الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دياجير الزمن

أحمد أوحني

2011 / 11 / 11
الادب والفن


دياجيـر الزمـن

جاء في المعجم العربي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن الزمن هو وقت قصير أو طويل ، وقد يُقصد منه وقت الدنيا كلها . انتهى منطوق المعجم .

الزمن كذلك ذلك الفضاء وذاك الوعاء الذي تتعاقب فيه كل الموجودات . يقال إن له وجهان ، الأول مضيء وهو ما نراه من خلال توالي الأحداث اليومية في حياة الناس ، والثاني مظلم وهو ما يخفيه ، أو بعبارة أصح ، ما يخفيه الناس ويحاولون دائماً نسيانه لما يحمله من سلبيات ويودون كتمانها عن الآخرين . وعندما يطفو الجانب المظلم من الحياة على السطح ، يروحون في التفتيش عن أعذار واهية ليتهموا غيرهم أو يسقطونها على الزمن ويتخلصون منها ولو للحظة ، لتعود إلى الطفو من جديد . وقد يفهم العاقل أن هذين الوجهين لا يعودان للزمن ، ولكن لمن يعيشون فيه . وقد صدق الإمام الشافعي رحمه الله حين قال :
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا *** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ *** وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

للزمن ديجور عند البعض ، وكله دياجير عند البعض الآخر ، يقول المثل الفرنسي : " تتوالى الأيام ولا تتشابه "
Les jours se suivent et ne se ressemblent pas

ولكن ، بالنسبة إلى هؤلاء ، الحياة كلها عبارة عن أيام متشابهة ، بل مجرد يوم واحد ، كله مسرح للمشاق المتوالية عليهم باستمرار ، لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا على الحصير ، وفتحوا أعينهم على شيء اسمه الفقر . وجباتهم الغذائية لا تتعدى الخبز والشاي وبُـن العطار الممزوج بالتوابل . تراهم جذوعاً نخرة لا يفارقهم السقم أبداً ليحرموا من حقوقهم الطبيعية في الحياة من قبيل الاعتبار والاهتمام والتغذية المتوازنة والمتكاملة والتمتع بأبدان سليمة وقوية ، يكاد فقرهم أن يتحول إلى أشياء أخرى . ومع ذلك تراهم يكافحون ويكدون ولا يملون . ذنبهم أيضاً أن لم تتهيأ لهم ظروف وأجواء استكمال دراستهم ، بل الولوج إليها حتى .

في حين ولد غيرهم في مصحات شبيهة بالفنادق الفخمة ، وفتحوا أعينهم على أشياء أسماؤها : البذخ والعناية والمدرسة الخصوصية ومتابعة الدراسة خارج الوطن والعودة إليه محصلين على شهادات دراسية عالية أهلتهم إلى أن يتقلدوا المناصب العليا والسامية . وفئة أخرى أسست شركات وفتحت معامل ومتاجر كبرى ... على هؤلاء تنطبق المقولة الفرنسية ، أيامهم كلها مختلفة ، كل يوم وهم في شأن . يولدون ويشبون ويكبرون ويتزوجون ويتناسلون ، اللهم لا حسد .

سُئل أحد الرجال : " كيف تنظر إلى الزمن ؟ ".
فأجاب :" عبارة عن ليلة ديجوج فيها قبسة ملتهبة ، أراني وسطها ، ويتراءى لي سناء من بعيد . يلزمني من يخرجني مما أنا فيه لأدرك ذلك السناء ".
-----------------------------------
* الديجور : الظلام - الظلمة .
* القبسة : النار المشتعلة .
* السناء : الضياء .
* الديجوج : الحالكة السواد .
أحمـد أوحنـي - مراسل وكاتب صحفي - أفـورار - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار


.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا




.. كل الزوايا - وزارة الثقافة تعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة


.. كل الزوايا- المخرج محمد فاضل: في اهتمام كبير من الدولة بالف




.. كل الزوايا - أ.د محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق: الثقافة