الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزحف الكبير: هل فشل الفقيه وهل نجحت الحكومة السعودية؟

فايز شاهين

2004 / 12 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


الدكتور سعد الفقيه يتبع التيار السلفي، والحكومة كذلك، ومن مبادئ هذا التيار أن البيعة للحاكم لها طريقتان، الأولى أن يأتي عن طريق الشورى من قبل "أهل الحل والعقد" كما يقال، أو عن طريق الغَلَبة، أي بانقلاب عسكري أو ما شابه. المهم أن ينجح في الحصول على الحكم، وبالتالي يقوم "المشايخ والعلماء وأهل الحل والعقد" بمبايعة الحاكم الجديد. الانتخابات وصناديق الاقتراع وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة وحرية التعبير والتجمع، كل ذلك ليس له مكان عند الحاكم الجديد.
إنَّ فشل الفقيه في دعوته للمظاهرة التي سمّاها "بالزحف الكبير" يوم الخميس الفائت (16 ديسمبر 2004 م) هو فشل الحكومة السعودية بشكل أكبر. الخوف والهلع الأمني دعا الحكومة لإنزال الجيش في كل شوارع الرياض تحسّباً لهذه المظاهرة ومنعها، ونجحت الحكومة في ذلك، لكنها لم تنجح في الحصول على حب المواطنين، ولم تنجح في القضاء على البطالة ولا الفقر ولا الفساد. الحكومة السعودية نجحت في إغلاق الشوارع لمنع التظاهر السلمي المطالب بالحقوق، فهل فشل الفقيه فعلاً؟
قبل موعد المظاهرة بعدة أيام خرجت الفتاوى التي تحرّم التظاهر وأن ذلك لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله؛ ولا أدري هل كان آل سعود في عهد الرسول أيضا؟ وهل كان هناك عائلة ملكية تورّث الحكم وتتحكم في مصائر الناس وتلعب بأموال المسلمين؟ هؤلاء المشايخ هم أنفسهم سيكونون أول من "يبايع" الحاكم الجديد الذي وصل إلى الحكم "بالغَلَبة"، ولكن في حالة فشله يتم اتهامه بشق عصا الطاعة لولي الأمر والخروج على إجماع المسلمين، إلى ما ذالك من حجج. أيضاً هؤلاء هم نفس المشايخ الذين يفتون بالقتل والإرهاب في العراق ويفتون ضد التظاهر السلمي في السعودية مما يبين أنهم دعاة للقتل طالما أن ذلك خارج الحدود. وهذا يؤكد تواطؤ هؤلاء المشايخ مع الحكومة ضد الشعب وضد كل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
الصحافة المحلية التي صمتت صمت الموتى في القبور، ولم تتحدث عن أبطال الإصلاح المدني، الأستاذ عبدالله الحامد، والأستاذ متروك الفالح والأستاذ علي الدميني، ولم تذكر المحاكمة الهزلية السرّية والتهم الباطلة التي زيّفتها الحكومة، تراها نفشت ريشها وكتبت النكات والطرائف حول فشل مظاهرة الخميس. صحافتنا لم تتحدث عن المحاكمة الأخيرة لأبطال الإصلاح الثلاثة ولا الأحكام الجائرة التي لا تستند إلى قانون لا ديني ولا دنيوي. فقط رأت أن فشل مظاهرة الخميس يعطيها فرصة من "الحاكم" للتحدث وكأن "الشفافية والحرية" نزلت من السماء على البلاد، فخرج صوتها القبيح بكل أنواع الكلمات البذيئة تجاه من حاول التظاهر مع أن هؤلاء هم من المواطنين، منّا وفينا. صحافتنا هي حقيقةً سيف للجلاّد، فكم صحفي وأستاذ وناشط تم منعه من الكتابة بل وطرده من منصبه؟ كم من مخلص تم التحقيق معه لكتابته مقالة؟ هل أصبحت صحافتنا تمثل الوطن أو المواطنين؟ هل تعكس همومهم وطموحهم؟ أم أصبحت بوقاً للتطبيل والتزمير على نغمات الحكومة؟ يبدو أنها لا تختلف عن التيار الديني الذي يمجّد الغالب ويتشفّى في المغلوب.
لأن اختلفنا مع الفقيه فلأننا نختلف بشكل كبير حول الحريات والانتخابات وحقوق الإنسان والحريات الدينية وغيرها، لكن لن نختلف معه في أنه وبقية المتظاهرين هم من المواطنين ومن حقهم المشروع التظاهر السلمي. إن ظهور أمثال الفقيه سببه الرئيس هو الاستفراد بالسلطة والرأي الواحد، وإلاّ في وجود الجو الديمقراطي وحرية التعبير لا تجد أصوات النشاز من يعيرها هذا الاهتمام. البعض يرى أن الفقيه طالب سلطة ولو وصل إليها لكان أسوء من آل سعود بمرّات، ولهذا فهم ضدّه. إذا ما استطاع الفقيه وهو مواطن هرب للخارج بسبب الإرهاب الحكومي، إذا ما استطاع وهو في لندن حشد عدد كبير من المواطنين لحركته فهذا يعني قدرته الكبيرة في لمس نبض الشارع في الوقت الذي يتباكى الليبراليون على "خيبتهم" وهم في الداخل لا يستطيعون حشد عشرة أنفار. لهذا يروا أنّه لا بد لهم من الطعن في الفقيه والتندر على "الزحف الكبير" وإن خالفوا بذلك جميع المبادئ السامية لحقوق الإنسان والمواطنة، ومنها الحق في التظاهر السلمي.
الزحف الكبير كان من المفترض أن نؤيده جميعاً لأننا نؤيد التظاهر السلمي ونؤيد المطالب الشعبية للمواطنين ونؤيد حق التجمع ولكن نختلف مع الفقيه. اختلافنا معه لا يعني الوقوف ضد كل ما هو صحيح، فقط لاختلافنا مع الدافع لتلك المظاهرة، لأن ذلك يعني أن نرضى بتعذيب "المتطرفين" من المواطنين في السجون في ظل غياب أي نوع من التمثيل القانوني لهم. نختلف مع المتطرفين والإرهابيين ونطالب بمحاسبتهم، لا نطالب بتغييبهم في السجون وتعذيبهم وسجنهم دون محاكمة عادلة. نطالب بمحاسبة الداعين للعنف والتطرف تحت قانون عادل يعطي كل ذي حقٍ حقه، كما نُطالب بمحاكمة المسؤولين في الحكومة على انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. نرفض دعم التطرف ونرفض الأفكار الطائفية والداعية للتمييز ضد الأقليات، لذلك لا نرضى أن نكون سيفاً مع الجلاد ضد من نختلف معه ولن نرضى أن نمارس سياسة الإقصاء ضد الآخرين.
نحن الشيعة عانينا في الماضي ولازلنا نعاني التضييق والتمييز على يد الحكومة، لكن الأسوأ من ذلك أن نقف مع الحكومة ليس ضد أفكار الفقيه بل ضد المظاهرة السلمية لمجموعة من المواطنين بدل أن نكون عوناً لهم في الحصول على حقوقهم؛ ونحن أول من دفع الثمن دماً في انتفاضة المحرم عام 1400 هجرية وهي بحق أكبر مظاهرة، بل مظاهرات حدثت في السعودية إلى الآن حيث انتفض الشيعة في كل منطقة القطيف في مظاهراتهم السلمية مطالبين بحقوقهم. المستهجن هو أن يتحدث بعضنا بحديث "المصلحة" الغريبة التي تقول بأن آل سعود أفضل من الفقيه، وكأننا خُيّرنا بين جهنمين. نحن لم يكن لنا خيار في وجود آل سعود، ولو أن آل سعود محقّين في ما يقولون من أن الشعب معهم لما تردّدوا في أن تكون صناديق الاقتراع هي الفيصل. الحكومة التي استنفرت كل طاقاتها وأنزلت الجيش إلى الشوارع تحسّباً لمنع أو قمع المظاهرة السلمية يعني أن الحكومة تُخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان. كان من الممكن أن نحكم على فشل "الزحف الكبير" وبشكل شفاف لو أن المواطنين أُتيحت لهم الفرصة للتظاهر، لنرى فعلاً "النكتة" أو "الطرفة" في وجود عدد قليل من المتظاهرين، لا أن تقمع الحكومة كل مواطن يتحرك وبعدها تفتخر بأنه لم يتظاهر أحد.
إذا كان مقياس النجاح هو منع حدوث المظاهرة السلمية أو قمع المتظاهرين، فبدون شك نجحت الحكومة نجاحاً باهراً في ذلك. وهل ستستمر الحكومة في قمع أي محاولة للتظاهر في أي مدينة أو قرية في البلاد؟ ومتى ستتحقق مطالب المواطنين التي استغلّها الفقيه وغيره للعزف على وتر الحاجات الملحّة للناس؟ وماذا ستفعل الحكومة إذا ما حاول الفقيه دعوة المواطنين مرة تلو الأخرى للتظاهر مطالبين بحقوقهم المنتهكة؟ وهل الطريقة المثلى والبديل للإصلاح هو القمع على اعتبار أن ذلك هو النجاح؟ وإلى متى يستمر ذلك في ظل غياب أي توجه حكومي للإصلاح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أضواء قطبية -مذهلة- تنير السماء بفعل عاصفة شمسية -تاريخية-


.. النيابة العامة في تونس تمدد الاحتفاظ ببرهان بسيس ومراد الزغي




.. الجيش الإسرائيلي يعلن تكبده خسائر بشرية على الجبهة الشمالية


.. الحرب تشتعل من جديد في جباليا.. ونزوح جديد للغزيين




.. بعد الزلزال.. غضب في تركيا و-مفاجآت سارة- في المغرب