الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآن

حزب العمل الشيوعي في سورية

2004 / 12 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


(الآن)
غير دورية تصدر عن حزب العمل الشيوعي في سوريا، العدد الثالث والعشرون كانون الأول نشرة 2004

فلنناضل من أجل :
1- إلغاء احتكار السلطة، وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكامل المجتمع.
2- قيام أوسع جبهة عمل ديموقراطي علني وسلمي.
3- مقاومة المخططات الأمريكية – الصهيونية.
4- حزب يساري من طراز جديد
1- بيان .
2- الافتتاحية (الآن ) المصائر الخطرة أمام الوطن السوري، واقع ومتطلبات العمل الديموقراطي المعارض. رسالة مفتوحة إلى لجنة عمل ديموقراطي معارض.
3- بيان نداء إلى حملة تضامنية.
4- مقابلة .
5- بيان في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
بيان
الكيان الصهيوني ينفذ وعوده وقراراته بدعمٍ كامل من الإدارة الأمريكية وهاهو يلاحق عناصر التيار الديني الفلسطيني في دمشق، للمرة الثانية تنفجر سيارة مفخخة، ومن حسن الخط هذه المرة بدون ضحايا، إن هذا العمل الإسرائيلي وما يمكن أن يلحقه يقصد به أيضاً النظام السوري، لمتابعة الضغوط عليه، والتهديد ليقدم المزيد من التنازلات. إن الأمر بالنسبة لنا ليس أمر بداهة بإدانة العمل، بل أمر تنبه إلى تسارع وتائر العامل الخارجي في تشكيل العمل الوطني السوري، التنبه إلى مخاطره، والتشوهات التي بدأ يرسمها من الآن، هذا من جهة ومن جهة أخرى هو أمر التأكيد بأن النظام لا يزال مصراً على رفض أي خطة انفتاح ديموقراطي جادة قانونياً وسياسياً، إن استمرار النظام متابعة اللعب بالأوراق السياسية الخارجية، ورفض الإنطلاق من الداخل، إلى المجتمع وقواه بإتاحة العمل العلني الديموقراطي لسحب الذرائع الخارجية، فإنه لا يفعل إلا كغيره باستدعاء العامل الخارجي بطريقة أخرى، وحان الوقت بالنسبة للمعارضة الديموقراطية أن تتنبه إلى هذه المخاطر، وأن تطور مستوى نضالاتها ومؤسساتها ووسائل عملها قبل أن تداهمها التطورات المقررة لمصائر الوطن.
حزب العمل الشيوعي.
افتتاحية الآن
(ملاحظة: نعتقد أن بحثاً تحليلياً شاملاً في الوقائع السياسية السورية والمخاطر المحتملة التي يواجهها الوطن، والممكنات القائمة والمتاحة أمام قوى المعارضة، وفي واقع العمل الديموقراطي المعارض، متطلباته وإشكالات وسبل تجاوزه لوضعه، . هذا العمل هو الأكثر أهمية في هذه الشروط الخاصة التي يعبر بها الوطن، وهكذا نطلب إلى رفاقنا وسطنا وأصدقائنا الاهتمام بمحتوى المقال وما يثيره، والتعاطي بجدية عالية مع قضايا المعارضة الديموقراطية والسعي الحثيث لتشكيل هيئات تنسيق مشتركة لها في المحافظات، وأن يعملوا داخلها كلما استطاعوا بروح التشارك المطلقة فلهذا الأولوية دائماً، ومن أجله يستطيعون أن يساهموا بقناعاتهم ومواقفهم الشخصية واللحظية من دون العودة حتى إلى الحزب والصيغ الحزبية، يستطيعون إلغاء كل الإجراءات الشكلية المعيقة.
إن مادة المقال مقدمة فعلياً إلى هيئة تنسيق مشتركة للمعارضة، وللأسف عدد مثل هذه الهيئات في الوطن لا يزال قليلاً وتخضع كأشياء كثيرة إلى المواقف المسبقة، الحساسيات، الحسابات الضيقة وفي الوقت الذي تغيب فيه الخطوة الأولى الحاسمة في إطلاق طاقة معارضة فعالة، خطوة هيئة تنسيق مركزية مشتركة لكامل طيف المعارضة، في هذا الوقت نشجع رفاقنا والرفاق الآخرين لتجاوز الآثار السلبية للعمل المركزي الفوقي المعارض القائم حالياً، وتشكيل أكبر عدد من الهيئات التحتية، والتوجه الميداني إلى كتل بشرية أكثر اتساعاً، استعداداً للنشاط، ورفع مستوى الحراك والممارسة في كل الميادين المتاحة، وما أكثرها. )


المصائر الخطرة أمام الوطن السوري، واقع ومتطلبات العمل الديموقراطي المعارض
رسالة مفتوحة إلى "لجنة عمل ديموقراطي معارض"
يجري التجاذب في العملية السياسية الرئيسية داخل الوطن بين أن تكون التناقضات والصراعات المرتبطة بها، البرنامج، والمهمة المركزية الموضوعة على جدول الأعمال: في الحقل الديموقراطي لتعبئة الجهود وصبها بهدف إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي سياسي معاصر لكامل المجتمع. أو أن يكون ذلك في الحقل "الوطني" لمواجهة التهديدات الأمريكية بالتدخل (منسقة بصورة شاملة مع الكيان الصهيوني)، وتسارع وتائر ذلك، تعدد الوسائل والأشكال واتساع الجبهة الدولية المتحالفة مع الإدارة الأمريكية لمحاصرة النظام السوري (القرار 1559 أو تداعياته مثال صريح). ورفع سورية الاستحقاقات المطلوبة منه، مع قيام احتمال حقيقي جداً للتدخل العسكري في شروط أخرى أكثر مواتاة، تبدو غير بعيدة التحقيق. كل ذلك خلق ويخلق تأثيرات حاسمة، متسارعة في كل شيء يخص الحياة السياسية السورية. وتمتد المواقف في ذلك التجاذب بين أكثرها حدة، تطرفاً وجموداً أو هشاشة، التباساً وعدم وضوح. وهاهي المصائر الوطنية تتقرر جملة وتفصيلاً، فكيف يمكن النظر إلى العملية الجارية، ومواقف الأطراف وأدوارهم فيها؟ ما هو الموقف الوطني الصائب والمطلوب؟ ما هو واقع العمل الديموقراطي المعارض ومتطلباته الملحة؟.
أولاً: التحولات الكبرى المتسارعة: قبل عدة سنوات من الآن (بل أقل من ثلاثة) كانت عملية الانتقال الديموقراطي في سورية لا تزال تجري بصورة هادئة، بطيئة، علنية، سلمية وتدريجية، داخلية من حيث الجوهر، في الطابع، وتائر التطور، القوة الحاسمة والمقررة فيها هو النظام، هكذا بدت بعيدة الأفق نسبياً ولها تكاليفها الخاصة، ذلك التحول المفارق للحالة القديمة، حالة استخدام القمع الجسدي المتنوع، العنيف والرهابي، لم يأتٍ بطيب خاطر النظام، ولم يترافق بأي تغيير جوهري في بنيته وطبيعته، بل لم يعرف أي تطور قانوني وسياسي عضوي مهما كان بسيطاً، جاء فعلياً في إطار عملية إعادة إنتاج ذات النظام بصورة دفاعية وتكيفية متراجعة مديدة. محسوبة بدرجة عالية من دقة الضبط، وكان النظام مضطراً إلى مثل هذه العملية، أساساً في حينه تحت ضغط أزماته الذاتية، خاصة أزمة جهازه البيروقراطي. من قمة الهرم السياسي إلى أدنى عمل وظيفي في الدولة، بذلك الترابط العضوي بين السلطة والجهاز مع ضرورات تجاوز الأزمات الأخرى وإيجاد موقع للنظام في التطورات العالمية ومفاعيلها ووعي أهمية التحولات الجارية على دور العامل الخارجي في العمل الوطني الداخلي، كان ولا يزال جهازه يولد الأزمات عوضاً عن المساهمة في حلها.
في تلك المرحلة كان دور العامل الخارجي في تحفيز تلك التحولات هو بقوة الدرجة الثانية، لم يكن مقرراً بشكل حاسم، وتائره بطيئة ، تعلق أساساً بالعامل الأوروبي وطرق عمله، تمفصل على قضية الشراكة بسلسلة حوارات كادت ألاَّ تنتهي، نادراً ما ارتبطت بالتلويح بفرض شروط داخلية سورية- كربط توقيع جملة البروتوكولات، بتوقيع بروتوكول خاص بقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبالترافق مع العامل الأوروبي الرسمي ساهمت المؤسسات والمنظمات الحقوقية – الديموقراطية والإنسانية (النخبة في أوروبا) بدفع النظام السوري إلى عملية التكيف المعنية، وبرز العامل الخارجي بقوة يصعب على النظام إدارة الظهر لها. أو عدم أخذها بعين الاعتبار، لكن شروط مناوراته لخدمة استراتيجية في تلك المرحلة، هي التي حددت مستوى الانفتاح داخل الوطن السوري.
اتسمت الحراكات في تلك المرحلة بعمليات مد وجزر، موجات، موجة حراك سياسي وثقافي منضوية أساساً في إطار النخبة السياسية المعارضة العاملة في مؤسسات مجتمع مدني حزبية منظمة. ونخبة أخرى من المثقفين انتموا بغالبيتهم في مراحل سابقة إلى قوى سياسية حزبية معارضة، اختاروا في سنوات الانفتاح العمل في مؤسسات مجتمع مدني أدنى من حزب لأسباب عديدة، منها ما هو معلن والآخر مكشوفاً بالمقاربات المنطقية وطابع الممارسة، فقيل أن السبب يتعلق بضرورة ملاقاة التطورات المعاصرة بمؤسسات جديدة وعصرية بدورها للنشاط مع المجتمع، ثم الموقف النقدي من الأحزاب المعارضة القديمة، لكنه كان ولا يزال نقداً بطابع تقريري، غير محدد، غير مستقر، أساسه رفض القديم، اتهام القديم، الهجوم عليه، ضرورة تجاوزه، من دون طرح بدائل مفاهيمية، أو بدائل مؤسساتية للمجتمع المدني المنشود، ولابد أن مرحلة الرهاب القديمة، ثم الخوف والحذر من أن يقوم النظام مجدداً بتدبير أي عمل حزبي منظم بالمقابل استعداده لتفهم والتعايش مع مؤسسات مجتمع مدني أدنى من حزب، تفكر بطرق غير حزبية، تطرح قضايا وبرامج جزئية (كما كان يجري الاعتقاد)، تلك كانت الشروط المشجعة لبروز حراك النخبة .
تقدم الحراك السياسي والثقافي مندفعاً بقوة يشد المزيد من النخبة إليه تاركاً آثار ملحوظة على بقية المجتمع، فهاجم النظام بموجة قمع مرتدة، بقيت مختلفة جوهرياً عن الماضي والقديم من زاوية القمع الجسدي وأخذ العامل الخارجي وردود فعله بعين الاعتبار في قضايا المحاكم العلنية ومستوى الأحكام والسماح بمظاهر تضامنية عديدة في ملف الاعتقال. كما السماح باستمرار مظاهر الحوار في الأجواء الصالونية الضيقة (بعد الإلغاء الجذري للمنتديات ما عدا منتدى الأتاسي) والسماح بكامل النشاط الحزبي المعارض القديم أو الجديد من دون قمع يذكر طالما أنه بقي خارج النشاط المجتمعي العلني والصريح.
يشكل دخول العامل الأمريكي باستراتيجيته وقراره بصياغة المنطقة ثم احتلال العراق، عاملاً حاسماً جديداً في حياة المنطقة برمتها، وبشكل خاص سورية، كان العامل الأمريكي متجرئاً جداً، صريحاً، ولم يقدم أي تنازلات في خطابه ومطالبه تجاه النظام السوري.
ربط وتائر تدخله في الشؤون السورية والوسائل المستخدمة بتطور شروط وجوده في الساحة العراقية أساساً، وجملة التطورات على الساحة الفلسطينية واللبنانية، بدت تلك الشروط في بعض المراحل بمثابة عقبات وتعقيدات كبيرة لدفع استراتيجية التدخل سريعاً واستخدام وسائل عنيفة من أجلها وظهر التناقض الأمريكي والأوروبي فاعلاً جداً في الساحة العراقية بداية، بدا الأمر للنظام السوري مناسباً تماماً لاستغلال أكبر عدد من الأوراق في مقاومة التهديدات الأمريكية من العراق إلى لبنان إلى فلسطين، إلى العامل الإسلامي بكل ما عناه الشرط في إطار موجة العداء الشاملة للإدارة الأمريكية، بل حاول النظام السوري استغلال الشرط التركي وتناقضه مع العامل الأمريكي على أكثر من مستوى فأبدى مقاومة في محاولة لفرض دور له حتى في الساحة العراقية، وطور استخدامه للعامل التركي بتراجع قدرته على الفعل في الساحة العراقية وتقديمه لعدد كبير من التنازلات دون توقف فيها.
تحت ضغط الشروط الأمريكية المعقدة في العراق اضطرت الإدارة بدورها إلى تنسيق وسائلها مع الأوربيين في جبهة واحدة ضد الحالة السورية، بدأ ذلك في اجتماع الثمانية الكبار وشكل الأمر محطة جديدة ونوعية في الصراعات تطورت إلى الموقف الفرنسي الصريح في لبنان ضد سياسات النظام، ثم القرار (1559) ودلالاته، حصل كل ذلك من دون أي توقف في التكتيكات الأمريكية لتهيئة الوسط الشعبي الانتخابي (الجمهور الأمريكي) لأي احتمال ضد النظام السوري بما فيه الاحتمال العسكري. حملات تحريض يومية، نبش مظاهر القمع الدموية، إجراء مقارنات على تاريخ النظام العراقي، وبلورة عدد من المطالب القصوية كمبرر في التدخل المحتمل، قضايا (الإرهاب الدولي- أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع النظام العراقي – موضوع المنظمات الفلسطينية واللبنانية- الخروج من لبنان- قطع أي عملية تدخل أو أي عملية تسهل لمقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق) وصلت الخطط الأمريكية حد تشكيل معارضة خارجية ، وتقديم غطاءات حمائية داخل الساحة السورية بأشكال عديدة لكل مهتم بها- سياسة الاختراقات المفتوحة خارج النظام وداخله، برامج متنوعة وشاملة، اقتصادية، ثقافية، سياسية، إغراءات شخصية.
مع بدايات اتضاح الاستراتيجية الأمريكية، حدد النظام عدداً من الخطوات والتكتيكات، في أطر استراتيجية متنوعة ومتطورة، وعلى العكس مما يتصور البعض فإنها لم تكن رد فعلية أو انفعالية، وشملت حسابات لخيارات مختلفة، كان البارز فيها من البداية استراتيجية الدور الإقليمي بالتركيز على الحلقة اللبنانية وقوة وجوده الفعلية فيها، ثم استراتيجية المقاومة للوصول بالمساومات إلى حد لحظ مطالبه في التسوية كحد أدنى، المطالب المعروفة بعلاقتها مع كامل مطالب واشتراطات الساحة السورية، إذ لا يستطيع أي نظام مهما كان تجاوزها، ثم استراتيجية الدور الوظيفي في المنطقة، وأخيراً، اللعب على أن يكون الخيار الأمريكي نهاية من داخل النظام ذاته.
أطلق النظام مساومات واسعة في الساحة العراقية ليبدو وكأنه مستجيب للمطالب الأمريكية يكاد يصل الأمر حد الخروج من دائرة الفعل، أو وصوله درجة ضعيفة، كان من الصعب على النظام أن يفعل نفس الشيء على الساحة اللبنانية، نعتقد أنها الورقة الأكثر أهمية في استراتيجية الدفاع المتراجع أمام التهديدات الأمريكية، وتختزن هذه الساحة العديد من عوامل القوة لصالح الحالة السورية على الرغم من النشاط المتطور والمعارض للوجود السوري من قبل طيف واسع، فلا تزال القوى الإسلامية هي الأكثر تأثيراً على الصعيد الشعبي، وهي في موقع التحالف مع النظام على أرضية تناقضها الجاد مع الإدارة الأمريكية، إن هذا كان في الأساس يسمح للسوريين باتباع سياسة مرنة تسحب الذرائع هناك، لكن اللعب المكشوف وتطور المواقف الأمريكية والأوروبية إلى حد التصعيد بدون تراجع، كذلك بنية وطبيعة النظام القمعية الشمولية والتدخلية وتعويله على إمكانية تغير الشروط الأمريكية في العراق (زمن الفلوجة)، كل ذلك دفعه إلى تلك السياسات الخاطئة كلياً في لبنان، ومن حينه تابعت الإدارة اللعب المكشوف بممارسة الضغط وخلق كل الذرائع التي تسمح بالمزيد من توسيع الجبهة "الرسمية" الدولية، والمزيد من التصعيد ساعدها تحول الشرط لصالحها في العراق وإعادة انتخاب الإدارة الجمهورية، وتركيز الطاقم المتشدد فيها لمرحلة أخرى جديدة تجاه الساحة السورية، هذه التحولات وضعت العامل الخارجي الأمريكي وغيره في قمة الوضوح وقوة الفعل قبل الخيار العسكري، الذي أضحى مسألة شروط أخرى إضافية قابلة للتحقق قريباً إن لم تتحقق بعض المعجزات المانعة له.
وهكذا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تحول دور العامل الخارجي ومستوى فعله في عملية الانتقال أو التغيرات السياسية المصيرية داخل سورية، غدا عاملاً حاسماً وانتقل من موقع المنافسة لدور النظام، التقدم والتراجع غير المحسوم، إلى موقع الفاعل الأول كيف ذلك.
ثانياً: سياسات النظام الداخلية وردود فعله العامة على العامل الخارجي.
أدرك النظام أخيراً حقيقة الاستراتيجية الأمريكية وتكتيكاتها التدخلية. فانتقل من استراتيجية سياسية إلى أخرى. ونعتقد أنه يركز الآن أولاً على استراتيجية المساومة التسويفية المفتوحة. وثانياً على أن يكون الخيار الأمريكي من داخله. وفي كل ما فعله ويفعله النظام لا يزال يدير ظهره للعامل الداخلي، للمجتمع وفعالياته، وقوى المعارضة، لا يزال ينطلق كلياً من تفكير ذاتي كواليسي في فهم الأزمة، وإدارتها ومن منظور احتكار السلطة. والمحافظة عليها حتى اللحظة الأخيرة. لا يزال يرفض أي عملية إصلاح سياسي يفتح سياق الانتقال الديموقراطي الجاد ولو كان بطيئاً وتدريجياً لا يزال يرى بذلك خطراً عليه. وهكذا.
رفض أي عملية إنجاز قانوني وسياسي يشكل ضماناً للمجتمع وفعالياته داخلياً.
رفض أي إجراء جاد في المصالحة الوطنية وتقديم تنازلات الحد الأدنى فيها لقوى المعارضة المتناقضة مع استراتيجية وتهديدات الإدارة.
على العكس من ذلك يستطيع أي مراقب أن يلمس فعلياً سياسة التعايش مع الخط الأمريكي داخل السلطة وخارجها، وفي المقابل سياسة استمرار صيغ القمع المكشوفة تجاه المعارضة الديموقراطية المعادية لأمريكا، بمنعها من أي خطوة مستقلة على صعيد العمل الديموقراطي، أو رفع مستوى المقاومة ضد العامل الخارجي في أي ميدان.
صحيح أن صيغ القمع التي يتبعها هي الأكثر ضعفاً على مدى المراحل السابقة خاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وصحيح أيضاً أن جملة الخطوات في المساومة التسويفية التي يتبعها قد اضطرته لتخفيف قبضة الأجهزة الأمنية، وكل ذلك بسبب مفاعيل العامل الخارجي (والأمريكي أساساً)، إلاَّ أن جملة الخطوات التي يقوم بها. تدفع أولاً باتجاه تقديم المساومات للقبول به طرفاً وخياراً وحيداً يملأ الفراغ على الطريقة الأمريكية. والأهداف والمصالح الأمريكية أساساً. أو تدفع ثانياً لتهيئة الشرط ويكون الخيار الأمريكي، من طرف أو اتجاه أو قوة من داخله، شروط تطورها متاحة تماماً وكل ما يفعله النظام في هذا الزمن المتسارع والضائع. كل ما يخطط له سيبقى رهناً بقبول العامل الخارجي وفي كل الأحوال تتفاقم المخاطر. وتتسارع عملية تقرير المصائر الوطنية الداخلية.
ثالثاً: بعض استنتاجات هامة في الوضع الداخلي السوري:
1- على مدى عدة سنوات لم تقدر المعارضة السورية مدى خطورة العامل الخارجي مدى جديته وحسميته. وبسبب استمرار النظام بسياساته. وصلت الخلخلة. إلى صف المعارضة فيما يتعلق بالموقف من العامل الأمريكي- فغاب الموقف الموحد. غاب البرنامج الواضح والمحدد، بل برزت آراء ومواقف تبدو كأنها تستدعي العامل الخارجي، إن الاستمرار في المحافظة على وضع المعارضة، إن الحالة الانتظارية، إن حالة عدم الوضوح وعدم التركيز على العامل الخارجي كما يستحق، كلها وجوه لاستدعاء العامل الخارجي مع الفوارق بينها وبين استدعائه بوضوح.
2- المعارضة لم تنتبه على مستوى تراجع القبضة الأمنية والسياسية للسلطة وأجهزتها، ولم تطور بالمقابل سياسة رفع مستوى الدعاوة والتحريض، والفعل السياسي المجتمعي المكشوف لانتزاع انجازات ديموقراطية جادة، وتطوير برنامجها المستقل في مواجهة العامل الخارجي.
3- هكذا تبدو المعارضة الآن في أسوأ حالاتها والمصائر الوطنية تتقرر من خارج المجتمع ومن خارجها كلياً. بينما يبرز الشرط مناسباً والممكنات واسعة ومتاحة لتطوير النشاط السياسي الديموقراطي المعارض المستقل في هذا الوقت يبدو دور المعارضة وكأنه غائب، تتلهى في خلافاتها ومشاكلها، تقوم ببعض انجازات التنسيق الموسمية، البسيطة، عاجزة عن إطلاق طاقة تفعيل مناسبة، تركز على انتقاد النظام (وهذا شيء صحيح دائماً)، تنسى انتقاد وتطوير ذاتها، بعملية جريئة ومكشوفة.
تتجاهل أو أنها عاجزة عن إطلاق هيئة تنسيق مشتركة تضم كل حلقات وتيارات وقوى المعارضة، ربما تمثل خطوة أساسية في خطة التفعيل.
وبسبب الأهمية القصوى في التنبه على ضرورة تطوير وضع وفعل قوى المعارضة، نعتقد أن الأمر يحتاج إلى بحث مركز في هذا الميدان قبل أن تداهمنا التطورات ونجد الوطن في أسوأ حالاته.
رابعاً: المعارضة السورية ومفترق الطرق.
المعارضة هي الفعل السياسي الشامل في المجتمع من قبل قوى تقف بوعيها – إرادتها – برنامجها – وسائلها مؤسساتها في موقع "الآخر" المختلف، المتناقض، المتصارع مع النظام والسلطة، لخلق ميزان قوى يسمح بالتأثير الفعال المتطور، إما لضبط جنوح السلطة أو لفرض بعض التفاصيل والوقائع المغايرة لما تريده، مروراً بتغيير طابعها. وأخيراً استبدالها بسلطة المعارضة نفسها وما يتعلق بها من برنامج لإدارة الوطن والمجتمع والدولة بصورة جديدة مختلفة.
وتنطلق المعارضة مهما كانت شروط الوطن، من مبدأ المصالح الوطنية العليا ووحدة المجتمع والدولة، تفعل ذلك كأنها سلطة موازية، كأنها سلطة ظل من الزاوية السياسية، والأخلاقية، والمسؤوليات المترتبة بالتغاضي عن مستوى قوتها.
في الأنظمة الديموقراطية وعلى الرغم من التناقضات والصراعات والبرامج المختلفة بين السلطة والمعارضة هناك إمكانية فعلية للتحالف بينهما يصل الأمر حد تشكيل حكومات وطنية أحياناً بشكل خاص في حالات الأزمة المستعصية وضرورة مواجهتها بصورة موحدة، كأزمات التهديد الخارجي والحروب، العدوان والاحتلال، أو الكوارث المتنوعة.
لكن من الصعب جداً إن لم يكن شبه مستحيل أن تعرف الأوطان والمجتمعات عمليات تحالف مشابهة في ظل سلطات أغلقت كل السبل إلى ذلك، عندما تكون سلطات احتكارية وقمعية، سلطات استثنائية أدارت ظهرها للمجتمع وقواه، فعلت كل شيء وشرعنته بصورة موافقة لتلك السمات، إن نهج وإمكانية التحالف أو التنسيق بين المعارضات والسلطات الاستثنائية قد دفنت مع الفاشيات والديكتاتوريات الشمولية بسبب دفنهما لأي ضمان قانوني أو سياسي، بسبب التضييق الشديد وإغلاق آفاق العمل الديموقراطي المعارض.
تعمل المعارضات أساساً في أربع ميادين.
الأول والأساسي مع التجمع وقواه المنظمة والأخرى المختلفة.
ثانياً : في مواجهة النظام والسلطة.
ثالثاً: دائرة العالم الخارجي.
رابعاً: دائرة المعارضة الذاتية وعلاقات قواها ببعضها، التنسيقات والتحالفات المؤقتة أو الطويلة والاستراتيجية، التحالفات الواسعة أو الضيقة، من أشكال الجبهات المتنوعة إلى الإندماج أحياناً في حركات موحدة، كذلك خلافات تياراتها مع بعضها وبروز أكثر من معارضة وبرنامج.
في كل ذلك تعمل المعارضة منقسمة أو موحدة، تعمل كقوة ظل كي تكون جاهزة عند الضرورة الدستورية الديموقراطية، وعند الضرورات التاريخية المختلفة لتملأ فراغ السلطة، ويرتب كل هذا عليها الكثير من الشروط.
من تلك الأسس المكثفة سنقدم تصوراً عن واقع المعارضة السورية وواقع العمل الديموقراطي المعارض. عن الشروط الأساسية التي حددت وجودها ونشاطها، كذلك مشاكلها الرئيسية، عن آفاق تطورها ومستقبلها، ثم تطورات أولية لتطوير هذه المعارضة وتطوير نشاطها وتأثيرها، نعتقد أن الاهتمام بالأمر والتركيز عليه ضروري جداً، فالشروط الخاصة التي يعيشها الوطن، وشروط المعارضة بحد ذاتها، تضعها أمام مفترق طرق فعلي.
في شروط عمل المعارضة السورية: كان الشرط الحاسم في تكوين المعارضة السورية، نهجاً وممارسة هو طبيعة النظام على مدى خمس وأربعين عاماً، بدءاً من نظام الوحدة حتى الآن. حيث عرف العالم موجة ايديولوجية وسياسية طاغية في مفهوم الشرعية لامساك بالسلطة واحتكارها، شمل ذلك الكثير من القوى بما فيها التي تحولت إلى معارضات. عرف احتكار السلطة في سوريا تطوراً خاصاً في إطار تلك الموجة، خاصة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، في الدستور الدائم، المادة الثامنة والدور الذي فرضه حزب البعث والنظام القائم باسمه. ومما زاد في تعقيد شروط قيام المعارضة ووجودها أن نظام البعث وسلطته لم تقم على فراغ، لم تقم على مجرد حفنة عسكرية ضيقة ومعزولة من البدايات نقول هذا على الرغم من الانقسامات "اللانهائية" في صفوف البعث والتصفيات وصولاً إلى الحركة التصحيحية، لقد كان البعث أكثر من بقية الأحزاب السورية حزباً للفئات الوسطى الواسعة الانتشار في سورية، الفئات التي تسم الطابع الطبقي والاجتماعي، وحتى التركيبة النخبوية في الأحزاب والسياسة والثقافة، وهكذا عبرت السلطة بداية، ببرنامجها وسياساتها عن الكثير من الطموحات والمصالح المتعلقة بتلك الفئات، وقطعت السلطة بذلك شوطاً زمنياً تاريخياً طويلاً ومعقداً في تأمين مصالحها. بل أمسكت بمصالح عدد هائل من الأسر في المجتمع عبر شكل (بورجوازية الدولة البيروقراطية) ثم بتوسيع مؤسسات الدولة وربط الحياة الاقتصادية للعاملين فيها باحتكار السلطة السياسي والاقتصادي ومحتكريها، كما أمسكت السلطة بالمسألة الوطنية احتكارياً. لتعبر في البدايات أيضاً وفي الكثير من الأحيان في مستوى الشعارات والسياسات الكبرى والخطوط الحمراء عن الشرط السوري الوطني برمته على ذلك الصعيد، لتعبر عن بنية وتركيبة وطموحات سورية إقليمية، إذ نعتقد أن أي سلطة سورية في حينه لم تكن لتستطيع تجاوز كل ذلك. وستعبر عنه بصورة أو بأخرى، بفوارق كمية أو تراكمية، بفوارق الوسائل ونهج استخدامها، فسورية حلقة أو عقدة ربط خاصة في المنطقة، من الصعب أن تكون مقفلة على ذاتها من حيث الجوهر أو من الصعب أن تكون قادرة على حل قضاياها ومشاكلها بدون مفاعيل أساسية مرتبطة بما هو حولها، فشروط الوعي القومي التاريخي وولادته فيها، تاريخ تطور الأحزاب والبرامج، ثم حلقة أو عقدة الربط الجغرافي والسياسي للكثير من العوامل، وحالة التأثير المتبادلة في أهم القضايا القومية وصولاً إلى حتمية الصراع مع المشروع الصهيوني بسماته القائمة، كل ذلك خلق مساراً تعقيدات وشروط عمل خاصة بالنظام والمعارضة.
بتركيز القمع وشمول الديكتاتورية. كان النظام يبتعد منفصلاً ببطء عن قاعدته الاجتماعية، ليجد نفسه مضطراً دائماً إلى اللجوء لعمليات حماية مختلفة عن الماضي، وكان ذلك بالمزيد من الالتصاق حتى التطابق بين السلطة والدولة، بالمزيد من الاعتماد على المؤسسات القمعية وتعميم القمع. وكان الأكثر خطورة من كل ذلك بحثه عن العصبيات المتخلفة (الطائفية، العشائرية والعائلية) للإمساك بمؤسسات السلطة، لفرض القرارات المركزية وتأمينها، لتأبيد احتكار السلطة إن أمكن، إن ذلك أضاف الكثير من التعقيد على شروط العمل السياسي في الوطن، وعلى المعارضة، ففقد أي توازن في القوى بين النظام والمعارضة، أمسك النظام بكل شيء، وارتبطت التطورات الأساسية به عندما نقل حراكات وتناقضات المجتمع إليها بضخها. فتحولت معادلة أو قانون وإمكانية التطور لتصبح "من فوق لتحت" من قمة الهرم السياسي في (النظام السلطة، الدولة) باتجاه المجتمع عوضاً عن العكس.
إن المعارضة كما ذكرنا كانت متأثرة بشدة بالموجة الإيديولوجية والمفاهيم السياسية والأخلاقية السائدة، كان نهجها والنظام من ينابيع متشابهة، إن لم نقل واحدة في بعض الأحيان، وبالمزيد من احتكار السلطة وشمول القمع من قبل النظام كانت المعارضة تتحول ببرنامجها وخطابها ووسائلها، بنبرتها ومصطلحاتها إلى صورة مشابهة، لتساهم بدورها في إغلاق الأزمة ومفاقمتها على الرغم من تحمل النظام للمسؤولية الأولى والحاسمة فيها، لم يكن ذلك شيئاً إرادياً وذاتياً في المعارضة، كان وليد الشروط التي تحدثنا عنها، وعلى اعتبار أن المعارضة في الأساس متنوعة المنابت والاتجاهات وخاضعة لشروط ايديولوجية سياسية واجتماعية مختلفة، فإنها اختلفت أيضاً في وسائل معارضة النظام، هكذا اندفع التيار الديني بصورة أساسية ثم بعث العراق في إطار ارتباط مشروعه ووسائله بالسلطة العراقية، اندفعا إلى تبني نهج العنف والإرهاب في إسقاط السلطة، لقد ترك ذلك آثاراً شاملة وعميقة في شروط العمل السياسي العامة وعمل المعارضة بشكل خاص ولا نزال نعاني بشدة من كل ذلك.
إن أهم راسب في الشرط السياسي السوري لعمل المعارضة الآن. بعد شرط الموجات الايديولوجية ومفاهيم الشرعية المتشابهة مع حالة النظام، كان راسب الصراع بين التيار الديني والنظام، إذ قام ذلك الصراع من جهة التيار الديني وبصورة صريحة بالمعنى الايديولوجي والسياسي، والعلاقة مع الكتلة السكانية الوطنية على أساس طائفي، التيار الديني رفض أي تنسيق مع القوى الأخرى على أسس المعارضة الوطنية. ولم يشترك معها بوسائلها غير العنيفة، هكذا ساهم أكثر من غيره بكثير داخل طيف المعارضة بإغلاق الأزمة ومفاقمتها حتى حدود الخطر بأن تستمر الحرب الأهلية التي بدأت فعلياً. وساهم ذلك بالمزيد من تركيز احتكار السلطة، تعميم القمع، والتشدد في وسائله "وفنونه" أي أنه ساهم في تطوير نهج السلطة وردود فعلها . وخلق كل ذلك لاحقاً شرطاً موضوعياً جديداً لعمل المعارضة، فرضه النظام في إطار تفرده بالقوة وتحديده لهامش النشاط المعارض فقطع الطريق على أي نشاط سياسي ديني منظم في المعارضة وتابع ذلك حتى اللحظة الراهنة وعلى الرغم من بعض التطورات الإيجابية الجزئية في خطاب أطراف من التيار الديني. كانت حجج النظام، تحفظاته، هواجسه معروفة وواضحة.
ذلك الشرط سمح فقط لقسم من كامل طيف المعارضة السورية ذلك القسم أو الأطراف التي لم تستخدم وسائط العنف ونهج الإرهاب، هي التي سمح لها النظام بالنشاط المعارض في الحدود الدنيا من الممكنات، الحدود التي يقبل بها وهو يعيد إنتاج ذاته في عملية تكيف دفاعية تحت ضغط أزماته وضغط الشرط الخارجي، أي أن النظام لم يسمح ولا يسمح حتى الآن بأي نشاط معارض داخلي للتيار الديني المنظم الذي رفع لواء المعارضة المسلحة ضده، وخلق ذلك تعقيداً إضافياً، فأظهر المعارضة الديموقراطية اليسارية والعلمانية كأنها متواطئة مع النظام، أو غير ديموقراطية، أو على الأقل في وضعية استغلال الشرط وغياب التيار الديني لاجئاً في الخارج، ساهم هذا ويساهم في تعميق تناقضات المعارضة.
- إلى جانب ذلك لن ننسى الهشاشة الزائدة والضعف الذي تطور إليه النسيج الوطني والوحدة الوطنية بسبب التطورات والسياقات السياسية السابقة، بسبب البنية والتركيبة الاثنية التعددية، وهنا نذَّكر بشكل خاص أن النسيج الوطني السوري يختزن بحد ذاته لمشاكل كثيرة تتعلق بموضوع الأقليات، أهمها قاطبة المسألة الكردية، إن المفاهيم والمواقف والبرامج المتعلقة بها، ثم تميزها وتمفصلها أخيراً بصورة خطرة على العامل الخارجي الأمريكي بالتغاضي عن وعي وإرادة أصحابها، ثم ردود الفعل القومية والسياسية العربية عليها، هذا بجملته يجعل الشرط السياسي السوري أكثر تعقيداً وحساسية أمام المعارضة، كما يلعب الآن بصورة خاصة دوراً كبيراً في التركيبة والمشاكل والانقسامات الجارية.
إن المسألة الوطنية بحد ذاتها، تاريخ علاقة النظام بها، مستوى التناقض مع الكيان الصهيوني ومسار الصراعات فيه بأكثر من بلد في منطقة الشرق، تظهر أن مسألة الصراع مع إسرائيل هي مسألة الوطن السوري عموماً، إن احتكار السلطة لتلك القضية والمحاسبة الشديدة على أي عملية تنافس فيها، عقَّدَ فعل المعارضة، بل أخرجها من دائرة الفعل المستقل في ذلك الميدان كلياً تقريباً، نعتقد أن طبيعة المعارضة بنيتها، نهجها، تاريخ علاقتها بتلك القضية وليس مجرد خوفها من النظام إن قامت بفعل وممارسة وطنية مستقلة، بل ربما لموافقتها ضمنياً والتواطؤ مع سياسات النظام، فإنها اكتفت بالخطاب الوطني اللفظي، دون أي اختراق للخط الأحمر في ذلك، دون أن تتجرأ على طرح نهج وممارسة مختلفة.
كان العامل الخارجي دائماً عاملاً هاماً في تعقيد شرط المعارضة السورية، بدلاً من أن يكون عامل توحيد وطني، لقد أدخل النظام هذا العامل بكثافة ايديولوجية وقمعية في اعتباراته لتركيز احتكار السلطة وديمومة وجودها، غدا العامل الخارجي هو الخطر الذي يمكن النفاذ منه إلى الوطن والمصالح الوطنية العليا، غدا حجة وسيلة إضافية في القمع، إن العامل الخارجي الآن أكثر حضوراً، تأثيراً وخطورة من أي مرحلة مضت في تاريخ المسألة الوطنية.
إن الاستراتيجية، الوسائل ووتائر العمل الأمريكية جعلت من العامل الخارجي عاملاً حاسماً في التطورات الداخلية، لقد حقق اختراقات عديدة داخل السلطة وخارجها، ويعمل الآن سراً وعلانية على تعقيد شرط المعارضة، إذ نعتقد أن المعارضة السورية منقسمة على العامل الخارجي من زاوية خطورته، دوره، طريقة التعاطي معه، مستوى الاهتمام به، والحسابات المطلوبة لأجله، وهنا بالذات نستطيع التأكيد أن هناك خلفيات دوافع، فوارق عميقة تجاهه بين قسم كبير من المعارضة العربية والكردية على الرغم من الحذر الكردي الواضح في كل ذلك، وفي حال استمرار النظام بنهجه وممارساته (وهذا هو المرجح). فإن الاختراقات الأمريكية ستزداد تراكمياً وفعالية.
واقع وإشكالات المعارضة السورية:
1 – إنها معارضة منقسمة على ذاتها، بسبب مفاهيم ومواقف مختلفة متناقضة على العديد من القضايا، إنها منقسمة بشكل خاص بين التيار الديني والتيار اليساري والعلماني وبعض النخب الليبرالية، منقسمة في ذلك بنيوياً وايديولوجياً. كما أنها منقسمة على المسألة الكردية بشدة بين معارضة عربية وأخرى كردية، بالإضافة إلى خلافات وتناقضات ثانوية إنما هامة وفعالة داخل التيار الواحد.
2- نشوء شروط تاريخية – سياسية خاصة، تركزت في تاريخ النظام الديكتاتوري الشمولي مما جلب وضعاً سمح فقط لحراكات نخبوية محدودة بدورها، نخب اليسار والعلمانيين ومجموعات ليبرالية، ونخب طبقة من التيار الديني الأكثر استنارة، هذا الشرط جعل المعارضة المتحركة الآن تبدو بدون جمهور، بدون قوى اجتماعية متحركة تحتضنها وتطور فعاليتها.
3- خلل هائل في ميزان القوى بين النظام والمعارضة بمختلف تلاوينها.
4- ضعف شديد في فعل المعارضات المنظمة داخل الوطن، وغياب التيار الديني المنظم والمعارض لاجئاً خارج الوطن، التيار الوحيد الذي يعتقد أنه يحتفظ بقاعدة جماهيرية، إنما كامنة تحت ضغط القمع والرهاب.
5- إن الترتيب التثاقلي لتأثير قوة وفعل المعارضة يجعل من الموقف الشعبي المعارض بصورة سلبية صامتة هو القوة الأولى، لا يوجد طرف واحد من المعارضة يمكن اعتباره فاعلاً على الأرض.
6- هكذا يبقى النظام داخلياً الطرف الحاسم في رسم شروط العمل السياسي، ينافسه الآن بشدة العامل الخارجي، العاملان السابقان يرسمان حتى الآن للمعارضة هوامشها في الحركة، وسائلها، مستوى تأثيرها، والمعارضة لم تتجاوز بأي قدر حالة ردود الفعل الانفعالية على ذلك.
7- هناك العامل الإشكالي المتعلق بالدور الذي رسمته الشروط للمعارضة الداخلية اليسارية والعلمانية، نقصد الغياب القسري للمعارضة الدينية.
8- وحتى الآن لم يصل التيار الديني إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب من منظور المراجعة ونقد تاريخه، وتحديد مسؤولياته، ليتقدم اعتباره كتيار تنويري نهضوي، أو تيار متجاوز للماضي مما يسمح بتجاوز عتبة الحوار معه إلى التنيسق والتحالفات.
9- إن المعارضة اليسارية والعلمانية بحد ذاتها تعيش علاقات قديمة مترسبة وحساسيات هي أيضاً لم تراجع نفسها بصورة جريئة، لم تطرح برنامجاً ووسائل عمل متجاوزة للماضي، لم تطرح مبادئ وقيماً ومفاهيم وممارسات تشكل قطعاً حازماً مع النظام، كذلك لتتجاوز انقساماتها وحساسياتها كي تلعب دوراً فعالاً مع بقية المعارضة، والمؤسسات القائمة في وسطها ضيقة مغلقة ذات نهج قديم، مع تاريخ في الممارسة لم ينتقد في الحد الأدنى المطلوب، مؤسسات عاجزة عن تطوير ذاتها والتوافق مع متطلبات التغيرات والتطورات الجديدة في العالم والمجتمع.
10- على الرغم من أن المعارضة السورية بكل فئاتها المنظمة تبدو أقل اختلافاً في الموقف من السلطة، والعامل الخارجي. إلا أنها في الحقيقة مختلفة في نهج المعارضة للنظام وتقديرها للممكنات ووتائر النشاط، مختلفة في مرجعيات وعيها ومواقفها النظرية والفكرية – السياسية والأخلاقية خاصة في قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، مختلفة على مستوى مخاطر العامل الخارجي ودور الأخير متجسدً في الاستراتيجية الأمريكية ووسائل تدخلها، كذلك الأوربية ووسائلها المختلفة. هناك خلافات جادة في مستوى الاهتمام بتقدير خطورة العامل الخارجي، في مستوى الحماس بمواجهته، ثم الخطط والوسائل المناسبة. بالتالي هي مختلفة على برنامج مستقبل الوطن، وهذا قائم داخل كل تيار رئيسي في المعارضة كما هو قائم بين تياراتها.
واقع المعارضة اليسارية والعلمانية والليبرالية:
إن شرط الحراك القائم وجملة الشروط السياسية تبدو في صالح هذه المعارضة أساساً، هذا شيء هام وخطير يحدد الكثير من المتطلبات والقضايا، وسيؤثر بشدة على اتجاهات التطور المستقبلية وعلى علاقات المعارضة ببعضها، إنها مسائل مرتبطة بنهج هذه الفئة من المعارضة، بوعيها وقدرتها على تجاوز واقعها القائم ولعب الدور المنوط بها.
أيضاً هي معارضة منقسمة على ذاتها أولاً بين عربية وكردية، كذلك بين عربية وعربية، والاتجاه الليبرالي بدوره منفصلاً على ذاته بين تيار يؤكد ضرورة حضور العامل الخارجي بالتغاضي عن وسائله وآخر يرفض ذلك، وتتركز الخلافات عموماً في وسط هذه المعارضة حول الموقف من العامل الخارجي ودوره في العمل الوطني، أي بمعنى أخر حول عملية الانتقال الديموقراطي.
هي معارضة ضعيفة، مشتتة، تخترقها رواسب وحساسيات قوية من الماضي، بعضها يتعزز مجدداً . المؤسسة الرئيسية فيها هي (التجمع الوطني الديموقراطي) تشّكل بنظام داخلي نعتقد بقوة أنه نظام غير ديموقراطي بسبب مبدأ (حق الفيتو) الذي اتفق عليه كما قيل بسبب خوف بعض أطرافه أن ترشح أطراف أخرى قوى غير مرغوب بها. إن القوى التي أغلق في وجهها التجمع من منظور خوف تسربها إليه هي التيار الديني، بعث العراق، حزب العمل الشيوعي، وكان الأخير هو الطرف الوحيد فعلياً الذي جرى حوار حول وجوده في التجمع ورفض باعتراض قوة وحيدة، كان خوف أطراف التجمع من بعضها متبادلاً، وهذا مبدأ يناقض العمل الديموقراطي والمبادئ التي تحكمه، كما يناقض مبدأ الثقة. تكون التجمع دفعة واحدة وبقي هو هو من حيث الأسماء التمثيلية، بينما الوقائع على الأرض شيء مختلف جداً. وإذا تركنا إشكالية العلاقة بين التجمع وحزب العمل، كذلك بين التجمع والحركة السياسية الكردية بكاملها. فإن واقع التجمع الآن هو في أسوأ حالاته. أطراف هامة داخله لا تعول عليه بأي مستوى، ويبدو غير قادر على تطوير ذاته عدا عن تطوير دوره بالعلاقة مع طيف العلاقة وقيادة العمل الديموقراطي المعارض. وتقوم الأسباب في استمرار النظام الداخلي القمعي والمتخلف، غياب النقد الجاد والمراجعة لبرنامج التجمع ونظامه الداخلي وعلاقته مع المجتمع ومع القوى السياسية الأخرى في أولها حزب العمل الشيوعي، ثم الخلافات الحقيقية القائمة بين قوى التجمع الأساسية: حول نهج مواجهة النظام ووسائل ذلك ووتائره، والممكنات القائمة في الواقع، والموقف بتفاصيله الأساسية من العامل الخارجي، ثم نهج تطوير المعارضة وعدم الانسجام بين الإدعاء الديموقراطي والممارسة، بين الإدعاء والممارسة في شروط التنسيق والتحالف مع الأطراف والقوى الأخرى، ثم التناقض بين الحالة الأسمية، الشكلية والحالة الوهمية لوجود القوى وفاعليتها، هكذا يبدو التجمع عاجزاً عن خلق طاقة تفعيل جديدة متميزة.
تفتقد المعارضة اليسارية العلمانية والليبرالية إلى مؤسسة الحد الأدنى للتنسيق المشترك، حتى داخل الصف العربي بحد ذاته نفتقد لمثل هذه الهيئة، وعمليات التنسيق القائمة تخضع للمواقف والحساسيات القديمة، تخضع لمنطق قمعي يحدد مسبقاً الأطراف المطلوب التنسيق معها، فيرفع من قوة وحضور مسميات وفعاليات للتوقيع على بيانات والتنسيق والوجود في هيئات أولية كل ذلك بمقاييس بعيدة كلياً عن تجاوز الماضي والعمل بمسؤولية ونهج ديموقراطي.
في الوسط الكردي هناك أكثر من مؤسسة تشكلت بطريقة التجمع الوطني الديموقراطي، بدون تشاور مع الأطراف الأخرى، بموقف مسبق منها واستبعادها، هكذا بدون أي اعتبار جاد للأمر بصفته قضية وطنية تهم الجميع عرباً وأكراداً ، وتبدو الحالة الكردية الآن عاجزة أيضاً عن طرح مبادرة شاملة لتشكيل هيئة واحدة للمعارضة، بينما تقوم بعض أطرافها بردود فعل على المعارضة العربية عندما تطرح مشاريع هيئات وبرامج عمل كردية صافية، حتى بدون التشاور مع الأطراف العربية، عداك عن ضرورة دعوتها دائماً إلى أي اجتماع كردي بغاية النقاش في مسائل العمل الوطني، على القوى السياسية الكردية أن تتجاوز ردود الفعل على مواقف المعارضة العربية وأخطاءها السياسية والتنظيمية بخصوص المسألة الكردية وقواها، يجب أن يقوم التنافس هنا على إبراز الوعي الديموقراطي والممارسة الديموقراطية. وإعطاء درس إيجابي حقيقي للآخر بالتشاور معه، دعوته إلى مبادرات مشتركة، كذلك التنافس في أصول العمل الوطني وإعادته إلى أسسه، إن ردود الفعل واعتبار مسألة تشكيل مؤسسات وبرامج .
إن تناقض المعارضة العربية لقسم كبير من أطرافها مع الوضع الكردي شديد، نحن نعتقد أن هذه المعارضة مسؤولة بالدرجة الثانية بعد النظام عن الإشكالات والتأثيرات السلبية التي نجمت عن المسألة الكردية، كان فهمها قاصراً ومنقوصاً، خاطئا ًومتأخراً جداً من زاوية الاهتمام بالمسألة، لم تأخذ هذه القوى المسألة الكردية بحقيقتها وأهميتها بعين الاعتبار في برامجها ونشاطاتها السياسية، لم تتمكن من خلق فعل مضاد لفعل النظام وقطع الطرق عليه في الآثار السلبية للمسألة، لم تؤسس لعلاقة صحيحة مع المسألة الكردية وقواها، حتى دخلت هذه المسألة في الإطار الأكثر تعقيداً وخطورةً.
هناك اشكالات كبيرة في صف هذه المعارضة بين الداخل والخارج إذ، سحب الداخل نفسه بمشاكله على الخارج، وعلى الرغم من أن شروط المعارضة اللاجئة مناسبة أكثر لتطوير وضعها ودورها، إلا أن هذا لم يتحقق. ولم تتمكن أيضاً من لعب دور في تطوير عمل معارضة الداخل، أو تطوير العلاقة بصورة إيجابية بين معارضة الداخل والخارج، نعتقد أن المسؤولية الرئيسية في كل ذلك تقع على معارضة الداخل.
أهم إشكالات المعارضة الخارجية اللاجئة:
تحت ضغط وتأثيرات وضع المعارضة السلبي في الداخل، حاولت معارضة الخارج أكثر من مرة أن تجعل من نفسها مركز الفعل السياسي والإعلامي للمعارضة، بشكل خاص فترة الجزر السياسي، فترة القمع والرهابات. واستمرت تلك المحاولات لاحقاً.
دخلت معارضة الخارج أكثر من مرة، وفي أكثر من مرحلة بعمليات تنسيق مع أطراف المعارضة الأخرى كالتيار الديني وبعث العراق، فعلت ذلك بأسماء أفراد إما لترك هامش للتنصل من المسؤوليات والتهرب وعدم الالتزام من قبل القوى السياسية التي ينتمون إليها، أو بسبب الغياب الفعلي للقوى التي يمثلونها في الخارج، فتحول الأمر إلى أمر فردي.
من جهتنا لا نعرف حقيقة أمر إن كانت هناك أدوار مرسومة لبعض الأشخاص المحسوبين على معارضة الداخل، على بعض القوى السياسية. ليدخلوا عمليات تنسيق وتوقيع مواثيق لتحالفات وهيئات بأسمائهم الشخصية ، كاختبار لردود فعل النظام والقوى الأخرى أو كاستعداد لأي تطورات مستقبلية إيجابية وقطف الثمار، جرى هذا في أكثر من مؤتمر وعملية تنسيق مع النظام العراقي والتيار الديني، وجرى في ملتقى باريس الأخير على الرغم من النتائج السلبية التي نجمت عنه عموماً.
لم تجعل من نفسها مثلاً يحتذى للعمل المعارض في الداخل، قامت مثله بالكثير من الممارسات التي تستحق المراجعة والنقد الجريئين، صحيح أنها تمكنت (كالمعارضة العلمانية واليسارية ) أن تنجز هيئة للتنسيق ومشاركات سياسية أكثر رقياً من الداخل مع ذلك لم تشكل حالة أو مثالاً متجاوزاً .
بعض شخصيات وأطراف في المعارضة اللاجئة سمحت للنظام السوري أن يقوم ببعض الاختراقات، وأن يستغل الأمر في العديد من الحوارات مع اتجاه في الحركة الدينية بعينه وما نجم عنها من آثار داخل التيار بجملته. أو تأثير على شخصيات بعينها واللعب معهم على حساب قضية اللاجئين، من خلال اللعب على مسألة العامل الخارجي، التهديدات بالتدخل، والتأثير في المسألة الوطنية والعمل الديموقراطي المعارض داخلياً.
تصورات لتطوير عمل المعارضة الديموقراطية:
بعد هذه اللوحة المكثفة عن واقع المعارضة بكل تلاوينها ومواقعها، نعود للقول أن الشروط المحيطة بالوطن تجعل من ضرورات العمل المعارض الديموقراطي أن تكون في حدودها القصوى.
مصائر الوطن تتقرر من اللاعبين الكبار، والمعارضة في أشد حالاتها ضعفاً وتشتتاً، بل هي في أسوأ الوضعيات السلبية والإشكالية.
ممكنات العمل السياسي تحت ضغط أزمات ونظام والعامل الخارجي وخيارات النظام بذاته، تلك الممكنات واسعة جداً، حقيقية ومتاحة، الماضي القديم، بل حتى القريب جداً منه غدا صعباً أن يعاد ويتكرر، إن لم يكن ذلك شبه مستحيل.
النظام اللاعب الرئيسي في الوطن لا يستطيع أن يعيد الماضي، لا يستطيع أن يعيد لا نهج الماضي ولا وسائله ولا رهاباته، لا يستطيع وربما لا يريد أن يفعل ما فعله قبل شهر، هكذا تقتضي عمليات تكيفه الدفاعية، هذا هو الوضع الذي لا يستطيع أحدٌ فيه خلق معارضات " على الكيف"، معارضات "تفصيل" فيجب العمل أولاً وأساساً والتركيز على المعارضات القائمة وتطويرها، في نفس الوقت الذي يمكن فيه بل يجب الانتباه إلى المظاهر الجديدة في الواقع وتطويرها.
إن التصورات التي سنتقدم بها الآن هي على مستويين: المستوى الأول يتعلق بتسارع تطورات ، بخطورتها وما يمكن فعله سريعاً، والمستوى الثاني يتعلق بالعمل الديموقراطي المعارض من منظور أكثر بعداً بالمعنى الزمني، وأكثر شمولاً في مستقبله وتوجهاته، إن توجهنا بداية إلى قوى معارضة بعينها لا يعني أكثر من عملية توافق بين التحليل والممارسة، لاعتقادنا أن الفعل المطلوب وتطويره يبدأ من هذه القوى، يبدأ الأمر بالنسبة لنا باعتبار الحلقة الحاسمة في الفعل المعارض تنطلق من العمليات السياسية، التناقضات، والصراعات داخل الوطن، كما تقوم موضوعياً وذاتياً، ويبدأ من جهة أخرى بالقوى والفعاليات الموجودة داخل الوطن وفي قلب تلك العملية بالتغاضي عن مشاكلها وانقساماتها، عن ضعفها وقوتها.
هكذا نتوجه بتصوراتنا بداية إلى القوى اليسارية، العلمانية، الليبرالية، عرباً، أكراداً وأقليات أصيلة أخرى (غير مهاجرة) كالآشوريين، نتوجه إلى: التجمع الوطني الديموقراطي ، حزب العمل الشيوعي، منظمات حقوق الإنسان الأربعة أو من يريد منها أن ينخرط فعلياً في الشأن العام والعمل السياسي الواسع، كذلك إلى لجان إحياء المجتمع المدني، إلى لجان مناهضة العولمة، إلى الفعاليات الديموقراطية والسياسية المعارضة كمجموعات أو أشخاص، نتوجه إلى كامل المسميات القوى الكردية التي تعتبر نفسها بصورة صريحة كقوى معارضة ديموقراطية وطنية. (فهناك إشكالية في حقيقة إنتماء جميع المسميات الكردية السياسية المنظمة إلى المعارضة نهجاً وممارسةً، فبعضها يتأثر سريعاً بخطاب النظام ووعوده، وبعضها يشتق نهجاً وممارسات متطرفة تبعده عن العمل الديموقراطي الوطني المعارض.)
في المستوى الأول:
إطلاق طاقة تفعيل فورية ومتميزة، ولا نعني بذلك ضرورة خلق أفعال وتأثيرات واسعة وعميقة سريعاً، بل نعني إطلاق خطوة أولى على صعيد النهج والممارسة والمؤسسات، جديدة كلياً، متجرأة، متجاوزة للماضي والواقع وذلك من خلال :
الاستجابة السريعة والفورية، وتلبية دعوة لقاء يضم كامل طيف المعارضة الداخلية التي حددناها قبل قليل بالمسميات، وتشكيل هيئة تنسيق مشتركة تتمثل فيها كل القوى والفعاليات بصورة ندية .
تعطى صلاحيات قيادة العمل الديموقراطي المعارض لهذه الهيئة وتضع خطة عملية لرفع مستوى الممارسة اليومية في كل المواقع الضرورية وكل المناسبات، رفع وتائر النشاط، إشراك كتل بشرية أكثر اتساعاً فيه ولو كان بداية من النخبة، مع التركيز على المهمات السياسية الملحة، وبقية المهمات الضرورية على الصعد الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الدعوة لتشكيل هيئات تنسيق معارضة مشتركة في المحافظات بحسب القوى الموجودة، وإطلاق حرية العمل الميداني لها بين التوجهات العامة وخصوصية كل موقع وإمكاناته.
الدخول المباشر في حوار جاد لتحديد المهمات السياسية الملحة، وتحديد الأولويات فيها، ونتصور الأمر حتى الآن وبسبب متابعة النظام لنهجه وطبيعته وممارساته: أ- أن المهمة الديموقراطية لإلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكامل المجتمع وتشكيل جبهة عمل ديموقراطي معارض واسعة من أجل هذه المهمة ، والعمل بصورة سلمية علنية تدريجية: نعتبر أن هذا الأمر هو الذي يحدد المهمة المركزية والملحة، وبدون إنجازات ديموقراطية جادة، بدون ضمانات قانونية وسياسية لن يتمكن المجتمع من الحراك، ولن تتمكن المعارضة من تشكيل قوة فعلية لمقاومة التهديدات الخارجية. ب- في نفس الوقت يقع الوطن حقيقة تحت تأثير خطر متسارع لاحتمال التدخل الخارجي الأمريكي، وإعادة صياغة كل شيء من منظور أهدافه ومصالحه متحالفاً مع الكيان الصهيوني، منسقاً معه أولاً بأول دون اهتمام بأي طرف آخر، هذا العامل يدفع، يزيح، يطور التناقضات، ويحتاج الأمر من قبل المعارضة لاهتمام شديد ومراقبة وممارسة متطورة، ثم تحديد الشروط واللحظات الفعلية لانتقال المهمة المركزية، ويجب على المعارضة من الآن أن تهتم بهذا الأمر كما يستحقه أيضاً، من زوايا البرنامج، الدعاية، التحريض، الممارسات الميدانية والعمل المستقل عن النظام في كل هذا طالما أنه مصرٍ على نهجه وممارساته تجاه المجتمع والمعارضة. ج- تطوير النشاط على الصعد الأخرى المتاحة والممكنة بصورة مباشرة لتطوير مستوى الحراك الشعبي .
في المستوى الثاني:
إطلاق عملية الحوار مباشرة وغير مشروطة بين تيارات المعارضة، تلاوينها وقواها دون أي استثناء، بشكل خاص اليسارية والعلمانية والدينية .
في الحوار الأولي هناك ضرورة للبدء في قضايا المهمات الانتقالية أو الملحة المتفق عليها، ثم حوار في مفاهيم المعارضة المعاصرة متعينة في الوطن السوري، ثم حوار في مفاهيم الديموقراطية ونظمها السياسية وحقوق الإنسان، المرجعيات الفكرية والأخلاقية، العمل العلني السلمي، مفهوم وحدة الوطن والوطنية والمواطنة.
عندما تتعزز أسس الحوار وتحصل تقاطعات جادة في المفاهيم والمرجعيات، يطرح موضوع البرنامج بالكامل، بشكل خاص في قضايا الانتقال الديموقراطي والنظام السياسي المطلوب، العامل الخارجي والتهديدات ودور المعارضة، وهذا بشكل خاص مع التيار الديني المستنير.
على هيئة التنسيق المشتركة الممثلة لقوى المعارضة الداخلية أن تتقدم ببرنامج عمل وطني يلحظ أهمية : أ- تجاوز مرحلة النقض والتحريض على النظام إلى طرح برنامج شامل بديل، سياسي اقتصادي اجتماعي. ب- يلحظ المشروع أهمية التقدم من المجتمع والعالم والنظام كقوة ديموقراطية، إصلاحية ، حريصة أولاً على الحوار الوطني الشامل مع كل الأطراف بما فيها النظام، ليس هذا فحسب بل تتقدم بمشاريع برنامجية ممكنة وعملية عندما يتجاوز النظام بعض طبيعته، بعض تاريخه وماضيه، ويطلق حد أدنى من الخطوات التي تسمح بالأمان القانوني والسياسي مثال: وقف العمل بحالة الطوارئ فيما يتعلق بالعمل السياسي المعارض، تشكيل لجنة مشتركة من النظام والمعارضة لقفل ملف الاعتقال من منظور شامل سياسي اقتصادي معيشي وأمني ..إلخ، السماح لكل قوى سياسية ديموقراطية وطنية في الداخل بوسيلة إعلامية حرة ومستقلة، إعطاء المعارضة حصة في الإعلام المركزي الرسمي (الدولتي).
يقع العاتق أطراف المعارضة العربية اليسارية والعلمانية الآن الدور الحاسم والأكثر تجرؤاً في وضع الحالة الكردية تحت السقف الوطني بصورة ديموقراطية، وفي إطار البرنامج الديموقراطي الوطني، يجب العمل على هذا الأمر بسرعة ولابد من توفر شرطين: الأول والأساسي يقوم على تقدير المشكلة الكردية والتعبير الكامل عن هذه الحقيقة، ثم إدراجها ثانياً كما تستحق في البرنامج، والمدخل إلى هذا الموضوع ليس العمل الموسمي والانتقائي، أو مجرد الحوار مع هذه القوة أو تلك، بل تشكيل هيئة التنسيق المعنية بتمثيل كردي مناسب وندي من البداية، إن المعارضة العربية العلمانية هي صاحبة المبادرة في أكثر من مستوى، مستوى العمل مع التيار الديني المستنير، ومستوى العمل لنزع فتيل المسألة الكردية.
إلى جانب المسألة القومية الكردية هناك أقليات أخرى يجب دراسة، تدقيق، لحظ قضاياها بشكل خاص للآشوريين .
يبدأ كل ذلك باجتماعات تمثيلية شاملة، لا دعوات استئصالية تستبعد من لا ترغب به كما يحصل الآن من قبل بعض مجموعات وأفراد المعارضة ومطابخها، يحصل بوعي وممارسة لا ديموقراطية ومتخلفة، ويسيء لمستقبل العمل الديموقراطي المعارض، مستقبل الديموقراطية، ومسألة حشد القوى في مواجهة العامل الخارجي.
التركيز الدائم على عمليات التنسيق الميدانية، العقلانية، الممكنة والمتطورة .
الاهتمام الشديد بعلاقة الداخل بالخارج على الأسس التالية: أ- المعارضة موضوعياً وذاتياً عمل داخلي أساساً، تبدأ أسسه، مؤسساته، ووسائله من الداخل، تبدأ الخطوة الحاسمة في البرنامج وتطوير عمل المعارضة من الداخل، بشكل خاص الخطوة المتعلقة بهيئة التنسيق . ب- مراجعة ونقد الخطوات السابقة في عمل معارضة الخارج. ج- التنبه مستقبلاً إلى ضرورة قطع التصرفات الخاطئة والسعي كي لا تتكرر وتضيف المزيد من العراقيل والسلبيات. د- اعتبار المعارضة في الخارج امتداداً عضوياً للداخل، واعطائها دور هام وليس دور تابع أو تنفيذياً فحسب، فشروطها مختلفة وإمكاناتها متنوعة تسمح لها بتقديم نشاطات وخطوات تطوير ممتازة ، بشكل خاص على صعيد اعتبار المعارضة أمام العالم، كذلك على الصعيد الإعلامي المالي، قضايا حقوق الإنسان ومساعدة المتضررين من ملف الاعتقال. هـ لمعارضة الخارج دور هام في تطوير علاقة أطراف المعارضة ببعضها خاصة بين التيار الديني والعلماني، ذلك بالتنسيق الكامل مع برنامج ونشاط ومعارضة الداخل.
انتهى.

نداء إلى حملة تضامنية
لطي ملف المعتقلين والاعتقال في سوريا.
إلى كل ديموقراطي في الوطن السوري.
إلى كل معتقل رأي سابق.
إلى كل حزب ومنظمة.. تجمع وفعالية ديموقراطية وطنية
إلى كل القوى الإنسانية والديموقراطية والحقوقية في العالم..
تعالوا بمناسبة اقتراب اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى أوسع حملة تضامن، منتظمة، متصاعدة... يومية لنكوّن من خلالها رأياً عاماً ضاغطاً يقنع السلطة السورية بقفل ملف المعتقلين في السجون السورية.
الملف الذي لا يزال مفتوحاً يعاني الوطن السوري من نزيفه الدامي.. بحالة استثنائية – بل شاذة بالمقارنة مع أوطان الدنيا الأخرى.
أرسلوا ببياناتكم.. واحتجاجاتكم إلى المسؤولين السوريين وإلى هيئات الأمم المتحدة المختصة.
اذكروا الأسماء الموجودة في السجون .. وتلك المفقودة.
اذكروا الآثار التدميرية لملف الاعتقال التي شملت عشرات الألوف من المعتقلين السابقين وأسرهم.. وضرورة تشكيل لجنة لإعادة الحقوق إلى أصحابها.. وإيقاف الدمار المعيشي كذلك الأمني والسياسي والاجتماعي.
فليتضامن الآن المجردون من حقوقهم.. وليعملوا على تجاوز وسائل البيانات والمذكرات الموقعة والمرسلة إلى المسؤولين السوريين دون أي اهتمام .. بل بممارسة الإهمال القصدي.. الاحتقاري والمتعالي.
فليتضامن المبعدون عن الوطن قسرياً وندعوهم ليفكروا بصورة جادة بالعودة كمجموعات مع الحملات الإعلامية الديموقراطية والإنسانية في الوطن وخارجه.. وماذا سيحصل بذلك.. هل ستتلقاهم الأجهزة إلى المعتقلات... أو تعيدهم .. ستكون فضيحة .. بل فضائح .. وربما هي غير ممكنة سياسياً وأخلاقياً الآن..
أخيراً ندعو المعارضة السورية بكامل طيفها إلى خطوة متطورة في هذه الحملة التضامنية تشكل نقطة انطلاق في مسار جديد لمواجهة الظروف الخطرة التي يعيشها الوطن بين القمع , التعويق , منع الانتقال الديمقراطي من جهة... والتهديدات الخارجية من جهة أخرى.
فلنناضل.. فلنعمل.. لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين مذكرين: برفيقنا الدكتور عبد العزيز الخير.. ورفيقنا مهند الدبس.. مذكرين بمحمد عرب – الدكتور عارف دليلة .. حبيب عيسى السيد تللو.. ورياض سيف.. والحمصي، د. وليد البني.
مذكرين بالمعتقلين القدماء من التيار الديني وبعث العراق، مذكرين بكل حالات الاعتقال الجديدة، بشكل خاص من الوسط الكردي.
إن طي ملف المعتقلين والاعتقال بكل آثاره، يشكل نقطة انطلاق في الوحدة الوطنية الحقيقية. والعمل الديموقراطي الجاد، لمواجهة احتمالات التطور المصيرية والخطرة في الوطن.
حزب العمل الشيوعي في سورية
2004/11/19


مقابلة:
أجرت مجلة أبيض وأسود السورية تحقيقاً حول الإشاعة المتعلقة بوجود مشروع قانون أحزاب يجري الحوار حوله داخل الأوساط السلطة وكان ممن سألتهم عن الخطوة، أهميتها وآفاقها: رفيقنا فاتح محمد جاموس فأجاب كتابة في الحدود المطلوبة لعدد الكلمات على الوجه التالي:
" إننا في حزب العمل الشيوعي نعتبر بأي منظور كان، وجود قانون أحزاب ديموقراطي ومعاصر، أمراً هاماً جداً ومركزياً في عملية الانتقال الديموقراطي المطلوبة في سورية. لكن نعتقد أن هذا شيئاً يكاد يكون مستحيلاً في المدى القريب بسبب استمرار النظام باحتكار السلطة واتباعه أساليب إعادة إنتاج ذاته تكيفياً تحت ضغط العامل الخارجي أساساً، ثم ضغط أزماته الداخلية وذلك بدلاً من عملية سياسية مجتمعية واسعة ومعممة، تجري بالاتفاق مع المجتمع وفاعلياته وقوى المعارضة المختلفة.
وهكذا في العمل الكواليسي الجاري داخل صفوف السلطة بخصوص قانون الأحزاب، أو أي مسألة أخرى لن يعطي سوى تطورات شبيهة بقانون المطبوعات، أو ميثاق الجبهة التي تكرس طابع احتكار السلطة، إن الممكنات والمتاح هو شيء أكثر اتساعاً خاصةً أمام قوى المعارضة الديموقراطية، وذلك لسحب العملية وإجراء إنزياح عليها، من داخل السلطة وكواليسها إلى المجتمع، وهذا هو المسار البديل الذي يجب العمل عليه"
فاتح محمد جاموس.

















بيان
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

ليست الضغوط الأمريكية هي الخطر الوحيد المحدق بالبلاد، فثمة خطر أكثر تأثيراً وفاعلية هو ما يضعف المجتمع ويزيد احتقاناته ويعزز أسباب يأسه وإحباطه، عنوانه الفساد وغياب الحريات وفي القلب منها استمرار ظاهرة الاعتقال السياسي.

إن الأحزاب السياسية والقوى الحقوقية والمجتمعة الموقعة على هذا البيان، وبمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تدعو السلطات إلى وقف وإلغاء المحاكمات الاستثنائية والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، الذين أنهكتهم العزلة والأمراض، ومن اعتقل منهم سابقاً أو حديثاً بمن فيهم معتقلو ربيع دمشق مرورا بالمعتقلين على خلفية أحداث القامشلي المؤسفة، وأيضاً التوقيفات المتفرقة لعدد من الطلاب وفصل بعضهم من الجامعة واعتقال بعض المنفيين العائدين ونشطاء آخرين لا يزال معظمهم قيد المحاكمة.
فأي مراقب للحياة السياسية السورية يلمس مدى ضعفها وانحسارها بسبب استمرار المضايقات الأمنية والاعتقالات المتفرقة وإشاعة حالة خوف لا تزال تتملك نفوس البشر وتشل مشاركتهم ودورهم الحيوي في إدارة شؤونهم العامة.
وأمام تعاظم التحديات الخارجية فإن ضعف المواجهة يتأتى من دوام الهيمنة الأحادية والإصرار على الخيار الأمني والاستمرار في إرهاب المجتمع وعدم احترام حقوق الإنسان الأساسية في الرأي والتعبير والنشاط والتنظيم السياسي والمدني وغياب الحرية الصحفية وهضم الحقوق القومية والثقافية والتضييق على مختلف النشاطات.
إن رفع حالة الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية وما ترتب عليها وتسييد القانون وطي ملف الاعتقال السياسي وكشف مصائر المفقودين وتسهيل عودة المنفيين دون شروط وإعادة الجنسية للأكراد المجردين منها، هي مهمات إسعافية ملحة لا تقبل أي تأجيل نحو بناء وطن قوي قادر على مواجهة التحديات والأخطار المحدقة، وما الانكشاف الداخلي أمام الخارج إلا الخطر الأكبر على الوطن ومستقبله.
دمشق 9/12/2004م
التجمع الوطني الديموقراطي في سوريا. منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي.
التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا. ناشطو مناهضة العولمة في سوريا.
الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا المنظمة العربية لحقوق الإنسان- فرع سوريا.
جمعية حقوق الإنسان في سوريا.
حزب العمل الشيوعي.
لجان إحياء المجتمع المدني.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لجنة الدفاع عن حقوق المجردين من الجنسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي