الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسافر: -تجربة عبثية- لاتعبر عن عبث الحياة

محمود عبد الرحيم

2011 / 11 / 12
الادب والفن


فيلم المسافر للمخرج احمد ماهر واحد من الأفلام المثيرة للجدل، ليس فقط لرعاية وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني له دون غيره، ورصد ميزانية إنتاجية ضخمة له تكفي لإنتاج عدة أفلام، ولا التردد غير المبرر في عرضه داخل مصر، والتركيز فحسب على مشاركته في المهرجانات الدولية، وأنما كذلك في الاستقبال غير المرحب به من الجمهور المصري، ورفعه سريعا من دور العرض، ما يعني ببساطة أن صانعه تغاضى عن عنصر المشاهد المحلي في معادلة هذا العمل، والذائقة الفنية التى يمكنها استيعاب هذه التجربة، حتى لو لجأ المخرج إلى كسر المألوف في البناء الدرامي، فالعبرة في التلقي بالاطار الدلالي المشترك بين القائم بالاتصال والمتلقي، حتى يمكن التفاعل، وحتي تصل الرسالة وتحدث آثرها.
لكن يبدو أن خوض ماهر تجربة الفيلم الروائي الطويل الأول بإمكانات ضخمة بعد عدة أفلام قصيرة ناجحة، أغرته بالشطط في التجريب، ومحاولة صنع فيلم كبير يتجاوز قدراته وخبراته الفنية، وربما "هوس العالمية"، وصنع فيلم يمثل مصر في الخارج كان أحد مربكات هذا الفيلم المرتبك على المستوي الفني والفكري والممسوخ الهوية، رغم الإلحاح على استعراض مصر بشوارعها وسواحلها ومعالم حضارتها القديمة والحديثة وحقبات تاريخها المختلفة، لكن بعين سائح أو على نحو أقرب إلى الدعاية السياحية المستفزة، والتى أخذت مساحات على الشاشة بشكل مسرف، تماما مثلما تم الإسراف في شريط الصوت بشكل غير مبرر إلا من زاوية مغازلة جمهور المهرجانات، وإعطائهم فرصة للتعرف على الأغاني المصرية التراثية والحديثة التى يستمر بعضها عدة دقائق على الشاشة، ومقاطع من القرآن والتواشيح الدينية والآذان بشكل متتابع، دون توظيف جيد إلا قليلا، وفي أحيان كثيرة بشكل مبالغ فيه ومزعج للغاية، يقود إلى الملل و بطء الايقاع، والانفصال عن أجواء العمل.
ويبدو إرتباك "هوية الفيلم" مرتكز أساسي في تحليله، وتفسير اغترابه عن الجمهور، فمن الصعب الإمساك بالهوية المصرية في هذا العمل، رغم أن كاتبه ومخرجه مصري، ورغم أنه إنتاج مصري، وتدور أحداثه على أرض مصرية.
فالبطل حسن الذي قام بأداء دوره في الجزئين الأول والثاني خالد النبوي، وفي الجزء الثالث عمر الشريف، ويعد محور الأحداث، من الصعب تلمسه في الواقع في شخصية مصرية، ذلك الشخص الضعيف المتردد الذي يعمل موظفا ببريد بورسعيد، ويقوم بمغامرات تتجاوز طبيعة تركيبته النفسية والبدنية، إذ يركب حسن البحر ليلتقي بفتاة أرمنية لا يعرفها ليمارس معها الجنس بعنف على ظهر مركب يحفل بأجواء العالم المخملي لقصور الطبقة الاستقراطية، منتحلا شخصية حبيبها بالمراسلة فؤاد، الذي سرعان ما يظهر فتترك نورا المخادع العنيف لتتزوج بالآخر، ثم يقوم حسن بإحراق المركب ويختفي.
لنراه في الجزء الثاني، وهو يلتقي بابنة الأرمنية التى يُحتمل كونها ابنته ليساعدها في دفن أخيها، ثم يختار لها عريسا معتوها، بعد أن يمارس معها الجنس، وسط تجاور الفرح والعزاء ذي الطابع الهزلي، ثم اشتعال النيران، وعدم معرفة ما إذا كانت العروس قد غرقت في بحر الاسكندرية أم لا؟.
ثم في الجزء الثالث يظهر في القاهرة وهو يبحث عن الشاب الذي لا نعرف هل هو حفيده أم ابنه؟! ليستعرضا معا حكايات الخال ومغامراته التى أودت بحياته، والتى يسعى حسن أن يقلد أحداها، ومنها مواجهة القطار القادم علي جسر فوق النيل، والقفز للماء قبل أن يدهسه، رغم أنه عجوز تجاوز السبعين ولا تتناسب مثل هذه التجارب مع مرحلته العمرية.
وثمة ارتباك آخر نلمسه على المستوى الأسلوبي، فالمخرج لم يحسم أمره على ما يبدو في اختيار الأسلوب الذي يعالج به فكرته.. هل الواقعية أم الفنتازيا؟، فكانت النتيجة منطقة وسط بين الواقعية غير المقنعة والفنتازيا غير المحكمة، وهذا سبب من أسباب إعاقة التلقي.
ويبدو أنه كان ينتوي استخدام تقنية "الفلاش باك" لإستعراض تاريخ البطل في اللحظة التى كان يواجه فيها الموت غرقا في نهاية الفيلم، ثم تراجع ليجعل الفيلم يأخذ خط التصاعد الدرامي التقليدي من الماضي إلى الحاضر؟ وهو ما لم ينسجم مع طبيعة بنية هذا الفيلم، الذي لو تعامل مع تفاصيل أحداثه كحالة حلم وتخيلات ومكبوتات العقل الباطن، لكنا إزاء عمل متسق ومتماسك، غير مترهل كما في حالته الراهنة التى لا تعدو كونها ثرثرة بصرية تبحث عن اطار دلالي.
وتأتي حالة الارباك أيضا، من الاشارات الزمنية التى على ما يبدو أراد بها المخرج تحميل الفيلم بأبعاد سياسية لا وجود لها في سياق العمل وبنيته، مثل عنونة فصول الفيلم الثلاثة بأزمنة تحمل دلالات تاريخية كبري مثل حرب 1948، ثم حرب أكتوبر 1973، ثم أحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وكأن المخرج يريد متعمدا للجمهور والنقاد أن يُسقطوا أشياء على الفيلم تذهب به أبعد من اطاره، وتدخله منطقة جدلية، في حين أن الفيلم بنيته الرئيسة بسيطة للغاية، لا تتجاوز مغامرة جنسية أتاحتها الصدفة، تشبع الرغبة المحمومة لشاب يبدو محافظا وبلا تجارب، ثم إعادة التجربة مع ابنة الفتاة التى لم يستطع أن يحتفظ بها، كنوع من التعويض، خاصة وأنها تشبه أمها، وتستدعي إليه مذاق التجربة الأولى، إلى أن نراه يغازل الطبيبة الشابة ويتحسر على شبابه الضائع في الجزء الثالث، ونظرة الاشتيهاء بعد إنقاذه من الغرق في المشهد الأخير لثدي المرأة المرضعة.
وهو الأمر الذي لا يستوجب اعطاء تلك التجربة ابعادا فلسفية مبالغ فيها، ودلالات متعددة لا أثر لها، وإن سعى مخرجه أن يضعه في دائرة الجدل المصطنع والتأويلات المتجاوزة لحجمه الفني المتواضع، باصطناع رموز على الهامش كانت عبئا على العمل، وليس ميزة، سواء بالعناوين التاريخية أو بتعدد الأمكنة والأزمنة، أو لقطات للمصلين في الشارع أو مشاهد مفتوحة أو متجاوزة للواقع كمشهد الخيول التى تقفز في المياه أو الحمام الذي يحلق في شقة حسن أو مشهد العروس في الماء، ومشهد حسن وهو يغرق في النيل متأملا، وبجواره جثة طفل رضيع، والحرائق المتعددة.
وحين نعلم بإعادة المونتاج أكثر من مرة وحذف أكثر من ساعة كاملة، وإمكانية حذف أخرى ندرك مدي الارباك في هذا العمل وتواضع مستواه البنائي، مع ضعف اداء الممثلين المفتقدين للاقناع، خاصة خالد النبوي وعمرو واكد وسرين عبد النور ، وعدم تألق سوى عمر الشريف ومحمد شومان.
وإن كنا نلمس جماليات للصورة وحرفية في الاضاءة، فأخشي أن اقول إنها ربما تعود لمدير التصوير الايطالي، أكثر ما تحسب للمخرج المصري الذي كان طموحه الجارف، والاغراءات التى توافرت له، وراء كبوته الفنية وصنع "تجربة عبثية" مليئة بالافتعال والمبالغات، لا تعبر عن عبث الحياة أو اللامعقول فنيا.
*كاتب صحفي وناقد مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعادة الأعتبار للنقد السينمائى
khaled almasry ( 2012 / 9 / 28 - 07:01 )
هــل أن الأوان ليعود النقد السينمائى الى مكانته الرفيعة ؟ أتمنى هذا ,,,,, تحياتى الى الأستاذ محمود عبد الرحيم
خالد المصرى جدا

اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب