له قاعدة، تعززت بقوة مالية كبيرة.
وحين حدثت الانتفاضة لم يكن دور الإسلاميين كبيراً، لا في تونس ولا في مصر ولا في سورية. لكن كان يبدو واضحاً بأن طبيعة المرحلة الانتقالية التي تحققت تحت سيطرة السلطة القديمة ذاتها (حيث تغيّر أشخاص وبقيت البنية ذاتها)، وفي إطار استمرار سيطرة الرأسمالية المافياوية ذاتها، أن تجاوز "الأزمة" التي أفضت إلى نشوء الانتفاضات يفترض توسيع القاعدة السياسية للسلطة، وهو الأمر الذي كان يفترض صياغة جديدة تقوم على تأسيس "شكل ديمقراطي" يستوعب "التعددية" التي يفرضها توسيع هذه القاعدة.
لهذا بدا أن السياق الذي تسير فيه المرحلة الانتقالية سيوصل إلى بروز الإسلاميين كقوة كبيرة، وكذلك بروز الليبراليين كقوة أخرى. وهو الوضع الذي يشير إلى طبيعة القوى التي كانت هي الأبرز في السنوات السابقة. فهذه القوى هي التي تمتلك المال والإعلام، وكذلك الفاعلية والتواصل والديماغوجيا. ولأن المسألة تمحورت حول السلطة وطابعها الاستبدادي والفردي والوراثي، فقد ظهر أن المطلوب هو تشكيل دولة ديمقراطية تعددية. هذا ما كانت كل قوى المعارضة، من اليسار إلى الإسلاميين، تركز عليه طيلة عقدين من السنين، وبالتالي الذي أصبح يبدو أنه الحل لأزمة مجتمعية عميقة. وفي هذا الطرح لم يكن من دور لليسار الذي من المفترض أنه يعبّر عن مطالب الطبقات المفقرة، ويطرح البديل الذي يحقق مصالحها، وبالتالي لا يقف عند حد مركزة النشاط في ما هو ديمقراطي.
لهذا كان واضحاً منذ البدء بأن النتيجة المنطقية لأي انتخابات تجري بعيد الانتفاضات تتمثل في سيطرة تحالف الإسلاميين والليبراليين بالترابط مع بنية السلطة القديمة التي تمثل الرأسمالية المافياوية ذاتها. وهذه الصيغة هي "التوافق" بين استمرار سيطرة هذه الرأسمالية من جهة، وإدماج الإسلاميين كونهم يمثلون المعارضة في السلطة من جهة ثانية. وبالتالي فهي حل الطبقة المسيطرة للحفاظ على سيطرتها. ولا شك في أن هذا التوافق ممكناً لأن "الخطاب الاقتصادي" للإسلاميين لا يختلف عن الخطاب الليبرالي. فهم مع اقتصاد السوق وحرية التجارة، والربح والحق المقدس في التملك الخاص، ورفض التأميم والمصادرة ودور الدولة الاقتصادي. وهم كذلك يميلون للتركيز على النشاط التجاري بصفته هو الاقتصاد، ولا يميلون إلى النشاط في الزراعة أو الصناعة (وهذه الأخيرة كانت تعتبر هي مدخل كل الأفكار "الملحدة"، من ديمقراطية وقومية وشيوعية)، وهذا يتوافق مع الشكل الراهن للرأسمالية التي تغلّب التجارة والخدمات والعقارات والبنوك على كل النشاطات الأخرى. وهو الشكل المفرط في ليبراليته و"تحرره"، والذي كان في أساس التهميش والإفقار الذي أفضى إلى حدوث الانتفاضات العربية.
هنا لا يكفي النظر إلى الإسلاميين من زاوية الخطاب "القيمي الأخلاقي" الذي يتصفون به، أو التركيز على "الدعوة الدينية"، والذي يدخل في نقاشات وصراعات هامشية المقصود منها هو التغطية على المشكلات المجتمعية العميقة. فكل ذلك هو تعبير عن مصالح طبقية تحكم هؤلاء، وتعبّر عن مصالح فئات اجتماعية كانت سيطرة المافيا الحاكمة تضيّق عليها نتيجة احتكارها الشمل للاقتصاد. وهذا ما كان يوجد "الاحتكاك" بين الطرفين. وبالتالي لا بد من رؤية الشكل الجديد للسلطة من منظور توسيع القاعدة الطبقية للسلطة كذلك. رغم أهمية توسيع القاعدة السياسية، وأيضاً إدخال "الخطاب الديني" كداعم لسلطة هذه الرأسمالية المافياوية باسم المقدس.
بالتالي يمكن القول بأن ميزان القوى السياسي كان يقود إلى تبوء الإسلاميين موقعاً متقدماً في بنية السلطة الجديدة، بعد كل "التراث المعارض والمقاوم" الذي أصبحت تملكه من خلال "نضالها" خلال العقود الثلاث الماضية. وفي إطار التكوين العام الذي بات يحكم المنطقة نتيجة سنوات من إنهاض الخطاب الديني، وتفجير الصراعات الطائفية، وأيضاً انهيار الخطاب القومي وتلاشي الخطاب اليساري (الذي تحوّل سريعاً نحو اللبرلة). وإذا كانت الطبقات الشعبية التي ثارت لا تجد من يمثلها نتيجة عجز اليسار، فقد خاضت الانتفاضة وحدها بعفوية كبيرة. لكن حينما قربت الانتخابات لم يبادر جزءاً كبيراً منها إلى التسجيل لأنه لم يحس بأن شيئاً قد تغيّر (هذا يبدو واضحاً في تونس)، وإذا كانت نسبة المشاركين في التصويت هي 48% فهذا يعني أن النسبة الأكبر لم تشارك في التصويت. بمعنى أن قوى الطبقات الشعبية الفاعلة في الانتفاضة لم تشارك في الانتخاب لأنها أحست بأن السلطة لم تتغيّر وبالتالي ستكون النتائج محدَّدة مسبقاً كما كان يجري في السابق. هذه نتيجة منطقية تلمسها الحس السليم لدى قطاع كبير من الطبقات الشعبية.
في هذا الحساب تكون حركة النهضة في تونس قد حصلت على 41% من 48% من الذين يحق لهم الانتخاب، أي حوالي 20% من الذين يحق لهم الانتخاب. لكنهم سيبرزون كقوة كبيرة وأساسية حصلت على المرتبة الأولى.
في كل الأحوال إذا كانت هذه النتيجة طبيعية في هذا الوضع، فإن من المهم تلمس أفق المرحلة القادمة. حيث أن الانتفاضات حدثت لأن كتلة كبيرة من الطبقات الشعبية لم تستطع العيش بفعل التمركز الهائل للثروة، والتشكيل الضيق للاقتصاد الذي أصبح ريعياً. وبالتالي فإن نهاية الانتفاضة لن تكون ممكنة إلا بعد تغيير النمط الاقتصادي بما يسمح بإيجاد فرص عمل كافية لحل مشكلة البطالة من جهة، وتحقيق توازن جدي بين الأجور والأسعار تسمح بعيش كريم، وتحقيق ما يسمح للطبقات الشعبية بالدفاع عن مصالحها في إطار نظام ديمقراطي حقيقي.
هل يملك الإسلاميون حلاً لكل ذلك؟
إذا كان حاجز الخوف قد سقط، وإذا كان الشباب قد دخل ميدان الصراع السياسي، فإن أي عجز عن حل هذه المشكلات سوف يفرض استمرار الصراع بغض النظر عن الدعم الممكن الآن لأي حزب من الأحزاب. ولأن الإسلاميين لا يمتلكون غير البرنامج الليبرالي ذاته (أي الريعي كذلك) فإن وصولهم إلى السلطة سوف يجعلهم في تناقض مع الطبقات الشعبية بالضرورة. وهذا ما سينعكس على طبيعة الديمقراطية التي يمكن أن يحققها هؤلاء (بالتحالف مع الليبراليين بالضرورة)، التي لن تخرج عن أشكال الديمقراطية التي تحققت في ظل حكم حسني مبارك، أو تحققت في المغرب أو الأردن.
هذا الوضع سيجعل التناقض واضحاً بين الطبقات الشعبية المفقرة والإسلاميين بخطابهم الثقافي الأخلاقي الشكلي، والليبراليين عموماً، وسيكون الصراع الاقتصادي الطبقي بارزاً إلى حدّ كبير، وهو محور الصراع، وليس لا الخطاب الديني ولا الخطاب الأخلاقي القيمي. وسيحكم الإسلاميون والليبراليون في سلطة لا تستطيع أن تمتلك القوة التي امتلكتها النظم الساقطة، وبالتالي ستكون ضعيفة ومهزوزة وقابلة للسقوط. في وضع يفرض أن تبلور الطبقات الشعبية تمثيلاتها السياسية المعبّرة حقيقة عن مصالحها، في أفق انتفاضة جديدة.
إذن، سيبلع الإسلاميون النشوة التي يعيشونها، وسيكون انتصارهم الراهن هو مؤشر الانحدار وليس زهوة الوصول إلى القمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحداثة.الانترنت.العولمة..وواقع الصعيدالمصري
نايـــــــــــــــــــا ( 2011 / 11 / 11 - 12:00 )
إن انحسار التوعية السياسية والثقافية وانحصارها في نسبة ضئيلة نخبوية من عناصر مجتمع الوطن العربي (قد تصل في حدودها القصوى إلى 20 ٪ فقط منه)، وبما أن الطبقة المنتفعة المسيطرة على اقتصاد المجتمع قد تصل إلى نسبة تقلّ عن 10 ٪ (؟؟) بالتالي فإن الغالبية العظمى من أبناء المجتمع هم أولئك الذين آمنوا بغزوة الصناديق، وصوتوا للإخوان المسلمين في تونس وكما سيؤول إليه الأمر في مصر ( نسبة هؤلاء تصل ما 60 و 7٪ من تعداد السكان الإجمالي) هي في غالبيتها عناصر من المجتمع البسيط من الطبقة الشعبية التي لا تملك خطوط للانترنت، كما أن مقالاتكم وتحاليلكم وآيديولوجياتكم لا تصلها كما يصلها الخطاب الديني يوميا عبر مكبرات الجوامع خمس مرات في اليوم بما فيها أصقاع الصعيد المصري... فهل سيظل اليسار العربي يحصر رهاناته على انحسار الخطاب الديني كمسلّمة لا يمكن تفاديها لأن الطبقة الشعبية ستدرك »بفطرتها« عدم قدرة الخطاب الديني على تأمين لقمة عيشها؟ أم يتوجب على اليسار إعادة النظر في كيفية وصول خطابه إلى أنآى قرية وإلى أقصى بيت في أعماق الصعيد المصري دون الاعتماد على شبكة الانترنت والكتب الباهظة الثمن ؟
مع احترامي


2 - رد على نايا
سلامة كيلة ( 2011 / 11 / 11 - 18:19 )
لا شك أن على اليسار أن يعيد النظر في كل سياساته، وأن يعمل على التواصل مع الطبقات المفقرة في الريف وهوامش المدن والمدن، وهذه ضرورة. لكن أيضاً لا بد من التوضيح بأن الطبقات المفقرة مقياسها عملي، بمعنى أنها لا تنظر من منظور أيديولوجي الى الأحزاب بل من منظور عملي يتعلق بالقوى التي تستطيع حل مشكلاتها التي انتفضت من أجل تحقيقها. وهنا يعتمد الوضع على هل يستطيع اليسار الوصول الى هذه الطبقات وتطوير صراعها لتحقيق تغيير يحقق مصالحها؟


3 - امريكا
طاهر الشريفي ( 2011 / 11 / 12 - 11:15 )
حيث أن الانتفاضات حدثت لأن كتلة كبيرة من الطبقات الشعبية لم تستطع العيش بفعل التمركز الهائل للثروة، والتشكيل الضيق للاقتصاد الذي أصبح ريعياً. وبالتالي فإن نهاية الانتفاضة لن تكون ممكنة إلا بعد تغيير النمط الاقتصادي بما يسمح بإيجاد فرص عمل كافية لحل مشكلة البطالة من جهة، وتحقيق توازن جدي بين الأجور والأسعار تسمح بعيش كريم، وتحقيق ما يسمح للطبقات الشعبية بالدفاع عن مصالحها في إطار نظام ديمقراطي حقيقي
سيدي الكريم جميل ما لخصت به مقالتك بهذه الاسطر التي نقلتها لك هنا ولكن هل حقا انه ليس لامريكا دخل بهذا الربيع الواهم لا اعرف لكن يبدو ان للازمة الماليه العالميه وموضوع الضرائب الامريكيه من جهة ومن جهة اخرى السيطرة على منابع الغاز والتحكم الكلي باوربا واضعاف الاقتصاد الروسي وحركة الانقسام السوداني والقراصنة الصومال واليمن وسوريا وايران الورقة المربحة حاليا في الايهام بتوجيه ضربة جويه وتسليح دول الخليج لمص اموالها لسد العجز المالي لديها وافلاس اليونان العضو في اليورو هذا كله لا يدفع الى عقد صفقة مع الاسلاميين الاخوان طالما ان الاسلاميين الشيعة سيطروا في العراق .

اخر الافلام

.. قتيل وجرحى في انهيار مبنى بمدينة إسطنبول التركية


.. مبادرة شابة فلسطينية لتعليم أطفال غزة في مدرسة متنقلة




.. ماذا بعد وصول مسيرات حزب الله إلى نهاريا في إسرائيل؟


.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل




.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان