الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة (30): فيلم يقولو واختراع الخوف

عبير ياسين

2011 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الوقت والتكلفة لا تعنى الكثير عندما يتعلق الأمر بالأفكار وهو ما يبدو واضحا عند مشاهدة الفيلم القصير هم يقولون والمعنون باللهجة العامية باسم: بيقولو. فالفيلم الذى يتجاوز وقته الدقائق الخمس ببضع ثوان يناقش قضية شديدة الأهمية ويحمل رسالة شديدة الخطورة وهو ما جعله جديرا بأن يحل فى المركز الثالث فى مسابقة تروب فست أرابيا لعام 2011 والذى عقد فى أبو ظبى

ويتناول الفيلم القصير الذى أخرجه أحمد غزال فكرة المعلومة أو الكلمة، ووسائل التواصل الاجتماعية المختلفة ودورها على حياة الأفراد واستقرار المجتمع وأن قصرها على لحظة من لحظات واقع ما بعد الثورة المصرية. وربما يتساءل القارئ هل يمكن أن تعبر تلك الدقائق القليلة والتكلفة التى تبدو قليلة بدورها عن تلك القضايا المهمة، وهل يرتبط بالفعل بواقع الثورة فى مصر أو الثورات العربية عموما والإجابة وبلا تردد نعم وأكثر فهناك الكثير من الأفكار التى يطرحها الفيلم أن أردنا أن نناقشه بشكل معمق.

يعرض الفيلم ببساطة ودون تنظير لأفكاره كيفية تطور الأحداث بداية من خبر عابر لحالة خوف عامة تصيب عدد لا بأس به من البشر فى محيط الأحداث وتنعكس بالتالى على تصورهم لدور الدولة ومؤسساتها وتقييمهم لقيام تلك المؤسسات بدورها على الرغم من أن البداية تتعلق بمدى قيام الفرد نفسه بدوره وتحمل مسئولية الكلمة.

والفيلم لمن لم يشاهده يبدأ من حدث عابر وكلمة سريعة تتبعها تطورات على طريقة كرة الثلج التى تكبر كلما مرت من مكان لآخر لتهدد بتضخمها الكثير من الأشياء فى مسارها. فخلال مكالمة هاتفيه يسمع المتحدث صوت يخيل له أنه إطلاق نار كما يقول لمن يحدثها قبل أن يتركها للتحقق من مصدر الصوت، وبدورها تنقل هى الخبر للفتاة التى معها بأن هناك على ما يبدو إطلاق نار فى منطقة سموحه، لتقوم تلك الفتاة بدورها بوضع الخبر على الفيسبوك وليبدأ الخبر فى التناقل من وسيلة تواصل لأخرى ليتحول إلى الحديث عن إطلاق نار وهروب سجناء وهجوم على المنازل وقتلى، وتساؤلات حول دور الجيش واتصالات هاتفية على الفضائيات تؤكد على تعرض سكان المنطقة للقتل دون أن يشعر بهم أحد، مع تحركات لتشكيل لجان شعبية فى الشوارع عبر النداء على الجميع للإستيقاظ والنزول للشارع لنصل فى النهاية إلى حقيقة الحدث وهى طفل صغير يقوم بإشعال صواريخ فى بلكونة منزله ولكن هنا تتوقف الأحداث فلا يمكن إعادة الزمن ولا إلغاء الآثار المترتبة على الكلمة بنفس سهولة إطلاقها.

يعبر الفيلم بهذا عن طبيعة وسائل التواصل الاجتماعى التى لا يقتصر أثرها على الفرد أو على محيطه الضيق كما كان الوضع يوما، وباعتبار أن العالم يتحول أكثر وأكثر لفكرة القرية الواحدة التى تتداول فيها الأخبار بسرعة شديدة، والتى تسمح بوصول الخبر خلال دقائق معدودة لعدد أكبر وأكبر، والمهم أنه فى كل مرة يتم فيها نقل الخبر يتعرض للتعديل والتغيير بالإضافة اللازمة لتجعله خبر صحفى مثير بمفهوم الشخص الذى أكل أذن الكلب وليس العكس، فكل من ينقل الخبر يسعى لوضعه فى سياق مثير يضمن له عدد أكبر من التعليقات والتفضيلات والمشاركة عبر وسائل التواصل المختلفة كما يبدو من خلال أحداث الفيلم، بالإضافة للنقل الشفوى عبر الأحداث المصاحبة ليتسع نطاق الخبر لنطاق أوسع من الفيسبوك والتويتر.

ويعبر الفيلم أيضا عن وجود انفصال واضح بين البداية والتطور، فالشخص الذى بدأ سلسلة الأحداث بكلماته القليلة التى لم يتحقق منها ووضعها فى صورة حقيقة مؤكدة لا يبدو مدركا للنتائج المترتبة على كلماته لنصبح أمام عملية صناعة كذبة -وأن كانت بشكل غير مقصود- تتحول لحقيقة بما أضافه الآخرون لها وعليها من تفاصيل درامية، وليتحول حدث عادى لشبح مخيف يهدد الأمن والأستقرار.

كما يعبر الفيلم فى جوهره عن مسئوليتنا ومسئولية الكلمة فى خلق حالة غير حقيقة من الفزع، يعبر عن تكثيف لفكرة صناعة الخوف أو الرعب أو الغضب والذى عادت ما مارسته النظم الحاكمة والجماعات المختلفة ولكن مع وسائل التواصل الاجتماعى واتساع أثرها أصبح بإمكان الفرد أن يشارك فى خلق تلك الحالة. فكلمات بسيطة لفرد أو خبر منقول بدون تحقق أو خبر تعبيرى يتم التلاعب فيه عبر صور وفيديوهات غير حقيقية أو خارج سياقها من شأنها أن تساهم فى خلق تلك الحالة من الخوف بما يترتب عليها من تحركات ومشاعر وتصرفات تخرج عن السياق أحيانا وتضر بأكثر من أن تفيد.

الفيلم فى معناه المباشر أقرب لفكرة الشائعة التى يتم تداولها بين الأفراد ليصدقها الجميع، فلا أحد يتوقف ليتساءل حول مصدر المعلومة أو الخبر المنقول، ولا أحد يسعى للتحقق من واقع الأمر بل وكما أبرز الفيلم كان نقل الخبر للبعض كافيا لإثارة مشاعرهم بالخوف والفزع رغم وجودهم الآمن فى مجال الحدث المفترض فما يتشاركه الجميع ويثق فيه يتحول بحكم الكثرة لحقيقة حتى وأن لم أكن أراها بشكل مباشر فالأكثرية لا يمكن أن تكون على خطأ. فالفيلم فى دقائق معدودة يثير العديد من التساؤلات حول مسئوليتنا كأفراد، فالمتصل بالقناة الفضائية الذى تساءل حول دور الجيش يطرح السؤال أيضا حول دور الفرد، فرغم أن الأحداث تثبت عدم وجود مبرر لحالة الفزع المخلقة الا أنه يؤكد فى اتصاله على حقيقة الأحداث بوصفه شاهد مدرك لها، معبرا بكلماته ونبرة صوته عن حالة الخوف التى يعيشها ومنتقدا للمؤسسة المعنية بحفظ الأمن رغم أنه لم يتحمل دوره فيما ينقله من اخبار، ولم يكن صادقا فيما نقل.

الفيلم يعيدنا لفكرة الكلمة التى قد تكون نور وقد تكون قبور كما قال عبد الرحمن الشرقاوى، فرغم أهمية الكلمة وما تمثله من مسئولية كما نكرر دائما نجد أن الكلمة أسهل ما ننتجه ونتناقله دون ربطها بالمعانى المترتبة عليها والآثار المحتملة لها. كما يعيدنا للتفكير فى نظم استخدمت نفس الآليات فى مصر وغيرها من الدول العربية عبر وسائل تقليدية تتمثل فى الاشاعات والتسريبات والمصادر السرية من أجل خلق الفزاعة والخوف فى النفوس، والتأكد من بقاءها عبر تلك الآليات لنصبح فى معركتنا لإسقاط تلك النظم فى مواجهة حقيقية مع تلك المفاهيم ذاتها التى بإمكانها أن تخلق عداوات أخرى ومخاوف أخرى. فالفيلم يعيدنى فى أسقاطاته تلك لأحداث ماسبيرو المأساوية التى لم تشفى مصر منها بعد، فالكلمة والتناقل غير المسئول جزء من مشهد ماسبيرو الدامى. وتبقى الرسالة الأساسية فى حقيقة أن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور وعلينا أن نقرر هل نبنى وطنا منيرا أم نبنى قبرا مظلما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش