الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توضيحات هامة عن الأقلية والأغلبية

مصطفى ملو

2011 / 11 / 12
حقوق الانسان


يطفو إلى السطح موضوع الأقلية والأغلبية,كلما تعلق الأمر بالحديث عن الديمقراطية -والحرية والحقوق أو كلما اقترب موعد الانتخابات,إذ يتناول كل واحد هذا الموضوع من وجهة نظره ورأيه,إلا أن الخاصية الجامعة بين أغلب هذه الآراء والنظريات هو سقوطها في مجموعة من الأخطاء,سواء المتعمدة منها والناجمة عن غياب الحياد الذي ينتج بدوره عن محاولة خدمة مصالح خاصة أو تغليب كفة طرف على طرف ووصف الطرف الموالى له بالأغلبية والطرف المعارض أو الخصم بالأقلية,أو بهدف ترويج خطاب أو إيديولوجية معينة أو في سياق التسابق الانتخابي بصفة عامة,أما الأخطاء غير المتعمدة فتنجم بالأساس عن عدم أخذ الحيطة والحذر عند محاولة مقاربة هذا الموضوع الحساس الشيء الذي ينتج عنه خلط مفاهيمي لدى البعض,وغياب العلمية والموضوعية عند الحديث أو الكتابة في شأن الأقلية والأغلبية.
هذه الأخطاء-على العموم-,هي ما سنحاول توضيحه في هذا المقال,آخذين بعين الاعتبار عنصري الحياد والعلمية,الذي لا يمكن لأية دراسة بهذه الأهمية أن تقوم لها قائمة بدونهما.
سبق أن تناولنا في مقال سابق بعنوان"العلمانية أولا والديمقراطية ثانيا",موضوع الأقلية والأغلبية,وقد أشرنا من خلاله إلى أن الخطأ الشائع عند الكثيرين هو التركيز على الحديث عن صوت الأغلبية وافتخارهم واعتزازهم بالحصول على هذه الأغلبية أو ادعائهم بأنهم يمثلونها,في حين أن المفروض هو البحث وتحليل الأسس والقواعد التي تم بها الحصول على هذه الأغلبية؟فكم من رئيس حصل على نسبة99,99بالمئة من أصوات شعبه أو هكذا يزعم,وكم من حزب احتكر الإعلام واستغل المدارس والمساجد والمؤسسات العمومية والمال العمومي والسلطة وزور النتائج ومنهم من ركب على الدين الذي يمثل الوتر الحساس لدى الكثيرين,فحقق بتلك الطرق الأغلبية المطلقة من أصوات الشعب,فهل فعلا تعتبر تلك الأصوات التي تم الحصول عليها بتلك الطرق الملتوية البعيدة عن الديمقراطية أغلبية؟؟
يتضح إذن أن الذين يقفزون على مرحلة مهمة من الديمقراطية,لينتقلوا مباشرة للحديث عن الأغلبية,إنما هم في واد يعمهون,إذ قبل الحديث عن هذه الأغلبية,يجب التساؤل والتقصي بطرح السؤال,من أين لك هذه الأغلبية؟وكيف حصلت عليها؟
الخطأ الثاني الذي يسقط فيه بعض المتناولين لموضوع الأقلية والأغلبية هو زعمهم أن صوت الأغلبية هو صوت الشعب,وبما أن الديمقراطية تعني صوت الشعب,فإن صوت الأغلبية-بالنسبة لهؤلاء-,لا يملك إلا أن يمثل عين الديمقراطية,وهذا غير صحيح,إذ الصحيح أن صوت الأغلبية لا يعني-مطلقا-صوت الشعب,لأن هذا الأخير يعني صوت كل الشعب بما فيهم من يصفون بالأقلية و لو عدوا على رؤوس الأصابع.
إن الذين يسقطون في هذا الخطأ عن قصد أو عن غير قصد,يجهلون مدى خطورة مواقفهم تلك,فهم لا يدركون تبعات اضطهاد "الأقلية" ولا يدركون مغبة نظرياتهم القائلة بأن "الأقلية",يجب أن تخضع للأغلبية,التي تعني من منظور فهمهم للديمقراطية صوت الشعب,في حين أن الديمقراطية تعني صوت الشعب كل الشعب,وشتان بين صوت الأغلبية وصوت الشعب كما وضحنا سابقا وكما سنوضح لاحقا,فبالرجوع إلى نماذج من دول كانت تعتبر جزءا من شعبها أقلية,نجد أن موقفها ذاك,هو ما أدى إلى تشتتها وخلق لها الكثير من المشاكل,ولا نجد أوضح مثال لذلك من الإتحاد السوفياتي البائد.
إن الأقلية إذا,لا تسمح ولا تعني خلق مواطنين لهم واجبات أقل من واجبات من يشكلون الأغلبية,والعكس صحيح,إذ لا تعني الأغلبية مواطنين لهم واجبات أكبر وأكثر من واجبات "الأقلية",أما الحقوق فيجب أن تكون هي هي,سواء تعلق الأمر بالأقلية أو بالأغلبية,فهذه الأخيرة لا تعني استئثار بعض الناس ممن يشكلون الأغلبية بأغلب وأهم الحقوق والحريات وترك الفتات لمن تعتبرهم أقلية,فالحقوق إما أن تكون أو لا تكون والحق كل لا يتجزأ ولا يقسم,هذا إن أرادت الدولة أن تكون فعلا دولة لجميع مواطنيها,لا دولة طائفة أو مجموعة تسمي نفسها أو يسمونها بالأغلبية.
المهم كذلك في موضوع الأقلية والأغلبية,أن الإحصائيات المؤدلجة لا تقدم صورة واضحة عنهما,فهذه الإحصائيات قد تجعل من الأغلبية أقلية ومن الأقلية أغلبية,وهذا ما ينجم عنه ما نسميه في هذا السياق ب"أغلبية الأقلية"و"أقلية الأغلبية",أو "الأغلبية المغلوبة" و "الأقلية الغالبة",ولا نجد أوضح مثال للاستدلال على ذلك,من الوضع في العالم,حيث نجد أن 20 بالمئة من سكان العالم أو أقل تستحوذ على 80 بالمئة من الخيرات والثروات,في مقابل 80 بالمئة من السكان أو أكثر,لا تتوفر سوى على 20 بالمئة من الثروات أو أقل بكثير.
يقودنا كل ما تقدم إلى خلاصة مهمة,مفادها أن الأقلية العددية لا تعني بالضرورة الأقلية والضعف في الإنتاج والضغط والقدرة على التأثير,بل والهيمنة على الأغلبية نفسها في شتى المجالات والميادين ودوائر صنع القرار,والأغلبية لا تعني بالضرورة القوة والقدرة على التوجيه والسيطرة والتحكم,ولا أدل على ذلك من اليهود الذين لا يتجاوز عددهم12 مليون نسمة,لكنهم مع قلتهم تجدهم يتحكمون في دواليب أهم المؤسسات والمنظمات الدولية,الاقتصادية والسياسية والعلمية,ويشكلون لوبيات قوية للضغط في عدد كبير من الدول,وهنا تبرز أهمية الأقلية المنظمة في مواجهة الأغلبية أو الأغلبيات المبعثرة.
الخطأ الشنيع الذي يسقط فيه بعض المثقفين خاصة من الإسلامويين,أثناء حديثهم عن الديمقراطية وعن الأقلية والأغلبية أو في النقاشات التي تثار كلما اقترب موعد الانتخابات,هو تهليلهم بنتائجها حتى قبل فرزها واستبشارهم بأنها ستمنحهم أغلبية الأصوات,وإعطاء المثال بدول أخرى تمكن فيها الإسلامويون من حصد أغلبية الأصوات,كما حصل مؤخرا في تونس,حيث اعتبر عدد من المنتمين لأحزاب وجماعات وحركات إسلاموية سواء في المغرب أو في مصر أو في عدد آخر من الدول,اعتبروا فوز حزب النهضة التونسي بشير خير على جميع الإسلامويين عبر العالم,واعتبروا أن ذلك مؤشر وبداية لربيع إسلاموي قادم في مجموعة من الدول,وأنها بداية لما يسمونه ديمقراطيات ناشئة وإنصاف من الله ومن الشعب الذي منحهم أغلبية أصواته,لكن الصحيح حتى من الناحية الدينية التي يحاول الإسلامويون الركوب عليها لتحقيق الأغلبية,أن الأغلبية العددية لا تمنح بالضرورة الرأي الصائب لأصحابها,كما لا تعني أن رأيهم هو عين الحق,فقد تكون "الأقلية" على صواب والأغلبية على خطأ,وهنا تضيع الديمقراطية في متاهات لا حصر لها ويحل محلها الاستبداد والطغيان والظلم والتنكيل الذي يصبح حقا مشروعا لأنه يمارس من طرف الأغلبية التي وجب الخضوع والامتثال لها ولو كانت على ضلال بعيد.
ولابد هنا أن نصوغ أمثلة من القرآن الكريم لفائدة الإسلامويين,حتى يتبين لهم أن فهمهم للديمقراطية وللأغلبية فهم خاطيء,وأن لا أساس ديني له,يقول تعالى في سورة الأنعام الآية 116 "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" وقوله في سورة المؤمنون الآية70"وأكثرهم للحق كارهون",وفي سورة يونس الآية36 قوله"وما يتبع أكثرهم إلا ظنا" وفي سورة الأنعام الآية111"ولكن أكثرهم يجهلون" وفي البقرة الآية249 قوله تعالى"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة".يتضح من هذه الأمثلة أن الأغلبية لا تكون دائما على صواب ولا تكون لها الغلبة دائما,وأنها لا تعني القوة والنصيب الأوفر من الإنتاج والإبداع والعلم.
إن ما تقدم يجعلنا نعيد حساب خطواتنا وتأمل أفكارنا عند دراسة موضوع بهذا الإشكال,موضوع يستسهله البعض,فتجدهم يخبطون فيه خبط عشواء,كل حسب إيديولوجيته وكل حسب هواه,دون أن يتوخوا أقصى ما يمكن من العلمية والموضوعية عند تناولهم لهذا الموضوع الحساس,الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بأهم الحقوق والقيم الإنسانية,من الديمقراطية والحرية والكرامة والعدل والمساواة وغيرها من الحقوق التي تمنح للإنسان إنسانيته ولو كان فردا واحدا وسط ملايين يختلفون عنه وهم عنه مختلفون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا