الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب ... لديهم مواهب -أمريكية- !

حنين عمر

2011 / 11 / 13
الادب والفن



في المرات القليلة التي أمسك فيها بجهاز الريموت كنترول، لا يحدث غالبا أن أجد ما يشد انتباهي في باقة محطاتنا العربية، لكنني في تلك الجمعة شعرت بملل شديد فشغلت التلفزيون و رحت أعبث بالأزرار متجولة بين القنوات التي لم أهتم يوما بمعرفة عددها، إلى أن وجدت نفسي وجها لوجه مع الفنانة اللبنانية نجوى كرم ظنا مني أنه برنامج فني، فتوقفت قليلا لاكتشف أنه برنامج طبق الأصل عن برنامج شهير كنت أحب متابعته و ترجمة اسمه للعربية : " الأمريكان لديهم مواهب" .
و رغم كون البرنامج العربي ما هو سوى نسخة طبق ألأصل مائة بالمائة عن البرنامج ألأصلي ، إلا أنني استحسنت مبادرة البحث عن مواهب عربية في منطقتنا ومجتمعاتنا، من باب الكشف عن الكثير من المبدعين والمميزين الذين لم أكن أشك بوجودهم في بلادنا العربية، لكنما لا تسمح الظروف لأغلبيتهم بالظهور إعلاميا و بإيجاد طريقهم نحو عرض مواهبهم أمام العالم.
المهم إذن إنني استسغت القصة، وقررت متابعة البرنامج، لأصطدم بجدار الحقيقة العربية فجأة مثل سائقة "فورمولا وان" مبتدئة، إذ أن هذا البرنامج كشف حقيقة مروعة مفادها : أغلب شبابنا العربي على تعدد جنسياتهم واختلافها لا تتعدى مواهبهم كونهم "راقصوا بريك دانس" !!!
وللعلم فالـ" بريك دانس" هو احد أركان ثقافة ال"هيب هوب" التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينات، وارتبطت بشكل أساسي بفئة السود وببيئتهم وبنمط حياتهم وجاءت كرد فعل منهم على ما يتعرضون له من تمييز عنصري واضطهاد. فما الذي يجعل الشباب العربي يقبلون عليه بهذا الشغف في حين لم أشاهد أيا منهم يستعرض مواهبه في رقصة تراثية من رقصاتنا مثل العيالة والدبكة والعلاوي ؟؟؟
الواقع إذن يقول : أن هذا البرنامج يكشف لنا مدى تأثر مجتمعنا وأجيالنا الجديدة بالفكر الغربي وبالثقافة الأمريكية التي باتت تتدخل في صميم حياتنا وتعاملنا وحتى في إبداعاتنا ومواهبنا التي يفترض أن تكون واجهتنا التي سنعرض فيها للعالم الغربي ثقافتنا الخاصة بنا ...لا أن تكون انعكاسا لصورة ثقافته فتعززها فينا وتطمسنا ونتحول إلى غرباء فكريا عن تاريخنا وجغرافيتنا، حتى نصاب بالشيزوفرينيا في النهاية ونتحول إلى كائنات بلا هوية واضحة.
ومع أنني لست ضد رقصة الـ"بريك دانس" في حد ذاتها، إلا أنني اشعر أن كثرة استقطابها لمواهبنا وقدراتنا الشابة لابد أن يدق ناقوس الخطر، وأن يجبرنا على تأمل الظاهرة الغريبة التي توضح بشكل جلي رواج الثقافة الأجنبية بشكل عام بين الأجيال الصاعدة على حساب ثقافتهم الأصلية ومخزوناتهم التراثية، إضافة إلى توجههم نحو أنماط غير صحية تماما لتفريغ شحناتهم وطاقاتهم وانجرافهم خلف نماذج غير سوية تشكل "قدوة" في عالم الـ"هيب هوب".
ما العمل للحد من هذه الظاهرة؟ ، وماذا يمكننا أن نفعل إزاء هذا الـ "تسونامي" الذي يهدد كل قواعدنا الأساسية وينبئ بهدم الجسر وتوسيع الفجوة بين الإنسان العربي ونفسه، بين ماضيه ومستقبله، وبينه وبين ثقافته وحضارته وكل ما يشكل هويته وانتماءه.؟
كيف نقنع شبابنا العربي أن يستغلوا مواهبهم بشكل أجمل ليصبحوا مبدعين حقيقيين في مجالات تحتاجهم ونحتاجها؟، كيف نشرح لهم أنهم حين يذهبون لاستعراض مواهبهم في أي مكان فإنهم يستعرضون معها آلاف السنوات من تاريخ أجدادهم ومن رؤاهم ومفاهيمهم؟. إننا نحن في أمس الحاجة إلى حملة دعاية وإعلان نثبت بها أننا قادرون أيضا على صنع اختلافنا وضوئنا وفننا. لكن للأسف من هنا وحتى يجد شخص ما لنا الأجوبة، سأحلم دائما أن يلبس طفل من الولايات المتحدة الأمريكية قميصا مكتوبا باللغة العربية، إذ أنني أرى كل يوم أطفالا يلبسون ثيابا مكتوبة بالإنجليزي والفرنسي، كما سأحلم بأن أشاهد برنامجا بفكرة عربية يروج لثقافة عربية ويقول "العرب لديهم مواهب عربية" ...وليسوا بحاجة إلى استعارة "رقصة" من الآخرين،.
وإلى أن تستيقظ أحلامي مني ...سيظل يحزنني أن أبناء جيلي يثبتون كل يوم جمعة أن ثقافتنا تندثر على حساب ثقافة الآخر، وأن العرب – يا للعجب- أصبح لديهم مواهب أمريكية !!!
من سلسلة مقالات صفحة فانيليا - الصدى
حنين//








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص