الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن العبث السياسي

حسام هاب

2011 / 11 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرف العالم العربي خلال هذه السنة موجة من الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة السياسية العربية الفاسدة ، فهذا الربيع الديمقراطي الزاحف على المنطقة العربية ، خلق حراكا سياسيا و اجتماعيا شبابيا أدى إلى انهيار أنظمة عربية كانت إلى حد قريب قلاعا منيعة للاستبداد السياسي ، و نموذجا واضحا لفساد النخب السياسية التي آثرت الاستفراد بالحكم طيلة عقود طويلة بعيدا عن الممارسة الديمقراطية و تقعيدها كثقافة سياسية متجذرة داخل المجتمع ، تقوم على حكم الشعب و فتح المجال أمام نخب سياسية جديدة للتداول على السلطة و المسؤوليات و تسيير الشأن العام السياسي . لم يكن المغرب بعيدا عن موجة الربيع العربي الذي تحول إلى ثقافة سياسية متنقلة بين الأقطار العربية تحمل مطلبا واحدا هو " دمقرطة الدولة و المجتمع " ، و لم يشكل استثناء عربيا كما روج لذلك النظام المغربي ، بل عرف هو أيضا حراكا سياسيا و اجتماعيا كانت شروطه الذاتية و الموضوعية ناضجة و قادته حركة 20 فبراير الشبابية التي حملت في أرضيتها المطلبية 20 مطلبا أفقها السياسي هو الملكية البرلمانية .
كان الإصلاح الدستوري و هو المطلب الملح و المستعجل لحركة 20 فبراير ، مدخلا أساسيا لإعادة بناء عقد سياسي و اجتماعي جديد بين الملكية المغربية و المجتمع ، و بداية حقيقية لإصلاح الحقل السياسي المغربي المتأزم سياسيا و التابع لأجندة الدولة ، و الفاقد لأي ارتباط عضوي بالمجتمع و هموم المواطن ، و كان رد فعل الدولة سريعا على المطلب الدستوري للحركة و هو ما عبر عنه خطاب 9 مارس الذي حدد المرتكزات الأساسية للإصلاح الدستوري ، و استفتاء 1 يوليوز ، و على الرغم من كون الدستور الجديد لا يؤسس لملكية برلمانية قائمة على فصل حقيقي للسلطات ، فيمكن اعتباره بداية لمرحلة سياسية جديدة دخلها المغرب قائمة على ضرورة تنزيل الدستور و تطبيق نصوصه و مضامينه على أرض الواقع، من أجل محاربة كل مظاهر الفساد السياسي و الإداري و المالي التي أضحت مرضا بنيويا ينخر واقعنا السياسي المريض . اعتبر تنظيم الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011 ، نتيجة لطبيعة المرحلة السياسية الجديدة التي دخلها المغرب تزامنا مع إقرار الدستور الجديد ، و كان يبدو للمتتبعين للشأن السياسي بالمغرب أن الحراك السياسي الذي شهده العالم العربي سيكون له تأثير إيجابي على مستوى تعامل الدولة و الأحزاب مع طبيعة التغييرات السياسية المتلاحقة و خاصة مسألة الانتخابات التشريعية و الإعداد لها ، لكن للأسف فالمؤشرات التي أعطتها الدولة و الأحزاب أثبتت أن نعيش عبثا في زمن الرداءة السياسية في بلادنا .
فالدولة لم تعط أي إشارة حول حيادها في التعامل مع الانتخابات حيث أن حزب الدولة السري - وزارة الداخلية - مازال يتحكم في طبيعة التقطيع الانتخابي و يتفاوض مع الأحزاب السياسية في حين أنه بعد إقرار الدستور الجديد يطرح السؤال حول دور الحكومة و رئيسها المحترم في عملية الإعداد للانتخابات ، و الأكثر من هذا يبدو من خلال تتبع خيوط تشكيل بعض التحالفات الحزبية الهجينة الأخيرة بروز دور و تدخل غير مباشر للدولة في تشكيلها رغبة منها في التحكم في الخريطة السياسية المغربية . فالتحالف الجديد الذي أسسته 8 أحزاب لا يوجد بينها أدنى توافق سياسي و لا إيديولوجي ، إلا كون بعضها هو أحزاب إدارية يمينية خلقتها الدولة في وقت من الأوقات لمحاربة أحزاب الصف الديمقراطي ، و بعض الأحزاب اليسارية التي فقدت بوصلة انتمائها لمنظومة اليسار، هو محاولة لإعادة رجوع الوافد الجديد حزب الأصالة و المعاصرة إلى الساحة السياسية تحت غطاء هذا التحالف بعض الضربات التي تعرض لها مع الحراك الشبابي الذي خلقته حركة 20 فبراير .
إذا كانت الدولة قد تعاملت مع منطق الانتخابات بمنطق التحكم في خيوطها و تشكيل ملامحها ، فإن أحزابنا السياسية للأسف لم تستوعب أن العالم العربي يتحول و يتغير ، و لم تجسد التغيير استجابة لمطلب الشارع المغربي بضرورة إحداث قطيعة حقيقية مع المرحلة السابقة التي تسببت في استشراء الفساد في مشهدنا السياسي ، فطريقة تدبير الأحزاب للتزكيات الحزبية في الدوائر المحلية و اللوائح الوطنية عرفت عودة نفس الوجوه الفاسدة التي طالب الشباب المغربي برحيلها من المشهد الحزبي و المؤسسات المنتخبة لأنها تشكل لوبيات للفساد و استغلال النفوذ و السلطة ، في حين أن الأحزاب كان بإمكانها بعث رسائل واضحة للمجتمع على أنها فهمت التحولات المتسارعة التي يعرفها مجتمعنا من خلال اختيار الوجوه الشابة للنزول إلى الميدان الانتخابي و الاحتكاك بالمواطنين ، لكن للأسف فأحزابنا تعيد نفس أخطاءها القاتلة و تكرس الوجوه القديمة . بدون شك فإن تكريس الدولة لمنطق الريع السياسي داخل الأحزاب و تحكم منظومة الشيخ و المريد داخلها ، هو الذي سيعيد نفس الوجوه القديمة إلى مؤسسة البرلمان و سينتج الوضع السياسي السابق و سيجهض أي أمل في إفراز تحول ديمقراطي حقيقي ببلادنا ، و سيكرس خطاب المقاطعة الانتخابية كرد فعل شعبي على واقع سياسي سوريالي .
إننا فعلا نعيش زمن العبث السياسي فكيف سنتخيل مؤسسة تشريعية حقيقية بوجوه انتخابية غير قادرة على التشريع و ضمان الدفاع عن التأويل الديمقراطي للدستور ؟ و كيف نريد ممارسة سياسية سليمة في ظل مشهد سياسي متأزم ما بين أحزاب مغربية تتحول في الانتخابات إلى دكاكين انتخابية همها الأساسي هو استقطاب الأعيان و أصحاب الشكارة ، و دولة مازال تتعامل مع الانتخابات بمنطق التحكم فيها و تكريس ثقافة الريع السياسي و هندسة الخريطة السياسية و التحالفات الحزبية ؟ ورغم أننا في زمن العبث السياسي و قد أكون جد متشائم في رؤيتي للمستقبل السياسي لبلادنا ، فكلي أمل في مغرب طموح يسع لجميع أبناءه ، و مؤسس لمشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي ينعم فيه المغاربة بالحرية و الكرامة و تكافؤ الفرص تحت عباءة دولة الحق و القانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف