الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي الفرانكوفوني

بن جبار محمد

2011 / 11 / 13
سيرة ذاتية



لم أصدق و أنا أرى أمامي عمي الجيلالي الذي غادر الوظيفة منذ تزيد عن عشر سنوات بعدمــا أحيل على التقاعد , أنقطعت عني أخباره تماما رغم أنه يسكن في مدينة قريبة منا . ميزة هذا الرجل أنه فرانكفوني بامتياز يقرأ باستمرار و يطلع على آخــر الروايات التي صدرت حديثا مع بداية الدخول الأدبي في فرنسا و الدول الفرانكفونية , يتابع بدون انقطاع غير ممل لكل المستجدات الأدبية و الثقافية هنــاك لما يتمتع به من امتياز , أن أحد أبنائه هناك يرسل له دوريا كل الروايات التي يطلبهــا لهذا الكاتب أو ذاك , كما له عدة معارف شخصيات فرنسية يجودون عليه ببعض الكتب على سبيل الصداقة المتبادلة .
عمي الجيلالي الذي كان يشغل منصب عون مكتب منذ سنوات الستينيات إلى حين تقاعده أحتفظ بثقافته الفرانكفونية التي أكتسبهــا مع الفرنسيين قلبا و قالبا , شكلا و مضمونا قولا و سلوكــا , كنت عندما أجلس إليه و أستمع إليه أنتشي بالفرح والسعادة و الطمأنينة , حديثه شيق و صادق وجميل وشاعري و مقنع عندما يبدي رأيه بعفوية تحسب أنه يسبق زمانه بمراحــل .. كنت لا أمــل من الإستماع إليه و الحديث إليه في مختلف المواضيع . أتذكــر أنه كان سديد الرأي و المشورة و له طــريقة تحليل للمواقف و الظرفيات بشكل يثير إعجابي و إعجاب من يستمع إليه , و لا يثير أي حساسية تجاه دين أو عرق أو أصل ..يتكلم بعفوية و يبني وجهة نظره في الأمــور مثل يبني أحدنــا منزله على أسس صحيحة .
كان موظفا عاديا , كلما انتهى من رواية يطلب الأخـرى و هــو في تتابع زمني يراقب التحولات من حــوله إلى أن انتهت أيامه مع الوظيفة , رغــم أن الشيخوخة أضعفته و بلغ منه الوهــن ..إلا أنه داوم على القراءة و أحتفظ بجزء كبير من ذاكرته . ها هو اليوم يزورنا , و يعيدنا زمنيا الى عشرات السنين , بينما هو يتحدث كنت أراقب لباقته و حسن كلامه و رزانته وملامحه التي تعبــر عن حسن سجيته و صدقـه و صداقته الخالصة و ثقافته الواسعة . كان يروي لنــا تجربته ما بعد الستين .. كنت أحملق فيه جيدا حتى لا يفوتني من حركته شيئا , كان بحق عصفورا نادرا قل ما نجد نظيرا له في سمائنا التي تبهدلت بأشباه المثقفين الذين يصولون و يجولون في كل الميادين, من السياسة و الى أكثر الحقول المعرفية تخصصا ! و عندما تناقشهم تجدهــم يكركرون مرجعياتهم الدينية دون نقد و لا تمحيص و مشكلتهم أنهم يضعون آرائهم فوق كل إعتبار و مساءلة أما رصيدهم في القراءة لا يتعدى بعض الكتيبات الصفراء. أغلب كلامهم هو سب و شتم و تكفــير و عنجهية فارغة و رأي على شاكلة سمك لبن تمر هندي .
قبل أن يودعنا عمي الجيلالي , دفعني الفضول أن أسأله أي كتاب يقرأه اليوم ؟ قال لم أنته بعد من قراءة رواية " مائة صفحة بيضاء " و هي موجودة معي في السيارة . بينما هو يهم بالخروج , أنتابني إحساس أنه آخــر لقاء بعمي الجيلالي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو