الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين نحن من الديمقراطية؟

شيرين الضاني

2011 / 11 / 12
القضية الفلسطينية


لعل العديد منا يتساءل عن إمكانية وصف مجتمعنا الفلسطيني بالمجتمع الديمقراطي أم ‏لا، خاصة بعد إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة 2006م، والتي شهد العالم كله بنزاهة نتائجها ‏وخلوها من أي تزوير.‏
إن الإجابة على ذلك التساؤل يتوقف على عدة أمور أهمها معرفة مدى توفر الركائز والمبادئ الأساسية لقيام ‏نظام ديمقراطي في أي مجتمع، ومدى وعي أفراد ذلك المجتمع بأهمية عملية التحول ‏الديمقراطي.‏
يمكن القول هنا أن النظام الديمقراطي في أي مجتمع يسهم أكثر من غيره في مرحلة ‏تشكيل الوعي لدى أفراده، فالمجتمع الديمقراطي بطبيعته مجتمع مفتوح يسمح بتداول الأفكار ‏والمعلومات؛ إذ يستطيع الفرد فيه ان يعبر عن رأيه ويتبادل الأفكار مع غيره، الأمر الذي يساعد ‏على تشكيل الوعي العام إزاء قضايا معينة. وتمثل الديمقراطية ضماناً للأفراد للمطالبة بحقوقهم ‏وهذا هو ما يميزها عن غيرها من نظم الحكم الأخرى حيث يُحرم الفرد أصلا من المطالبة ‏بحقوقه. ولكن من أجل أن يطالب الفرد بحقه في النظام الديمقراطي فإنه ينبغي أن تكون هناك ‏حركة سياسية تدافع عن هذه الحقوق وتطالب بها، ذلك أن النظام الديمقراطي يقوم في عمله ‏أساسا على دور المؤسسات السياسية التي لا تستجيب بدورها للمطالب الفردية وإنما للمطالب ‏الجماعية التي تتبلور في صورة رأي عام أو حركات اجتماعية تشكل ضغطاً على صانع القرار. ‏
ان الديمقراطية ليست مجرد أسلوب في ممارسة الحكم والعمل السياسي فحسب، فهناك أيضاً ‏أساليب التعامل ونوعية العلاقات في المؤسسات الاجتماعية كالعائلة والدين والعمل والتربية ‏والمنظمات والأحزاب والنقابات والجمعيات التي ينتمي إليها أفراد المجتمع طوعياً، وليست ‏الديمقراطية ذات بعد واحد من حيث أسسها ومقوماتها الرئيسية فهي لا تعني بمفاهيم الحرية ‏المتنوعة بدورها فحسب، بل تشمل أيضاً مفاهيم العدالة والمساواة والدوافع والحاجات والغايات ‏الإنسانية والحريات والحقوق الشخصية، وأدوار الأفراد والجماعات في الحياة العامة والانتخابات ‏والتمثيل واحترام الإنسان والمشاركة والإجماع والتعدد وحكم القانون ومصادره وغير ذلك. بل ‏هناك هذا التنوع الهائل في مفاهيم علاقات الأفراد والجماعات والطبقات بالسلطة والدولة ‏والحاكم.‏
فهذه هي القواعد الأساسية المفترض انتشارها وتعميمها وترسيخها بين أوسع مجموعة من ‏أبناء الشعب ليكون بالإمكان استخراج واستمرار النظام السياسي القائم على ديمقراطية الحكم. ‏فالديمقراطية، إذاً، علاقة جدلية بين عناصر وعوامل متعددة تؤثر في بعضها البعض لتنتج ‏نظاماً مجتمعياً يقوم على نسبية الحقيقة والتسامح وتقدير الفردية، ويؤدي إلى إيجاد واستمرارية ‏إسناد نظام سياسي يقوم على سيادة القانون وفصل السلطات وتداول السلطة وصيانة الحقوق ‏والحريات العامة والفردية، مما يؤثر على بلورة الوعي السياسي العام في المجتمع.‏
ويؤكد على ذلك‎ ‎‏(روبرت‎ ‎دال) الذي يرى أن‎ ‎ضمان‎ ‎نجاح‎ ‎عملية‎ ‎التحول‎ ‎إلى‎ ‎الديمقراطية‎ ‎كقاعدة‎ ‎لممارسة‎ ‎السلطة السياسية‎ ‎يرتبط‎ ‎بإقرار‎ ‎ثلاثة‎ ‎مبادئ‎ ‎هي:‏
‎- ‎مبدأ‎ ‎الحرية‎ ‎التنظيمية‎ ‎والفكرية، كمقوم‎ ‎أساسي‎ ‎للحياة‎ ‎الاجتماعية‎ ‎والسياسية‎ ‎بما‎ ‎يتبعها‎ ‎من‎ ‎حق‎ ‎التنظم‎ ‎الحزبي‎ ‎والنقابي‎ ‎والأهلي‎ ‎والتعبير‎ ‎عن‎ ‎الرأي.‏
‏- مبدأ‏‎ ‎التداول‎ ‎السلمي‎ ‎للسلطة،‎ ‎بحسب‎ ‎قواعد‎ ‎إجرائية‎ ‎معروفة‎ ‎سلفاً‎.‎
‎- ‎‏ مبدأ‏‎ ‎المساواة‎ ‎الذي‎ ‎تجسده‎ ‎دولة‎ ‎القانون‎ – ‎تكافؤ‎ ‎الفرص‎.‎
ويؤكد الدكتور سمير أمين، أن الديمقراطية تحتاج لكي تكون صحيحة مجموعة من وسائل ‏التنفيذ (مثل الاعتماد على الانتخاب، وحرية تكوين الأحزاب، وحرية الصحافة، واحترام استقلال ‏السلطة... الخ) لتسمح لأفراد المجتمع بممارستها.‏
وتعتبر ثقافة الفردية والتسامح والعقلانية، وحرية العقل وخصوصية القرار الديني، وافتراض ‏قيام المجتمع على التعاقد وقبول التعددية في المجتمع السياسي ومبدأ حرية التعبير عن الرأي، ‏والاعتراف بمبدأ تداول السلطة سلمياً بالانتخابات وغير ذلك، ثقافة مساندة للديمقراطية، وعنصر ‏أساسي في تثبيت النظام الديمقراطي وتفعيله. ‏
وعلى ذلك، فإن العمل السياسي الفعال في المنظومة الديمقراطية بطبيعته عمل جماعي، إذ ‏يصعب على شخص بمفرده أن يؤثر على صنع القرار. بعبارة أخرى، لابد من وجود حركة ‏منظمة تتمكن من وضع مطالبها على الأجندة السياسية لصانع القرار، ومن ثم فإن ما تقدمه ‏الديمقراطية للفرد هو الحق في التنظيم والعمل من أجل المطالبة بالحقوق، شأنها شأن غيرها من ‏الجماعات الأخرى.‏
أما على صعيدنا الفلسطيني، فقد جاء في بعض النصوص الرسمية الفلسطينية ما يؤكد على ‏ضرورة وجود مجتمع ديمقراطي، ففي وثيقة الاستقلال التي أعلنها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة ‏التحرير في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988م جاء: " إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، ‏فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها ‏معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس ‏حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات ‏الأغلبية..".‏
ورغم كل المظاهر التي توحي بوجود الديمقراطية السياسية، من توفير متنفس للتعبير وإجراء ‏انتخابات ووجود هياكل لفصل السلطات، إلا أن النظام السياسي الفلسطيني مازال في بنيته ‏وتوجهاته شديد التقليدية والبطركية والتوارثية. ومن المهم جدا هنا، الانتباه إلى أن هذه المظاهر ‏يمكن أن لا تكون سوى مغالطات لا يمكن الاعتماد عليها كعوامل سببية تملك قوة تفسيرية ‏وتثبيتية لوجود الديمقراطية السياسية، ولا يمكن الاعتماد عليها في تشكيل وعي سياسي خالٍ من ‏التناقضات والتزييف لدى أفراد المجتمع الذين يشكلون أهم ركائز لعملية التحول الديمقراطي.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة