الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الليبرالية كفر؟

رفعت السعيد

2011 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


منذ عدة سنوات وعندما أصدرت كتابى «عمائم ليبرالية» دُعيت إلى حوار تليفزيونى حول موضوع الكتاب، وكان الطرف الآخر فى الحوار شيخ من كبار السلفيين آنذاك، وقبل الحوار كان الشيخ المبتسم دوماً يتحدث عن حوار هادئ وبلا مشاكل وتواعدنا على ذلك، وإذ بدأ الحوار كان «الشيخ» منطلقاً بجمل منسقة منمقة متسارعة، لكنها لا تقول شيئاً، وقدر ما استطعت حاولت استدراجه لمناقشة الموضوع، لكنه تكلم وتكلم منطلقاً وتدافعت منه الكلمات دون أن يقول شيئاً. وإذ انتهى الحوار وأُطفئت الكاميرات قال الشيخ: «من فضلك ابعت لى الكتاب علشان أقراه»، فسألته بدهشة كيف لم تقرأ وتحدثت؟ فقال «قلنا نفوت الحلقة على خير، وأنا أصلاً لا أقرأ عن الليبرالية لأننى أعتبرها كفراً بواحاً»، وحملت دهشتى معى وأنا نادم أصلاً على مشاركتى فى حوار كهذا.

ثم ومع تجدد الأحزان باندفاع قوى التأسلم السياسى إلى الساحة الحزبية وتكاثر القوى والتجمعات والأحزاب السلفية اندفع الهجوم هادراً على «الليبرالية» ذلك أنها إطلاق لحرية الرأى وإعمال للعقل دون قيد إلا العقل ذاته وهذا بذاته كفر، وترددت الدعايات الانتخابية فى كل المساجد والزوايا، وهى تتاجر متاجرة سافرة بالدين (رغم أن ذلك ممنوع دستورياً وقانونياً)، وتحشر فى كل خطاب هجوماً شرساً على «الليبرالية» الكافرة كما يزعمون، وعلى الدعوة لرفض الاكتفاء بالنقل عن الكتب التراثية دون إعمال للعقل، والتوقف لانتقاء ما هو معقول، ورفض ما لا يقبله العقل، ولأن هذا الهجوم المتأسلم مخطط له بإتقان، إذ يستهدف استدراجنا إلى ساحة انتخابية نجادل فيها ضد خصوم الليبرالية وخصوم الديمقراطية التى كفروها هى أيضاً وكفروا القائلين بها وكفروا التصويت لمن هو ليبرالى وديمقراطى، فننسى حديثنا عن مصر المستقبل التى تقوم على أساس دولة المواطنة التى تحترم مواطنيها على قدم المساواة وتحقيق العدل لهم وبينهم، مسلمين وأقباطاً ورجالاً ونساءً وفقراء وأغنياء دون أى تمييز، وننسى أن نكشف الستار عما ارتكبوه فى الماضى وفى الحاضر وعن مدى ابتعاد ما يقولون به عن صحيح الإسلام.

ولهذا نبادر من الآن بالرد عليهم، لكى نتفرغ لإدارة الانتخابات وفق ما نريد نحن وليس ما يريدون هم.

لكن ما المعنى اللغوى لكلمة ليبرالية؟

أبانا الشيخ رفاعة الطهطاوى توقف أمام الكلمة الأعجمية Libre فترجمها «حر» واشتق منها «حرية».

وفى قاموس أكسفورد: ليبرالى تعنى متفتح الذهن – عقلانى – غير متعصب – منحاز للديمقراطية – يرفض المسلك البربرى.

وفى المعجم الفلسفى (د. مراد وهبة): الليبرالية تقول إن الحرية هى أساس التقدم، فتعارض السلطة المطلقة سواء أكانت دنيوية أم دينية.

والليبرالية فى اعتقادنا يمكنها أن تكون مجرد صفة يتزين بها البعض دون موقف عملى، لكن ما نعنيه بالليبرالية هو الاختيار الفعلى والعملى والفكرى للدفاع عن الحرية، وعن العقل والتقدم، واحترام حقوق ومصالح ومستقبل البشر جميعاً على قدم المساواة.

ورغم المماحكات المتأسلمة التى تتوقف فقط عند بعض التفسيرات والحكايات والأقوال المرسلة التى لا تستند إلى عقل أو حسن إدراك، فإننا نستند إلى العديد من الآيات القرآنية التى تحثنا على «التفكر» و«إعمال العقل» باعتباره منحه إلهية، وإلى الحديث الشريف «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من السنين من يجدد لها أمر دينها» (رواه أبوهريرة)، وإلى قول الإمام على «لا تكلفوا أولادكم أن يعيشوا بعقول كعقولكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم». إعمال العقل والتفكير إذن فريضة، والتجديد من أجل التلاؤم مع الواقع المتجدد دوماً هو أيضاً فريضة، فالدين الذى هو هداية للبشر على امتداد العصور والأزمنة وعلى اتساع العالم بأسره يتجدد ويجرى التأويل والاستحسان على أقوال فقهائه بحيث يصل بنا الإمام نجم الدين الطوسى مؤكداً «حيث تتحقق مصلحة الناس يكون شرع الله».

والإسلام يعترف بالتجديد ومن ثم إعمال العقل، وإطلاق سراحه بحيث يكون بذاته معياراً للبحث عن الحقيقة، ويكون قادراً على رفض النقل عما لا يعقله العقل وعما لا يتماشى مع تنوع الأوضاع زماناً ومكاناً.. ونقرأ:

«يحمل هذا العلم من كل خلف عدول، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (حديث شريف).

«إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك أنت. فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا» (من وصية الرسول إلى بريده).

«والله لا أقاتل حتى تأتونى بسيف له عينان وشفتان فيقول هذا مؤمن وهذا كافر» (سعد بن أبى وقاص. عندما دعى للمشاركة فى الحرب بين على ومعاوية).

«رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب» (الإمام الشافعى).

«رأينا هذا هو أفضل ما قدرنا عليه. فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه» (الإمام أبوحنيفة).

«كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر» (الإمام مالك، مشيراً إلى قبر الرسول).

«من أفتى الناس بمجرد النقل من الكتب متجاهلاً اختلاف الناس فى أعرافهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم فقد ضلّ وأضلّ، وكانت جنايته على الدين». (الإمام ابن القيم).

«ينبغى للمفتى إذا ورد عليه مستفتٍ ألا يفتيه بما عادته أن يفتى به، حتى يسأله عن بلده وهل حدث لهم عرف فى ذلك أم لا» (الإمام القرافى).

ينبغى للإنسان ألاَّ يذل فكره لشىء سوى الحق، ويجب عليه أن يستعمل عقله فيما يرد عن السابقين، فإن وجده صحيحاً أخذه، وإن وجده فاسداً تركه» (الإمام محمد عبده).

والآن فإننا نستند إلى الحق والواجب فى استخدام العقل وعدم النقل عن القدماء عشوائياً، وإنما بعد اختيار ما هو عاقل ومعقول، ومن ثم تأتى الحرية فى الاختيار والحرية فى الاختلاف، لكن البعض يتحصن بتأسلمه فيعتبر الاختلاف معه شخصياً اختلافاً مع الدين ذاته. هكذا هم دوماً وهكذا تعلمت جماعة الإخوان من مؤسسها عندما قال عن برنامج الجماعة «هذا المنهاج كله من الإسلام، وكل نقص معه نقص من الإسلام ذاته»، وأمام عبارة كهذه لا خيار. فكله من الإسلام تمنعك من أى انتقاد، فإن انتقدت مستمتعاً بحقك فى حرية «الرأى» وحرية «الفكر» وإعمال العقل فأنت «ليبرالى» كافر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللعب في ساحة الإخوان
عبد القادرأنيس ( 2011 / 11 / 12 - 08:16 )
الإسلاميون في حاجة إلى عكازة يتكئون عليها ويصورونها للناس عدوا لله ولهم. بالأمس كان العدو هو الشيوعية وأحزابها ومفكريها وبعد أن ضعفت ولم تعد مهوى الأفئدة ولا هي تشكل ندا لهم يصلح ليكون عدوا بحثوا عن أقوى فكر يمكن أن يشكل ندا لهم في المستقبل فوجدوه في اللبرالية والعلمانية. هذا الحال يبدو أكثر في بلدان الخليج.
دفاع الكاتب عن اللبرالية بشواهد من التراث الديني يزيد في البلبلة فقط لأن الإسلاميين يجدون بسهولة في هذا التراث نفسه ما يكفر اللبرالية أضعافا مضاعفة وهم أقدر على ذلك، ومن الأفضل عدم اللعب في ساحتهم بوجه مكشوف لأن شعوبنا مازالت تنخدع بخطابهم التكفيري. ويجب جرهم إلى ساحة حقوق الإنسان والحريات التي لا طاقة لهم ولا باع فيها والتي يبدو أن الأجيال الجديدة حساسة تجاهها، وتاريخهم ملطخ فيها كما أبرز الكاتب ذلك باقتدار.
تحياتي


2 - الصديق عبد القادر تعليق-1
جاسم الزيرجاوي- مهندس أستشاري ( 2011 / 11 / 12 - 13:38 )
الصديق عبد القادر تعليق-1
الاستاذ رفعت سوف لن يرد علينا
نعم
دفاع الكاتب عن اللبرالية بشواهد من التراث الديني يزيد في البلبلة....
لا بل والاكثر من هذا
اذا كان خطاب discourse اليسار المصري مثل مقالة الاستاذ رفعت
قلنقرأ جميعا سورة الفاتحة على مصر
تحياتي


3 - تعقيب .
أحمد عليان. ( 2011 / 11 / 12 - 18:14 )
احييك الأخ رفعت السعيد..و أوافقك في كشف عيوب الخطاب الشعبوي الذي يتهرب من مواجهة الواقع الانساني كما هو ظاهر للعيان..مواجهة عقلانية موضوعية ..و كأني بهذا التهرب هو التعبير عن الافلاس الفكري الذي تستفيد منه جهات تمول و تدعم عمليات التجهيل و التعمية مستغلة عفوية و سذاجة العامة التي تنساق بسهولة لمن يعفيها من البحث و النقد و المطالبة بالحقوق ..على أساس المتكلم باسم الدين كمالك للحقيقة الضامنة للمصلحة العامة..و الواقع يقول غيرهذا..ولذلك هم يتهربون من ملامسة الواقع و مساءلات العقل.
دمت بخير


4 - أحسنت أستاذنا الكبير
حسين علوان حسين ( 2011 / 11 / 12 - 18:27 )
ينبغي لي أن أشد على يديك لأستخدامك الصحيح لنفس المرجعيات التي يتعكز عليها الدينجية في هجومهم على كل ماهو شريف و تقدمي . هؤلاء لا يفهمون من مباديء الدين الحنيف سوى ما يمكن أن يصبح مكسبا يضعون في جيوبهم . الفكر الديني عندهم تجارة ، فما يصلح منه لملء الجيوب أخذوه ، و ما لم يصلح طرحوه . و هم يعتاشون على الجهل و أنصاف الحقائق ، و لذلك لا تجد بينهم من هو بغزارة علم و تفهم الشيخ الطهطاوي و لا مفتي الديار المصرية الأمام محمد عبده و لا الشيخ شلتوت رحمهم الله جميعا و أسكنهم فسيح جنانه , و لا منهم من يقبل بفتاوى هؤلاء ، لماذا ؟
لأن دين هؤلاء الشيوخ الأفذاذ و دين من أستشهدت بهم من الصحابة الكبار و العلماء الأجلاء هو غير دين من يقبل لنفسه المتاجرة بالدين لتحقيق مغانم سياسية . متى كان الدين شغل بولتيكة ؟
و عليه ، حسناً فعلتم بتعرية أنتهازيتهم و جهلهم بمباديء دينهم ، و حبذا لو حولتم نفس الأقوال التي أستشهدتم بها ألى لافتات في الشوارع ليقرأها من يريدون استغلال جهله لتحقيق مصالحهم الأنانية .
وفقكم الله أخي العزيز و تفضلوا بقبول وافر التقدير و الأعتزاز .


5 - نحن والجهله
عباس حسن محمد علي ( 2012 / 3 / 25 - 07:48 )
لقد ابتلت الشعوب العربيه والمسلمه بمثل هؤلاء الذين شوهوا الدين بما يصدر عنهم من فتاوي ومن خلال تصرفاتهم اللا انسانبه متناسين عن عمد ان الاديان السماويه هي رسائل محبه وتسامح ان استشهاد الاستاذ باحاديث كبار الصحابه والعلماء الاجلاء يكفي للرد عليهم ولكنهم لايسمعون ولا يقرؤن ولا يفقهون شيئا ينعمون بما قدمه العلم من وسائل لخدمةالبشريه يعيشون مثل الخفافيش في سواد الليل ويخافون ضياء الشمس
و متى ما حاورتهم يفقدون اعصابهم ولا تسمع منهم سوى كلمات اكل وشرب الدهر منهما وتصبح كافرا يحل عليك القصاص لهذا اعتقد يقينا انهم الى الزوال ولكن بعد ان ندفع
الضريبه من اعصابنا ومن دمائنا

اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو