الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول رواية عن ثورة 17 فبراير الليبية: “عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا” – الفصل الثالث

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2011 / 11 / 12
الادب والفن



صب العقيد كوب شاي للعراف المقرفص على الحصير قبالته تحت الخيمة خارج بهرجة القصر ونسائه وغلمانه وخدمه وقال:
- الأبناء مفخرة الآباء في تجمعاتهم حيث يعدون أبناءهم كما يعدون ممتلكاتهم وهم أيضا منشطو الذاكرة حيث يسترجع الآباء في خلوتهم ماضي الطفولة والشباب. ثم إن كثرة الأبناء عربون حماية من أعداء الغد وتأمين حقيقي ومتين ضد مفاجآت المستقبل. أليس كذلك، أيها العراف الخبير بالفراسة وقراءة الطالع؟
- كلامك صحيح، أيها الأخ القائد. المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
- قل لي، إذن. هل أنت مستعد لقراءة مستقبل أبنائي؟
- نعم، أيها الأخ القائد. نادِ على الأطفال!

دخلت كوكبة من الأطفال الغرفة وقرفصت على الحصير فخاطبهم قارئ الكف:
- هيا، يا أطفالي. مدوا لي أكفكم ما دمتم صغارا وغير قادرين على فهم قراءاتي!
- وماذا لو عرفوا بالأمر؟
- سيقتلونني، أيها الأخ القائد.
- ولماذا سيقتلونك وأنت تقرأ لهم طالعهم وتفتح عيونهم على ما غاب على الناس جميعا؟
- إن حكمة الغيب هي أن يعيش المرء حياته غير آبه بما ينتظره. أما أن يتحدى المرء القاعدة ويمر عبر الباب الأخرى لمعرفة قدره، فسبيل غير آمن لأن ما ينتظر المرء ليس بالضرورة مُرْضٍ ومفرح ومريح لمن يتوق لمعرفته أو سماعه أو رؤيته.
- هذا غير مهم، الآن. خُذْ كفّ الطفل الأول وهات قراءتك!

أخذ العراف يد الطفل الأول وقلب كفها إلى أعلى وقارنها بالكف اليسرى ثم عاد ليدقق النظر في خطوطها وأشكالها وطول وقصر أصابعها قبل أن يجهر بقراءته:
- هذا الطفل، باستثناء الاندفاع الذي يبقى كخاصية تصل بين شخصيتيكما، لن يشبهك في شيء. فلا علاقة له لا بالسلاح ولا بالجدال ولا بالسياسة ولا بأي شيء مما كبرت على حُبه، أيها القائد. إنه لاعب كرة قدم. ومهمتك هي أن تنتبه إلى الخزينة العامة للبلاد حين يدخلها. فهو لاعب فاشل ولكنه لن يتخلى عن هوايته ولو بشراء مكانه في كبريات الأندية العالمية من بيت مال المسلمين...

ترك العراف يد الطفل أمام ذهول الأب العقيد الذي بدأ ينظر لابنه نظرة مختلفة عن نظرة زينة الحياة الدنيا ولم ينتبه لنفسه إلا بعدما شرع العراف يقرأ كفّ الطفلة الموالية:
- لو لم تكن بنتا، لقلت بأنها أنت بلحمك ودمك. هذه الطفلة عاشقة للجدال والنقاش وستقضي غدها بليله ونهاره في ساحة الهايد بارك بعاصمة الضباب تخطب في الناس وتروج ل"الكتاب الأخضر" وتبشر ب "سلطة الشعب"...

أخيرا، عادت البسمة إلى محيا الأب العقيد الذي بدأ هذه المرة يختار الأكف ليقدمها للعراف:
- هذا سيشوه صورتك، أيها الأخ الثائر. إنه سكير، فاحش، داعر، مقامر... هل يمكن أن يكون هذا الولد من صلبك، أيها القائد؟!

تملك الحرج القائد فنظر يمنة ويسرة خوفا من تطاول الآذان على أحاديثهما وعلى أسرار أبنائه ثم جر كفَّ طفل آخر وقدمه للعراف الذي لم يتأخر في تفكيك طلاسم الخطوط والأشكال:
- هذا بهلوان ماهر، أيها القائد. إنه يجيد اللعب على حبلين. سيكون ساعدك الأيمن من خلال مخالفتك في السلم وتأييدك في الحرب لضمان التوازن لصالحك لكنه، خارج السيرك السياسي، مسرف للغاية وكسول جدا ولن يحصل على شهاداته الجامعية إلا بالرشاوي في شكل هدايا مالية ثقيلة...

مد القائد يدي طفلين دفعة واحدة للعراف مغمغما في توتر:
- وماذا تقرأ هنا في هذين الكفين؟

تأملهما العراف وقال بصوته الجهوري الذي بدأ يثير حفيظة العقيد:
- القتل والتنكيل وشرب دم الخصوم هي سمة هذين الطفلين معا. وبدل أن يتنافسا على تربية الحيوانات الأليفة من قطط وكلاب وحمام ودجاج ويسمونها بأسماء الآخرين، سينصب اهتمامهما على تربية الكتائب لترهيب الشعب وترويعه وسيسمونها بأسمائهما: كتيبة خميس، كتيبة المعتصم...

همهم العقيد بصوت مسموع:
- أتراني أراهن على مثل هؤلاء ممن أعد لقيادة البلاد وخلافتي عليها؟ مجرد لاعبين فاشلين في السيرك وكرة القدم وسكارى وقتلة وحكواتيين؟ أين الأسرة-النظام السياسي التي شغلت فكري ووجداني؟

وبشكل مباغث، مدّ العقيد كفه للعراف، قائلا:
- وهنا، هل يمكنك قراءة أي شيء؟

أبطلت المفاجأة لسان العراف الذي لم يتوقع يوما أن يقرأ قدر حاكم عربي جلس على كرسي الحكم لسنوات تناهز سنوات عمره. عقدت المفاجأة لسانه ولم يفكها إلا إصرار العقيد على سماع قراءة كفه:
- أرى أشخاصا في لباس قياصرة الرومان القدامى برغوة الغضب تتطاير من أشداقهم إلى الهواء في شكل بالونات صغيرة ملونة وهم يجرون وراءك للإمساك بك صائحين...

تغير صوت العقيد وشحب لونه وكاد يسقط في جلسته:
- أيقولون: "جايين لك، يا معمر! جايين لك!"؟...
- نعم، أيها القائد. هل تسمعهم؟
- مرارا!...
- وأين سمعتهم، أيها الأخ القائد؟ هم يجرون ويرغدون ويزبدون على صفحة كفك؟ هل أنت أيضا قارئ كف؟!

لم يجب العقيد لأنه لم يسمع السؤال فقد كان غارقا في عوالمه الداخلية:
"لا مستقبل لي ولا لأبنائي، إذن!
لا مستقبل لي لأن لي عدوا!
وعدوي من دمي ولحمي!
عدوي هو شعبي وعليَّ الاستعداد له!
عليَّ أن أعدَّ له ما استطعت من قوة!"

خارج عالمه الداخلي، كان المواطنون يتساءلون:
- "لمن يكدس الزعيم كل هذا السلاح وضد من؟"

وقبل مرور السلاح أمام أعين المواطنين إلى الثكنات، كان تجار السلاح أنفسهم قد تساءلوا عن الجهة التي يسميها العقيد أعداء ويتسلح ليستقوي عليها ويتأهب لمعركة لا بد واقعة معها. افترضوا أنها إسرائيل، فهدده تجار السلاح بوقف إمداده بالسلاح لكنه طمأنهم وقدم لهم ضمانات بعدم متابعته للشأن الإسرائيلي فارتاحوا. لكنهم عادوا وافترضوا بأنه يتسلح لكي يمول حركات التحرير في العالم بالعتاد والسلاح، فقدم لهم الضمانات بأن الطغيان ليس عدوه وبأنه لم يقرأ الشعر يوما حتى يكون الطاغية عدوه. وما كان تجار السلاح يزفرون قلقهم حتى داهم مسامعهم صدى صواريخهم يقصف بها القذافي شعبه، عدوه الذي لم يخطر لهم على بال.

- من أين جاءنا نيرون هذا؟
- من "نقابة الرؤساء العرب" حيث يتخرج مجانين الحكم!
- جنون العظمة هو مرضهم جميعا. كلهم يهرولون لتثبيت سلطتهم في الداخل من خلال تثبيت شعبيتهم في الخارج!
- هذا يدعم المتمردين حيثما كانوا في العالم ليتقوي بهم حين يتمرد عليه أهاليه في الداخل!...
- وذاك يبنى بمال الشعب أعلى بناية في العالم ويسميها باسمه كي يدخل وإياها كتاب غينيس للأرقام القياسية!...
- وذلك يحرص على راحة السياح الأجانب حتى يروجوا له في بلدانهم ويساهموا في التخفيف من ضغط حكومات بلدانهم عليه!...
- ورابع يروج لنفسه كمصمم للمدفع العملاق الذي سيدافع عن البلاد من الأعداء ولو كانوا قادمين من كوكب بلوتو!...
- وخامس دخل مغامرات بناء ناطحات السحاب والأبراج والمسَلات حتى ينتبه الأحياء إلى وجوده ووجود شعبه الذي لا يتعدى مجموع سكانه أصابع اليد الواحدة!...

ترعرع القذافي بين أحضان مجتمع عربي ثقافته هي "جنون العظمة". هذا فهمه في حينه وسبح في تياره. ولكنه حين بدأ جيله في التساقط قطعة قطعة، لم يفهم شيئا وحاول السباحة ضد التيار فتوقف العالم على جانب النهر للضحك على محاولاته اليائسة للنجاة دون طوق والتسلي بحركاته البهلوانية...



اضغط هنا لتحميل الرواية كاملة: http://raihani.free.fr/ebooks/the_enemy_of_the_sun.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-