الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول رواية عن ثورة 17 فبراير الليبية: “عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا” – الفصل الرابع

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2011 / 11 / 14
الادب والفن


عندما عاد العقيد من نزهة في الصحراء، علم بأن جاره في الحكم على اليمين قد هرب من كرسيه وقصره. ولما رجع من رحلة استجمام في البحر، علم أيضا بأن جاره في الحكم على اليسار قد هرب من كرسيه وقصره. ولما سمع العقيد باستعداد شعبه للخروج للتظاهر مطالبين بالديموقراطية، تساءل:
- "ألم يدرسوهم "الكتاب الأخضر" في المدارس خلال الأربعين سنة من حكمي؟!

آنئذ، أيقن بأن "الكتاب الأخضر" رهان ضعيف، فعمد إلى استثمار الكتاب الآخر طالبا من أئمة البلاد الفتوى ب"تحريم المظاهرات".

رفض الأئمة له طلبه لكن رفضهم لم يحبطه إذ توجه مباشرة إلى الفتاوي الجاهزة المراكمة عبر التاريخ لدى الجيران والتي تحرم الخروج عن البيعة التي في عنقهم اتجاه الحاكم وتنبه لخطورة الفتنة النائمة في الرؤوس. ثم بدأ يرسل، إلى الهواتف النقالة، رسائل قصيرة كتب فيها: "العلامة الجليل الشيخ العارف بالله معمر بن عمرو العامري يفتي بحرمة عصيان الحاكم وإذكاء الفتنة النائمة في الرؤوس"...

ظل يتساءل لمدة طويلة عن إمكانية إزاحة الشعب لرئيس حَكَمَهُمْ منذ كانوا في بطون أمهاتهم قبل أن يعلم بأن شعبه ينوي المضي في نفس الطريق للإطاحة به وبأنه حدد تاريخ "الخميس 17 فبراير" موعدا لانطلاق الثورة، فارتعدت أوصال العقيد الذي أمر بتخصيص الأيام السابقة لذلك التاريخ للتظاهرات المؤيدة له والمتوعدة بمتظاهري يوم الخميس الموعود وهو يهمهم:
- "حبات الطماطم اللعينة هذه على عربة البوعزيزي أججت ثورة على يميني وأخرى على يساري وثالثة بين شعبي وقفزت علينا واشتعلت في اليمن والبحرين وسوريا... مناقص من هذه ماطيشة!"

ثم انقض على ميكروفون الإذاعة قرب وسادته في غرفة نومه:
- "أهيب باللجان الشعبية لسحب تعويضاتها مسبقا للمشاركة في تظاهرة الغد وسحب مناشير الشعارات لحفظها وترديدها على مسامع أعداء الله والوطن. احملوا في تظاهرتكم "القرآن" في يمناكم و"الكتاب الأخضر" في يسراكم حتى تضمنوا النصر الأكبر والفوز الأعظم. احملوا الكتابين معا حتى إذا ما خذلنا "القرآن"، استقوينا ب "الكتاب الأخضر"...

ثم مُوَجّها غضبه إلى الثوار:
- "خذوا الشعب فلن يؤثر ذلك في موازين القوى. أنا معي الملايين ليس من الداخل فحسب بل من كل ربوع العالم. لذلك، فجنودي أعزاء علي ولن أغامر بهم في معارك حامية الوطيس، وقبيلتي عزيزة علي ولن وأغامر بها في ساحات الوغى. سأشتري لخصومي من يذبحونهم كالشياه ويسقطونهم كالصراصير. سأشتري لخصومي مرتزقة يقفون على الحدود ولا ينتظرون غير موافقتي ليضعوا القبعات الصفراء على رؤوسهم ويشرعوا في العمل بالضرب على الرأس والصدر والقفا. ولهذا الهدف، لن استخدم لا البلطجية كمصر ولا القبيلة كاليمن ولا الشرطة كتونس ولا الشبيحة كسوريا. أنا زعيم مبدع وهذه آخر إبداعاتي: المرتزقة"...

كان البث الإذاعي مباشرا ومفاجئا ومع ذلك استحوذ على الاهتمام وحقق نسبة عالية من المتابعة.

عسكريان متقاعدان على عتبة بابهما انتظرا طويلا حتى انتهى العقيد من خطابه ليعقب على ما ورد فيه من هجوم:
- لماذا لا يهتم العالم بنا؟
- إذا كان القذافي عدو العالم، فعلى الأقل يجب أن نكون نحن بديلا عنه!
- العالم لا يمكنه أن يتحرك إلا عند تلويحنا بسلاح النفط. وقد هددت بعض القبائل بوقف تصدير النفط إذا لم يضغط المجتمع الدولي على الطاغوت كي يوقف جرائمه.
- المجازر ترتكب والقتلى بالآلاف...
- على ماذا يعتمد القذافي؟
- على ثلاث: الكتائب الأمنية، على طريقة المماليك حيث لا تدين الكتاب بالولاء لمؤسسة بل لاسم فرد هو القذافي وأبناؤه. وعلى اللجان الثورية وهي بوليس وحزب في آن معا مهمتها قمع المتظاهرين واغتيال المعارضين وتفجير الطائرات. وأخيرا، المرتزقة ممن يبيعون خدماتهم وحياتهم لقاء المال الوفير والعقيد يعتبر المرتزقة كشعب بديل عنا نظرا للولاء الذي يكنه له، ولاء الكلب لسيده...
- يبدو أن العقيد قد أيقن مبكرا بأنه سيبقى لوحده في ساعة الحقيقة حين يواجه شعبه فبدأ يصنع شعبا طيعا بديلا يختاره بيده ويصنعه حسب منطق "الاختصاص": مرتزقة الهتاف والتصفيق القادمين من الملاجئ الخيرية، ومرتزقة الرقص والغناء من الجنود الليبيين القادمين من الثكنات بعدما تجردوا من ملابسهم العسكرية، ومرتزقة الإعلام والترويج من اللجان الثورية، ومرتزقة الحرب والقتل والتقتيل من المرتزقة القادمين من بلدان العالم... حتى إذا ما ُطلِبَ منه أن يوقف القتال بفعل موت رجالاته، قال بأنه ليس له رجال في المعارك وأن كل رجالاته انفصلوا عنه؛ أما هؤلاء، فهم مجرد مرتزقة يتقاضون أجرا لقاء موتهم. فليكن لهم ما أرادوا! أما هو، فيكفيه فخرا بأنه سيكون أول حاكم في التاريخ يستعين بالمرتزقة ضد شعبه. وبهذه الطريقة، لن يشبهه أحد من مؤرخي المستقبل لا بنيرون ولا بكاليغولا ولا بكركللا وإنما سيدخل التاريخ باسمه الكامل غير منقوص: "معمر القذافي"!"...
- المرتزقة قادمون من الخارج ليعيشوا على مال الشعب ويقتلوا أبناء الشعب. وفوق كل ذلك، يأخذون الجنسية ويصبحون شعبا موازيا لنا، أو ربما مع الوقت صاروا شعبا بديلا لنا!
- لذلك، فالعقيد يريد تحويل الثورة إلى حرب بين "الشعب الأصلي" و"الشعب البديل"!...
- سيصبح الامر مثيرا للسخرية!
- تماما كما سيصبح مثيرا لمعاودة حمل السلاح ومقاومة هذا المجنون! أين "إعادة السلطة للشعب" التي كان يتشذق بها يوم انقلب على سيده؟!

في ذكرى يوم "إعادة السلطة للشعب"، كان العقيد يحاول بطائرات شعبه التي يقودها المرتزقة "استرجاع مناطق حررها شعبه منه" بينما كان شعبه، في حشود عظيمة، يحتفل بنفس الذكرى في نفس اليوم ولكن بحرق "الكتاب الأخضر" وصور العقيد وعلمه وحيد اللون، ويشعلون النار في مقرات اللجان الشعبية ويهدمون مجسمات "الكتاب الأخضر" مهللين:
- "الشهيد يريد إسقاط النظام"
- "دم الشهداء، لن يسيل هباء"...

كانت الطائرات تقصف المتظاهرين بلا هوادة بينما الناس على الأرض يتساءلون عن طبيعة الجثث المفحمة على الطرقات:
- هل هي هياكل عظمية متفحمة؟!
- كيف يصير المرء هيكلا عظميا في ثوان؟!
- ما طبيعة المواد التي تلقيها الطائرات كي تحيل المرء إلى هيكل عظمي متآكل؟!
- الهياكل تبدو وكأنها أخرجت للتو من قبر من مقابر القرن الماضي!
- كلا ! هذا أخي وهذا جاري وهذا صديق طفولتي!
- أنا أعرف هؤلاء: أعرف أسماءهم وعناوينهم واهتماماتهم ومستوياتهم الدراسية وبرامج عطلهم الربيعية القادمة!
- أنا أيضا أعرفهم واحدا واحدا!...

بعد كل غارة من الجو، كانت كتائب العقيد تخرج من تحت الأرض لمسح عبارات الثورة على جدران المدن، وإنزال الأعلام المتعددة الألوان لترفع محلها العلم وحيد اللون، وتسوي بالجرافة قبور الشهداء بالأرض، وتجمع الجثث الملقاة على الشوارع وتنظف الطرقات من آثار الدماء، وتهاجم المستشفيات وتقتل الجرحى وتأخذهم في سيارات الإسعاف رفقة الموتى إلى جهات مجهولة خوفا من وصول لجان تحقيق دولية على حين غرة...

بعدما وصلت الإحصائيات حول عدد الشهداء وعددها بالآلاف إلى مسامع الأهالي، تعجبوا:
- هل قتلنا معمر جميعا؟
- لكل شيء ثمن. ومهما بلغ عدد الشهداء فثمن الحرية التي نشتريها أرخص من ثمن الذل الذي عشناه تحت حذاء هذا العسكري المجنون، نيرون العصر!

في بيته، جمع القائد ركائز سلطته ليتباحثوا أزمة الوضع في البلاد وأعطى في البداية الكلمة لابنه البكر سيف الإسلام، مستشاره في الوساطة مع الداخل؛ ثم لابنه عز العرب، مستشاره في الوساطة مع الشرق؛ ومن بعده لابنه حنبعل، مستشاره في الوساطة مع الشمال؛ فابنه الساعدي، مستشاره في الوساطة مع الشرق؛ ثم لابنته عائشة، مستشارته في الوساطة مع الغرب؛ ومن بعدها لابنه المعتصم، مستشاره في الوساطة مع الخصوم؛ ثم لابنه خميس، مستشاره في الوساطة مع الأعداء...

وحين انتهى الاجتماع الأول في البيت، خرج على متن "التّكْتُك" إلى قاعة المؤتمرات حيث رن بيده جرس الاجتماع الثاني الخاص بمناقشة خطورة الوضع في البلاد، فتقاطر عليه ركائز حكمه كان أولهم عبد المُذل عشاق الدم ثم عبد الضَّار سيال الدم ومن ورائه عبد المنتقم شراب الدم ومن بعده عبد القهار مصاص الدم ثم عبد المميت قذاف الدم...

كانت جلسة خفيفة تناولوا خلالها وجبة خفيفة عاد عقبها العقيد إلى قصره ليخبر ابنه البكر بالقرار الأخير:
"إن أرصدتنا في بنوك العالم قد جمدت، و ممتلكاتنا صودرت، والبوليس الدولي يطلبنا لتقديمنا للمحكمة الجنائية... فليس لنا، والله، غير البقاء في هذا البلاد. اِلْقِ خطابا، يا سيف الإسلام، وقل للجماهير: سنحكمكم، نحن، وتستمر الحياة وإلا سندخل جميعا دوامة حرب أهلية طاحنة يكون الحكم بعدها لمن نجا من القتل والتقتيل!..."



اضغط هنا لتحميل الرواية كاملة: http://raihani.free.fr/ebooks/the_enemy_of_the_sun.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو