الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أندلسـيات -3

محيي هادي

2004 / 12 / 18
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


أندلسـيات -3-
عن عداء المتطرفين التاريخي. بين الحقيقة و الخيال.

في شهر تشرين الثاني الماضي و من على منصة إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية أعلن خوسيه ماريّا أثنار (Jose Maria Aznar) ، رئيس الوزراء الأسباني السابق، أن خطر الإرهاب على أسبانيا موجود منذ ثلاثة عشر قرنا، أي منذ دخول المسلمين الأندلس و احتلالهم لها. و بهذا أظهر حقدا تاريخيا مكنونا في صدره، حقد و ضغينة تدعمهما الأفكار الدينية المسيحية المتشددة التي تطغي على ذهنه.
وتساعد هذا المتطرف، بشكل مباشر، الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المجرمون ممن ينتحلون اسم الإسلام، فيقولون عـن أنفسهم أنهم مسلمون. و قد جاءت عمليات تفجير قطارات في مدريد في 11/آذار الماضي لتعطي لأثنار و لأمثاله التبرير الكافي لدعم أفكاره العدائية ضد العرب و ضد المسلمين من غير العرب. لقد قتل الهمج الإرهابيون حوالي مائتي شخص بريء في العمليـة المذكورة، من بينهم الكثير من غير الأسبان، من مختلف الأعمار و الهوية الجنسية و الأعمال. و لابد من الإشارة أنه كان هناك العديد من المغاربة الذين شاركوا في عملية الإرهاب الدنيئة و هم من أصحاب السوابق و من المتاجرين بالحشيش و المخدرات.
إن خوسيه ماريا أثنار هو يميني و هو أيضا أحد الأحفاد السياسيين لفرانكو، وقد استعمل فرانكو المغاربة كقوة ضاربة ذات فعالية همجية شديدة ضد الجمهوريين الأسبان خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في أسبانيا عام 1936 و دامت ثلاث سنوات. و على الرغم من استعمال فرانكو المغاربة و دعم هؤلاء لذاك الأب الروحي لليمين الأسباني الحالي، فإننا نجد أن أشد المتعصبين ضد المغاربة هم من أتباع فرانكو. و لا أبالغ إن قلت أن المغاربة (Los moros) كان لهم الدور الأكثر خطورة في الحرب الأهلية المذكورة، بجانب الملكيين الفرانكويين.

إن العداء موجود على مدى التاريخ الأسباني، ليس فقط ضد المسلمين، من عرب و بربر، بل وكان موجودا بين المسيحيين أنفسهم و بين المسلمين أنفسهم أيضا، و قد ترى تحالفا بين مسلمين و مسيحيين ضد مسلمين و مسيحيين آخرين. و لم تحصل اغتيالات بين المسلمين فقط، و مثال لها اغتيال عبد العزيز بن موسى بن نصير، بل و بين المسيحيين أيضا.

هل يوجد حقا عداء تاريخي بين المسلمين و المسيحيين الأسبان؟ أم أن هناك دوافع أخرى، اقتصادية أو غيرها، تدفعني أن أفكر في ذلك؟ و مسبقا أقول أن أصحاب الجيوب المملوءة لا يعاديهم أحد، بل على العكس، و مثال الأمراء و الملوك السعوديين يشهد على أنهم مرغوبون و محبوبون، فأياديهم لا تبخل و كرمهم البرمكي لا ينتهي، خاصة في صالات القمار المربلية(Marbella) التي لا تخلو منهم.

و عن العداء التاريخي كتب المقَّري في كتابه -نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب- أن غير واحد من المؤرخين قال: "كان أهل المغرب الأقصى يُضرون بأهل الأندلس، لاتصال الأرض، و يلقون منهم الجهد الجهيد في كل وقت، إلى أن اجتاز بهم الإسكندر، فشكوا حالهم إليه، فأحضر المهندسين، و حضر إلى الزقاق، فأمر المهندسين بوزن سطح الماء من المحيط و البحر الشامي، فوجدوا المحيط يعلو البحر الشامي بشيء يسير، فأمر برفع البلاد التي على ساحل البحر الشامي، و نقلها من الحضيض إلى الأعلى، ثم أمر بحفر ما بين طنجة و بلاد الأندلس من الأرض، فحفرت حتى ظهرت الجبال السفلية، و بنى عليها رصيفا بالحجر و الجيَّار بناء محكما و جعل طوله اثني عشر ميلا، وهي المسافة التي كانت بين البحرين، و بنى رصيفا آخر يقابله من ناحية طنجة، و جعل بين الرصيفين سعة ستة أميال، فلما كمُل الرصيفان فاض ماؤه، فأغرق مدنا كثيرة، و أهلك أمما عظيمة كانت على الشطين، و طفا الماء على الرصيفين إحدى عشرة قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس، فإنه يظهر في بعض الأوقات إذا نقص الماء ظهورا بينا مستقيما على خط واحد، و أهل الجزيرتين يسمونه القنطرة، و أما الرصيف الذي من جهة العدوة، فإن الماء حمله في صدره، و احتفر ما خلفه من الأرض اثني عشر ميلا، و على طرفه من جهة المغرب قصر الجواز و سبتة و طنجة، وعلى طرفه من الناحية الأخرى جبل طارق بن زياد وجزيرة طريف و غيرهما و الجزيرة الخضراء، و بين سبتة و الجزيرة الخضراء عرض البحر."
الزقاق هو مضيق جبل طارق، و البحر الشامي هو البحر الأبيض المتوسط، و المحيط هو المحيط الأطلسي.
و من أسطورة المقري نستنتج أن مضيق جبل طارق كان قد حُفر بأمر من الإسكندر المقدوني. و أن مهندسيه لم يكونوا على دراية كافية فأغرق الماء مدنا كثيرة و أهلك أمما عظيمة، و أن العداء كان موجودا منذ القدم.

و نقل المقَّري عن بعض العلماء -رجال دين ؟-" أن النصارى حُرِموا جَنَّة الآخرة فأعطاهم الله جنة الدنيا بستانا متصلا من البحر المحيط بالأندلس إلى خليج القسطنطينية، و عندهم عموم شاه بلوط و البندق و الجوز و الفستق و غير ذلك مما يكون أكثر و أمكن في الأقاليم الباردة، و التمر عندهم معدوم، و كذا الموز و قصب السكر، و ربما يكون شيء من ذلك في الساحل، لأن هواء البحر يدفئ".

فهل أن "علماء" المقَّري يصدقون القول و أنهم نائبون عن الله في الأرض، فيوزعون على هذا الجنة و يعطون لذلك النار؟

و عن ابن سعيد نقل المقَّري أن: " مخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشام هو بساحل الأندلس الغربي بمكان يُقال له الخضراء ما بين طنجة من أرض المغرب و بين الأندلس ، فيكون مقدار عرضه هناك كما زعموا ثمانية عشر ميلا، و هذا عرض جزيرة طريف (Tarifa) إلى قصر مصمودة بالقرب من سبتة، و هناك كانت القنطرة التي يزعم الناس أن الإسكندر بناها ليعبر عليها من بر الأندلس إلى بر العدوة، و يعرف هذا الموضع بالزقاق، و هم صعب المجاز، لأنه مجمع البحرين لا تزال الأمواج تتطاول فيه و الماء يدور".

و على الرغم من مخاطر عبور مضيق جبل طارق نرى الكثيرين من أبناء المغرب يخاطرون بحياتهم ليعبروا المضيق هربا من تجويع أمير المؤمنين محمد السادس الآن، و الحسن الثاني قبلا، و ليصلوا إلى الجنة التي أعطاها الله للمسيحيين على الأرض، حيث يوجد فيها وضعا اقتصاديا أفضل. يتركون جنة الإسلام المغربية السماوية و يبحثون عن جنة المسيح الأسبانية الأرضية. إن هؤلاء الجائعين المغاربة يطلق عليهم في أسبانيا: (Las espaldas mojadas) أي ذوو الأظهر المبللة. و في الجنة الأرضية نجد منهم من يقوم بالسرقة، فلا تطبق بحقه شريعة الله الإسلامية فتقطع يديه، و منهم من يتاجر بالمخدرات و منهم من يتاجر بالمومسات فلا يُرجم. و غالبيتهم هؤلاء من الذين يؤدون الصلوات الخمسة و يصومون شهر رمضان، إذ أنهم لا زالوا يحلمون بجنة الله السماوية. و من هؤلاء و من مساجدهم خرج الذين فجروا قطارات مدريد و قتلوا الأبرياء.

ثم ذكر المقري أيضا أن اليونان، حين دخولهم الأندلس اغتبطوا بها أتمّ اغتباط، واتخذوا دار الحكمة والملك بها طليطلة (Toledo) لأنها أوسط البلاد، وكانت أهمّ الأمور عندهم تحصينها عمّن يتصل به خبرها من الأمم، فنظروا فإذا هو أنّه لا يحسدهم على بغد العيش إلا أرباب الشّظف والشقاء والتعب، وهم يومئذ طائفتان: العرب، والبربر، فخافوهم على جزيرتهـم العامرة، فعزموا على أن يتّخذوا لهذين الجنسين من الناس طـِلّسماً، فرصدوا لذلك أرصاداً. ولمّا كان البربر بالقرب منهم، وليس بينهم سوى تعدية البحر، ويرد عليهم منهم طوائف منحرفة الطباع، خارجة عن الأوضاع، ازدادوا منهم نفوراً، وكثر تحذرهم من نسب أو مجاورة، حتى ثبت ذلك في طبائعهم، وصـار بعضه مركّباً في غرائزهم، فلمّا علم البربر عداوة أهل الأندلس وبغضهم لهم أبغضوهم وحسدوهم، فلم تجد أندلسيّاً إلا مبغضاً بربريّاً، وبالعكس، إلاّ أن البربر أحوج إلى أهل الأندلس، لوجود بعض الأشياء في بلاد الأندلس وفقدها بلاد البربر
.
إنَّ المقَّري -بتشديد القاف- هو شهـاب الديـن أبو العبـاس أحمـد بن محمـد بن يحيى، المقَّـري التِّـلمساني المولد (986 هـ ؟!= 1587م) ، نزيل فاس، ثم القاهرة التي فيها توفي في ( جمادى الآخرة 1041 هـ= 1631م).

و قبل أن أختتم هذه الحلقة من -أندلسيات- لابد لي من القول أن العداء الحالي و التاريخي موجود بشكل أقوى فيما بين العرب أنفسهم و بين المسلمين كذلك،
و قد أعطى الشاعر جرير مثالا للعنصرية و العشائرية و العداء بين العرب في هجائه للشاعر النميري:

فغض الطرف إنك من نُميرٍ
فلا كعبا بلغت و لا كِلابا.

إن العنصرية هي أفظع في مناطقنا مما هي في المناطق الأوربية المسيحية. و إذا ذهبنا إلى مناطق الخليج سنرى التعسف الذي يلاقونه الفقراء المهاجرين هناك، وإذا ذهبنا إلى إيران فسنرى أن العرب هناك هم من بني (موش خُر)، أي أكَّالـة الجُرذان، أما في تركيا فإن العربي هو الكلب الأسـود (-كارا كوبك- (Kara koِpek).) هذه هي نماذج بسيطة لما ينظر مسلمو هذه الدول بعضهم إلى بعض، و في هذه الدول يقرأون القرآن الذي بعثه الله لتؤمن به كل الأمم، و يقرأون : و خلقناكم شعوبا و قبائلا لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

و إلى حلقة أخرى.

محيي هادي-أسبانيا
كانون الثاني/2004
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت