الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسيون ساعون لتمزيق العراق

فرات المحسن

2011 / 11 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



الجزء الأول

وفق رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في بناء مشروع الدولة العراقية الجديدة أثر أزاحتها حزب البعث و احتلالها للعراق تمت الدعوة لسن دستور عراقي جديد، وبعد فترة قصيرة جدا من عمر الزمن لم تتعد عدد أصابع اليد من الأشهر وعبر مسودة أولية دبجت وسطرت خطوطها العريضة في مكاتب البنتاغون ثم وضعت على طاولة البحث بين أيادي الساسة من العراقيين الذين دعتهم الإدارة الأمريكية وبخيارات مختلفة ليكونوا فريق العمل الذي كان عليه مهمة أعداد دستور العراق ثم طرحه للتصويت.شرع دستور العراق.
لم تخلو أجواء الاجتماعات من ضغوط وتدخلات مورست بشكل مباشر من قبل العديد من الأطراف كان في مقدمتهم الطرف الأمريكي صاحب المشروع الذي استخدم التهديد المباشر والمبطن للحث من أجل سرعة إنجاز الدستور وبشكل نهائي وفق نموذج فصل لدولة تخطت مراحل نضوج كبرى في الحياة الديمقراطية والحضارية واستتب فيها الأمن والوفاق الوطني بمراحل عليا وبهوية وطنية واضحة وثقافة ووعي جماهيري عال وسوق اقتصادي متكامل،ولذا ذهب الدستور الجديد بعيدا في تفاصيل فقراته مهملا طبيعة التكوينات المجتمعية وإشكالات الوقائع على الأرض والتي توحي دائما بمقدار كبير من الخصومة والنزاع، وكان سبب رغبة الأمريكان التعجيل في طبخة الدستور يخضع لحسابات مستقبلية تذهب في مجملها لرؤية عراق ممزق بكتل جغرافية صغيرة وضعيفة يكون فيها للمحتل وقاعدته الاجتماعية الاقتصادية اليد الطولى، وهذا مشروع لم يكن وليد فكرة نائب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وإنما مشروع ظهر في وثائق السياسة الأمريكية في أواسط الخمسينات وجددت الدعوة له من قبل قادة إسرائيل في السبعينات وأكده الراحل الملك حسين بن طلال قبل وفاته بخمس سنوات، ضمن تلميحات لجس النبض وإبقاء المشروع متداولا.
لم يكن أغلب أعضاء اللجنة التي اختارها المحتل غير عجينة مطواعة بيد بريمر وفريقه وكان أعضاؤها هجين غريب بمواصفات ورغبات ونوايا مختلفة ومنوعة لايجمعهم جامع غير الحضور من أجل المال وسرعة الانجاز ووضع دستور لايمت بصلة لما سبقه من دساتير عراقية، ولم تجمعهم رغبة النظر بعقلانية لمشاكل الشعب وواقع العراق وهويته الوطنية وإنما جلسوا ليفصلوا ثوبا مرقعا فضفاضا ركز فيه على السلطة وإدارتها وأبعدت إلى الخلف صورة الدولة العراقية.
حضر أعضاء اللجنة من القوى السياسية الشيعية بنشوة غامرة كونهم يحملون تفويضا من السيد علي السيستاني الذي لمح لضرورة أن يكتب العراقيون دستورهم بأنفسهم وهو الرجل البعيد جدا والمبعد أصلا عن ما يدور في الأقبية وخلف الكواليس السياسية، ومع هذا فقد جاء هؤلاء إلى الاجتماعات بحصانة يعتقدون معها إن سوف يهابها الجميع ولذا واجهوا خصومهم من الذين شاركوهم الأعداد بشيء من التعالي والمباهاة والجفوة وبالمقابل كان الطرف الأخر من الجانب العربي وهم الشخصيات والفعاليات الناشئة السنية تحديدا الذين امتنعوا عن حضور اجتماعات لجنة أعداد الدستور بادئ الأمر لأسباب غريبة مبنية على شعور مركب بالخسارة التي لحقت بهم إثر انهيار سلطة دانت لهم لأكثر من 72 عاما، ولكن في النهاية رضخ الكثير منهم للإرادة الأمريكية وسطوة الأغراء المالي ليحضر حاملا عقدا كثيرة ليس أقلها الشعور بالضعف تجاه شركائهم في اللجنة من العرب الشيعة، ولم يستطع الطرف العربي السني وهو الذي كان الحلقة الأضعف حينذاك من الوقوف بوجه المد الجارف والنزوع إلى تدبيج مواد دستورية فرضتها الإرادة الأمريكية بالتوافق مع الحزبين الكرديين، وظهرت من بعضهم اعتراضات خافته لم تستطع منع تأكيد فقرات في الدستور تضمن قوة الأقاليم والمحافظات وأفضليتها على المركز أي العاصمة بغداد أن تم التنازع في أمر ما، وصيغت مواد دستورية بفقرات مجحفة ترجح خيار الفدراليات والنزوع نحو الاستقلال عن المركز.
شكل الهاجس الطائفي وما سمي بالمظلومية الشيعية والرعب من عودة البعث لدى القوى السياسية من العرب الشيعة الدافع الأكبر لمسايرة ما جاء بالمسودة الأمريكية والدفع لبلورتها على علاتها ظنا بأن محتويات الدستور والنصوص التي عنت الفدرالية وتشكيلها سوف يكون الحد الفاصل بين عهدين ونموذجين من الحكم. وبحكم سنوات الظلم والقسوة التي مورست من قبل الفاشي صدام حسين فأن الفدرالية سوف تكون واحدة من النماذج التي تمنع عودة البعث أو رجوع الحكم المطلق للعرب السنة، والسبب الأخر في عجالة قوى العرب الشيعة وتسرعهم في أقرار بنود الدستور ما كانت تتمتع به تلك القوى من سذاجة سياسية وقانونية كان واحدا من أسبابها النشوة المفرطة بالنصر الذي تحقق إثر بروز مشهد جديد يقر لهم بالأكثرية العددية والسلطة، وكان هناك أيضا مشاريع وأجندات خارجية لها الكلمة العليا بين تشكيلة الفريق الشيعي ومثله السني وهذه الأجندات تضغط بشدة ويهمها جدا أضعاف العراق لابل تقسيمه وتفتيته ليكون كتل صغيرة يسهل التدخل في شؤونها والسيطرة على مقدراتها.
وفق هذا المشهد المربك والملتبس سن الدستور العراقي عام 2005 من قبل الساسة العراقيين المتلبسين بالنوايا غير الحسنة لا بل المريضة تجاه بعضهم البعض ثم عرض الدستور على الشعب دون أن يؤخذ المجال والمدة الكافية لمناقشته، ووضع حزمة واحدة ليصوت عليه دون أن تسنح للناس الفرصة لمعرفة حقيقة النوايا المبيتة بين سطوره ومحتوياته وما سوف يتمخض عنه من نتائج تضر أو تنفع العراق، وجاء التصويت حرق واختزال للمراحل الزمنية واستغفالا للناس الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليس وفق دراية ومعرفة بما يضمره الدستور بقدر ما كان وفق الحث والتصعيد والترهيب الطائفي وأيضا بسبب ما حملته المرحلة من فرح غامر بالمشاركة وخوض تجربة جديدة تختلف عن سابقاتها يكسر فيها تقليد البيعات السابقة لصدام.
أما الأخوة من الحزبين الكرديين فكانوا أصحاب مشروع طموح يتوائم جدا مع ما قدمته الديباجة الأمريكية كمسودة للدستور العراقي مدركين أن كسب الجولة في هذه المرحلة يتمثل في تثبيت كامل حقهم بإقليم فدرالي كانوا قد وضعوا لبناته الصلبة منذ عام 1991وأصبح واقعا ملموسا لا يمكن إنكاره، ولكن في نفس الوقت فأن الإقليم هذا يحتاج إلى ما يجعله أكثر صلابة وصولا للاستقلال الكامل والابتعاد عن العراق العربي لذا فحاجتهم كانت ماسة لوضع دعائم ساندة في النص الدستوري ترفع من شأن مشاريع الفدراليات في عموم العراق لتذهب في النهاية لأضعاف الطرف العربي أو تشتيت جغرافيته ليكون أكثر هشاشة بمواجهة مشروع كردي فدرالي اكتملت ملامحه الكونفدرالية مع ثبات النصوص الدستورية ونيلها الموافقات القانونية، ولا يحتاج هذا المشروع غير اللحظة المناسبة لوئد الشراكة الوطنية مع المكون العربي.ولكن الأخوة في الحزبين الكرديين وبشيء من البرغماتية والعقلانية يحسبونها اليوم جيدا، فليس في نيتهم الانفصال الآن كونه يسلبهم منافع لاغنى لهم عنها وسوف تكون دولتهم في مهب الريح إن لم تطمأن دول الإقليم وتضمن رضاهم وهذا يحتاج إلى أشواط طويلة. وإن كان لابد من الاعتراف بحق جميع الشعوب بالدفاع عن مصالحها وحقوقها فأن مثل هذا الحال يتوائم جدا والسير الجاد من قبل الكرد في استغلال جميع ومختلف الفرص لنيل حقوقهم في وطن واحد بعيدا عن الوصاية والاضطهاد، وبدوري لا أخفي تأييدي الكامل لحقهم في الانفصال عن العراق لا بل أعد نفسي واحد من كثرة تريد وتؤكد على ضرورة انفصال كردستان عن العراق اليوم قبل غد.
لم يكن للنص الدستوري أي فعل مؤثر أو ضابط لأداء قادة العملية السياسية أو مؤسسات الدولة إن كانت تشريعية أو تنفيذية أم رئاسية، وقد سجلت الكثير من الوقائع في العمل السياسي وإدارة الدولة بما يشي أن النص الدستوري أريد له أن يكون ديكورا ليس إلا أو محاججة ولغو فارغ بين خصوم أو شركاء في اللعبة أو فضح جهالة البعض القانونية، رغم إن الكثير من الساسة المشاركين في أدارة الدولة يجهل أغلب فقرات الدستور والبعض منهم غير معني بها بالمطلق. ولم يعن للدستور أن يكون حكما فصلا في أكثر المشاكل التي ما زالت تشكل عقد مستعصية تحتاج إلى العقلانية وروح الهوية الوطنية العراقية أكثر مما تحتاجه من نصوص يراد بها المهاترات وإطالة أمد المشاكل ووضع العقد أمام المنشار.
مثلت طبيعة تشكيل مجلس الرئاسة خرق فاضح للدستور ومثلها تفسير صلاحيات وعلاقة كل من مجلس الوزراء والبرلمان مثلما كان للنصوص الدستورية ما يدفع الخصومة لتتفاقم جراء تفسير المادة 140 وكذلك صلاحيات المحافظات والأقاليم في مواجهة المركز وغيرها الكثير من المسائل العالقة والقابلة للتصعيد، وبشكل سافر وعلني قضمت صلاحيات المحكمة الدستورية من قبل الأحزاب الشيعية وألغي النص الصريح بفصل السلطات عن بعضها لتصبح تلك المحكمة ضمن مربعات الصراع بين السياسيين وتجير قراراتها لصالح طرف بعينه ، بعد ذلك خلت الساحة من الجهة القانونية المؤهلة لتفسير النص الدستوري ومثل ذلك حدث مع باقي الهيئات التي سميت بالمستقلة من مثل النزاهة وهيئة إدارة الانتخابات وعمل بجد من قبل أغلب أطراف من يدير العملية السلطوية على خرق نصوصه أو التلاعب بها وتغيبها، كل هذا وغيره جعل الدستور في نهاية المطاف يخضع لتأويل الساسة ليصبحوا هم مصدرا لسن القوانين دون الحاجة للاحتكام لمواد دستورية سبق وأن اتفقوا عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دستور لابد منه
عدنان عباس ( 2011 / 11 / 11 - 20:52 )
انت تنسى سيدي ان دوله مركزيه قويه هي دكتاتوريه لعينه !!!
وتتفق ارائك مع طرف شيعي يدعو الى ماتدعو اليه وديدنه الوحيد هو انشاء دكتاتوريه تشبه دكتاتورية البعث ولكن بغطاء ديني هذه المره!!!
ان اعظم انجازات تحرير العراق هو هذا الدستور مع مافيه من نواقص ومثالب !!!
دستور تقدم باشواط على كثير من دساتير الدنيا !!!
وانا منجهتي كعراقي اشكر من كل قلبي الحاكم المدني السابق في العراق السيد بريمر وجميع من شارك بصياغة هذا الدستور لبلد حكم طويلا من مافيا قل مثيلها بالاجرام

اخر الافلام

.. مساع للتوصل إلى توافق في قمة سويسرا بشأن أوكرانيا للضغط على


.. قائد قوات الدعم السريع: بذلنا كل ما في وسعنا للتوصل إلى حل س




.. الناخب الأميركي على موعد مع مناظرتين جديدتين بين بايدن وترام


.. خلافات في إسرائيل إثر إعلان الجيش -هدنة تكتيكية- في بعض مناط




.. إذاعة الجيش الإسرائيلي: غالانت لم يعرف مسبقا بالهدنة التكتيك