الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما كان الحوت ذئب يونس ..يا أيها السفير

علي شايع

2004 / 12 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


البارحة قُدر لي أن أرى لأول مرة في حياتي هيكلا عظمياً لحوت هائل..
وبعدها بدقائق معدودات رزقت رؤية أول سفير عراقي في هولندا قادم من العراق الجديد!.
كيف اجتمع لي هذا الأمر وتلك الأمنية؟ لا ادري. كنت دعيت مصادفة لحضور حفل مَقدم السفير الجديد.دخلت القاعة منشغلا بهيكل الحوت وبعض حيتان أخرى كانت تسير بين الجمهور.. أكثر الوجوه التي شاهدتها،غريبا، بينها،وجدت نفسي.
اقتربت حيث أضخم عظم أشاهده في حياتي..قلت: اهو قدر ام مصادفة أيضا،ان يكون هذا الحدث اليوم؛ الخامس عشر من كانون الأول. فاللوحة أسفل الهيكل العظمي كانت تشير الى ذات التأريخ حيث اكتشف خفر سواحل مدينة لاهاي موت حوت يزن 1400 طن وبطول 15 مترا..هذا هيكله العظمي إذن وتلك ذكراه.
كان الحفل في المتحف وامتدت أعظم الكائن المهيب لتأخذ جانبا كبيرا من القاعة،حيث رصفت طاولات كثيرة لم تكف المحتشدين،مرّ السفير على بعض طاولات تزاحم عليها الحضور. وأخذني موج الواقفين مثلي دونما كرسي لأجدني في جمهرة شعراء وكتاب ورسام وحيد ارتكنوا قرب ذكرى الحوت.
سألتهم فيم وقوفكم؟. وقبل أن يجيب احد منهم، تهت عميقاً في نفسي الى بيت الشاعر:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد
ربما عيون بعيدة لأمرأة أحبها قالت تلك المواساة أيضا..
قلت كيف خيّر لكم جميعا الوقوف في زمن الكراسي والحيتان؟..
التفتُ الى بياض هيكله وما بناه أهل الخبرة، لاحت بعض كسوره مجبسة ببياض أكثر إعلانا وغير مكتوم..وقبل ان يجيب احد منهم عن سؤالي تذكرت المتنبي..
لا تكتُمن داءك الطبيب ولا الصديق سرَّك المحجوبا
لم يجبني من احد، فالفوضى كانت تجيب عن سرّ جلوس البعض وبقاء الأخر واقفا في نسيانه..
القادم أولا،هو من ينال المكان، شعار ديكتاتوري لا حكمة في البوح به الساعة..
ضحكت من قلبي وأسررتها في نفسي وأنا اقرأ على لوحة التعريف ان سنة وصول الهيكل الذي أكاد ألامسه كانت ذاتها سنة الديكتاتور.."على ساحل مدينة لاهاي من عام 1979 وجد هذا الحوت ميتا"..
هل انتحر الحوت؟.. ليقام له نصبا؛هذا المبنى الهائل، قرب مبنى محكمة العدل الدولية..
لتهنأ قرب دار المظالم أيها الحوت..
القاعة تضج،وانا لا اسمع إلا موبي ديك،حوت هنري ميلفل..آه من الروح لك ياهنري ميلفل ..قيل ان روايتك باعها ضمن ما باعه أخ جائع أيام الحصار.. كانت صفراء كأن مسها قمح حقول الدغارة يوم كنت أجوب بها،مسترشدا صوب سنواتك العشر وأنت تكتبها..
فاجأني انتحار الحوت هنا أيها الكاتب الفذ..
وفاجأني السفير..
عشتَ فقيرا معدم المأوى وخلدتك المكتبات الفارهة..حالك هذا حال حوت ألقى حياته على الساحل لتبقى عظامه في المتحف الأنيق.. تدور عليه النادلات بصحون وأباريق لمتعة الرائي..
أيها الحوت..سخرية تلك اشد منها أن الساخر الكبير برناردشو اكتشف ذلك الكتاب المهمل بعد عشرين عاما من موت ميلفل ليطبعه على نفقته الخاصة..
أيها الحوت.. هل أسمعك كل ما كتبه ميلفل في رسالة انتحاره: "موبي ديك..أنت لم تقتل الكابتن آيهام وحده،ها أنت تقتلني أيضا"..
كلاكما انتحر أذن..
ايها الحوت ..ها عظامك قرب الزجاج وهاهو الدميري يعيد عليّ بداية خلقك،وخلقي.. كنتَ وحيدا وها انا وحيد بين حيتان أخرى لا تشبهك.. اسمعه يقول في كتابه "حياة الحيوان" : روينا بالسند الصحيح عن سعيد بن جبير أنه قال: لما أَهبطَ الله آدمَ إلى الأرض ما كان غير النسر في البر والحوت في البحر، وكان النسر يأوي إلى الحوت فيبيت عنده، فلما رأى النسر آدمَ عليه السلام أتى الحوت وقال: يا حوت لقد أُهبطَ اليوم إلى الأرض من يمشي على رجليه ويبطش بيديه، فقال الحوت: لئن كنت صادقاً فما لي منه منجى في البحر، ومالك مخلص منه في البر.
وهذا أنا آتيك بخبر مقدم السفير..
سنرفع بين يديه مظالمنا جميعا..
لم طاردك ذلك البحّار طويلا ؟..هل ظنّك ذئب يونس؟.
ماذا يظنّك السفير الآن؟.
كدت أقول..
ولكن من لي أسأله فيجيبني:
بمن نحتفل الآن.. بحضور سفيرنا العراقي ام بمرور25 سنة على عام الحوت؟..
قلت أهي مصادفة ما ألقى وما أجد؟..ام ستلجئني الوقائع نحو جدوى تصديق العرّافين في بعض ما قالوه عن دخول العقرب في برج الحوت.
وحيدا كيونس في عراء الأعين ووحشة الناظرين" فنبذناه في العراء وهو سقيم"..لم يكن ثمة يقطين فأحتمي به لأن خرجتُ عارياً من الحشد الرسمي..المدينة كلّها خلف ندمي،قلت فلأحرق السفن الآن..العن الحفل ومن فيه..
لكني خفت أيها الحوت المنتحر..
ثمة حيتان غيرك أخشاها..
أوجعتُ أن أراكَ وحيدا وانتصر لصمتي..
أوجعتُ أن أرى النادلات في طوافهن،بالصحون على الموائد..والهدر القادم في قوائم المحاسب بعد حين.. أوجعتُ ان نحتفل ونفرح ولما يكتمل فرح أهلنا هناك..
أوجعت أن لي أشقاء بعدد أخوة يوسف ،لم يعد في دارهم من مكتبة ليبيعها عاطل منهم عن العمل..وليس من يوسف يباع او تلتقطه السيارة..
أيها الحوت.. سيقول شيخ حضر المأدبة تلك، عن حديث صحيح :إن أول طعام أهل الجنة زباد كبد الحوت..فأقول أول طعام عراقي لسلطة حضرنا مجلسها كان رؤية عظامك..
فلأخرج إذن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية